تحليل النزاعات الدوليةدراسات افريقية

منهجية تحليل النزاع في إفريقيا : إسهامات نظرية

من إعداد الأستاذة: سعيدة سلامة

   اكتسب تحليل النزاعات أهمية زائدة في العقد الماضي ضمن سلة الأدوات المستخدمة في معنويات التنمية والإغاثة الإنسانية وعمليات دعم السلم. وكان نشر تحليل النزاعات في الممارسات اليومية لعديد من الهيئات العاملة في بيئات ما قبل النزاع وفي أثناء النزاع وما بعد النزاع إنجازا كبيرا له نتائج غاية في الأهمية فيما يتصل بالحيلولة دون وقوع النزاع العنيف وإدارته وفضه، وكذا مدى فعالية المساعدة ويبين تطور أطر تحليل النزاع وتطبيقاتها الفوائد العملية المتحققة من خلال الجهود المشتركة للممارسين والباحثين عبر سنوات من البحث المتعددة الأفرع، ويستعرض هذا الفصل بعضا من الإسهامات والآراء التي غالبا ما تنسى نظرا للضغوط اليومية التي تواجهها الهيئات والأفراد المشركين في العملية . والغرض من هذا الاستعراض تأمل بعض التحديات والفرص التي تعن بتطبيق هذه الأدوات التحليلية على السياقات الأفريقية .

 ويظل التركيز على نظرية تحليل النزاع- وإمكاناتها كجزء من الحيلولة دون وقوع النزاع العنيف وإدارته وفضه في السياقات الأفريقية- أمرا ضروريا وملجأ فهو ملح نظرا للحدة الشديدة التي يؤثر بها النزاع على حياة ملايين الأفارقة وعيشهم، وشهدت أفريقيا عشرة نزاعات كبرى على مدار السنوات الخمس والعشرين الماضية بخسائر تتراوح بين 4و6 ملايين نمن البشر وحوالي 155 مليون أفريقي تأثروا بالحروب بشكل مباشر وغير مباشر ، وعلى الرغم من وصولها متأخرة فإن مكانة أفريقيا محفوظة كمشارك نشط فيها سماه إريك هويسبوم” عصر الكوارث” – أي القرن العشرون بما اتسم به من عنف وسفك دماء ، فاجتاحت الحروب الأهلية والإقليمية والمدولة مناطق واسعة من القارة منذ الاستقلال ، بل كثرت الحالات التي كانت الأنظمة الحاكمة هي التي تمارس العنف فيها ضد مواطنيها من خلال الإبادة والقتل العام( فيما أوجزه رودولف رومل بعبارة “إبادة شعوب” democide، وفي هذا  العقد الول وحده من القرن الحادي والعشرين لا تزال الحروب الهلية في كوت ديفوار وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبورندي والسودان(دارفور وجنوب غرب النيل)  والصومال وغينيا بسساو، والنزاعات المتوسطة الحدة في جمهورية أفريقيا الوسطى ونيجريا (دلتا نهر النيجر) ، وحاليا في تشاد تذكرنا بتأثير النزاع العنيف على التنمية الاقتصادية الاجتماعية في أفريقيا، كما ان هشاشة الانتقال من الحرب للسلم في بلاد كسيير اليون وليبريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأنجولا (على سبيل المثال لا الحصر) تتطلب عناية مستمرة من كل العناصر المشاركة.

    ومعدل التدمير الذي أحدثه العنف في النسيج الاقتصادي الاجتماعي لدول كانت تعد حتى وقت غير بعيد “دولا هادئة” (كزيمبابوي والحالة الحديثة كينيا) يذكرنا بالضرورة الحتمية لمنع ومعالجة المواقف قبل تفاقمها والتدخل السلمي للمصافحة فإضافة إلى التكاليف البشرية والمادية للحرب (في سياقات يكون المدنيون والبنية التحتية المدنية فيها مستهدفين بشكل مباشر)  يأتي العنف بمتغيرات ذات طبيعة نفسية (منها دوامات الثأر والانتقام مثلا) تتطلب عمليات مصالحة مطولة وطويلة المدى في المجتمعات المعنية وبعد سكوت المدافع بآماد طويلة. [1]

  وتعد مراجعة نظرية تحليل النزاع  وتطبيقاتها أمرا ضروريا في وقت بدأ فيه عديد من الهيئات الناشطة في مجال منع النزاع وإدارته وفضه(بدءا بالاتحاد الأفريقي وانتهاء بالتجمعات الاقتصادية الإقليمية، ومن الهيئات المانحة إلى الجمعيات الأهلية المحلية، ومن ورش عمل البحث في السياسات إلى الأقسام الجامعية) في استخدام نوع ما أو غيره مما يعرف  بأدوات تقويم النزاع في سعيها لفهم استجابة حالات عدم الاستقرار في القارة وتفسيرها وتطويرها ، وهذا هو الحال بصفة خاصة في تشغيل عديد من أنظمة الإنذار المبكر للنزعات في أفريقيا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر “نظام الإنذار المبكر القاري، (CEWS) بالاتحاد الأفريقي، أو “سيوارن” في “هيئة التنمية بين الحكومات” (إيجاد) و”ايمزوران” في التجمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا ” (ايكواس).

   ويهدف هذا الفصل إلى تقديم عرض نقدي لانتشار تحليل النزاع وأطر تقويمه ، وتقديم فكرة مبدئية عن بعض التحديات التي يمثلها تطبيق هذه الطر في السياقات الأفريقية، وسنسعى فيه قدر المستطاع وكلما لزم الأمر لسد  الفجوة بين النظرية والتطبيق بالاستعانة بنتائج ذات طبيعة نظرية من مبحث النزاع ودراسات السلم والعلاقات الدولية، وعلى مستوى قاعدي تماما وفي محاولة لاستكشاف مجال لا يزال تفسيره مستحضرا في سبب واحد(أو في افتراضات بالحتمية) لانتشار النزاعات في القارة يفترض في هذا الفصل أن يثير أذهاننا حول كيفية تناول التعقيد

الذي يصاحب حدوث العنف. اما بالنسبة لفرضية حتمية النزاع في افريقيا فتذكرنا بمقولة الصحفية والكاتبة شارلين هنتر جولت :” لو كنتم لا تسمعون عاما بعد عام الا ان الجوع والجفاف والامراش والنزاع فان الناس يستنتجون ان مشكلات افريقيا عصية على الحل والا شيء في افريقيا يتغير”.

وفي كتابها  بعنوان اخبار جديدة من افريقا كشف النقاب عن النهضة الافريقية (the African Renaissance Charlayne Hunter-Gault.New  News Out of Africa :Uncovring).

تقدم شارلين رد فعل قوى تجاه الراي السائد والمفاهيم العامة عن كل شيء في افريقيا،في محاولة منها لموازنة السمات الاربع التي تسود كثيرا من لغة الخطاب حول افريقيا وهي الموت والمرض والكوارث والياس .

ويرى مؤلف هذه الصفحات ان هذا يتطلب في جزء منه مناقشة الفريقين الكبيرين اللذين كما يقول باتريك تشابال ميزا فكرة انتشار العنف في القارة فمن الاراء ما يربط “العنف بالالام الاجتماعية والسياسية للتنمية” في ان “ترسيخ دعائم الدولة وتحويل المجتمع لا يتحققان الا بالقوة ” وهناك فريق اخر يوهم بانه يفسر انتشار النزاعات في افريقيا بربط وقوعه” بسمات تحديث القارة والتي تعرضها لدرجة من العنف تفوق المتوقع” وغالبا ما يركن الفريق الاول الى مقارنات بسائر مناطق العالم ويجنح الى تاويل النزاع في افريقيا بانه النتيجة المحتومة للعمليات التاريخية لبناء الدول وفي هذه الحالة اصبحت اكثر تحديا بسبب ارث قرون من حكم الاستعمار ومن انصار هذا الراي محمد ايوب في كتابه “مأزق الامن في العالم الثالث (The Third World Security Predicament) حيث يربط جهود بناء الدولة في حقبة ما بعد الاستعمار وسائر دول الجنوب بحتمية النزاع وهذه الدول في رايه تعاني مازقا امنيا ناجما عن الضغوط المتلازمة لبناء الدولة وتاخر لحاق العالم الثالث بنظام الدولة. وبالتالي فما يحدث في افريقيا فيما يتصل بالعنف السياسي ليس نوعيا بالضرورة ،فهو متبع في عديد من مناطق عالم مابعد الاستعمار.

ونوعية التجربة الافريقية ابان الاستعمار وبعده(بابعادها السياسية وااقتصادية والتنموية والاجتماعية والامنية) هي جذر العمف لدى الفريق الاخر-أي الطرق المعقدة والتي يحددها الموقف والتي تؤثر على دول بعينها مدرجة ضمن مجموعة اكبر من الآراء حول طبيعة السلطة السياسية والنزعة التوارثية المحدثة ونظام الحكم والهوية والتفتت العرقي اللغوي وندرة الموارد وانعدام المسواة وعوامل اخرى. [2]

التطبيق والنهج: منهجية تحليل النزاع

 تحولت مهمة تحليل النزاع لدى عديد من الهيات والافراد العاملين في افريقا الى مرادف للاستعانة باداة ونهج بعينه بتنويعات طفيفة حسب المهمة الموكلة للهيئات المعنية واهدافها . ونتذكر انه منذ عقد من السنين كانت الموضة من كل من الاوساط العلمية ودوائر السياسات التحذير من تباعد الهوة بين النظرية والتطبيق وان منهجت تحليل النزاع –على الرغم من بعض الشراك الحتمية المرتبطة بها يعد امرا رائعا. ويستحسن تجديد اطر بعض خلفيات هذه التطورات. فحين وجه عدد كبير من العلماء انتباههم في السنوات الاخيرة من الحرب الباردة نحو فهم وتاويل الحروب التي بدات اخيرا تحضى باهتمام (اي الحروب الداخلية والاهلية والمجتمعية) وتخلصوا من تركيزهم المرضي على الحروب المنظمة وفيما بين الدول ،بدات الجدران التي كانت تفصل بين مختلف الاتجاهات العلمية تتصدع والتامت الفجوة التي كانت تميز التفاعلات بين البحث العلمي ودوائر التطبيق،[3]

 ونتذكر أن دراسة الحروب والنزاعات المسلحة داخل الأوساط العلمية ظلت لسنوات ممزقة بين الحدود بين المباحث الدراسية (العلاقات الدولية والدراسات الإستراتيجية وعلم الاجتماع والتاريخ ودراسات السلم وبحث النزاعات)، وهو تمزق أدى بالضرورة إلى نشأة نظريات وجداول أعمال متضاربة وحصرية وربما إلى غياب واضح للتكامل المعرفي من خلال المباحث المشتركة بين الأفرع الدراسية، وكان الوضع أكثر هشاشة فيما يتعلق بالصلات بين البحث العلمي ودوائر التطبيق العاملة في البلاد والمناطق التي تجتاحها الحروب (باستثناء الدراسات التنموية وجال فض النزاعات التطبيقي الناشئ آنذاك).

   من ثم فلا غرو أن جاءت قوة الدفع الولية لإيجاد نوع من التكامل (ونقصد هنا اطر تحليل النزاع) من ممارسين من هيئات وخلفيات شتى، وكان الممارسون سواء من يعمل منهم في ميادين حروب ما بعد الحرب الباردة في البوسنة والهرسك وناجورنو قره باغ وكرجيا أو في حروب أفريقيا في انجولا والسودان واوغندة وزائير والكونغو الديمقراطية بحاجة لمجموعات أدوات تساعدهم على مزيد من فهم هذه الأوضاع والتخطيط والإعداد لها ، ومع نزول الستار على الفصل الخير من الباردة – تفكك السوفيتي في عام 1991- كانت الحروب التقليدية بين الدول أصبحت الاستثناء لا القاعدة، ومع ذلك ففيما يتعلق بدراسات العلاقات الدولية والإستراتيجية السائدة كانت دراسة الحروب بصورة عامة تركز على “الحروب الكبرى” وبنتائج قلبت الموازين كانت كافة النزعات الأخرى تعتبر “حروبا بالوكالة” أو “حروبا محدودة” نزاعات ضعيفة الحدة” ، وفي ظل سيادة الفكر الواقعي والواقعى المحدث اتجه التركيز إلى قضايا الدراسات الإستراتيجية كالمن القومي والدولي والردع النووي وتوازنات القوى والتحالفات  وسباقات التسلح وكذلك إلى وقوع الحروب بين الدول وتكرارها ومدتها ، ومن الاستثناءات المهمة في ذلك كما سنشرح فيما بعد ما ظهر على شكل إسهامات ثورية فعلا لمبحث دراسات السلم والنزاعات في أعمال أصبحت كلاسيكية حاليا لجون بيرتون ويهان جالتونج وإدوارد عازر وهربرت كلمان وتد جور ولويس كريسبرج أو لرواد من أمثال جورج سيمل أو كوينسي رايت وغيرهما.

    وفيما بين 1989و2006 كما أشار أربوم وفالنستين مؤخرا فمن مجموع 122 نزاع على مستوى العالم لم يزد عدد النزاعات بين الدول عن سبعة و19 نزاع داخلي و26 منها اعتبرت نزاعات دولية داخلية (تتلقى فيها الحكومات أو المعارضة أو كلاهما دعما عسكريا من حكومات أخرى) ، وفي أفريقيا أدى استئناف حرب أهلية واسعة النطاق في أنجولا عقب انتخابات 1992 والاندحار الأمريكي في الصومال في عام 1993 وفشل المجتمع الدولي في اتخاذ موقف من الإبادة الجمعية في روانده في عام 1994إلى استقطاب مزيد من الانتباه العام، ومن الغريب أن هذه “الحروب الجديدة” كما تسمى حاليا أو “الحروب من النوع الثالث” كما يسميها كل من كالدور وهولستي لم تنشأ فجاة  فالتوجه كان موجودا بالطبع لعقود عدة لكن العالم كان يركز على المستوى الاستراتيجي ولم يكن يولي اهتماما للتخريب الخفي الدائر في تلك الحقبة وفرضت النزاعات الداخلية والأهلية والعرقية و الاجتماعية والحروب الجديدة والضرورات الإنسانية المعقدة نفسها على ساحة دولية لم تعد قادرة على نبذها بوصفها غير ذات صلة بالمعادلة الإستراتيجية ، وفي العالم الجديد المائج بالاضطرابات والأقل استقرارا بعد الحرب الباردة  بات واضحا ان بوني ودي مسكيتا كان على حق في تحذيره من مخاطر حصر الاهتمام في الحروب المنظمة الدولية  وكان تحذيره أصدق ما يكون في القارة الأفريقية حيث لم تنج أية منطقة فيها من دمار الحروب في أواخر التسعينات (في غرب أفريقيا ليبريا ، سييراليون، غينيا بيساو، وفي القرن الأفريقي إثيوبيا – إريتريا، الصومال ، وفي منطقة البحيرات أوغندة، الكونغو الديمقراطية ، بورندى، وفي الجنوب الإفريقي أنجولا)،

وكانت النتيجة تحول جوهري وعاجل في تحليل الحروب والنزاعات المسلحة ، وأصبحت هذه هي النزاعات المهمة، فهي قد تهدد السلم والاستقرار العالمي والإقليمي بجنوحها نحو الانتشار إلى بلاد مجاورة، بل إنها أدت إلى مستويات غير مسبوقة من الدمار البشري والمادي.

  وكانت الأوساط البحثية ودوائر رسم السياسات تركز إلى حد كبير على الحروب بين الدول ولم تكن مستعدة لمهمة تفسير نزاعات اجتماعية كهذه ، وكانت أدوات الدراسات الإستراتيجية ودراسات الحروب تبدو منبتة الصلة عن تفسير النزاعات القومية – العرقية والحروب الدينية والانحطاط البيئي وندرة الموارد والدبلوماسية الوقائية والتدخل الإنساني.[4]

   كما ينبغي أخذ زيادة فرص إقرار السلم من جانب هيئة الأمم المتحدة والهيئات الإقليمية والنشطاء السياسيين في البلاد التي تمزقها الحرب بعين الاتبار ، لا سيما أن فرصة موافقة مجلس الأمن التابع للمم المتحدة على التصرف أدت إلى نمو ملحوظ في التدخل من جانب المجتمع الدولي – وهي تدخلات واجهت تحديات كبرى تتعلق بأفضل سبل العمل في بيئات النزاع.

وكانت بيئات النزاع هذه بمثابة صيحة كبرى من الإدارة المنظمة للحرب التقليدية – أدت بعديد من الكتاب إلى التقدم باقتراح بتغيير هيكلي للحرب، فوجه كل من مارتن فان كريفلد وكاليفي هولستى وماري كالدور وغيرهم اهتماما كبيرا لهذه النزاعات المحدودة أو الحروب من النوع الثالث أو الحروب الجديدة على التوالي ، ومما أضفى على هذه النزاعات طبيعة معقدة إدارة الحرب في سياقات تتسم بالفقر والتخلف (في دول ضعيفة في الغالب )، ولا سيما استهداف المدنيين وتعدد أطراف النزاع المختلفة(تتراوح بين لواءات متمركزين محليا وخلايا عشوائية ) والأسباب (تدور عادة حول سياسات الهوية) أو التعايش مع الجريمة المنظمة والاعتماد على اقتصاديات الحرب وصلاتها بالاقتصاد العلمي.

   والجمعيات الأهلية سواء كعمليات حفظ اسم أو إغاثة إنسانية تعمل في بيئة نزاع تعمل جاهدة في مشروعات لحفظ السلم أو فض النزاعات وتسعى للعمل مباشرة على النزاع ، ويواجه القائمون عليها تحديات ذات طبيعة مماثلة تحتاج إلى أدوات تحليلية محددة، وكيف يتم تحليل نزاعات تنشب في سياقات تنشط فيها عشرات العناصر وتتدخل فيها عوامل شديدة التعقيد ذات طبيعة سياسية وعرقية وعسكرية واقتصادية وإنسانية؟ وهل يمكن للوساطات أن تتفاقم أو أن تفاقم النزاعات؟ وما التأثير المرتقب لنشوب نزاع أو تصعيد أو تهدئة على التدخلات التنموية؟ وأخيرا ما الأدوات التحليلية والبرامجية المتوفرة حتى تسهم التدخلات بصورة فعالة في منع النزاع أو إدارته أو فضه وتحد من الأخطار وتعظم الأثر؟هذه التساؤلات أثارت حوارا جديدا بين راسمي السياسات وممارسيها والباحثين سعيا إلى وضع مناهج وأطر من شانها أن تزيد من فرص النجاح في أنشطة منع النزاع وإدارته وفضه بشكل مباشر، وبشكل غير مباشر من خلال التنمية والمساعدات الإنسانية ، ومن محاور هذا النهج المتبع في هذه الأطر التحليلية ما أصبح يعرف “بحساسية النزاع” ، أي الإقرار بأن المعونات قد تؤدي أيضا إلى عواقب سلبية، والحقيقة أن افتراض ماري أندرسون أدى إلى إدراك أن المساعدات الإنسانية تساعد أحيانا على تأجيج النزاع لا على تهدئته وأن المعونات التنموية تفاقم التوترات في بعض الحالات، فأحال بذلك حساسية النزاع – فكرة أخذ التأثير الإيجابي والسلبي للتدخلات في الحسبان وبالعكس، أي تأثير هذه السياقات على التدخلات- إلى مبدأ جوهري في المساعدة، يقول بربوليه (Barbolet et al)

    “تعزى فكرة حساسية النزاع إلى حد كبير لأدبيات مختلفة وفكر متباين عن تقويم تأثيرات السلم والنزاع، ولو أن هذا الخير ليس المصدر الفكري والتجريبي الأوحد الذي أثر على تطور مقاربات حساسية النزاع، كما أن كتاب ماري أندرسون بعنوان “لا تؤذ” (Do No Harm)، ومهمة تقويم النزعات الكبرى التي اضطلعت بها هيئة المعونة الأمريكية والبنك الدولي وغيرهما من الجهات المانحة ، وكتابات جوناثان جودهاند، وأكثر من ثلاثين عاما من الحوار العلمي حول السلم والتنمية ، كلها تطرح رؤى لها شأنها”.

   وسنركز في الصفحات التالية على مهمة تقويم النزاعات الكبرى التي سبقت الإشارة إليها وذلك لأني أشارك سائر الكتا اعتقادهم بأن إيجاد تجربة حساسية النزاع يعتبر تحليلا دقيقا ودائم التحديث للنزاع، إنه ركن الزاوية الذي يجب ربط تخطيط المشروعات وتنفيذها ومراقبتها وتقويمها به ، وأهمية تحليل النزاع كأساس لسلسلة من السياسات تبنيها المم المتحدة بأوضح عبارة فيما يلي : ” من المهم أن تصب التوصيات (من تحليل النزاع) في سائر أطر التخطيط المتاحة لنظام المم المتحدة في البلاد الانتقالية ، ومنها عملية الالتماسات المدمجة(CAP) ، وإطار التقويم العام للبلاد والمعونات التنموية (UNDAF) وعملية إستراتيجية الحد من الفقر (PRSP) وكذلك في خطط التنمية الوطنية ،وعلى أية حال فالباحثون في مجال بحوث النزاعات  يركزون منذ مدة طويلة على أهمية تحليل النزاع كشرط أساسي لفض النزاع المعياري ، يقول دنيس ساندول:

   “……..لكل تحول دون نشوب نزاعات مسلحة وحروب أو نتعامل معها لابد أن نعرف شيئا عن العوامل الكامنة وراءها كهوياتها وتسلسلها وثقلها النسبي وتركيباتها وتفاعلاتها ، أي أننا بحاجة إلى نظرية تساعدنا على تفسير هذه العمليات كهدف علمي له قيمته ،وكشرط لمحاولة إدارتها أو السيطرة عليها أو منعها أو التعامل معها”.[5]

    ولابد من توجيه تحذير في هذه المرحلة ، فالمناقشات الجارية تجنح إلى التركيز على نظرية حساسية النزاع وتطبيقها وتقدير التأثير أو الطريقة في مقابل النهج فإننا نركز في هذا الفصل وبشكل محدد على مجموعة أدوات هي أدوات تحليل النزاع، ونرى ضرورة توجيه هذا التحذير وذلك لوجود قدر كبير من اللبس بين طرق تحليل النزاع وممارسة حساسية النزاع، ونحن في ذلك نشارك دان سميث رأيه بأن:

” مسألة التحليل مبهمة بسبب التجاهل الشائع لمصطلحين ومفهومين مختلفين هما تقدير تأثير السلم والنزاع، وتحليل النزاع (أو تقويم النزاع)….. وهما مفهومان متقاربان ، وكل تقدير تأثير السلم والنزاع، يتضمن تحليلا للنزاع ،دقيقا ، لكنهما مختلفان وتحليل النزاع لا يشتمل بالضرورة على تقدير تأثير السلم والنزاع”.

نهج مشترك لتحليل النزاع؟ من أمثلة أطر تحليل النزاع المنهجية الإستراتيجية لتقويم النزاع التي وضعها جوناث جودهاند وطوني فو روبرت ووكر لوزارة التنمية الدولية البريطانية ، وإرشادات لتحليل النزاع لتخطيط المشروعات وإدارتها التي وضعتها مانويلا ليونهارت لهيئة التعاون التقني الألمانية ، وإطار تحليل النزاع الذي وضعه فريق منع النزاعات وإعادة البناء التابع للبنط الدولي ، وإطار تحليل النزاع في حالات التحول المشترك بين هيئات مختلفة تابعة للمم المتحدة ، وكما تشير ليونهارت فتجارب الهيئات الناشطة في مجال الحد من النزاعات المسلحة وتحويل مسارتها ، كهيئة الإنذار الدولي والتعامل مع النزاعات ومقرها المملكة المتحدة تسهم بدور كبير في هذه الجهود .

  إن أطر تحليل النزاع التي سبقت الإشارة إليها تتشابه إلى حد كبير ، وتبين أم إجماعا في الأنواع ظهر على مستوى السياسات ، أما إلى أي مدى يعكس ذلك (بل ينبع من) ما طرأ على دراسات السلم وأبحاث النزاع من تطورات فهذا ما سنركز عليه فيما يلي من هذا الفصل، هناك ثلاثة أفرع تحليلية عادة ما تعرضها هذه الأطر، هي :

  1. تحليل النزاع.
  2. تحليل ردود الفعل المطردة.
  3. التوصيات الإستراتيجية والتخطيطية .

     وعلينا أن نتبع خطى ليونهارت في ملاحظة أن هذه المنهجيات إجرائية التوجه، وبالتالي فهناك اهتمام كبير بالمرحلتين الثنية و الثالثة، (خارج نطاق هذا الفصل) اللتين تركزان على ردود الفعل المطردة وصوغ السياسات والخيارات العلمية ، والغرض من تحليل النزاع كما أشارت هذه الكتابة” هو تحقيق مزيد من فهم مناطق المشكلة التي يمكن للهيئات الخارجية أن تقدم فيها إسهاما فعليا بالحد من احتمالات النزاع وتطوير عملية بناء السلم”.

     وسواء أكان تركيزنا منصبا على تحليل الوضع الراهن في دارفور أو على  ما يعرف بأزمة ما بعد الانتخابات في كينيا أو محاولة الانقلاب في تشاد أو أزمة زيمبابوي فإن المرحلة الأولى أو تحليل النزاع نفسه تركز على ثلاثة  أفرع متداخلة هي: تحليل نقدي واستعراض للأبعاد الهيكلية للنزاع (متعددة المستويات ويقوم على الموضوع) مترادف مع تحليل للمصادر المتقاربة للنزاع ( متعدد المستويات ويقوم على الموضوع بالقدر نفسه) ، تحليل للعناصر الناشطة في النزاع أو الممسكين برهان النزاع، وتحليل القوى المحركة للنزاع، وتحديد هوية العوامل الهيكلية والظروف التي تعد ذات صلة سعيا إلى فهم شامل ونقدي للأبعاد الكامنة لوضع ما – سواء على مستوى سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو عسكري امني أو ثقافي أو ديني وعلى مستويات شتى من الأطياف الاجتماعية أيضا : محلي (المجتمع) أو إقليمي أو قومي أو شبه إقليمي أو دولي –  يتم بصورة متلازمة مع تحليل للعوامل المتقاربة التي أدت إلى نشوب النزاع ، وفي حالة أوضاع ما بعد الانتخابات في كينيا في آواخر ديسمبر 2008 يستلزم ذلك تقديرا للإرهاصات المباشرة لتفجر العنف (بما في ذلك الانتخابات والنزاع الانتخابي ولكن ليس قصرا عليهما) وتقص نقدي لما يعتبره جوناثان ” العوامل الطويلة المدى الكامنة وراء النزاع العنيف ” أو ” المصادر الرئيسية للتوتر والتي أدت أو قد تؤدي إلى نزاع معلن” هذه الظروف تصاغ بصيع متباينة في الأدبيات البحثية منها الأسباب الكامنة  وظروف نشأة النزاع عند دينيس ساندول ،والعناصر الهيكلية  عند تشارلز كينج(King 1997 :29) أو “الأسباب الكامنة وراء الحرب، عند كينيث والتر، وهي تعد انقسامات في النطاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتم على أساسها تعبئة الأفراد والجماعات للنزاع العنيف في الغالب .[6]

     هذه المصادر الرئيسية للتوترات قد نجدها في المن والبنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية في المجتمع المعنى، ويعزى بناء التحليل على التفرقة الفكرية بين الأسبابا الهيكلية والمتقاربة( مصطنعة في الغالب ولكنها لا تقل فائدة عند كاتب هذا الفصل) غلى تأملات نابعة من دراسات السلم وأبحاث النزاع على مدائر عقود عدة ، منها تفرقة جالتونج بين السلم الإيجابي والسلبي والمفهوم المحوري للعنف الهيكلي ،والأهم ان تحديد هوية الانقسامات الهيكلية في المجتمع لديه إمكانية تحديد مناطق أولوية التدخل ، لا سيما فيما يتعلق بمنع النزاع وبناء السلم.

     وعلى سبيل سياسي قد تشمل المصادر الهيكلية للنزاع نظاما سياسيا غير نيابي ضعيفا ، عدم وجود جهاز قضائي مستق، الفساد، ضعف الأحزاب ، غياب المشاركة الشعبية في الحكم أو الاستغلال السياسي للاختلافات العرقية الدينية ، على مستوى اقتصادي قد تشمل الفقر أو التخلف أو النظم الاقتصادية القائمة على التفرقة ، والإدارة تعقيد المصادر الهيكلية لمرتقبة قد تنقسم المقاربات موضوعيا حول الأفرع كتلك التي وضعها البنك الدولي وتشمل المؤسسات العرقية ومؤسسات الحكم السياسية وحقوق الإنسان والأمن والبنية والأداء الاقتصاديين والبيئة والموارد الطبيعية وأخيرا العوامل الخارجية ، وإذا أخذنا مثالا مجموعة متغيرات الحكم والمؤسسات السياسية فإن تحليل المسائل الهيكلية لابد أن يتبعه تقويم لمعادلة الحكم والمؤسسات السياسية “الاستقرار والمؤسسات السياسية” معادلة القانون والجهاز القضائي و”الصلات بين الحكومة ومواطنيها .

     ومن الأمور ذات الصلة بعديد من الأطر اقتراح وضع خريطة لمصادر النزاع الهيكلية وفقا لمختلف مجالات المسألة وحسب مختلف مستويات التحليل (محلي ، قومي، إقليمي ، دولي) وبعد استكشاف الصلات بين مستويات التوتر وأنواعه عنصرا حيويا في التحليل ، وهناك كما سنشير فيما بعد مجموعة مهمة نظريا  من الآراء تؤيد التحليل المتعدد المستويات، وينبغي إدراك أن هذا مطلوب في تنفيذ البرامج نظرا لميل الهيئات المنفذة للعمل على مستويات متباينة في الوقت نفسه (محلية وقومية مثلا) ، وإذا اعتبرت العوامل الهيكلية عوامل وفروقا متغلغلة وثابتة تتحول إلى جزء من سياسات المجتمع وبناه وثقافته وقد تهيئ الظروف اللازمة لنشوب النزاع المسلح فإن عوامل النزاع المباشرة يمكن اعتبارها عوامل قد تساعد على إيجاد مناخ موات للنزاع العنيف او لتفاقمه ، وفي بعض الحالات عرضنا لمشكلات أكبر ، وبذلك فبينما يمكن اعتبار الحكم غير المشروع أو غياب المشاركة السياسية عوامل هيكلية فإن تزايد انتهاكات حقوق الإنسان أو تدفق اللاجئين أو النزوح المكثف للسكان أو تزوير الانتخابات يمكن اعتبارها عوامل مباشرة ، ويدفعنا هذا كما سنشير فيما بعد إلى إدراك أن توافر ظروف النزاع الهيكلية نفسه يعد شرطا لازما  ولكنه غير كاف لاندلاع العنف.

   لتأخذ كمثال الانقسامات الحادة الاقتصادية الاجتماعية (والسياسية في الغالب) الناجمة عن الأنماط المنحرفة لتوزيع الأراضي في الجنوب الأفريقي – في أوضاع يغلب عليها ظروف اقتصادية واجتماعية واحدة في الغالب كالفقر والتخلف وعدم المساواة وانعدام القرض، فلماذا ينشب العنف في بلاد بعينها ودون غيرها حول حيازة الأرض واستخدامها؟ الشيء نفسه يصدق على العوامل المباشرة ، فعلى الرغم من أهميتها فهي لا تكفي لتفسير نشوب العنف ، ولماذا اندلع العنف في كينيا بهذه الصورة –  بسبب تزوير الانتخابات في الظاهر-  ولكنه لم يندلع في زمبابوي عقب انتخابات 2005 النيابية؟  وما أن يندلع العنف حتى يبدأ التركيز على الأحداث التي سبقت التصعيد مباشرة، والتي تبديها العناصر النشطة  لتبرير أفعالها ،والتي تخضع لتبريرات سريعة لأسباب مباشرة فتلقى اهتماما كبيرا باعتبارها مصادر للتوتر والنزاع، غلا أن هذا له نتائج كبيرة بالنسبة للممارسة اليومية للهيئات والأفراد الناشطين في منع النزاع وإدارته وفضه، وهذا سبب دمج كل من العوامل المباشرة والهيكلة معا في تحليل أي وضع بعينه  بأنه واضح بشكل كاف لدى الأمم المتحدة: ” فهم عوامل النزاع المباشرة أمر حيوي لضمان أن تعمل استراتيجيات تخطيط التحول ضد تأثير النزاع العنيف على المدى القصير ، وفي الوقت نفسه ينبغي تزويد تخطيط التحول بتحليل لعوامل النزاع الهيكلية وذلك لضمان أن تصبح مدخلاته أصولا لبناء السلم والتنمية الطويلي المدى”.

وما إن تتضح معالم  وضع ما من حيث حساسيته الهيكلية وتتحدد العوامل المباشرة فالخطوة التالية تحليل العناصر الفاعلة فيه أو الممسكين برهان النزاع، ويتم تحديد مصالح مختلف العناصر الفاعلة وجداول أعمالها ودوافعها ومواردها وقدراتها ومناقشة العلاقات فيما بينها ، وتفرق ليونهارت بين ممسكي الرهان الأساسيين (الأطراف المتورطة في النزاع ووحداتهم النشطة – السياسة أو المسلحة مثر، وممسكي الرهان الثانويين ) من يؤدون دور الوسطاء وتتوفر لهم وسائل شتى للتأثير على مسار النزاع )،[7]

 وممسكي الرهان الخارجيين (غير المتورطين بشكل مباشر في النزاع ولكن لهم مصالح معينة * كالدول لمجاورة مثلا والحكومات المانحة وغيرها) ، وبفهم الأفراد والجماعات والمؤسسات الداخلة في النزاع والمتاثرة به أيضا يمكن “للمخاطر المرتقبة المرتبطة بالتوريط مع العناصر الفاعلة الداخلية والخارجية أن تساعد على تناول مسألة “المفاوضين” والشركاء” الذين تتفاعل معهم جهات الدعم من الناحيتين الإنسانية والتنموية” ويرتبط ذلك بشكل وثيق بما يسمى “إمكانيات السلم- أي البنى والآليات والعمليات والمؤسسات الموجودة في المجتمع لإدارة النزاع سلميا.

    والخطورة الأخيرة في تحليل النزاع تنطوي عادة على ما يعرف بتحليل القوى المحركة للنزاع حيث يتم تحديد الأنماط والتوجهات واستكشاف من يعملون على تأجيج العنف، وبذلك يصبح من الممكن وضع تصورات للقوى المحركة للنزاع، فهل من المرجح أن يتفاقم النزاع أم يهدأ أو يظل على مستواه من الحدة؟ هلا لاندلاع العنف علاقة ببعض الجهات التي تعمل على تصعيد العنف؟ وما التوجهات الطويلة المدى التي يمكن ملاحظتها في بعض التطورات؟ وقيمة تحليل القوى المحركة للنزاع ومسار السيناريو (على المدى القصير والمتوسط والطويل) تعد دالة مباشرة على شمولية الخطوتين السابقتين له (التحليل الهيكلي والمباشر، وتحليل العناصر الفاعلة) ، ويساعد كل من تحديد هوية من يعملون على تأجيج العنف ووضع التصور على كشف النقاب عن عديد من المؤشرات أو العوامل الأساسية التي يتحتم مراقبتها ، وأي العوامل يرجح أن تؤجج القوى المحركة للنزاع أو تهدئتها؟ وأي المؤسسات أو العمليات يمكن أن تساعد على تهدئة التوترات أو إدارتها ؟ وما التصور الأرجح أن يحدث ولم؟

   تؤكد الهيئات المشاركة في تطوير أطر التحليل على الحاجة لإعداد المنهج لأوضاع بعينها ولغايات محددة بدلا من تطبيقها وعميانيا أو دون حساسية للسياق وهناك من يرى أن “القصد من تطبيق هذا الإطار يجب ألا يكون مجرد تسديد خانات، بل تنظيم عملية تساعد على التوصل لقدر من فهم العناصر التحليلية الأساسية ” ،كما يحذر آخرون من ان المنهجية ينبغي ألا تعتبر نسقا وأنها يجب أن:

  1. تتكيف مع احتياجات المستفيد النهائي وأهدافه .
  2. تتطور وفقا لطبيعة النزاع ومرحلته .
  3. تطور أنماط مرنة للتحليل .
  4. تشجع على التحليل المترابط.

  وتؤكد المم المتحدة على أن العملية ينبغي أن تصل إلى “فهم مشترك لأسباب النزاع العنيف ونتائجه” وأن هذا ما يجعل إطارها “يضع رؤية مشتركة لأسباب النزاع الكامنة ونتائجه كمدخل لإيجاد إستراتيجية تحول وتخطيط” .

نتائج : تحديات التطبيق ومآزقه في إفريقيا

    على مدار السنوات الخمس الأخيرة تولى عملية تقويم النزاعات عدد كبير من الهيئات (ربما كان أبرزها هيئات التنمية الدولية في أفريقيا كهيئة المعونة الأمريكية وغيرها وهيئات التعاون الفني كهيئات المم المتحدة وأيضا وهو الهم هيئات وورش عمل وجمعيات أهلية إقليمية افريقية)، وشيئا فشيئا تحولت إدارة تقويم النزاع باعتبارها مؤشرات لتخطيط التنمية والعون الإنساني وتدخلات إدارة النزاع( سواء ما يرتبط منها بمهام حفظ السلم أو نزع التسلح وتسريح الميليشات وخطط إعادة الدمج، او بوصفها أداة لتقويم الخطر الاستراتيجي) إلى جزء لا يجزأ من العمليات اليومية للهيئات في أفريقيا، وفي حين تبدو الطر لأول وهلة بسيطة  بصورة خادعة بتركيزها على “كيفية العمل” ، وطموحة في الموارد (الوقت والقدرات الإنسانية) المطلوبة فإن نظرة إلى العدد المتزايد من عمليات التقويم لبلاد أفريقيا (نيجريا وموزمبيق وروندا وجنوب أفريقيا) ومناطقها (البحيرات العظمى والقرن الأفريقي) تكشف عن تنامي استخدام هذه التقويمات والاعتماد عليها ، ومقاربات تحليل النزاع التي سبق تناولها نثير عديدا من التساؤلات المهمة وتطرح تحديات التطبيق في البيئة الأفريقية ، لذا تصبح مناقشة الفرضيات التي تقوم عليها هذه الأطر أمرا ذا صلة.[8]

أسباب النزاع:  تتعلق أولى هذه الفرضيات بمسألة العلية- فالباحث لا يستدرج في أية مرحلة إلى خط بحثي بعينه وفقا لمجموعة محددة سلفا من أسباب النزاع أو نمطية الأسباب والمفاهيم المعطاة هي مفاهيم لأسباب هيكلية ومباشرة والقضايا التي يتم تناولها متباينة ومعقدة والمجال مجال تحليل متعدد المستويات ، ما يحرر الفرد من القيد الذي تفرضه الأسباب ، ويمثل ذلك خروجا مهما عن هيمنة التفسيرات أحادية السبب للنزاع التي أعقبت الحرب الباردة ، وشهد “طغيان” السبب الواحد تغيرات يسميها ديفيد سينجر “المتهمين المعتادين” أي الأرض أو الإيديولوجيا أو الدين أو اللغة أو العرق أو تقرير المصير أو الموارد أو الأسواق أو الهيمنة أو المساواة أو الثأر .

  وكما أشرنا في موضع آخر فإن أمثلة التفسيرات أحادية العوامل وانماط النزاع تشمل نمط “النزاع العرقي” ونمط “حرب الموارد” وتلصق هذه التصنيفات في الغالب بصورة سطحية غير نقدية ،والنتيجة عرقلة خيارات حسن إدارة النزاع وفضه وبناء السلم. وغا كنا في تحليل النزاع المعاصر  في المنظور سلطنا الضوء على فرضية الجشع في جذر نظرية الجشع في مقابل الظلم فإننا سنركز في هذا الفصل وبإيجاز على النزاع العرقي كأحد أنماط النزاع- بل نمط أصبح في أوائل تسعينيات القرن العشرين أكثر المصطلحات رواجا وآخر معاقل تفسير النزاعات الاجتماعية المعاصرة.

  وهل هناك ما يترتب على تحليل الأحداث الخيرة في كينيا أو الحرب الأهلية في روانده أو العنف في إيتوراى (شرف جمهورية الكنغو الديمقراطية) أو الحرب الأهلية في أنجولا والتي انتهت في عام 2002 كنزاعات عرقية؟ وإذا كان كذلك فإلى أي مدى يختلف التحليل باختلاف الرؤى حول العرقية؟ وماذا يترتب على فهم أوضاع النزاع المسماة “عرقية” لو اعتبرت “العرقية” سمة جماعية أساسية أو متأصلة ذات أساسا بيولوجي ؟ (مثلا دن بيرج 1981) ومن ناحية أخرى ما النتائج لو تم تناول العرقية كجانب من الهوية فضفاض ومتغير حسب السياق أو ” أداة يستعين بها الأفراد أو الجماعات أو النخب لتحقيق غاية مادية أكبر “.

  ومع أن التفرقة بين هذين الرأيين المتعارضين في الظاهر قد تبدو علمية للوهلة الأولى فإن “مدى اعتبار الباحثين العرقية مباشرة وفطرية في مقابل الناشئ اجتماعيا يؤثر على المعتقدات عن نوعية النظم السياسية التي يمكن أن تعدل النزاع على أسس عرقية ، وفي التوجه القائم على البدائية تعتبر العرقية سمة ثابتة لدى الأفراد والجماعات ، فالعرقية امتدد جوهري للصلة التي توحد بين القارب ، فهي حتمية بمعنى أن “هويات الجماعات العرقية تتدفق من صلة قربى ممتدة وسلوكيات عامة مشتركة وتوارث المعايير والعادات الأساسية أو الثقافة العرقية عبر الأجيال ، ويؤدي ذلك بالكتاب من أنصار الأصالة إلى اعتبار الهوية العرقية شكلا مستقلا وفائقا من أشكال الهوية، ونتائج مثل هذا التوجه قوية، فإما تتحول النزاعات إلى نمط محدد تماما من النزاع لا صلة بين سماته وسائر النزاعات الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية ،والتوجه القائم على البدائية إذ يرى التقسيمات العرقية أمرا حتميا متأصلا في السمات البيولوجية وتدعمها قرون من ممارسات الماضي التي لا يسع الأفراد والجماعات الان أن يغيرونها فإنه يعتبر “النزاع نابعا من اختلافات عرقية وبالتالي فهو ليس بالضرورة بحاجة لتفسير ” والسبب في ذلك أن أنصار البدائية يرون أم قليلا من السمات الأخرى لدى الأفراد أو الجماعات ما يتسم بالثبات كالعرقية أو مصدر نزاع بالضرورة مثلها” .

   ويتناول الموقف الذرائعي الهوية العرقية بشكل مختلف تماما فالعرقية فيه “أداة يستغلها الأفراد أو الجماعات أو النخب للوصول إلى غاية مادية أكبر” .

  وهذه الرؤية الذرائعية للعرقية لدى سيسك ترى أن الهوية العرقية ” ذات نشأة اجتماعية غالبا ما توجدها أو تثبطها النخب السياسية الساعية للسلطة في أنساق اقتصادية واجتماعية محتومة تاريخيا”، وفيما يتصل بتحليل النزاع تنطوي هذه المعادلة بطبيعة الحال على عنصرين حرجين، هما دور النخب الساعية للسلطة في تعبئة الناس حول الهوية العرقية (وهو لا سبيل لفهمه بصورة صحيحة إلا من خلال تحليل شامل للعناصر الفاعلة وشبكاتهم، ومرجعية “الأنساق” الاقتصادية والاجتماعية – أي الأسباب الهيكلية والمباشرة في بحثنا هنا.

   وإضفاء الطابع الذرائعي على الهوية من جانب العناصر الفاعلة (وهو المبدأ الأساسي للتوجهات الذرائعية ) يفترض سلفا أن الهوية باعتبارها أكثر من مجرد عامل ثابت تنصاع للبناء والاستغلال الاجتماعيين وبالتالي تتأثر بالأنماط نفسها التي تميز تعبئة الجماعات على مستويات أخرى ولأغراض شتى والحقيقة أن الهوية كما تشير الجابري هي الصلة الأساسية بين التعبئة الفردية والجماعية من أجل النزاع ، سواء أكانت هوية مع الجماعة أو المجتمع أو الدولة ، حيث يجتمع ممثلوها على اللجوء للقوة في التعامل مع النزاع.[9]

    ونرى من جانبنا وتبعا لرأي سيسك أن الهوية لا سيما في علاقتها باندلاع ما يعرف بالنزاعات العرقية يمكن فهمها بشكل واضح في منتصف المسافة بين التوجه القائم على البدائية والتوجه الذرائعي ، وبذلك فبصوغ الهوية العرقية برؤية قائمة على البدائية والذرائعية تكون في وضع أفضل لفهم دورها ومكانتها وتطورها وطبيعتها الدينامية في مواقف النزاع المسلح، فتوجه كهذا يدفعنا مثلا إلى انتقاد نمط تفسير الضغائن القديمة” والذي يقارن بتفسير الإبادة الجماعية كما في رونداه وبوروندي ، كما أنه يضيع العنف الجاري في كينيا والنزاعات الخفيفة المستمرة في إثيوبيا أو محاولة الانقلاب في تشاد في منظور يصعب تحديده بدقة، من ثم يتحتم على الباحث في النزاعات أن يحلل نقديا   الأوضاع التي يمكن للمشاركين فيها والمراقبين لها أن يصفوها “بنزاعات عرقية” ويؤدي هذا إلى اعتبار أن الهوية العرقية وإن كانت حاجة إنسانية أساسية فهي فضفاضة وطيعة وناشئة ومتغيرة ، وفي يحن أن الهوية الثقافية قد تكون أقوى وأكثر احتمالا من معظم الهويات الجمعية الأخرى (كالإيديولوجية والطبقية) كما  يقول جور فالأرجح أن توجد أساسا للتعبئة السياسية والنزاع بإيجادها الأساس للتفرقة السلبية بين الشعوب (عدم المساواة بين الجماعات الثقافية في المكانة والرخاء الاقتصادي والوصول للسلطة السياسية) والتي تترسخ عن عمد من خلال السياسات العامة والممارسة الاجتماعية.

  هنا تصبح الكتابات الكلاسيكية لجيمس دايفييز وتدروبرت جور عن الحرمان النسبي ذات صلة نشأ نهج الحرمان النسبي لتفسير العنف الفردي والجماعي، ويعتبر هذا النهج الشعور النسبي بالحرمان أهم عوامل التذمر وتعبئة الناس للسلوك النزاعي ، وفي قلب التذمر  الفردي والجماعي تكمن فكرة التوقعات التي يستحيل تحقيقها ، ويرى ديفيز أن العنف السياسي ينجم عن هوة غير محتملة بين ما يريد الناس وما يحصلون عليه عن الفارق بين التوقع والإشباع ، وهذا التناقض يعد تجربة محبطة وجادة بما يكفي لأن تؤدي إلى تمرد أو ثورة.

  وفي هذا الصدد يوجهنا تطبيق النهج الهيكلي على تحليل النزاع من جانب الجابري في كتابها بعنوان “مقالات في العنف” (Discourses on voilence)  الوجهة الصحيحة، فهي تقول إن العلاقة بين العناصر الفاعلة ولغات خطابهم وتصرفاتهم هي التي تظهر فيها مسألة الهوية وبالتالي الهوية العرقية ، فإذا كانت السمة الغالبة على الهوية وامتدادها الهوية العرقية التعارض أو الاختلاف بمعنى أن هويتي تصاغ في تعارض مع نقيضها فعلينا أن نحدد موقع فهم هذا النوع من الوسائط من خلال الممارسات التي تشكل مثل هذه التفسيرات وتدعيمها ، معنى هذا أن البحث لا ينبغي أن يركز على مفهوم مباشر وغير نقدي وصريح “للجماعة العرقية” (الفاعل) باعتباره منشئ الممارسة الاجتماعية )النزاع العرقي في مفهومنا) ولكن لا ينبغي أيضا أن ينطوي على التخلي عن الجماعة العرقية باعتبارها الفاعل أو على إلغائها ، ولهذا المر صلة وثيقة بتحليل النزاع لأنه يسمح بتفسير دينامي للأحداث وذو فائدة خاصة في فهم جماعات النزاع وتطورها والدور الحيوي للتعبئة وأنماطها .

  وباشتراط تقويم العلية على شتى مستويات الطيف الاجتماعي وعلاقته بمختلف مجالات القضية تسمح المناهج التي تناقشها بإتباع نهج أشمل في تناول أسباب الحرب، نهج يقوم على حقيقة فحواها أن أي نزاع له أكثر من سبب وأن الأسباب يمكن العثور عليها في أكثر من نوع من المواقع ، من ثم يجب تحاشي تفسيرات الحرب القائمة على سبب واحد أو عمل واحد لأنها تؤدي إلى تبسيط ظاهرة معقدة الوجه ، وهو مطلب تؤكد عليه فيفيان الجابري حيث تقول إن “تاريخ العنف السياسي البشري يبين أنه لا يسعنا أن ننتج تفسيرات أحادية السبب للحروب” في حين يرى مايكل براون أن “أفضل الدراسات العلمية للنزاع الداخلي تستمد قوتها من عدم ركونها إلى تفسيرات أحادية العوامل، بل تسعى لنسج عوامل عدة في تناول أعقد” وهو ما يقصده جوناثان جودهاند بقوله:

” من ثم فدعم منهجية تقويم النزاع يتمثل في افتراض أن ليس ثم إطار تفسيري واحد لتناول مثل هذه الأنساق النزاعية المعقدة ،والتحدي هو مزج عناصر فكرية متباينة …. وتكمن قيمة التحليل في إدراك الصلات والتدخلات بين مصادر التوتر في شتى القطاعات وعلى مختلف الصعد” .

 المستويات والعناصر الفاعلة والتعبئة ، إن تحويل التركيز الذي يشمله التحول عن المستوى الكلي إلى تحليلات تركز على العناصر الفاعلة المحلية والأوضاع المحلية يفسر جزئيا أهمية التحليل المتعدد المستويات في الطر التي سبق أن تناولنا ،وفي مجال العلاقات الدولية يجنح تناول أسباب الحروب بصفة  عامة إلى إتباع ما يسمى بتوجيه ” مستوى التحليل ” ومستويات التحليل ” وضعها أصلا كينيت والتس في كتابهç الكبير ” الإنسان والدولة والحرب” [10]

ويرى التس أن من الطرق المناسبة لتناول وفرة المناهج والنظريات حول أسباب الحرب تقسيمها حسب الموقع الذي تضع  فيه البؤرة الأصلية لأسباب الحرب في الطيف الاجتماعي ، ومن بين وفرة ما كتب عن أسباب الحروب يشر والتس إلى ثلاثة توجيهات رئيسة عن السبب الحاسم للحرب لدى كل من الكتاب الذين تناولنا،وبإطلاقه عبارة العلاقات الدولية ” على هذه التوجهات يقسم والتس الأدبيات الغريزة المشار إليها إلى ثلاثة عناوين هي مفهوم الفرد” ” ومفهوم الدولة القومية ” ومفهوم نظام الدولة”.

   والنقطة المهمة في كتاب “الإنسان والدولة والحرب” تتعلق بفرضية والتس بأن المفاهيم الثلاثة جميعا ضرورية لفهم أسباب الحرب ، فيقول هو نفسه إن  ” مزيجا من مفاهيمنا الثلاثة لا أحدها دون غيره ضروري لفهم العلاقات الدولية فهما دقيقا…. أي أن فهم النتائج المحتملة لأي سبب بعينه قد يتوقف على فهم علاقته بسائر الأسباب ” وتتضح أهمية أخذ المفاهيم الثلاثة في الاعتبار في الفقرة التالية: ” لابد من إدراك أهمية الإنسان والدولة ونظام الدولة في أية محاولة لفهم العلاقات الدولية، وهو نادرا ما يدركه المحللون حيث يركزون على أحدها ويتجاهلون الزاخرين ” ويقول إن “شعبية أي مفهوم تختلف حسب الزمان والمكان ، لكن مفهوما واحدا لا يكفي” ، وإن نتيجة  التركيز على مفهوم واحد قد تفسد تفسير غيره ” وكان والتس يدرك أن الحرب والنزاع المسلح لهما أكثر من سبب وأن “الأسباب يمكن العثور عليها في أكثر من نوع واحد من الأماكن” وقد يبدأ المحلل من أحد المستويات المحددة في حين أن اخذ المفاهيم الثلاثة جميعا في الحسبان يعد ضروريا لأن “الوصفات التي تستفي من مفهوم واحد مباشرة تعتبر منقوصة ، لأنها تقوم على تحليلات جزئية ،والسمة الجزئية لكل مفهوم تخلق توترا يدفع المرء إلى إدراج الاخرين” .

 والهوية محورية بالنسبة لمعظم الجماعات المتورطة في الحروب المعاصرة في كفاحها من أجل تقرير المصير أو الاستقلال أو الحكم الذاتي أو الانفصال أو المشاركة في الحكم ، وتحليل النزاع المعاصر يبدأ عند بعض الكتاب على مستوى الوحدة بالنظر إلى جماعات النزاع نفسها، وهذا التركيز يتبع خطى إدوارد عازر وهو من رواد مبحث النزاع، وكان يرى أن ” أكثر وحدات التحليل فائدة في حالات النزاع الاجتماعي المطول ” هي جماعة الهوية – العرقية والعنصرية والدينية والثقافية وغيرها ، ويتوسع عازر في موقف جون بيرتون من مركزية الاحتياجات الإنسانية الأساسية في نظرية النزاع معتبرا أن الاحتياجات الأساسية في نظرية النزاع معتبرا أن الاحتياجات الأساسية كالمن والاعتراف الجمعي وعدالة التوزيع أصلية وبالتالي ثابتة ومؤكدا على أن هذه الاحتياجات يتم التعبير عنها عبر الهوية الجمعية الدينية أو الثقافية أو العرقية ويقر بوضوح أن المشكلة تكمن في صوغ النزاعات المعاصرة في إطار المصالح المادية كالامتيازات التجارية أو تملك الموارد ، في حين أن الشواهد العلمية تبين أنها “ليست كذلك” .

من المهم إذن فهم الطريقة التي تنظم الجماعات بها نفسها حين تعي أنها في موقف مواجهة مع جماعة أخرى، وبذلك فالجماعة لا تحددها المصلحة المشتركة وحدها فلا بد للتعريف أن يقوم على التواصل والتفاعل، ولفهم الطرق التي تشكل بها الجماعات نوعا من الكيانات الجمعية وتصبح على وعي بذلك من خلال التشارك في قدر من الظلم والسخط، لابد من نهج سلوكي أو تفاعلي لديناميات النزاع وكما يشير ميتشل “فالنزاعات ليست ظواهر جامدة ، وبالتالي فالجوانب الدينامية للنزاع والتي تغير بنيتها وعلاقاتها وتفاعلاتها بمرور الزمن تعد جوانب أساسية لأي تحليل رصين”

  إذن فدمج الديناميات في تحليل النزاعات أمر أساسي ، وفي هذا الصدد يقدم كتاب لويس كريسبرج الذي أصبح من الكلاسيكيات الآن بعنوان “النزاعات الاجتماعية” رؤية سلوكية باعتبار النزاعات الاجتماعية علاقات اجتماعية.

“”…… في كل مرحلة من النزاع تتفاعل الأطراف اجتماعيا ، فيؤثر كل طرف على الطريقة التي  يتصرف بها غيره ويبدي رد فعل تجاه غيره ويستبق (كذا) ردود فعل غيره، حتى الغايات التي يسعى إليها كل طرف تنشأ عبر التفاعل مع الخصوم”.

  كما يؤكد كريسبرج على أن أي موقف نزاعي يكون ناجما عن تزعمات متشابكة عدة، ووجود نزاعات متشابكة متعددة يؤدي إلى التواصل بين مختلف المراحل بمعنى أن كل نزاع يعد جزءا من نزاع أكبر وتصاحبه نزاعات أخرى، حتى أن كل نزاعية قد تكون في مرحلة بعينها ضمن النزاع الرئيس ، ولكنها في مرحلة أخرى تكون ضمن نزاعات أخرى متصلة غير بؤرية ، فعمليتا التوقع والتغذية الارتجاعية مثلا تؤثران على كل من مراحل النزاع وتوجد تواصلا واعتمادا متبادلا بين المراحل ، وعمليتا التوقع والتغذية الارتجاعية في دورات النزاع أدتان لما يسميه ساندول عمليتي نزاع استثارة الذات وتخليد الذات، وبذلك فقد تفسر التصرفات الدفاعية كتهديد (ما يعرف ب المأزق المني) ما يساعد على إيجاد تفاعلات ودورات نزاعية .[11]

 كما أن من السمات الثابتة لعمليات النزاع ما يعرف بسوء فهم قدرات الخصوم والدول الثالثة ونواياهم كما يقول ليفاي.

 ولحجم جماعات النزاع وتكوينها ولا سيما رؤيتها الإيديولوجية أهميتها حيث تساعد على تفسير اختياراتها نهجا بعينه في النزاع ، فحجم الجماعة ومعايير مشاركتها وتجربتها في المحاولات السابقة لإصلاح أوجه كلها سمات مهمة . وجماعات النزاع تبدي درجات شتى من التنظيم ووضوح  الحدود. ففي حين تكون لدولة ما حدود واضحة ومرسمة قد تبدي جماعة عرقية ما درجة أقل وضوح الحدود ، وهذا أمر  له أهميته في فهم الطريقة التي يتم بها تعبئة الأطراف في  مختلف جماعات النزاع والأساس الذي تتم تعبئتها عليه وتنظيمها من أجل السلوك النزاعي والشيء نفسه يصدق على درجة التنظيم حيث تتفاوت بدرجة هائلة من جماعة أو طرف نزاعي محتمل وآخر، بل إن درجة تنظيم جماعة نزاع ما تساعد أيضا على تفسير عملية التجنيد سواء الفعلية أو المراقبة،والتنويعات في مواقف القادة من ثم فمن المهم فهم تكوين جماعات النزاع وما تعتبره إجحافا وطريقة صوغها أهدافها وما تتبع من سبل لتحقيقها.

   ولابد أيضا من النظر إلى قرارات النخب وتصرفاتها ، فيرى براون أن ” لعديد من النزاعات الداخلية تنجم عن عوامل داخلية على مستوى القاعدة ، ومع ذلك فإن غالبيتها الساحقة تنتج عن عوامل داخلية على مستوى النخب” ، ويضيف أن الزعماء غير الأسوياء هم المشكلة الأكبر ” ، وسواء أكان الزعماء يركنون في تصرفاتهم إلى المعتقدات الإيديولوجية (الخاصة بتنظيم الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلد ما) ، وسواء أكانت تصرفاتهم ناجمة في جوهرها عن صراعات على السلطة بما قد يؤدي إلى تعديات على سيادة الدولة فإن للزعماء الفرادى وجماعات النخب دورا لا مجال لإنكاره في نشأة النزاعات وتفاقمها ، وهذا النهج في الاستدلال ينظر إلى الطرق التي تؤجج بها النخب السياسية النزاع ” في أوقات القلاقل السياسية والاقتصادية بهدف صد منافسيهم في الداخل ” .

   وفي أي نزاع عنيف تتأثر العلاقات بين الخصوم بآليات اجتماعية نفسية كالخوف والبغض والشك.  وبمعاناة الطرفين نتاج السلوك النزاعي تزداد شكوكهم في الخصم وتنشأ حواجز التواصل .و” ….بتفاقم الصراع تجنح وسائل الصراع إلى الزوال من النزاع الأساسي ، وبذلك قد يعتبر النزاع ذا مكونات “غير واقعية” .

   وما أن ينشب العنف حتى تبدأ القضايا المتنازع عليها في التضخم وتبرز إلى السطح سائر القضايا الأخلاقية المرتقبة أيضا ، ويرى كريسبرج أن هذا التمدد في القضايا قد يؤدي إلى تضخيم الأهداف الفرعية التي تصبح ذات صلة مضافة  لطرفي النزاع : “….. وما أن يبلغ السلوك النزاعي نقطة يبدأ عندها اللجوء إلى التهديدات والتصرفات القهرية الحادة تكون هناك دينامية تفاعلية تساعد على توسيع نطاق القضية المتنازع عليها”.

  ومن المتغيرات الأخرى في العلاقات بين جماعات النزاع النسق الاجتماعي الذي تشكله أو الذي تنتمي إليه ، ونظرا لأن السياق الاجتماعي الذي تعيش فيه أكراف النزاع يعد من مصادر سخطهم والقناة التي يستمدون منها تصرفاتهم في آن معا فمن المهم التحرك لأعلى لمستوى واحد من مستوى جماعات النزاع . وعلى المرء أن يتذكر أن النزاعات الاجتماعية المطولة لها عند عازر شروط تتمثل في أربع مجموعات من المتغيرات هي: المضمون الجمعي، والحرمان من الاحتياجات الإنسانية ، والحكم ودور الدولة ، والارتباطات الدولية. وللانتقال لمستوى واحد أعلى في تحليل النزاع لتأمل دور الدولة أهميته لأن “العلاقة بين جماعات الهوية والدول التي تحتل قلب المشكلة ” .

    وعلينا الآن أن نتحول إلى مستوى  الدولة لفهم الظروف الضمنية  والمباشرة لنشوب النزاع ، تنشب غالبية النزاعات المسلحة المعاصرة في بلدان متخلفة ربما تمر بعمليات تحديث سريعة أو تحولات سياسية  وكذا في بلدان تتسم الدولة فيها بالضعف والاضمحلال ، ومشكلة ضعف الدولة وفشلها يجب النظر إليها من منظور الشرعية السياسية  وما إذا كانت لديها مؤسسات حكم قادرة على فرض سيطرتها على سكاتها وكامل  الأراضي الخاضعة لنطاق سلطتها ، ومسألتا الشرعية والكفاءة تتسمان بدقة خاصة . فكما يشير كل من فان دي جور وروسينغ وسيارون “ينبغي الرجوع بظاهرتي الدولة الضعيفة أو الفاشلة في “العالم الثالث ” إلى العلاقات بين الدول وقدرة الدولة – الحكومة المركزية – على الحفاظ على بنية الدولة” كما أن مشكلات ضعف الدولة تبدو متوطنة في البلدان المتخلفة والمستعمرة سابقا، فالبلدان ذات الخلفية الاستعمارية والتحديد العشوائي للحدود من قبل قوى خارجية وانعدام التماسك وحداثة اتخاذ الوضع القانوني للدولة والتخلف كلها عرضة للنزاع، وفي حالات كهذه لا مفر من أن تكون عمليات بناء الدولة  نزاعية ، وتزيد احتمالات النزاع بمحاولات بناء الأمة.[12]

    والحالات التي تتسم بإرث استعماري وبما يسميه عازر “المجتمعات الضعيفة” (تفسح الصلة بين الدولة والمجتمع) يعتبرها ميال ” ملازمة لانتشار النزاع لا سيما في الدول غير المتجانسة حيث لا وجود لإرث من المواطنة المشتركة والمتساوية قانونيا” ، وتؤكد التفسيرات التي تركز على الإرث الاستعماري أن المأزق بعد الاستعماري كما تعبر عنه محاولات بناء دولة ما بعد الاستقلال من الأسباب الرئيسة للرخاء المعاصر. ويشتما هذا المأزق مثلا على بنى للسلطة من ابتكار الحكام الاستعماريين السابقين وتقوم عادة على بنى موحدة تسيطر على تنويعة من الشعوب الإقليمية أو الجماعات العرقية والقبلية أو حيثما كانت السلطة الاستعمارية السابقة تدعم جماعة عرقية بعينها ، أو فراغ السلطة الناجم عن جلاء متعجل للاستعمار بما يؤدي إلى تناحر على السلطة والسيطرة على الموارد الطبيعية والأرض بين الأطراف المتناحرة أو الشعوب أو أو الجماعات العرقية.

   وفي الحالات التي تعجز بنى الدولة فيها عن تلبية الحاجات الأساسية (المن المادي والوصول إلى المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتقبل الهوية الجمعية) يميل الأفراد إلى العودة للوسائل البديلة لتلبيتها ، وسبق أن رأينا أن الوعي بذات ككل وكشرط لنشأة الجماعة يتوقف على وجود انقسامات تشكل أساس لتعريف بالذات للجمعية ، كما تناولنا كيف يمكن لهذه الانقسامات والتقسيمات أن تقوم على القومية أو العرق أو الإيديولوجيا أو الطبقة أو الديانة أو العمر أو الجنس، إلخ . وسواء أتفاقم أحد النزاعات إلى درجة اللجوء للعنف أم لا فهو أوثق صلة بالنظام السياسي ولا سيما بمدى ما تتسم به مؤسسات الحكم من تفرقة أو بقيامها على إيديولوجيات إقصائية ، وكما يشير إدوارد عازر فإن ” ….معظم  الدول في البلدان التي تعاني نزاعات اجتماعية مطوية ليست محايدة ” في أن ” “السلطة السياسية تحتكرها جماعة هوية سائدة أو تحالف من جماعات هوية ” و” هذه الجماعات تستغل الدولة كأداة لتعظيم مصالحها على حساب غيرها…. ووسائل تلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية موزعة دون تساو فتزيد فرص النزاعات الاجتماعية المطولة”.

   لذا فتحليل النظام السياسي يعد ضروريا للتوصل إلى فهم تام لأية حالة نزاع، فنوعية نظام الحكم والنظام السياسي وأسسه الإيديولوجية وما يتمتع به من شرعية ونيابية كلها تؤثر بشدة على أنماط العلاقات بسائر العناصر الفاعلة في المجتمع. وفي النظام الشمولية القمعية الاقصائية تزداد احتمالات الانشقاق ، وبالتالي يزداد الميل للنزاع . والأسس الإيديولوجية لنظام ما تؤثر على نمط علاقته بمختلف جماعات المجتمع وسبل فض النزاعات، وتساعد إيديولوجيات النظم الإقصائية القائمة على التمييز العرقي والديني والسياسي والطبقي على التفرقة بين قطاعات المجتمع بمنع ” الدولة من تلبية احتياجات مختلف عناصرها “. وبالتالي تؤجج السخط.

   والعوامل الاقتصادية أساسية أيضا بالنسبة لفهم الأسباب المباشرة للنزاع ، فكما يشير ميال إلى أنه من “الصعب مرة أخرى دحض مقولة عازر بأن النزاع الاجتماعي المطول يرتبط بأنماط التخلف أو التنمية غير المتساوية ” . وتساعد التحولات المتعجلة وسط الفقر والإقصاء الاجتماعي وارتفاع معدلات البطالة والركون إلى صادرات السلع الواحدة على زيادة احتمالات النزاع المسلحن وإضافة إلى النزاعات القائمة على سوء التوزيع داخل المجتمعات والمرتبط بندرة الموارد فوجود الموارد الطبيعية التي يسهل استخراجها ومقايضتها (الخشب ، المعادن، النفط) يقوي احتمالات نشوب النزاعات ، يقول مايكل برلون : “….تساعد البطالة والتضخم والتنافس على الموارد ولا سيما على الأرض على زيادة الإحباطات والتوترات الاجتماعية ويمكن أن تمهد الساحة للنزاع . و الإصلاح الاقتصادي لا يساعد دائما وقد تفاقم  المشكلة على المدى القصير، لا سيما إذا اشتدت حدة الصدمات الاقتصادية وتوقف الدعم الحكومي للغذاء وسائر السلع والخدمات الأساسية والرعاية الاجتماعية ” .

  ويشتد تأثير العوامل الاقتصادية بخاصة حين ترتبط بأنماط التوزيع بين الجماعات ، فإحساس بعض الجماعات بوجود تفرقة واضحة في الفرص الاقتصادية والوصول إلى الموارد والفوارق الشاسعة في مستويات المعيشة بين الجماعات يساعد على الشعور بالظلم ، كما أن عمليات التحديث المتعجلة قد تزيد من فرص  النزاع  في مجتمع ما بما قد يترتب عليها من تغييرات هيكلية عميقة –  كالهجرة والتحول الحضري وغيرهما ، كما تؤثر أنماط التفرقة هذه على الجماعات ثقافيا واجتماعيا . ففرص التعليم والاعتراف بلغات الأقليات وعاداتها والتنميط الاجتماعي وإلقاء اللوم على الغير بناء على الخصائص الثقافية والاجتماعية للجماعات – كلها تساعد على تدهور العلاقات بين مختلف فئات المجتمع وتزيد من فرص نشوب النزاع .[13]

  وأخيرا فلا بد أيضا لتحليل النزاع من ان يأخذ في الحسبان المستويات الإقليمية والدولية وتأثيرها على بعض النزاعات، وهو ما يسميه إدوارد عازر “الصلات الدولية ” والذي يعد من الأفرع الرئيسة الأربع للمتغيرات التي تسهم في نشوب النزاعات الاجتماعية المطولة ، وكما يقول ما يكل براون “فمع أن الدول المجاورة والتنمية في الدول المجاورة نادرا ما تشغل حروبا أهلية شاملة فإن النزاعات الداخلية كلها تقريبا تزج بالدول المجاورة فيها بصورة أو بأخرى ” ، وبالتالي فتورط طرف ثالث بما يؤدي إلى التصعيد أو التهدئة يعد مهما في تحليل معظم النزاعات المسلحة المعاصرة ، فالأطراف الثالثة قد تؤجج صراعا بدعم الأطراف المتنازعة ، او تهدئ صراعا من خلال بذل مساع لفض النزاع سلميا.

“….. الأطراف الخارجية لسيوا مجرد موالين محتملين ثم فعليين فتدخلهم وتورطهم النشط أعقد من مجرد اختيار أحد الأطراف لنصرته ، وتدخلهم يغير أبعاد النزاع والنتائج الممكنة لكافة الأطراف …. للأطراف الخارجية مصالحها الخاصة وهذه المصالح تؤثر على تصرفهم في أي نزاع ، وإذا كان الطرف الخارجي على قدر كاف من القوة بالنسبة للمتنازعين فقد يتمكن من فرض شروطه على أطراف النزاع ………”

   وماذا عن المستوى الدولي؟ يوضح ميال ورامزبوتان وودهاوس ثلاثة اتجاهات متداخلة تشير على مستوى عالمي إلى مصادر للنزاعات المعاصرة :

“…. أشكال عدم المساواة العميقة والثابتة في التوزيع العالمي للثروة والقوة الاقتصادية ،والقيود البيئية الناجمة عن أفعال البشر وتتفاقم نتيجة للإفراط في استهلاك الطاقة في العالم المتقدم والنمو السكاني في العالم المتخلف ، ما يجعل من الصعب تحسن الرخاء البشري عن طريق النمو الاقتصادي التقليدي، والمستمرة للعلاقات الأمنية ومنها انتشار أسلحة الدمار …..”

كلمة ختامية “…. اثبت البحث بوضوح أي العوامل أهم في دراسة النزاع العنيف . والنزاعات تاريخية ودينامية ومتعددة بعضها غير متوقع وغير مقصود، كما أنها تشتمل على عدد كبير من العناصر الفاعلة ويجب تناولها من مستويات متباينة من التحليل والتدخل ….”

   يعد تطور تحليل النزاع وأطر تقويمه والتوسع في تطبيقهما إنجازا مهما يشهد بفوائد الحوار المتعدد المباحث بين الباحثين والممارسين ، ومن الافتراضات الكامنة وراء إيجاد هذه الطر ما صار جزءا من أدبيات مباحث عدة منذ فترة ، إلا أن تطبيقها في الواقع العملي لاسيما في أفريقيا ظل ضعيفا إلى وقت قريب ، ونود أن نختتم هذه الصفحات بالنظر في تحد إضافي واحد يواجه التطبيق . فتحليل النزاع لأغراض التقويم الاستراتيجي والسلم وقياس تاثير النزاع أو كفاية التدخلات التنموية وكما طورته هيئات عديدة في بيئات  متباينة لا ينبغي اعتباره ممارسات فردية، بل يجب في الأنشطة اليومية للهيئات ، وينطبق ذلك بصفة خاصة على المؤسسات المشاركة في منع النزاعات وإدارتها وفضها –  ونشير هنا غلى البعد القارى( الاتحاد الأفريقي) والبعد الإقليمي (التجمعات الاقتصادية الإقليمية ) .

  وكما تبين في كل من دارفور والصومال وشرق الكونغو (شمال كيفو بخاصة) هناك حاجة ماسة للمراقبة المستمرة وتحليل الحالات المتغيرة .

  ولكن إذا كان تحليل الأحداث اليومية في هذه المناطق ولا سيما ظهور استراتيجيات استجابة مناسبة يهدف إلى تجاوز الهدف إلى إطفاء النيران” ، والمشاركة بشكل مباشر من أجل إيجاد سلم ثابت وادائم فإن فهم الظروف الهيكلية الكامنة وراء نشوب النزاع يمثل ضرورة ، ونرى من جانبنا أن لهذه الأطر دور مهم في هذا الصدد، إذ تساعد على التعمق في فهم التفاعل بين ما يسميه ساندول “النزاع كطرف طارئ ”  و”النزاع كعملية ” .  ولا سبيل لقياس التوازن الدقيق بينهما في أية مرحلة من تطور النزاع إلا بالتحليل الدقيق والشامل . وكما يشير ساندول : ” ليس التحديد الثابت للمتغيرات وما قد يستحق النظر فيه منها –  النزاع كطرف طارئ- هو الذي يتخطى ظروف البدء هذه ، بل تحديد العمليات الدينامية : النزاع كعملية …..” . وفيما يتعلق بمراحل النزاع أجدني أتفق مع فرضية ساندول بأنه ” ما أن يصل المر إلى توصيف النزاع فليس  المهم كيف بدأ النزاع (أو متى) ” و النتيجة أن ” ظروف البدء على اختلافها يمكن أن تؤدي إلى العملية نفسها (اندلاع ، تصعيد ، استمرار منضبط) ” ولا شك في رأينا أن السلم الإيجابي لا مجال لتحقيقه إلا بتناول  الأبعاد الهيكلية التي تميز أية حالة عنف ، ولابد من فهمها لتحقيقها . من ثم فلابد من التركيز على العملية قدر التركيز على ظروف البدء ، وبطريقة تربطها بظروف البدء، وبالتالي يظل بناء السلم الهيكلي والثقافي هو الهدف الأسمى بتعبير جولتانج. [14]

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى