النظم السياسية المقارنةدراسات سياسيةمنهجية التحليل السياسي

منهج ونظرية تحليل النظم في العلوم السياسية

مفهوم النظام السياسي

أولا : التعريف بالنظام السياسي

تقليديا كان النظام السياسي يفهم كمرادف لنظام الحكم . فالمدرية الدستورية التي سادت قبل الحرب العالمية الثانية والتي لا زال لها أنصار حتى الآن فهمت النظام السياسي على أنه المؤسسات السياسية ، وبذات الحكومية الموجودة في مجتمع معين ، أي السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية إلا أنه تحت تأثير المدرسة السلوكية أصبح يقصد بالنظام السياسي مجموعات تفاعلات السياسية والعلاقات المتداخلة والمتشابكة المتعلقة بالظاهرة السياسية. فعلى سبيل المثال يعرف إيستون Eston النظام ا لسياسي بأنه ” مجموعة من التفاعلات والأدوار التي تتعلق بالتوزيع السلطوي للقيم ” وعلى هذا فإن تخصيص القيم ( أي من يحصل على مادا ) تعتبر في رأي ايستون الخاصية الأساسية للنظام السياسي ، ففي أي مجتمع تنشأ خلافات بين الأفراد حول توزيع القيم (( السلع والخدمات )) ولمواجهة هذا الوضع يطلع النظام السياسي دائما بعملية التوزيع بما يتخذه من قرارات ملزمة للجميع.

ينتقد جابرائيل ألموند هذا التعريف من حيث يرى ان التخصيص السلطوي للقيم لا يميز النظام السياسي على النظم الأخرى كالعائلة مثلا . ويعرف النظام ا لسياسي بأنه نظام التفاعلات الموجودة في كافة المجتمعات المستقلة والتي تطلع بوظيفتي التكامل والتكيف داخليا ( أي في إطار المجتمع ذاته ) وخارجيا ( أي بين المجتمع والمجتمعات الاخرى ) عن طريق استخدام أو التهديد باستخدام الإرغام المادي المشروع . وبهذا يرى ألموند بالإكراه المادي المشروع محك التفرقة بين النظام السياسي والنظم الاجتماعية الأخرى . ذلك ان ا لقوة المشروعة هي التى تضمن تماسك النظام السياسي .

ويرى بوبرت داهل أن النظام السياسي هو ” نمط مستمر للعلاقات الإنسانية يتضمن الى حد كبير القوة والحكم والسلطة ” .

النظام السياسي ، إذا ، مجموعة تفاعلات وشبكة معقدة من العلاقات الإنسانية تتضمن عناصر القوة أو السلطة أو الحكم . النظم السياسية بهذا المعنى ليست موضحة على خرائط . بالرغم أننا نردد عبارات ” النظام السياسي المصري ” أو ” النظام السياسي الفرنسي ” إلى أنه لا يوجد بالضرورة تطابق بين حدود النظام السياسي المصري أو الفرنسي وبين حدود دولة مصر أو فرنسا ، والسبب في ذلك مزدوج :

  • أن مفهوم النظام السياسي يختلف عن مفهوم الدولة لأن الأول لا يعدو كونه مفهوما أو مركبا تحليليا يستخدم لفهم الظاهرة السياسية ، أو لتسهي عملية التحليل . النظام ليس له وجود واقعي وانما هو موجود في أذهاننا . انه لا يوجد في شكل محدد في العالم الواقعي وإنما هو بمثابة تصور يستخدمه الباحث لتحليل جوانب الظاهرة موضع البحث
  • يعتمد وجود النظام فقط على وجود نمط مستمر من العلاقات الإنسانية بينما يتطلب وجود الدولة عناصر أخرى كالإقليم وقدر من السيادة أو الاستقلال أو السلطة . إن الباحث يستطيع ، مثلا ، أن يعين حدود مصر ومحافظاتها ومراكزها وقراها بالنظر إلى الخرائط المتاحة ، ولكنه لا يستطيع ان يعين حقوقا إقليمية للنظام المصري ، أو للحزب الوطني الديمقراطي أو للبرلمان أو للحكم المحلي في محافظة ما طالما فهم هذه الأنظمة السياسية على أنها أنماط مستمرة من التفاعلات بين المواطنين. إن ا لنظم السياسية ، في حدودها للفهم ، تتميز بثلاث خصائص :
  • النظام يتضمن تفاعلا بين أعضاءه أو وحداته . هذا التفاعل قد يكون فرديا أو جماعيا ، مباشرا أو غير مباشر ، ثنائيا أو متعدد الأطراف .
  • هذا التفاعل بين الأفراد أو الوحدات يصل إلى نقطة الإعتماد المتبادل بمعني أن أفعال طرف ما تؤثر في بقية الأطراف أو أن التغير في وحدة ما يؤثر على باقي الوحدات .
  • كافة النظم السياسية تتجه نحو الحفاظ على ذاتها فكل نظام يبني مؤسسات ويتبع ممارسات يقصد من ورائها أن يحافظ على وجوده ، أن يبقى عبر الزمن .

هذه الخصائص الثلاث، التفاعل والاعتماد المتبادل والحفاظ على الذات ، على عنصر ا لقوة والسلطة ، إذا تتوفر في تجمع بشري استحالة اعتباره نظام سياسيا . وبالمقابل ، فإن اي تجمع يحوز هذه الصفات يعد نظام سياسي . ومن هنا ، يمكن تصور تعدد النظم السياسية في داخل الدولة الواحدة . فهناك نظام السياسي الدول أو الأكبر الذي يضم العديد من النظم الفرعية . بل ان نفس النظام الفرعي قد يضم نظما فرعية أخرى وهذا يثير مفهوم تداخل او تشابك النظم السياسية . بل ان نفس الفرد قد ينتمي إلى أكثر من نظام سياسي . كذلك يحدث التفاعل بين النظم السياسية عبر الحدود القومية . فالنظام الفرعي في دولة ما قد يتفاعل مع النظم الفرعية في دول أخرى . إن النظام لسياسي ، منظور إليه بالمعنى السابق ليس هو الحكومة ، ولكنه أوسع منها واشمل . فالحكومة جزء من النظام السياسي يتعلق بالمؤسسات الرسمية المعنية بالصنع وتنفيذ القرارات ومباشرة عمليات التقاضي. الحكومة هي الإطار التي يتم فيه العمليات التشريعية والتنفيذية والقضائية والإدارية للنظام السياسي إلى إن جانبا كبير من النشاط السياسي يمارس خارج المؤسسات الحكومية ، اي في الأحزاب وجماعات المصالح …..هذه المؤسسات غير الحكومية تشكل جزء من النظام السياسي ، ولكنها لا تعد جزء من الحكومة . ومعنى هذا أن النظام السياسي لا يضم الأجهزة الحكومية . بل أيضا أنماط التفاعل السياسي الأخرى التي تحدث خارج هذه الأجهزة وتؤثر عليها.

ثانيا النظام السياسي والنظام الاجتماعي :

 

لا يوجد النظام السياسي في فراغ وانما في بيئة يتأثر بها ويؤثر فيها .

وبرغم تناوله كنظام مستقل إلا انه واقعيا يتفاعل مع النظم المجتمعية الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهو يتفاعل أيضا مع البيئة الخارجية إقليمية وعالمية .

هذه الرؤية يوضحها استعراض بعض محاولات تحديد عناصر او مكونات النظام السياسي . فعلى سبيل المثال ، يتحدث أبتر عن ثلاثة عناصر : التدرج الاجتماعي والحكومة والجماعات السياسية .

يثير التدرج الاجتماعي سؤالين : ما هي معايير التدرج : هل هي اقتصادية ، أو سياسية ، أو دينية او تعليمية ؟ ثم ما هي طبيعة أنماط التجنيد في المجموعات الاجتماعية الكبرى هل نمط التجنيد مفتوح او مغلق ؟ معتمد على الانجاز ام الواسطة؟

وتتحمل الحكومة مسؤولية الحفاظ على النظام السياسي . وتحتكر عمل سلطة الإرغام او الإكراه ، ويحدد ( ابتر ) خمسة عناصر بنائية للحكومة :

  • بناء سلطوي لصناعة القرارات ، وتتضمن عملية صنع القرار وضع بدائل واختيار بديل أو أكثر لتنفيذه وتثير هذه العملية عدة قضايا من قبيل : من يصنع القرار ؟ كيف يصنع القرار ؟ ما هو نطاق القرار ؟ ما هي درجة المركزية في صنع القرار ؟
  • بناء المحاسبة والموافقة بمعنى وجود إجراءات يمن للحكومة من خلالها ان تحاسب وتراقب الاجهزة التى تتكون منها . ثم وجود نظام يسمح للحكومة باستطلاع رأي مختلف القوى الاجتماعية بخصوص موضوع معي . فحث يوجد نظام فعال للمحاسبة والموافقة ( كما هو الحال في النظم الديمقراطية ) يستطيع صانعوا القرار تقييم أثار أو نتائج القرارات ، والعكس بالعكس .
  • بناء الإرغام والعقاب ، بمعنى وجود أساليب للإكراه تكون بمثابة الرادع من مخالفة القانون ، والمعاقب لمن يخرج عليه . وتتنوع أشكال الإكراه فمنها ما هو مادي ( حرمان اقتصادي ، تعذيب بدني ) ومنها ما هو معنوي ( تلقين قيم ومفاهيم جديدة مثل مفهوم المواطن المثالي والتشهير ، والاستهجان الجماعي … ).
  • بناء واستغلال توزيع الموارد ، ويدخل في ذلك مسائل الضرائب وتقدير الدخول ونظم الرعاية الاجتماعية ففي كل مجتمع تكونا لحاجات أكثر من الموارد المتاحة مما يفرض على الحكومة ان تقوم بعملية تعبئة وتخصيص لهذه الموارد حسب القواعد التي تضعها .
  • بناء التجنيد السياسي وإسناد الأدوار ، فالحكومة تقوم دائما بتجنيد عناصر جديدة تشارك في المسؤولية وتكون جزء من النخبة السياسية ، وتختلف أساليب التجنيد من نظام سياسي إلى أخر .

ويشير مفهوم الجماعات السياسية إلى كل ما يتعلق بالأحزاب وجماعات المصالح .

أما ” روي مكريدس ” فيرى ان دراسة النظام السياسي تقتضي تناول العناصر الثلاثة :

  • الاسس السياسية بمعنى بيئة النظام أو العوامل اتي تشكله وتحدد حركته مثل : الميراث التاريخي والمعطيات الجغرافية ، والنظام الاقتصادي والتركيب الاجتماعي والإطار الثقافي
  • الديناميات ا لسياسية وتتضمن الديناميات السياسية والأحزاب السياسية وجماعات المصالح والقيادة السياسية .
  • c- صنع القرار ، يشمل دراسة الشكل الدستوري والأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية والبيروقراطية ومدى كفاءتها في أداء وظائفها .

ويعتقد ” مكريدس ” أن جوهر العملية السياسية يكمن في التفاعل بين الإطار المجتمعي والمؤسسات الحكومية ، فالإطار المجتمعي هو البيئة الذي يتحرك فيها النظام وجماعات المصالح والأحزاب هي همزة الوصل بين البيئة وصناع القرار . والقيادة السياسية تستوعب مطالب المحكومين وتوازن بينها وتتخذ القرارات والسياسات على ضوء ذلك . ويتوقف بقاء واستقرار البقاء السياسي على مدي الكفاءة في أداء كل هذه العمليات ، فإذا لم يسمح للأفراد – مثلا – بالتعبير عن مطالبهم بشكل سلمي ( أي من خلال القنوات الشرعية ) أو إذا فشلت الحكومة في الاستجابة لهذه المطالب بات من المحتمل ان يلجئوا إلى العنف لتحقيق مصالحهم ولا يخفى في ذلك للتهديد من الاستقرار السياسي .

ويطرح ” صمويل بير ” نموذجا للنظام السياسي يقوم على أربعة محاور :

  • نمط المصالح الذي يشير إلى كل ما يتعلق بعملية صنع السياسة وتحديد الأهداف داخل المجتمع السياسي ، وكالبديل لمصطلح نمط المصلحة قد يستخدم لفظ نمط صنع السياسة او لفظ نمط صنع القرارات الأساسية .
  • نمط القوة الذي يقصد به كل الوسائل أو الآليات المتاحة لتنفيذ القرارات ( البيروقراطية بجناحيها المدني والعسكري ، ثم الجماعات المنظمة داخل القطاع الخاص ) .
  • نمط السياسة ، بمعنى مخرجات النظام السياسي يفي علاقتها بالبيئة . وهنا تتم دراسة السياسات من حيث أنواعها ومضمونها وتأثيرها على المجتمع .
  • نمط الثقافة السياسية ، هي التوجهات والتصورات الخاصة بالشرعية السياسية .

ان الاجتهادات السابقة ، رغم ما بينها من أوجه الاختلاف تتفق على ان النظام السياسي مفهوم أوسع من الحكومة وان التفاعلات السياسية تحدث بين النظام والبيئة بشقيها الداخلي والخارجي وفيما بين المؤسسات السياسية .

كان النظام السياسي يُفهم كمرادف لنظام الحكم. فالمدرسة الدستورية التي سادت قبل الحرب العالمية الثانية والتي لا زال لها أنصار حتى الآن فهمت النظام السياسي على أنه المؤسسات السياسية، وبالذات الحكومية الموجودة في مجتمع معين، أي السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية إلا أنه تحت تأثير المدرسة السلوكية أصبح يقصد بالنظام السياسي مجموعات التفاعلات السياسية والعلاقات المتداخلة والمتشابكة المتعلقة بالظاهرة السياسية. فعلى سبيل المثال يعرف إيستون Eston النظام السياسي بأنه ” مجموعة من التفاعلات والأدوار التي تتعلق بالتوزيع السلطوي للقيم ” وعلى هذا فإن تخصيص القيم ( أي من يحصل على ماذا ) تعتبر في رأي إيستون الخاصية الأساسية للنظام السياسي، ففي أي مجتمع تنشأ خلافات بين الأفراد حول توزيع القيم (السلع والخدمات) ولمواجهة هذا الوضع يطلع النظام السياسي دائما بعملية التوزيع بما يتخذه من قرارات ملزمة للجميع.

خصائص مفهوم النظام السياسي

  1. الشمول Comprehensiveness بمعنى أنه يشمل كافة العمليات المتعلقة بالظاهرة فالنظام السياسي مثلا يشمل كل العمليات – المدخلات والمخرجات – التي تؤثر على استخدام القهر المادي، فهو لا يقتصر على الهيئات الحكومية الرسمية كالبرلمان والسلطة التنفيذية والقضائية أو الأحزاب وجماعات المصالح بل يشمل أيضا كل الجماعات التي تساهم في العملية السياسية بشكل جزئي كالجماعات ذات النسب والجماعات الطبقية ذات الوضع الخاص والطوائف الدينية والإضرابات والمظاهرات.
  2. الاعتماد المتبادل :INTERDEPENDENCE بمعنى أن أي تغير في أحد أجزاء النظام يؤدى إلي تغيرات عديدة أخرى وهنا ينبغي التمييز بين الاعتماد المتبادل والانسجام أو التوافق،فالنظرة الوظيفية لا تفترض بالضرورة التوافق بين العناصر المختلفة المكونة للنظام ولكن الاعتماد المتبادل بينها.
  3. وجود حدود BOUNDARIES بمعنى أنه توجد نقطة تصورية تنتهي عندها النظم الأخرى ويبدأ النظام السياسي فالمؤسسة الدينية مثلا ليست جزءا من النظام السياسي ولكن عندما تطالب الجماعة الدينية ما عن طريق الصحافة الدينية أو السلطات الدينية بمطالب معينة فإنها تصبح جزءا منه. ويؤكد “آلموند” أن الحدود بين المجتمع والسياسة تختلف من مجتمع لأخر تبعا للأوضاع الاجتماعية والثقافية السائدة

النظام السياسي مفهوم أكاديمي : هل لو سافرت إلي بلد معين تستطيع أن تحدد مكان النظام السياسي؟

النظام السياسي مجموعة تفاعلات وشبكة معقدة من العلاقات الإنسانية تتضمن عناصر القوة أو السلطة أو الحكم. النظم السياسية بهذا المعنى ليست موضحة على خرائط. بالرغم أننا نردد عبارات ” النظام السياسي المصري ” أو ” النظام السياسي الفرنسي ” إلي أنه لا يوجد بالضرورة تطابق بين حدود النظام السياسي المصري أو الفرنسي وبين حدود دولة مصر أو فرنسا، والسبب في ذلك مزدوج:

  • أن مفهوم النظام السياسي يختلف عن مفهوم الدولة لأن الأول لا يعدو كونه مفهوما أو مركبا تحليليا يستخدم لفهم الظاهرة السياسية، أو لتسهي عملية التحليل. النظام ليس له وجود واقعي وإنما هو موجود في أذهاننا. انه لا يوجد في شكل محدد في العالم الواقعي وإنما هو بمثابة تصور يستخدمه الباحث لتحليل جوانب الظاهرة موضع البحث
  • يعتمد وجود النظام فقط على وجود نمط مستمر من العلاقات الإنسانية بينما يتطلب وجود الدولة عناصر اخرى كالإقليم وقدر من السيادة أو الاستقلال أو السلطة. إن الباحث يستطيع، مثلا، أن يعين حدود مصر ومحافظاتها ومراكزها وقراها بالنظر إلي الخرائط المتاحة، ولكنه لا يستطيع ان يعين مكانا محددا للنظام السياسي في مصر أو في الأردن أو في فلسطين أو في سوريا.. الخ. إن النظم السياسية، في حدودها للفهم، تتميز بثلاث خصائص :
  • النظام يتضمن تفاعلا بين أعضاءه أو وحداته. هذا التفاعل قد يكون فرديا أو جماعيا، مباشرا أو غير مباشر، ثنائيا أو متعدد الأطراف.
  • هذا التفاعل بين الأفراد أو الوحدات يصل إلي نقطة الاعتماد المتبادل بمعني أن أفعال طرف ما تؤثر في بقية الأطراف أو أن التغير في وحدة ما يؤثر على باقي الوحدات.
  • كافة النظم السياسية تتجه نحو الحفاظ على ذاتها فكل نظام يبني مؤسسات ويتبع ممارسات يقصد من ورائها أن يحافظ على وجوده، أن يبقى عبر الزمن.

هذه الخصائص الثلاث، التفاعل والاعتماد المتبادل والحفاظ على الذات، على عنصر ا لقوة والسلطة، إذا تتوفر في تجمع بشري استحالة اعتباره نظام سياسيا.

الخصائص العامة للنظم السياسية                                                                            

  1. جميع النظم السياسية ذات أبنية سياسية : فالنظام السياسي هو ظاهرة عالمية توجد في كل المجتمعات ويشمل كل نظام على عدد من الأبنية فكل نظام سياسي يتضمن عددا من الأبنية والهياكل البسيطة والمركبة المختلفة، التقليدية أو الحديثة، وبذلك يكون صحيحا القول بأن أبسط المجتمعات تمتلك شكلا من أشكال البناء أساسي ويمكن المقارنة بين النظم السياسية على أساس مدى التخصص البنائي أو مدى تعقده.
  2. وجود وظائف متشابهة : فهناك عدد من الوظائف تقوم بتأديتها كل النظم السياسية في كل المجتمعات وان كانت النظم تتفاوت في مدى ممارسة كل وظيفة، وكذا تختلف في أنواع الأبنية التي تقوم بذلك. ويمكن المقارنة في هذا المجال من حيث تعدد مرات الممارسة لهذه الوظائف وأنواع الأبنية التي تقوم بها والأسلوب الذي تتم به.
  3. تعدد الوظائف : بمعنى أنه يمكن لنفس البنيان بأن يقوم بأكثر من وظيفة واحدة فالبناء أو التنظيم الواحد يمكن أن يقوم بأكثر من وظيفة تبعا لشكل النظام السياسي والثقافة السائدة.

نظم مختلطة: فكل نظام سياسي يضم عادة عناصر متعددة تجمع بين التقليدية المعاصرة البساطة والتعقيد فالنظم مختلفة بالمعنى الثقافي وتجمع بين عناصر قديمة وحديثة، وتتباين المجتمعات على أساس تشبه وجود كل من هذين النوعين فيها ومدى غلبة أيهما.

منهج ونظرية تحليل النظم والمنهج الوظيفي – البنائي

تشهد العلوم الاجتماعية منذ الحرب العالمية الثانية اهتماما متزايدا بمناهج البحث حتى ان البعض أسمى ذلك بثورة المنهجية ,ومن أهم هذه المناهج تحليل النظم والمنهج البنائي -الوظيفي ,ونحن نجمع في دراستهما على أساس العلاقة الوثيقة التي تربط بينهما وقيامهما على افتراضات نظرية متقاربة ,وكما يذكر عالم السياسة الأمريكي جابرييل الموند فان دراسات الحكومات المرنة والعلوم السياسية التقليدية بدأت تفقد قدرتها تدريجيا على الإحاطة بالظواهر السياسية المعاصرة فى غضون الخمسين سنة الأخيرة ,فلمفاهيم الخاصة بالفصل بين السلطات والحكم النيابي ظهرت فى فترة كان فيها حق الانتخاب مقيدا ,وكانت الوظيفة الحكومية احتكارا للطبقة الأرستقراطية او بعض العناصر المرموقة من الطبقة الوسطى ,وعندما كانت الأحزاب وجماعات المصالح تمثل ظواهر محدودة في المجتمع وعندما كانت المشاركة السياسية محدودة . أما الآن فقد أصبح حق الانتخاب عاما وتطورت شبكة معقدة من المنظمات والهيئات وجماعات المصالح ، وتطور نظام الاتصال الأمر الذي فرض مناهج بحث جديدة وطرقا جديدة للاقتراب من الظاهرة السياسية . وترجع أمور هذا المنهج إلى النظرية العضوية وعلم الأحياء ومن ابرز أمثلتها نظرية داروين في التطور وفكرته عن الانتخاب الطبيعي وفي علم الاجتماع تجد الوظيفة أصولها لدى أميل دروكهايم وراد كليف براون ومالينوفسكي ، كما يجد الاتجاه الوظيفي في علم السياسة أصول في أحد تقاليد النظرية السياسية وهي تلك الخاصة بتحليل العملية السياسية والتميز بين صنع القرار والحركة السياسية ، ففي القرنين السابع عشر والثامن عشر برزت فكرة الفصل بين السلطات بما تتضمنه من أن العملية السياسية تشمل ثلاثة عناصر : التشريع والإدارة والقضاء ، وكان الاعتقاد السائد ان الفصل بين السلطات يؤدي الى دعم مبادئ الحرية والملكية والعدالة، ان النظم التى تأخذ بهذا الفصل     يتوافر لها عنصر الحرية والاستقلال. وفي بداية الخمسينات بدأ فيض جديد من الكتابات الأكاديمية في هذا الموضوع يبرز إلى الوجود وبذات فبي مجال الانتربولوجي والاجتماع (ميرتون ، بارسونز ،شيلز ، ليفي )ثم في علم النفس (في مجال ديناميكية الجماعات على وجه الخصوص ثم في علم السياسة (ايستون ، الموند ، ابتر ، باي ، كولمان) حتى أصبحت في منصف الستينات احد المناهج السائدة، ان لم تكن المنهج السائد وبذات في الولايات المتحدة -كأداة للبحث وكمنهج للتفسير في علم السياسة واستخدمت في العديد من فروعه كالنظم السياسية والإدارة العامة والعلاقات الدولية وتحليل السياسة الخارجية ،حتى ان البعض وصفها بأنها أفضل المناهج لتطوير النظرية (90).

ونسارع منذ البداية بالقول أن مفهوم النظام يشير إلى مجموعة من المتغيرات المرتبطة بظاهرة معينة والتي تقوم بينها تفاعلات وعلاقات ارتباطيه أكثر من تلك التى تجمعها مع أي نظام آخر بحيث يمكن تميز هذه المجموعة من التفاعلات عن المجموعات الأخرى ، وهكذا فان أي نظام يتكون من ثلاثة عناصر أساسية :

  • المتغيرات التي يتكون منها النظام .
  • العلاقات والتفاعلات التى تقوم بين هذه المتغيرات .
  • الحدود التي تفصل بين النظام وغيره من النظم الاجتماعية الاخرى .

كذلك فان نظاما ما يمكن أن يشمل عددا من الأنظمة الفرعية sub systems فالكونجرس الأمريكي على سبيل المثال يمكن أن يدرس باعتباره نظاما ، ويمكن اعتباره في نفس الوقت نظاما فرعيا بالنسبة للنظام السياسي الأمريكي ، كما يمكن أن ندرس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ لاعتبارها نظاما تابعا للكونجرس ، ومن ثم يوجد عدد من المستويات التي يمكن أن يطبق تحليل النظم عليها.

وينبغي التأكيد على ان التميز بين النظام السياسي والنظام الاقتصادي والنظام الثقافي هو تميز ذو طبيعة تحليلية analytical وليست واقعية أو محددة concrete  بمعنى أن الواقع الاجتماعي لا يعرف هذا الفصل التعسفي بين الأنظمة ، ولكن الأبحاث يلجأ الى ذلك لتسهيل مهمة البحث وتحديد إطار الظاهرة والكشف عن متغيراتها والعلاقة القائمة بينها، كذلك لا يقصد بالفكرة النظام الاستقلال الكامل للنظم عن بعضها البعض بل ان هناك علاقات تأثير وتأثر بين النظم القائمة في مجتمع ما بعضها وبعض .

نحن اذن ننطلق بالمفهوم وحدة وترابط الحقيقة الاجتماعية ، وان مختلف الأنظمة الاجتماعية (أساسية واقتصادية وثقافية وأخلاقية …. الخ) ترتبط ببعضها البعض جدليا وتتكامل وظيفيا ،ومن ثم فان اى تحليل أصيل للنظام السياسي عليه أن يدخل في اعتباره الإطار الاجتماعي -الاقتصادي للظاهرة السياسية دون أن يحول الظاهرة السياسية إلى متغير تابع .فصحيح ان الظاهرة السياسية تتأثر وتعكس في حركتها مختلف مظاهر الحقيقة الاجتماعية بصفة عامة ،ولكنها تمتلك ذاتيتها المستقلة وحركتها الخاصة ومن ثم فإنها تمارس تأثيرا على الواقع الاجتماعي بل يمكن القول بأنه في عديد من البلدان المختلفة يلعب النظام السياسي دورا أساسيا في تشكيل حياة المجتمع وإعادة صياغة علاقاته الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية

نموذج دافيد إيستون (91):

أول تطور هام في مجال دراسة تحليل النظم وهى كتاب دافيد إيستون بعنوان

” النظام السياسي “الذي صدر عام 1953، ففي هذا الكتاب أثار إيستون ضرورة بناء نظرية عامة للعلوم الاجتماعية وأكد على ضرورة التنظير للعملية السياسية كلياتها وعدم   الاكتفاء بدراسة بعض جوانبها منذ ذلك الوقت أصبح إيستون احد كبار الدعاة لتحليل النظم وعبر عن هذا الاهتمام في أكثر من دراسة ومؤلف له حول   هذا الموضوع نقطة الانطلاق بالنسبة لأستون هي فكرة النظام وتعنى بالنسبة له مجموعة مترابطة من المتغيرات التي تدور حول ظاهرة معينة ومن ثمة فان النظام السياسي مثلا هو مجموعة التفاعلات التي تحدث في أي مجتمع والتي يتم من خلالها عملية التخصيص السلطوي للقيم أو صنع السياسة العامة ويتكون النظام السياسي من أربعة عناصر أساسية:

  • المدخلات INPUTS وتتكون من مطالب وهذه قد تكون مطالب مادية تتعلق بتوزيع السلع والخدمات أو مطالب تتعلق بتنظيم السلوك الاجتماعي أو مطالب سياسية تتعلق بالرغبة في المشاركة ،والتأيد (وقد يتمثل في تأييد مادي كدفع الضرائب أو التطوع للجيش أو تأييد أدبي يتمثل في الالتزام بالقانون وطاعته)0 ومن حيث مصدر المدخلات يمكن أن يكون داخليا أو خارجيا
  • عملية التحويل CONVERSION حيث يتم تحليل واستيعاب هذه المطالب فى أبنية النظام التشريعية والتنفيذية.
  • المخرجات OUTPUTS وتتمثل فى السياسات والقرارات التى يصدرها النظام.
  • التغذية الاسترجاعية FEEDBACK وتتضمن تأثير المخرجات على بيئة النظام السياسي من حيث إشباعها لمطالب قائمة أو خلقها لمطالب جديدة .

وهكذا يبدو النظام السياسي كدائرة متكاملة ذات طابع ديناميكي حركي تبدأ بالمدجلاتInputs وتنتهي بالمخرجات outputs وتقوم عملية التغذية الاسترجاعية بمهمة الربط بين جانب المدخلات وجانب المخرجات .ويقدم ايستون العديد من التفصيلات حول كيفية عمل النظام السياسي فالنظام مثلا لا يستجيب إلى كل المطالب التي تواجهه بل يقوم بعملية اختيار واتقاء لهذه المطالب ولده أدوات لتنظيم المطالب من حيث النوع والحجم (أداة بنائية وهى مؤسسات التعبير عن المصالح لجماعات المصالح والأحزاب وأدوات ثقافية تتمثل في أنماط الثقافة السياسية وتحديدها لنوع المطالب)

وإذا ازداد حجم المطالب أو تغيرت طبيعتها بحيث يؤدى إلى عجز النظام عن مواجهتها والاستجابة إليها يحدث نوع من عدم التوازن بين مدخلات النظام وقدرات النظام والأمر الذي يؤدى الى توتر سياسي قد يصل إلى حد العنف وانقطاع قنوات الاتصال السياسي.

ويثير الباحثون فى مجال تحليل النظم عددا من الأسئلة التى ترتبط بالعلاقة بين المدخلات والمخرجات، والأشكال المختلفة لعملية التحويل وطبيعة التفاعلات والمؤسسات المرتبطة بها ، وأى أنواع المخرجات ، تؤدى إلي بقاء النظام واستمراره.

نموذج جابراييل ألموند

إذا كان إيستون يركز في تحليله على فكرة النظام وتحليل النظم ،وهناك البعض الأخر مثل آلموند ممن ركزوا على فكرة الوظيفة واتخذوا منها منطلقا للتحليل .

الفكرة الأساسية فى التفسير الوظيفي هي الكشف عن علاقة ظاهرة معينة -عادة ما تكون سلوكا اجتماعيا متكررا -بالنظام الذي يشكل إطار الظاهرة ، ويتكون التفسير من عدد من الافتراضات PROPOSITIONS التي تحدد نتائج أثار الظاهرة على النظام . فالتفسير الوظيفة بالنسبة لجسم الإنسان مثلا يمكن أن يعرفنا بأثر نشاط الكبد على النظام التوزيعي أو النظام الهضمي .بعبارة أخرى جوهر الوظيفة هى دراسة النشاط أو مجموعة الأنشطة التي يستلزمها استمرار وسلامة النظام موضوع البحث فالجسم البشرى يتكون من عدة أنظمة يتولى كل منها وظائف محددة ، وأداء هذه الوظائف ضروري لحفظ الجسد.وكذا النظام السياسي تتولى أبنيته المختلفة الوظائف الضرورية لاستمراره ويترتب على إخفاق هذه الأبنية المختلفة الوظائف الضرورية لاستمراره ويترتب على إخفاق هذه الأبنية فى أداء وظائفها أصابه النظام بنوع من عدم التوازن الوظيفي ، ومن ثم فان السلوك الوظيفي هو ذلك الذي يؤدى إلى استقرار النظام واستمراره ، والسلوك غير الوظيفي هو ذلك الذي يؤدى إلى الإقلال من فرص بقاء النظام واستمراره .

والسؤال الذي يتوجه به الباحث عادة في إطار المنهج الوظيفي هو: ما هي الأبنية التي تقوم بأداء الوظائف الأساسية للنظام وتحت أية ظروف يتم ذلك ، على أساس أن هذه الوظائف ذات طابع عالي تقوم كل الأنظمة السياسية بأدائها ، وان أدائها يقود الى حفظ التوازن والاستقرار بينما يؤدى الإخلال بها إلى التوتر وعدم الاستقرار .

وفى مقالته الرائدة في كتاب السياسة في المناطق المتخلفة (1961)حدد الموند الهدف من استخدام المنهج الوظيفي بأنه بناء نظرية وظيفية لعلم السياسة ويبدأ الموند بتحديد مفهوم النظام ثم يحدد الخصائص العامة للنظم السياسية وأخيرا وظائفها.

الدكتور كمال الأسطل

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى