دراسات سياسية

منصف المرزوقي والوضع الجزائري حقوقي أم مقاول؟

الدكتور محمد مراح

الجزائر

صرح الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي تصريحا في غاية الخطورة عن موقف النظام الجزائري في عهد بوتفليقة   باتهامه بدور خطير   في دعم الثورة المضادة في تونس ، فكتب في صفحته في فيس بوك : (لماذا جزء كبير من مصيرنا جميعا مرتبط بنجاح الثورة السلمية الديمقراطية في الجزائر؟”، موضحا أن هناك عدة أسباب لذلك، من بينها ” أن الثورة ستمكّن الشعب الجزائري العظيم من تسريع واستكمال مسار تحرّره من عدوّيه اللدودين الاستعمار والاستبداد، ومن ثم الارتفاع إلى مقامه الطبيعي، شعب مواطنين لا شعب رعايا تتحكم فيه نخبة فاسدة عنيفة صادرت دولته وجعلتها نقمة عليه

وأضاف( في ذات الصدد: “لأن هذه الثورة الناجحة ستكون درعا للتغيير الذي سيحصل في تونس في الانتخابات المقبلة بعد إغلاق قوس الثورة المضادة، وقلّ من يعلم من التونسيين كم ساهم النظام الجزائري المنهار في انتصارها سنة 2014).[ سبق برس 21\5)

  بالطبع التصريح يمثل صدمة كبيرة إزاء ما عُرف عن الجزائر من مبدأ عدم التدخل في شؤون الآخرين الداخلية، ولحد الآن لم تصمد كثير من المحاولات التي استهدفت تسفيه هذا المبدأ ، بالبرهنة على ادعاءاتها بالأدلة الصلبة التي تقبل نقضا

. ومع أن السيد المرزوقي لم يفصح عن معلوماته المؤيدة لدعواه، فإننا في حلّ من أمرنا كي نتأملها وفقا للمعطيات الآتية الذكر .

منها أولا أرجو ألا يفتننا – نحن الجزائريين حسب ما بدا من بعض ردود الأفعال على تصريح المرزوقي – ما نمرّ به من أحداث كبيرة عن تقدير الأمور بما تستحقه، من خلال تحليل الأحداث الماضية حتى الحاضرة ، وهنا فلا نبخس الناس أشياءهم كما علمنا القرآن الكريم، فمهما اشتد غضبنا من سياسيات وممارسات حدثت في عهد الرئيس بوتفليقة وحكومته داخليا، فعلينا أن  نقدّر الخارجية منها بما تستحق تقديرا أو نقدا . فمنذ انطلق ما عرف بـ ( الربيع العربي)  تخطيط أمثال (كوندليزا رايس) مستشارة الأمن القومي ثم وزيرة الخارجية الأمريكية بعد ذلك في عهد الرئيس بوش الابن، كما صرحت به في كتابها ( أسمى مراتب الشرف) : (وبمقدور الأمريكيين الإسهام في توجيه التطورات الحاصلة في الاتجاه الإيجابي (تقصد الربيع العربي ) ، لدينا نفوذ لدى العسكريين في مصر وتونس، ولدى المجتمع المدني والناشطين السياسيين الذين ساعدنا العديد منهم في التدريب من خلال المؤسسات غير الحكومية الأمريكية، ولدى رجال الأعمال ، وأصحاب المشاريع الذين هم بحاجة لوسيلة يصلون من خلالها إلى قوة الأسواق الدولية لتقديم فرص العمل ، وتحقيق الازدهار) [ أسمى مراتب الشرف، ص 825] . فانساب التسونامي في المنطقة العربية زلازلا تخرج أثقال خيرات أراضيها، كي تَقدِم الشركات العملاقة الأمريكية والغربية فتضع عليها يد الحيازة والتصرف فيها، ونحن صاغرون . كانت الجزائر واحدة من الياقوت الثمينة لدى تلك القوى الاستعمارية، ولما اشعل الناتو وأعوانه  من خنافس وأواني الأعراب نيران جنهم على ليبيا وشعبها بحجة حمايتهم من نظامهم وزعيمهم (المجنون)! ، وسقط نظام القذافي واستبيحت ليبيا للقوى الإجرامية دوليا وعربيا وداخليا، انطلقت  ضد الجزائر مواقف وتصريحات عدوانية شديدة العدوان بشراسة وسُعار من بعض زعماء جماعات ذات صلات تنظيمية ببعض التنظيمات الكبرى ذات التوجه الإسلامي المعروفة، وغيرها من المقيمين باسم معارضة نظام القذافي في الخارج،  مستفزة للجزائر أشد الاستفزاز ؛ عسى أن تبدر منها بادرة ما تُتخذ ذريعة لصيد الياقوتة الثمينة . حينئذ كان من حنكة الرئيس بوتفليقة السياسية أن انتبه لعلاقاته الشخصية القوية مع زعيم النهضة التونسية الشيخ راشد الغنوشي، الذي أخذ يتردد على الجزائر بتدفق واستمرار، ويقضي مع الرئيس بوتفليقة الساعات الطويلة، تبين فيما بعد وحسب ما أفصح رشح من تصريحات وتسريبات بعضها ربما من الشيخ الغنوشي نفسه ، أن بوتفليقة كان يستعين به لكبح جماح أولئك السياسيين الليبيين  المتغولين على الجزائر بالناتو، وبنشوة النصر الذي حققوه. وفعلا فقد رُوّض أولئك الزعماء ، وأمنت الجزائر جانبهم، بل وتحولت الجزائر إحدى الجهات الموثوقة لديهم بعد استفحال الانقسام والتدهور الخطير في ليبيا .

ومن هنا علينا أن نقدر –على ضوء تصريحات المرزوقي –   موقف الشيخ الغنوشي؛ إذ لو كان ما يدعيه المرزوقي صحيحا، هل كان سيغامر الغنوشي بمكانته ومكانة حزبه سياسيا في تونس، والنيران الداخلية تنهمر عليهما من كل الجهات، من أجل عيون بوتفليقة وحكومته ؟! خاصة ان الرجل ظل على صلاته وزياراته المستمرة للجزائر للقاء الرئيس بوتفليقة حتى ما قبل أقل من سنة تقريبا .

علينا أن ننتبه جيدا لبالونات اختبار تمنح لبعض المقاولين لخنافس يستعينون بمن يلقىبها في ساحتنا الثائرة بحراكها وتداعياته.

وللمقارنة المفيدة يمكن أن نتأمل تصريح  الشيخ الغنوشي لقناة (فرانس 24 ) قائلا : لي قدر من الاطمئنان على مستقبل الجزائر”، مؤكدا أن ” الأطراف المعنية الحالية (الشارع والجيش) تمارس عملها بقدر عال من التعقل والحكمة والسلمية والتحضر)

  فاستحق منا القول ؛( بارك الله فيكم شيخ راشد، لقد كنت حكيما في تقييمك للأوضاع، على خلاف حليفك المرزوقي . كما لم تنتظر سقوط الثور كي تسُلّ سكينك) .

وهنا نرى أيضا أن نوجه الخطاب الآتي للسيد المرزوقي ، ( أجدر بك أن تقف على الحياد في الشأن الجزائري ؛ لان التدخلات الأجنبية في شؤون الدول التي شهدت اضطرابات كانت وبالا على تلك الدول . والأفضل لك أيضا ألا تعرض نفسك لتهمة المقاولة لجهات ما ربما احتضنتك يوما ما مما أفقدك   قدرا كبيرا من منزلتك السياسية في تونس . .
لا تقاول لا تقاول، فمصلحة دول المغرب العربي في جوارها؛ لأن   ربما من  يجرونك  للنيابة عنهم بالمقاولة  لوحيد القرن لن يبالوا  بك لحظة واحدة حين تنتهى المهمة   . وأزيدك من الشعر بيتا ، أن تصريحاتك هذه لن تصنع لك مكانا لدى الجزائريين؛ بل سينظرون إليك كما ينظر لك اليوم كثير من التونسيين ، انك لم تكن سوى مقاولا فاشلا . .

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى