دراسات سوسيولوجيةدراسات سياسية

ملف شامل عن المواطنة ( المفهوم، الأسس،الأهداف…)

تعد المواطنة من القضايا القديمة المتجددة التي ما تلبث أن تفرض نفسها عند معالجة أي بعد من أبعاد التنمية بالمفهوم الإنساني الشامل بصفة خاصة ومشاريع الإصلاح والتطوير بصفة عامة.
ويفسر ذلك ما تناله المواطنة من اهتمام على المسارات التالية :
تشريعياً: حيث تتضمن دساتير جميع دول العالم تقنيناً لحقوق المواطن وواجبا ته.
تربوياً : حيث نظم التنشئة التي تسعى إلى تكريس وعي المواطنة قيماً وممارسات لدى النشء من أجل تحقق الاندماج الوطني.
سياسياً : في صورة بنى وآليات مؤسساتية تستوعب مشاركة أفراد المجتمع في بنية الدولة الوطنية الديمقراطية .
في هذا السياق احتلت هذه القضية مساحة كبيرة في الدراسات السياسية والاجتماعية والتربوية ، وتعددت أبعاد المواطنة في علاقاتها الممتدة عبر قضايا تتمحور في علاقة الفرد بالمجتمع والدولة من خلال أطر قانونية منظمة للحقوق والواجبات ، ومبينة مواصفات المواطن وأبعاد المواطنة حسب المنابع الفكرية للدولة ومرجعية نظرياتها السياسية .
وأنتجت أطروحات الفكر في مختلف دول العالم، العديد من الرؤى الفكرية حول مفهوم المواطنة ومبادئها ، حقوقها وواجباتها ، تنوعت بتنوع مبادئ الفكر ونظرياته السياسة.
وفي العالم العربي اختلفت أطياف الفكر كذلك ليس فقط حسب الاختلاف المنهجي القطري بل أيضاً في داخل القطر الواحد باختلاف الأيديولوجيات التي تعاقبت بتعاقب مراحل الحكم وإدارة الدولة في الحقب الزمنية المختلفة، مما أوجد أنماطاً متعددة من الوعي لدى الشعوب العربية تداخلت أحياناً وتصادمت أحيانا ً أخرى ، وأثرت على دوائر الانتماء مما أدى إلى العديد من الانعكاسات السلبية على مبدأ المواطنة ذاته، فضلاً عن ممارساتها من قبل الأفراد ومع تغير طبيعة العالم المعاصر من حيث موازين القوى ، وسيطرة القطب الواحد، وظهور التكتلات السياسية والاقتصادية ، وتنامي البنى الاجتماعية الحاضنة للفكر الليبرالي وعبوره للحدود الجغرافية والسياسية على الجسور التي مدتها تكنولوجيا الاتصال ، والتركيز على خيارات الفرد المطلقة كمرجع للخيارات الحياتية والسياسية اليومية في دوائر العمل والمجتمع المدني والمجال العام ، مع هذه التغيرات العامة، بالإضافة إلى التغيرات الخاصة التي تحيط بالعرب والمسلمين شهد مفهوم المواطنة تبدلاً واضحاً في مضمونه واستخداماته ودلالاته والوعي الفردي بمبادئه وما يرتبط به من قيم وسلوكيات تمثل معول هدم أو بناء لواجهة المجتمع وهيكل الدولة .
وعلى رغم ما تنفرد به المواطنة وما يتداخل معها من مفاهيم الانتماء، من خصوصية في المرجعية وآليات التشكيل والبناء والممارسة، إلا أنها وعلى مدى السنوات القليلة الماضية شهدت تحدياً جديداًَ يتمثل في عملية الانفتاح الثقافي الذي تعددت آلياته ووسائله، لتخاطب الشباب عن بعد وتقدم العديد من التفسيرات والتأويلات المنحرفة أو الملتوية للأحداث
الإقليمية والدولية ، وتسلط الضوء على قضايا مجتمعية تمس جوهر هذا المفهوم لدى الفرد ، وتعرض إطاراً مفاهيمياً مغلفاً بشعارات تأخذ بالمشاعر وتؤثر على مسارب تفكير العقول ،خاصة لدى فئة الشباب ومن هم في سن القابلية للاحتواء أو الاختطاف الفكري والثقافي بحكم خصائص المرحلة العٌمرية التي يعيشونها، ويثير ذلك جدلاً في الأوساط السياسية والدينية والتربوية حول مدى تأثر مفهوم المواطنة لدى الشباب بهذه الأفكار التي يحملها الأثير عبر الحدود ، ودور مؤسسات المجتمع في الحفاظ على البنية السليمة لوعي المواطن وممارسته للمواطنة .
لقد شهدت العقود الأخيرة من القرن الماضي أحداثاً متلاحقة وتطورات سريعة جعلت عملية التغيير أمراً حتمياً في معظم دول العالم، وقد انتاب القلق بعض المجتمعات من هذا التغير السريع، ومنها الدول العربية والإسلامية التي تخشى أن تؤدي هذه التحولات الاجتماعية المتسرعة والمرتبطة بالتطور العلمي السريع إلى التأثير على قيمها ومبادئها وعاداتها وتقاليدها بفعل الهالة الإعلامية الغربية.
والمملكة المغربية إحدى هذه المجتمعات التي مرت بتغيرات سريعة شملت معظم جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مما أثر على تماسك المجتمع واستقراره، وأدت إلى ظهور اتجاهات وقيم وأنماط تفكير لا تتفق وطبيعة المجتمع المغربي. ولذلك تستعين الدولة، كغيرها من الدول، بالنظام التربوي باعتباره من أهم النظم الاجتماعية، حيث يقوم على إعداد الفرد وتهيئته لمواجهة المستقبل، وكذلك المحافظة على القيم والمبادئ الأساسية للمجتمع، والتجاوب مع الطموحات والتطلعات الوطنية.
والمفهوم الحديث للمواطنة يعتمد على الإنفاق الجماعي القائم على أساس التفاهم من أجل تحقيق ضمان الحقوق الفردية والجماعية ، كما أن المواطنة في الأساس شعور وجداني بالارتباط بالأرض وبأفراد المجتمع الآخرين الساكنين على الأرض وهي لا تتناقض مع الإسلام لأن المواطنة عبارة عن رابطة بين أفراد يعيشون في زمان ومكان معين أي جغرافية محددة، والعلاقة الدينية تعزز المواطنة.
لذا نجد أن سياسة التعليم في المملكة المغربية تنص على إعداد المواطن الصالح وفقاً لقيم هذا المجتمع التي تنبع من تعاليم الدين الإسلامي وقيمه الحميدة. بالإضافة إلى إعداد مواطن مؤمن برسالة الإسلام ، وقادراً على إتقان العمل وتنمية المعرفة الإنسانية. ونظراً لأهمية المواطنة قررت (وزارة التربية والتعليم) تدريس مادة مستقلة للتربية الوطنية في التعليم العام تشمل المراحل الثلاث، وبرر ذلك بوجود ثلاثة أسباب تدعو إلى تدريسها:
1 – ضرورة وطنية لتنمية الإحساس بالانتماء وبالهوية.
2 – ضرورة اجتماعية لتنمية المعارف والقدرات والقيم والاتجاهات، والمشاركة في خدمة المجتمع، ومعرفة الحقوق والواجبات.
3 – ضرورة دولية لإعداد المواطن وفقاً للظروف والمتغيرات الدولية.
ونهدف في هذا البحث إلى مايلى :
1- التأصيل النظري لمفهوم المواطنة والانتماء وإلقاء الضوء على المصطلحات المرتبطة بالمواطنة، كالوطن والوطنية والتربية الوطنية والمواطنة.
2- تحديد أهم المتغيرات العالمية المعاصرة التي انعكست على مفهوم المواطنة.
3- استخلاص أهم أبعاد المواطنة بمفهومها العصري من خلال أدبيات الفكر السياسي والاجتماعي.
4- الوقوف على الاتجاهات المعاصرة في تربية المواطنة، من خلال بعض التجارب العالمية، في تربية المواطنة.
5- توظيف التقنية والنماذج المقترحة لاستخدامها في الارتقاء بالمواطنة
6- المواطنة في المغرب و التعرف على طبيعة وعي الشباب المغربي بأبعاد المواطنة (الهوية – الانتماء – التعددية – الحرية والمشاركة السياسية).
7- وثيقة حقوق المواطنة المغربية و الوقوف على الفروق بين وعي الشباب بأبعاد المواطنة باختلاف متغير الجنس – نوع التعليم – محل الإقامة – المستوى الاقتصادي للأسرة – مستوى تعليم الأب.
8- تقديم رؤية مقترحة حول آفاق تفعيل مبدأ المواطنة ودور مؤسسات المجتمع ذات العلاقة في ذلك و التوصل إلى تصور مقترح لتربية المواطنة ملائم للبيئة المغربية.
9- مواثيق واتفاقيات تشمل المعاهدات والصكوك الدولية لحقوق الإنسان.


أهم المفاهيم المرتبطة بالمواطنة وعلاقتها بالانتماء

ورد في لسان العرب بأن مفهوم الوطن لغة يشير إلى المنزل يقيم فيه الإنسان، فهو وطنه ومحله.
أما اصطلاحاً فتعرفه آمنة حجازي بأنه بشكل عام قطعة الأرض التي تعمرها الأمة، وبشكل خاص هو المسكن فالروح وطن لأنها مسكن الإدراكات، والبدن وطن لكونه مسكن الروح، والثياب وطن لكونها مسكن البدن، فالمنزل والمدينة والدولة والعالم كلها أوطان لكونها مساكن. وينظر الحقيل للوطن بأنه “البلد التي يقيم فيها الإنسان ويتخذها مستقراً له. ولذلك فهو شبيه بالمنزل، فالمنزل هو المكان الصغير الذي يسكن فيه فرد مع أسرته، والوطن هو المنزل الكبير الذي يضم عدداً كبيراً من الأفراد والأسر .

المواطنة في اللغة
بما أنه لا تتكشف دلالة المصطلح إلا بواسطة شرطين:
أو لهما: مفهومه الذي اكتسبه في حقل معرفة ما عبر ظروف تاريخية معروفة.
وثانيهما: اندراجه في علاقات تفاعل مع مصطلحات مماثلة تبين مدى اختلافه عنها. وحيث أن المفهوم لا يكون رمزاً ذا دلالة كاملة إلا حين يكون مدلوله محدداً معلوماً ذا مكان وزمان محددين فإن مفهوم المواطنة – في ظل ما تسعى إليه الدراسة الحالية – بحاجة إلى تحديد دلالاته واستكشاف مضامينه واستجلاء قيمه في سياق فكر خاص يبين النسق النظري والعملي للمواطنة في الوعي العربي ويتشكل وفق معطيات معينة ( فكراً وتشريعاً وممارسة ) ويقتضي ذلك معالجة مفهوم المواطنة على النحو التالي :
المواطنة والمواطن مأخوذة في العربية من الوطن : المنزل تقيم به وهو ” موطن الإنسان ومحله” ، وطن يطن وطناً : أقام به ، وطن البلد : اتخذه وطناً ، توطن البلد : أتخذه وطناً ، وجمع الوطن أوطان : منزل إقامة الإنسان ولد فيه أم لم يولد ، وتوطنت نفسه على الأمر : حملت عليه ، والمواطن جمع موطن : هو الوطن أو المشهد من مشاهد الحرب، قال الله تعالى: ” لقد نصركم الله في مواطن كثيرة …” ،والمواطن : الذي نشأ في وطن ما أو أقام فيه . وأوطن الأرض : وطنها واستوطنها ، و اتطنها أي أتخذها وطنا ً ومواطنة : مصدر الفعل واطن بمعنى شارك في المكان إقامة ومولداً لأن الفعل على وزن (فاعل ).
أما في الاصطلاح فالوطنية تأتي بمعنى حب الوطن Patriotism في إشارة واضحة إلى مشاعر الحب والارتباط بالوطن وما ينبثق عنها من استجابات عاطفية ، أما المواطنة Citizenship فهي صفة المواطن والتي تحدد حقوقه وواجبا ته الوطنية ويعرف الفرد حقوقه ويؤدي واجبا ته عن طريق التربية الوطنية ، وتتميز المواطنة بنوع خاص من ولاء المواطن لوطنه وخدمته في أوقات السلم والحرب والتعاون مع المواطنين الآخرين عن طريق العمل المؤسساتي والفردي الرسمي والتطوعي في تحقيق الأهداف التي يصبو لها الجميع وتوحد من أجلها الجهود وترسم الخطط وتوضع الموازنات .

وتشير دائرة المعارف البريطانية إلى أن المواطنة ” علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة متضمنة مرتبة من الحرية وما يصاحبها من مسؤوليات وتسبغ عليه حقوقاً سياسية مثل حقوق الانتخاب وتولي المناصب العامة . وميزت الدائرة بين المواطنة والجنسية التي غالباً ما تستخدم في إطار الترادف إذ أن الجنسية تضمن بالإضافة إلى المواطنة حقوقاً أخرى مثل الحماية في الخارج. في حين لم تميز الموسوعة الدولية وموسوعة كولير الأمريكية بين الجنسية والمواطنة فالمواطنة في (الموسوعة الدولية) هي عضوية كاملة في دولة أو بعض وحدات الحكم، وتؤكد الموسوعة أن المواطنين لديهم بعض الحقوق مثل حق التصويت وحق تولي المناصب العامة وكذلك عليهم بعض الواجبات مثل واجب دفع الضرائب والدفاع عن بلدهم. وفي موسوعة (كولير) الأمريكية المواطنة هي ” أكثر أشكال العضوية اكتمالا في جماعة سياسية ما “.
مفهوم المواطنـة
تعرف الموسوعة العربية العالمية المواطنة بأنها “اصطلاح يشير إلى الانتماء إلى أمة أو وطن”. وفي قاموس علم الاجتماع تم تعريفها على أنها مكانة أو علاقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع سياسي (دولة)، ومن خلال هذه العلاقة يقدم الطرف الأول الولاء، ويتولى الطرف الثاني الحماية، وتتحدد هذه العلاقة بين الفرد والدولة عن طريق القانون”. وينظر إليها فتحي هلال وآخرون من منظور نفسي بأنها الشعور بالانتماء والولاء للوطن وللقيادة السياسية التي هي مصدر الإشباع للحاجات الأساسية وحماية ألذات من الأخطار المصيرية”.
لا ريب أن مفهوم ومبدأ المواطنة من نتاج التحولات المجتمعية السياسية المقترن بولادة الدولة الحديثة، وهو وان وكان قديماً ومعهوداً لدى العديد من الحضارات الإنسانية كما عند اليونان والرومان إلا أن صيغته المعاصرة قد خرجت عن نطاقها التقليدي إلى حق ثابت في الحياة السياسية والاجتماعية بين الدول ورعاياها، وبذلك يكون مفهومه وفروضه على النقيض حتى من الدول الملكية والأرستقراطية، فالمواطنة حصيلة ترسيخ مفهوم الدولة الحديثة وما تقوم عليه من سيادة لحكم القانون والمشاركة السياسية الكاملة في ظل دولة المؤسسات.
وبالرجوع إلى أهم المراجع التي تناولت المواطنة وبالتعريف كما في دائرة المعارف البريطانية وموسوعة الكتاب الدولي وموسوعة كولير الأمريكية يمكننا إجمال تعريف المواطنة بأنها: عضوية كاملة تنشأ من علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات كدفع الضرائب والدفاع عن البلد وبما تمنحه من حقوق كحق التصويت وحق تولي المناصب العامة في الدولة.
وعليه تكون المواطنة من اشد أنماط عضوية الفرد اكتمالاً في الدولة الحديثة، فهي هنا ليست صورة باهتة لانتساب صوري بين أفراد المجتمع بدولتهم المعينة بقدر ما هي كينونة لجنس العلاقة الرابطة بين الفرد ومن ثم المجتمع بدولتهم التي يستظلونها وينتمون إليها وهي على ذلك من مستلزمات الانتماء للمجموعة السياسية أو للدولة كوحدة سياسية متكاملة والتي تتألف من وطن (كإقليم جغرافي) وأمة (أو شعب) ونظام وسلطة. ومثل هذا الانتماء يفرض حقوقاً ويستلزم واجبات كمنظومة متكاملة لا تعرف الفصل والتفكيك في أنظمتها واستحقاقاتها، انطلاقاً من هذه العضوية المسماة بالمواطنة في ظل الدولة المعاصرة والتي تكتسب بشكل عام في ظل الأنظمة القانونية الحديثة، على أساس الولادة في الدولة والانحدار من أبوين مواطنين والتجنس .
ويرى الكاتب عبد الكريم غلاب إلى أن المواطن يأخذ جذره من الوطن في أوسع معانيه الذي يمنحه الإقامة، الحماية التعليم، الاستشفاء، الحرية، حق الحكم والتوجيــه واستعمـــال الفكــر واليد واللسان.
ويرى بعض الباحثين أن المواطنة تعني من بين ما تعنيه الاعتراف الشرعي والدستوري بحق الفرد في المشاركة وإدارة البلاد وفي تقرير شؤونه ولعل ركائز المواطنة كافة تستند في عمقها إلى منظومة الحقوق والواجبات كأسس تنبثق عنه قيم المساواة ومنح الحريات وتطبيق العدالة.
ومنظومة الحقوق والواجبات وان كانت أساسا جوهرياً في التشكيل الحديث للدولة إلا أنها منظومة قيمة إنسانية في حقيقتها قبل أي شيء أخر وما الدولة سوى ظاهرة إنسانية تسند إلى القواعد القيمية لكسب مشروعيتها وسلطتها الواقعية.
والمواطنة تتعدى العلاقات والروابط الاجتماعية الأخرى كالعشائرية والمذهبية والقومية والعرقية والاثنية والدينية.
غير أن الفرد من حيث هو عضو في طائفة فهو موجود إذن في كيان يحيط به من جميع الجهات وهذه الاحاطة الشاملة المفروضة عليه بصفة كيا نية غير قابلة للنقاش.
والمواطن هو ذلك الفرد الذي خرج من الدائرة البيولوجية ودخل الدائرة الاجتماعية بمحض إرادته وبوعيه الذاتي عليه الالتزام بمنظومة الحقوق والواجبات والوعي السياسي بهويته كمواطن والدور المنبثق عن المواطنة بوصفها العلاقة القانونية والشعورية بين الفرد والدولة والانخراط في عمل طوعي في إطار المجتمع المدني .
والمواطنة عضوية كاملة تنشأ من علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات كدفع الضرائب والدفاع عن البلد بما تمنحه من حقوق كحق التصويت وحق تولي المناصب العامة في الدولة.
وتصبح المواطنة اقرب إلى المفهوم الاجتماعي لحقوق المواطن وإنسانية تطابقاً يقترب معه من مدينة الفارابي حيث ينتشر الكمال وتشيع الطمأنينة وهناك مصطلحان هما الفرد والمواطن، أما الفرد فهو ذلك الكائن البيولوجي الذي يعيش في دائرة مغلقة قوامها الهم الحياتي الشخصي والعائلي الصغير أما المواطن فهو ذلك الفرد الذي خرج من الدائرة البيولوجية ودخل الدائرة الاجتماعية بمحض اراداته وبوعيه الذاتي .
وملخص القول في ذلك وفقاً لهذه التعاريف التي أوردناها هي
التعبير القانوني للمواطنة في القانون الدولي هي الجنسية وهي رابطة قانونية تربط شخصاً بدولة، فهي رابطة قانونية بين الشخص والدولة تترتب عليها حقوق والتزامات متبادلة بينهما وهي رابطة سياسية لأنها أداة لتوزيع الأفراد جغرافياً بين الدول وتجعل الشخص احد أعضاء شعب الدولة.
فالشعب وهو ركن أساسي من أركان الدولة يتكون من مجموع الأفراد الذين يرتبطون في الدولة قانونياً وسياسياً برابطة الجنسية ويصبحون بموجبها وطنيين يتمتعون بالحقوق ويلتزمون بالواجبات ويختلف من جراء ذلك مركزه القانوني في الدولة عن المركز القانوني للأجانب، خاصة للتمتع بالحقوق السياسية وحق العمل وتملك العقارات وأداء الخدمة العسكرية.
أما التعريف الإسلامي للمواطنة فينطلق من خلال القواعد والأسس التي تنبني الإسلام،ؤية الإسلامية لعنصري المواطنة وهما الوطن والمواطن وبالتالي فإن الشريعة الإسلامية ترى أن المواطنة هي تعبير عن الصلة التي تربط بين المسلم كفرد وعناصر الأمة، وهي الأفراد المسلمين، والحاكم والإمام، وتُتوج هذه الصلات جميعاً الصلة التي تجمع بين المسلمين وحكامهم من جهة، وبين الأرض التي يقيمون عليها من جهة أخرى.
وبمعنى آخر فإن المواطنة هي تعبير عن طبيعة وجوهر الصلات القائمة بين دار الإسلام، وهي (وطن الإسلام) وبين من يقيمون على هذا الوطن أو هذه الدار من المسلمين وغيرهم.
ويؤكد ذلك القحطاني بقوله إنَّ مفهوم المواطنة من المنظور الإسلامي هي “مجموعة العلاقات والروابط والصلات التي تنشأ بين دار الإسلام وكل من يقطن هذه الدار سواء أكانوا مسلمين أم ذميين أم مستأمنين”.
كما أن هناك مستويات للشعور بالمواطنة أوردها رضوان أبوالفتوح في النقاط التاليـة :
1 – شعور الفرد بالروابط المشتركة بينه وبين بقية أفراد الجماعة كالدم والجوار والموطن وطريقة الحياة بما فيها من عادات وتقاليد ونظم وقيم وعقائد ومهن وقوانين وغيرها.
2 – شعور الفرد باستمرار هذه الجماعة على مر العصور، وأنه مع جيله نتيجة للماضي وأنه وجيله بذرة المستقبل.
3 – شعور الفرد بالارتباط بالوطن وبالانتماء للجماعة، أي بارتباط مستقبله بمستقبلها وانعكاس كل ما يصيبها على نفسه، وكل ما يصيبه عليها.
4 – اندماج هذا الشعور في فكر واحد واتجاه واحد حركة واحدة.
ومعنى ذلك أن مصطلح المواطنة يستوعب وجود علاقة بين الدولة أو الوطن والمواطن وأنها تقوم على الكفاءة الاجتماعية والسياسية للفرد، كما تستلزم المواطنة الفاعلة توافر صفات أساسية في المواطن تجعل منه شخصية مؤثرة في الحياة العامة، والتأثير في الحياة العامة والقدرة على المشاركة في التشريع واتخاذ القرارات .
وإذا ربطنا مفهوم المواطنة بالديمقراطية نجد أن المواطنة ركيزة الديمقراطية، فلا يوجد مجتمع ديمقراطي، لا يعتمد في بنيانه على كل مواطن.
مفهوم الوطنيـة
تعرف الموسوعة العربية العالمية الوطنية بأنها “تعبير قويم يعني حب الفرد وإخلاصه لوطنه الذي يشمل الانتماء إلى الأرض والناس والعادات والتقاليد والفخر بالتاريخ والتفاني في خدمة الوطن. ويوحي هذا المصطلح بالتوحد مع الأمة”.
كما تعرف بأنها “الشعور الجمعي الذي يربط بين أبناء الجماعة ويملأ قلوبهم بحب الوطن والجماعة، والاستعداد لبذل أقصى الجهد في سبيل بنائها، والاستعداد للموت دفاعاً عنها”.

أ/ المواطنة والوطنيـة
في تقديرنا أن الوطنية هي الإطار الفكري النظري للمواطنة. بمعنى أن الأولى عملية فكرية والأخرى ممارسة عملية.
والمواطنة “مفاعلة ” أي مشاركة. وبهذا يكتمل ويتكامل معنى التجريد بالتجسيد. وقد يكون الإنسان مواطناً بحكم جنسيته أو مكان ولادته أو غيرها من الأسباب لكن التساؤل: هل لديه ” وطنية ” تجاه المكان الذي يعيش فيه؟. هل لديه انتماء وحب وعطاء… ذلك هو المعنى الذي نحن بصدد بحثه ودراسته وتجسيده.
يشير عدد من الباحثين بأن مفهوم الوطنية/المواطنة اصطلاح حديث..، إلا أن المعنى الذي تستهدفه الوطنية قد تناولته من قبل أفكار الفلاسفة والمفكرين الاجتماعيين. ويذكر العلواني أن الاهتمام بهذا المصطلح قد نشأ مع ظهور الدولة الحديثة وحدودها الجغرافية والسياسية. ولفظ “مواطن” تعبير لم يظهر إلا بعد الثورة الفرنسية سنة(1789) م أما قبلها فالناس ملل وشعوب وقبائل لا يعتبر التراب – إلا تبعاً لشيء من ذلك- وسيلة من وسائل الارتباط (الغنوشي: 1989).
والذي يبدو لنا من وجهة نظر خاصة أن الرسول كان أول من وضع المعنى الحقيقي لمفهوم المواطنة المسئولة والمحدودة بحدود وضعها الرسول على جنبات المدينة المنورة كعلامات تقع مسؤولية من أخل بداخلها تحت دائرة حكم الإسلام ومرجعيته، ويوضح ذلك دستور المدينة(صحيفة المدينة التي تعد مرجعية دستورية لسكان المدينة النبوية).
وتعرض بنود صحيفة المدنية( 47 بنداً) مبادئ مهمة لفكرة المواطنة، حيث نصت على تكوين مفهوم الوطنية/المواطنة واحترام حقوق وواجبات كل من سكن المدينة مسلماً كان أو غير مسلم. إضافة إلى تحديد النطاق الجغرافي الذي يحاسب عليه أي إنسان اقترف جرماً داخل ما يسمى بجوف المدينة كما في البند رقم(39 – 44). كما تؤكد الصحيفة مفهوم النصرة المتبادلة بين سكان المدينة مسلمين وغيرهم كما في البند (16 – 37) ، وتعرض الصحيفة في مواضع مختلفة أن الاحتكام حين التشاجر والاختلاف هو لله ورسوله(بند23 – 42)مما يعني تأكيد السيادة الشرعية.
وتتعدد مفاهيم الوطنية وتعريفاتها فمنها ما يحمل معنى عاطفياً وانتماءً وجدانياً للمكان الذي ألفه الإنسان، ومنها ما يحمل معنى فكرياً يفضَّل فيه المكان على شريعة الرحمن ومنها ما يؤسس لمعنى قانوني يعبر عن واجبات المواطن وحقوقه تجاه وطنه.
ويعرض الزيدي (1417ه) لعدد من التعريفات منها أن الوطنية تعني “العاطفة التي أجله.ن ولاء الإنسان لبلده”. والوطنية عند آخرين تعني “تقديس الوطن وتقديمه في الحب والكره بل والقتال من أجله.. حتى تحل الرابطة الوطنية محل الرابطة الدينية ” والوطنية في معناها القانوني الحديث تعني “انتماء الإنسان إلى دولة معينة يحمل جنسيتها ويدين بالولاء لها”. وتعرِّف الموسوعة العربية العالمية” الوطنية بأنها تعبير قومي يعني حب الشخص وإخلاصه لوطنه .
ويستخلص الحسان (1995) تعريفاً للمواطنة بأنها “عبارة عن مجموع من الحقوق والواجبات يتمتع ويلتزم بها في الوقت ذاته كل طرف من أطراف هذه العلاقة”.
ويرى هويدي (1995) بأن المواطنة: “تعبير عن جوهر الصِّلات القائمة بين دار الإسلام وبين من يقيمون في هذه الدار من مسلمين وذميين مستأمنين” (الحسان،1995).
ويضمِّن عدد من الكتاب (الحقيل 1417،و الشيخ،1420) مفهوم المواطنة أصول مفاهيم الإسلام حيث تستوجب عدم الإشراك بالله!! والتحلي بالصبر والصدق ..الخ وهي على حد تعبير ابن الشيخ “ذلك الإنسان الذي يتحلى بصفات العقيدة الإسلامية!!.
وفي الموسوعة السياسية (1990) المواطنة هي “صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات التي يفرضها عليه انتماؤه إلى الوطن.
ويشير السيد ياسين ( 2002) بأن مفهوم المواطنة ” قانوني في المقام الأول” ثمدينية،أن المواطنة هي أساس الشرعية ذلك أن مجموع المواطنين هم الذين يختارون حكومتهم عن طريق الانتخاب.وبالتالي لا يمكن أن نفهم المواطنة من غير تأسيس ديمقراطي في المجتمع.. ثم يضيف بأنه في المجتمع الديمقراطي “فإن العلاقات بين الناس لم تعد علاقات دينية، ولكن أصبحت سياسية ذلك أن العيش المشترك لا يعني بالضرورة الاشتراك في ديانة واحدة، ولكن معناه الخضوع لنفس النظام السياسي”… وهنا من المهم الإشارة إلى أنه لا يعني أيضاً أن العيش المشترك يستلزم إزاحة سيادة دين الغالبة وإحلال الوطنية لتكون هي المرجعية.
ويطرح قطب (1983) منتقداً مفهومي الوطنية والقومية وأنهما من منتجات الغرب فيقول بأن “الوطنية تعني أن يشعر جميع أبناء الوطن الواحد بالولاء لذلك والتعصب له أياً كانت أصولهم التي ينتمون إليها وأجناسهم التي انحدورا منها” بمعنى أن الولاء للأرض بغض النظر عن أي اعتبار آخر. ثم يتحدث عن مفهوم القومية الذي يتعدى حدود الأرض ليكون الولاء لأبناء الجنس الواحد أو اللغة الواحدة.
ونجد التجاوز في أبعاد معنى الوطنية والقومية لتشكل مفهوم العقيدة والدين على سبيل المثال في كتاب (قضية العرب) لعلي ناصر الدين إذ يقول “العروبة نفسها دين عندنا نحن “القوميين العرب” المؤمنين من مسلمين ومسيحيين لأنها وجدت قبل اٍلإسلام وقبل المسيحية في هذه الحياة الدنيا ..مع دعوتها – أي العروبة- إلى أسمى ما في الأديان السماوية من أخلاق وفضائل وحسنات!”( المرصفي 1997) وشواهد مختلفة في كتابات عديدة تحكي هذا المعنى (انظر البنا 1987 ).
وإلى ذلك يشير محمد قطب (1983) في كتابه “مذاهب فكرية معاصرة ” بأن هذين المفهومين تم تصدير هما من الغرب لقصد إماتة نزعة الجهاد الإسلامي ضد الاستعمار ومن ثم تحو يلهما إلى حركات وطنية وبالتالي تحويل هذه الحركات إلى قوى وطنية سياسية ليسهل التعامل معها دون لغة الجهاد. ويذكر أن هذا الاتجاه المستورد إنما ولد في دار المندوب السامي البريطاني ليكون بديلاً عن الراية الإسلامية. ثم يؤكد على رفض هذين المفهومين بالقول بأن هذا المنهج الفكري “يعني بكل صراحة أن يكون المشرك الذي يشاركك في قوميتك أقرب إليك من المسلم الذي ينتمي إلى قومية أخرى”.
وتتراوح طروحات الوطنية/المواطنة في منظور الغربيين وفلسفاتهم بين رؤى تختصر العلاقة بين الفرد ودولته إلى أدنى درجة ممكنة وبين أخرى ترى أن الفرد لا يعني شيئاً أمام دولته، ففي الأولى لم توجد الدولة إلا من أجل الفرد وفي الأخرى لم يوجد الفرد إلا لخدمة دولته.
ويعتمد منظرو فلسفة المذهب الفردي أمثال “جون لوك” و”جان جاك روسو” على أساس الاعتراف بحقوق الإنسان وحرياته العامة باعتبار هما حقوقاً طبيعية لكل فرد وليست مكتسبة، ومهمة الدولة احترام وضمان تلك الحقوق.
وإذا كان المذهب الفردي يتجه إلى المساواة النظرية بين أفراده فإن الواقع الفعلي يؤكد عدم تساوي الأفراد في ظروفهم وقدراتهم وبالتالي فإن “البقاء للأصلح” كمبدأ يتبناه هذا الاتجاه لا يتفـق مع القيم الإنسانية والشرائع السماوية بل ويهدم حقيقة المواطنة الحقة التي هي مقصد هذا البحث، ذلك أن هذا التوجه الفكري يرسخ سلبية الانتماء للمجموع (الوطن) وبالتالي يعزز الأنانية ويعمق الفصل بين الأفراد ودولتهم.
وفي مقابل الجدل القائم لضمان مجتمع آمن ومستقر من خلال مواطنة عادلة ومسئولة، يطرح المذهب الاشتراكي أنه لا معنى للحرية الفردية في ظل صراع المصالح الخاصة للطبقة الرأسمالية وما جدوى الحرية المضمونة بالدستور إذا كان الإنسان لا يجد الحماية من المخاطر والابتزاز بل وما فائدة حرية العمل إذا كان المواطن يترك فريسة للبطالة مما يضطره إلى التنازل عن حريته وكرامته ليواجه شروطاً حياتية صعبة.
وهكذا يطرح هذا التوجه كما تذكر بعض الدراسات (قطب 1983، الحسان 1995) أساس فكرة المواطنة على أن الدولة مسئولة عن الفرد ابتداءً وانتهاءً فلا مظهر لملكية فردية فالكل يخدم الدولة والدولة تحدد دخول الأفراد حسب الحاجة وتشرف على الإنتاج ونوع المنتج وتلحق الإفراد جميعاً في خدمة الدولة سعياً لمحو الطبقية وتحقيقاَ للمساواة. وكان من رواد هذا التوجه (فرنسوا فريبية، وروبرت أوين) ولكن الشخص التي ارتبط اسمه بهذا التوجه الفكري هو( كارل ماركس).
وترتكز فلسفة هذا الفكر على إلغاء الملكية الفردية الذي يُعتقد أنها الباعث الحقيقي لعملية الصراع الاجتماعي. ولذلك اعتمدت على مبدأ العمل للدولة فقط وفق شعار ” كل حسب طاقته ولكل بحسب حاجته”.
ويشير قطب بأن الملكية الجماعية لا تعني إمكانية امتلاك مجموعة من الناس لمصنع أو متجر أو مزرعة، وإنما المعنى أن المالك الوحيد هو”الدولة ” ، والدولة في حس هؤلاء تمتلك هذه الأشياء نيابة عن طبقة (البوليتاريا = Proletarait) ذلك أن العامل بجهده هو المنتج الحقيقي للمادة. ومن الواضح بأن هذا التوجه الفلسفي يلغي معنى الشخصية ويقتل المبادرات الفردية ويحطم القدرات ويعزز تسلط الدولة بل ويخلق السلبية تجاه الوطن نظراً لحرمانه من فطرة حب التملك.
وإذا كان التوجه الاشتراكي ينزع إلى محو طبقة الرأسمالية وتحكمها في سير الأمور، فإنه في الوقت ذاته خلق تسلطاً أكثر قسوة وبطشاً من خلال سلطة الحكومة.
وهكذا تتراوح الرؤى والفلسفات في الغرب بشكل ينقض بعضه بعضاً من أجل خلق مواطنة فاعلة ومنتجه ومسئولة.
وإذا كان الفكر الاشتراكي قد استنفذ أغراضه وتساقط فإن التخوف قائم ومشاهد لدى كثير من المفكرين الاجتماعيين على أن الغرب الليبرالي هو في الطريق إلى ذلك. ويعزو المفكر المستقبلي (اينشارد ابكرسلي) التفكك الاجتماعي في الغرب إلى الفشل في إعطاء ” معنى وانتماء وهدفٍ لحياتنا، وعدم وجود إطار عمل لقيمنا، وبتجريدنا من معنى أوسع لحياتنا، فقد دخلنا في حقبة يتزايد فيها انشغالنا بذاتنا بشكل مرضي (ايبرلي، 2003).
وقد وثق المفكر الدارس للتقاليد (جون هوارد) الالقرارات”.ضة من المفردات وما تشتمل عليه من مفاهيم والتي اختفت من فوق التراب الأمريكي، فقد اختفت كلمات مثل التواضع، والاحتشام، والأمانة، والاستقامة، والتأدب، والفضيلة، والنخوة، وعكسها مثل العار والعيب من الاستخدام الحالي. “وهي لا تدخل في حسابات المناقشات العامة وصنع القرارات” .. وإلى هنا يتساءل “أبراهام لنكولن” هل أصبح الأمريكيون منهمكين في شؤونهم الخاصة ولا يحركهم سوى الوعد بالمزيد من الحقوق والمكتسبات أكثر مما تحركهم الدعوة “للواجب الوطني”.
وهنا نجدها لمحة اجتماعية مهمة ووقفة حول تركيز معنى المواطنة على أنها فقط مجرد مسألة حقوق وواجبات دون بعد يحمل معنى (الضابط الأخلاقي) ذلك أن حركة الإنسانية إذا ربطت فقط بمعنى القانونية (حق وواجب) فإن آداباً وسلوكيات عدة سوف تغيب عن معنى الحياة الاجتماعية كما هي تغيب اليوم عن حياة المجتمع الغربي بشهادة خبرائهم الاجتماعيين.
ولذلك فالسمو على الحسابات الشخصية هو في تقديرنا “مبدأ روحي لمعنى المواطنة”.
ويعد إيبرلي(2003) تغذية التعاطف الاجتماعي الصادق بين الناس هو العنصر الرئيسي لخلق المواطنة، كما أن تجديد المواطنة يعني إعمال الفرد في المشاركة الاجتماعية وعدم تفويض شؤون الحياة العامة والمساعدة العامة بكاملها إلى اختصاصيّ الحكومة، وأن تسعى البرامج إلى تعزيز البني الوسيطة..وجمع الفقراء وغير الفقراء معاً كجيران ومتطوعين وشركاء في المسؤولية الاجتماعية.
وإذا ما تجردت حياتنا الاجتماعية من مضموناتها الدينية/الأخلاقية فإن مادية الحياة العصرية سوف تعيد إشكالية التوتر والصراع إلى الوجود. ومما تجدر الإشارة إليه هنا بأن تجربة المجتمعات الغربية إجمالاً سواء اقتربت أو ابتعدت من/عن تفعيل معنى المواطنة/الوطنية فإن للمجتمع المسلم وبالأخص بلاد الحرمين الشريفين خصوصية في ذلك،.. ذلك أن الالتزام الديني حينما يضاف إلى الممارسة العملية لمفهوم المواطنة/الوطنية، يشكل مرجعية في ضبط هذا المعنى دون مغالاة أو إجحاف لكل من حق الفرد في الحرية وحق الحكومة في السيادة.
وفي تقديرنا أيضاً يجب ألاّ تصاغ الوطنية على أنها عملية “حق وواجب “وذلك أن هذا الطرح لا يسمو إلى كون الوطنية انتماءً طبيعيّاً مغروزاً في الإنسان يستثير الإنسان للعمل والغيرة على بلده دون الحاجة (ابتداءً) إلى أن يكون ذلك متطلب قانوني أو مشروع سياسي. ذلك أن الالتزام الوطني الأخلاقي هو الفاعل والمفعِّل لمنظومة الحقوق والواجبات. كما أن المنظور الديني يجعل ذلك أكثر كمالاً وتماماً وبالتالي أجراً يوم القيامة.
وإذا كان الوطن يعني في اللغة المكان الذي يستوطنه ويسكنه الإنسان فيعكس جانباً من الارتباط والاستقرار فيه، فإن الوطنية تعني الانتماء والولاء فكراً لهذا الموقع، والمواطنة أي المشاركة في كل ما يخدم هذا المكان الذي يعيش فيه الإنسان.
واستجماعاً لما ذكر يمكن القول إنّ مفهوم الوطنية وممارسة المواطنة يعكس التزاماً أخلاقياً تجاه المكان الذي يسكنه الإنسان بدءاً بالحب وانتهاءً بتجسيد متطلباته فكراً بالولاء والشعور بالانتماء وعملاً بالعطاء المتبادل البنَّاء بين الوطن ومسئوليه ومن يسكن فيه.
وإلى هنا يتبين من خلال هذه الجولة المختصرة لمفهوم الوطنية مدى تباين المفاهيم وسعة الاختلاف فيما بينها (رفضاً وقبولاً) مما يؤكد الحاجة إلى طرحها للنقاش للوصول إلى فهم أكثر عمقاَ وواقعية علمية ذلك أن هناك من يتحدث عن المفهوم – كما تبين- ويخلط بينه وبين مفاهيم العقيدة والشريعة الإسلامية ومنهم من يجعله عقيدة في ذاته إلى غير ذلك مما سبق طرحه.
والملا حظ المهم إزاء ذلك كله أن هناك من يتحدث دون تخصص من جهة ويلغي من حساباته أحياناً اختلاف البلاد وأنظمتها وسياساتها وخصوصياتها من جهة واختلاف استخدام المفاهيم والمصطلحات العلمية وما يترتب عليه من جهة أخرى.
ولبيان الفرق بين مفهوم المواطنة والوطنية يجب إدراج مفهوم آخر لا يقل أهمية عن المفهومين السابقين وهو مفهوم التربية الوطنية الذي يشير إلى ذلك الجانب من التربية الذي يشعر الفرد بصفة المواطنة ويحققها فيه، والتأكيد عليها إلى أن تتحول إلى صفة الوطنية، ذلك أن سعادة الفرد ونجاحه، وتقدم الجماعة ورقيها لا يأتي من الشعور والعاطفة إذا لم يقترن ذلك بالعمل الإيجابي الذي يقوم على المعرفة بحقائق الأمور والفكر الناقد لمواجهة المواقف ومعالجة المشكلات، فبهذا الجانب العملي تحصل النتائج المادية التي تعود على الفرد بالنفع والارتياح والسعادة، وعلى الجماعة بالتقدم والرقي.
ومعنى ذلك أن صفة الوطنية أكثر عمقاً من صفة المواطنة أو أنها أعلى درجات المواطنة، فالفرد يكتسب صفة المواطنة بمجرد انتسابه إلى جماعة أو لدولة معينة، ولكنه لا يكتسب صفة الوطنية إلا بالعمل والفعل لصالح هذه الجماعة أو الدولة وتصبح المصلحة العامة لديه أهم من مصلحته الخاصة.
وقد أشار عبد التواب إلى أن الحديث عن المواطنة والوطنية يختلف عن الحديث عن الانتماء والولاء، فأحد هما جزء من الآخر أو مكمِّل له. فالانتماء مفهوم أضيق في معناه من الولاء، والولاء في مفهومه الواسع يتضمن الانتماء، فلن يحب الفرد وطنه ويعمل على نصرته والتضحية من أجله إلا إذا كان هناك ما يربطه به، أما الانتماء فقد لا يتضمن بالضرورة الولاء، فقد ينتمي الفرد إلى وطن معين ولكنه يحجم عن العطاء والتضحية من أجله.
ولذلك فالولاء والانتماء قد يمتزجان معاً حتى أنه يصعب الفصل بينها، والولاء هو صدق الانتماء ، وكذلك الوطنية فهي الجانب الفعلي أو الحقيقي للمواطنة. والولاء لا يولد مع الإنسان وإنما يكتسبه من مجتمعه ولذلك فهو يخضع لعملية التعلم فالفرد يكتسب الولاء “الوطني”من بيته أولاً ثم من مدرسته ثم من مجتمعه بأكمله حتى يشعر الفرد بأنه جزء من كل.

ب/المواطنة و الوطنية
ما أبعد الشقة بين الكلام والعمل وما أبعد المسافة بين النصوص والواقع، وعلي أي حال فهذه سمة من سمات التخلف، أن يكون الكلام والنصوص في ناحية والعمل والواقع في ناحية، الحقوق بعيدة كل البعد ومختلفة كل الاختلاف.
ما الذي نعنيه عندما نتحدث عن المواطنة ؟

نعني أن الرابطة في الدولة الحديثة بين الدولة والشعب، هي رابطة تقوم علي علاقة الجنسية، فكل من يحمل جنسية الدولة، يعد من مواطني الدولة، ومواطنو الدولة يتمتعون بنفس الحقوق، ويتحملون ذات الواجبات، وفي ذلك يقول الدستور المغربي:
الفصل الخامس “جميع المغاربة سواء أمام القانون”.
لا تفرقة بينهم بسبب الدين أو الجنس أو الاعتقاد، فكل مغربي يساوي أي مغربي آخر بصرف النظر عن لونه أو دينه أو جنسه أو اعتقاده.
المسيحي والمسلم واليهودي ومن لا دين له كلهم مواطنون، الأبيض والأسود ومن هو بين بين كلهم مواطنون، الماركسي والرأسمالي والاشتراكي ومن يؤمن بالتعاون ومن لا يؤمن بشيء من ذلك كله كلهم مواطنون، وبما أنهم جميعاً مواطنون فهم جميعاً متساوون في الحقوق والواجبات.
هذا هو معني المواطنة. المواطنون أمام القانون سواء.
هذا ركن من أركان الدولة الحديثة، ولكن هذا الركن ليس وحده الذي تقوم عليه الدولة.
يكمل هذا الركن ويجعله فاعلاً ركن آخر يقول:
الفصل الرابع “القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، ويجب على الجميع الامتثال له، وليس للقانون أثر رجعي”.
سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، ذلك أنه لا يكفي أن يوجد القانون ـ فما أكثر القوانين حين تعدها ـ وإنما يجب أن يكون القانون محترماً، يجب أن يكون القانون فوق الإيرادات جميعاً، أرادات الحاكمين قبل أرادات المحكومين، وهذا هو معني سيادة القانون.
ودستورنا بعد أن قال القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة أردف قائلاً ويجب على الجميع الامتثال له بما فيهم الدولة نفسها.
وهذا نص رائع وجميل.
ويبقي السؤال: هل هذا النص مطابق للواقع الفعلي أم هو مجرد نص جميل في وثيقة يقال لها الدستور.
الأمر يتوقف علي ركن آخر من أركان الدولة الحديثة ويرتبط به ارتباطاً لا يقبل الانفصال، ذلك الركن يعني أن الدولة الحديثة هي دولة مؤسسات وليست دولة أفراد، وأن الأفراد في الدولة الحديثة لا “يملكون” سلطة وإنما يباشرون “اختصاصاً” وهذا الاختصاص يحدده القانون، ومن يخرج علي القانون من الحكام أو يجاوز اختصاصه المرسوم فإنه يخرج علي مبدأ المشروعية الذي هو أيضاً ركن من أركان الدولة الحديثة.
وهذا ما نص عليه الدستور المغربي:
الفصل الثاني “السيادة للأمة تمارسها مباشرة بالاستفتاء وبصفة غير مباشرة بواسطة المؤسسات الدستورية”.
فهل نحن فعلاً دولة مؤسسات تعمل وفقاً لقاعدة القانون أم أننا دولة يحكمها أفراد لا رادع لإرادتهم ولا رقيب عليها في غالب الأحوال.
والدولة الحديثة تقوم علي فكرة التعددية وليس هناك فريق ولا أحد يملك الحقيقة أو يدعي أنه يتحدث باسم الحقيقة المطلقة، الدولة الحديثة دولة تتعدد فيها الآراء وتختلف وتتفق وتتحاور ومعيار الترجيح هو قانون الأغلبية.
والأغلبية وفقاً لكل الأنظمة الديمقراطية في العالم هي أغلبية متغيرة ومن هنا فإن تداول السلطة أمر طبيعي وضروري وركن أساسي من أركان الدولة الحديثة.
إن بقاء السلطة لمدد طويلة في يد فرد واحد أو أفراد معينين هو المقدمة الأساسية للاستبداد، والاستبداد هو المقدمة لكل الشرور.
هذه هي أركان الدولة الحديثة التي تقول إنها تقوم علي فكرة المواطنة.
فما هو مفهوم المواطنة باعتبارها ركيزة من ركائز الديمقراطية.
تعني المواطنة أداء واجبات محددة والتمتع بحقوق معينة. والمواطنة هي مفتاح الحرية والمسئولية، حرية شخصية ومسئولية تجاه الدولة والمجتمع وغيرنا من المواطنين. فما الذي يجعأساسية:لمواطنة من القضايا و الحقائق المهمة ?
ثلاثة حقائق أساسية:

الحقيقة الأولى 
هي أن درجة وعي الأفراد بأنهم مواطنين تختلف من فرد إلى آخر ، ويرتبط ذلك بعدة عوامل منها مستوى التعليم ونوعيته ، ومدى انخراطه في العمل العام فهناك فرق بين الشخص الواعي المتعلم والشخص الأمي الذي لا يعرف كثيراً ماله من حقوق وما عليه من واجبات ، على عكس الشخص المتعلم المثقف الذي يعرف حقوقه واجبا ته ويستطيع أن يطالب بحقوقه إذا ما تم الاعتداء عليه من قبل الدولة أو الأفراد .

الحقيقة الثانية
وهي أن المواطنة ركيزة الديمقراطية ، فلا يوجد مجتمع ديمقراطي لا يعتمد في بنيانه على كل مواطن ، والديمقراطية ببساطة هي أن يختار الشعب الحكومة وممثليه في المجالس النيابية من خلال انتخابات حرة .
الحقيقة الثالثة
وتتمثل في التفاوض الواضح بين الدول في مدى احترامها لمبدأ المواطنة ، فالدول الديمقراطية المتحضرة أنشأت القواعد والمبادئ الكفيلة باحترام الحق في المواطنة، حيث يشعر المواطن فيها بالأمن والأمان وفي الوقت ذاته يلتزم المواطن بأداء واجبا ته اتجاه الدولة والمجتمع ، هذا في حين نجد أن المجتمعات المتخلفة ما زالت تنتهك حقوق المواطنة ، ولا يشعر المواطن فيها بالأمن والأمان.
وهذه هي الحقائق الأساسية للمواطنة الحقيقة الأولى تخص المواطن ككيان قانوني له حقوقاً وعليه واجبات ، أما الحقيقة الثانية فتربط بين المواطنة والديمقراطية وبما أن الديموقراطية مسألة سياسية فإن المواطن ينظر إليه باعتباره كيان سياسي ، وأخيراً الحقيقة الثالثةوالتي تركز على مشكلة المواطنة المنقوصة أو الناقصة . ونتعرض بعد ذلك إلى كل حقيقة من هذه الحقائق.
السيادة،لرغم من أن الحضارات القديمة عرفت بدون فكرة المواطنة إلا أنها لم تبلور إلا حديثاً منذ نحو ثلاثة قرون وتحديداً مع بداية ميلاد الدولة الحديثة التي نعرفها باسم دولة القانون والمؤسسات المستندة إلى الإرادة ة الشعبية وهذه العناصر الثلاث هي :
السيادة، القانون، والمؤسسات الديمقراطية، وهي التي تعطى لمفهوم المواطنة مفهومها الحقيقي.

المواطنة ككيان قانوني :
عندما نصِف المواطنة بأنها كيان قانوني فالمقصود بذلك هو الجانب من ممارسات وسولوكيات الأفراد الذي ينظمه القانون سواء على مستوى علاقة الفرد بأفراد آخرين أو على مستوى علاقته بالدولة ، والدساتير والقوانين ما هي إلا أدوات لتنظيم هذه العلاقات، حتى يتحقق التوازن بين المصلحة العامة للمجتمع ككل والمصلحة الخاصة للفرد المواطن . ومن هذا المنطلق فإن كل فرد في المجتمع هو كيان خاضع للقانون له حقوق وعليه واجبات فإذا أخل بواجباته تعرض للعقاب وإذا ما انتهكت حقوقه يلجأ إلى القضاء للحصول على حقوقه بموجب الدستور .

المواطنة ككيان سياسي :
إن تعريف المواطن ككيان سياسي يعني أنه أساس العملية الديمقراطية، فكما ذكرنا قبل قليل أن المواطن هو الذي يختار حكامه من خلال انتخابات حرة. وعندما يباشر المواطن حقوقه السياسية من خلال الترشيح والانتخابات فسوف تأتي مجالس نيابية معبرة عن مصالح الناس أو على الأقل على قدر معقول من المصالح ، ولأن هذه المجالس هي المسئولة عن وضع التشريعات والقوانين فهي بالتالي ستحدد وفقاً للدستور الحقوق والواجبات التي يلتزم بها المواطن ككيان قانوني .

المواطنة المنقوصة:
والمقصود بها هي انتهاك حق أو حقوق المواطنة لفرد أو لمجموعة الأفراد أو الشعب كله. وقد يطول هذا الانتهاك كل من الجانبين القانوني والسياسي لمبدأ المواطنة وهناك أسباب عديدة ، لإنقاص الحق في إنقاص المواطنة لعل أهمها :
1- التمييز
2- استبداد الدولة
3- غياب مبدأ استقلال القضاء
والمواطنة الحقيقية لا يمكن أن تتحقق إلا عندما تتحقق كل الأركان ويشد بعضها بعضاً.
لا توجد مواطنة في دولة لا يسود فيها حكم القانون، لأن حقوق الأفراد وحرياتهم وواجبا تهم التي هي قوام فكرة المواطنة مرتبطة ارتباطاً ضرورياً بسيادة حكم القانون.
وعلى هذا يسوغ لنا أن نسأل.. هل نحن جميعاً مواطنون أم نحن جميعاً من الرعايا.
منذ أكثر من ستين عاماً ـ وقبل ١٩٥٢ ـ أصدر الأستاذ المرحوم خالد محمد خالد المفكر الإسلامي المستنير كتاباً بعنوان «مواطنون لا رعايا» فهل نحن محتا جون الآن لإصدار كتاب بنفس العنوان. أم إصدار كتاب بعنوان ” المواطنة”.

ملف شامل عن المواطنة ( المفهوم، الأسس،الأهداف…) – الجزء الثاني

ملف شامل عن المواطنة ( المفهوم، الأسس،الأهداف…) – الجزء التالث

ملف شامل عن المواطنة ( المفهوم، الأسس،الأهداف…) – الجزء الرابع

 

1.7/5 - (18 صوت)

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى