دراسات سوسيولوجية

موقف الإسلام من التطرف الديني

إعداد: عمّارة عمروس، باحثة جزائرية متخصصة في الشؤون الأمنية والإستراتيجية.

ملتقي الباحثين السياسيين العرب Arab political researchers forum 

ينبذ الإسلام ظاهرة التطرف الديني ويحذر منها لما فيها من بذور الفتن والتفرقة، ولأن التطرف يبدأ بأمور بسيطة ليتطور إلى ما هو أكبر وأكثر ضررا على الفرد ذاته وعلى مجتمعه والدولة التي يعيش فيها. وقد عُني الإسلام بإصلاح الفرد نفسيا وسلوكيا من خلال مبادئ الشريعة الإسلامية، والتي هي بمثابة الضابط للممارسات والمحدد للجائز من عدمه. أخذ التطرف تسميات عديدة في الدين الإسلامي كالتشدد والغلو و”التنطُّع″، وجميعها يُشار به إلى ظاهرة التطرف في الدين.

من مظاهر التطرف تكفيرُ الآخر، “ولم تُعان أمة الإسلام من محنة نزلت بها مثل معاناتها من التكفيريين والانتحاريين الذين يترجمون الجهل بالقرآن والسنة ومذاهب المسلمين ومقاصد الشريعة”[1]. لذلك ورد عن النبي –صلى الله عليه وسلم- عدد من الأحاديث في نبذ التطرف الديني، كقوله: “يا أيها الناس إياكم والغلوَّ في الدين، فإنه أهلك من قبلَكم الغُلُوُّ في الدين”. وجاء في قول ابن القيم رحمه الله: “إنه حضّ على الأخذ بالوسط، لأن فيه النجاة من الظلم، فالأمور إذا كانت وسطا بين الطرفين المذمومين كانت عدلا، وإن انحرفت إلى أحدهما كانت نقصا، وأثمرت نقصا”[2].

والتطرف الديني تجسيد حقيقي للفرقة في المجتمع وشيوع ظاهرة الكراهية والحقد والتعصب والطائفية. كما أنه من مظاهر الوحشية وتعبير عن فشل إمكانية الحوار والتعايش، فضلا عن الابتعاد عن النهج الإسلامي القويم. وفي القرار رقم 154 الصادر عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وردت توصيات بخصوص موقف الإسلام الصريح من ظواهر التطرف والإرهاب، من بينها أن العمل الإرهابي سلوك غير مشروع بنص الدين، وهو يندرج تحت صنف جريمة “الحرابة”[3]. فالإرهاب محرم في الإسلام لأنه إفساد في الأرض واعتداء على الحرمات، ونشرٌ للرعب والفزع، كما أنه “نقيض الرحمة، والإسلام دينُ الرحمة”[4].

والشائع في ظاهرة التطرف الديني في المجتمعات المسلمة أن من يشوهون صورة الإسلام هم من الفئات التي “تعمل على انتزاع بعض الآيات من السياق القرآني وفصلها عن أسباب التنزيل، واستعمالها تبعا للتركيب اللغوي وحده أو وفقا للتركيب اللفظي دون سواه”. وكمثال على ذلك تفسير الآية الكريمة: “من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون” (سورة المائدة، الآية 44)، والتي نزلت في شأن يهود المدينة الذين طالبوا النبي –صلى الله عليه وسلم- بأن يحكم في مسألة زنا وقعت بين يهوديين، في حين أن الجماعات التكفيرية تتخذها شعارا لمحاربة الأنظمة السياسية الحاكمة بغير ما أنزل الله فتصفها بالكفر[5]. والتطرف في جميع الأحوال “يمثل خطرا محدقا على الدين، لأنه ينبني بالأساس على التحامل على الأحكام وتحميل النصوص المقدسة معان أكثر مما تحتملها، تحقيقا لمآرب أخرى في صالح الجماعة وليس في صالح الدين”[6].

وفي شأن الحق في الحياة، جاء في القرآن الكريم: “أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا” (سورة المائدة، الآية 32). وحتى في الحروب نهى النبي –صلى الله عليه وسلم- عن التعدي على الأطفال والنساء والشيوخ. كما أن حرية المعتقد ظلت مكفولة، فقد جعل الإسلام لأهل الكتاب حقوقا معترفا بها انطلاقا من مبدأ التسامح والتعايش ومكارم الأخلاق. ورفع الدين الإسلامي الحرج عن فئات عديدة في المجتمع في أداء الفرائض والواجبات، كالمريض والمسافر وغيرهما، وهي من مظاهر الرخصة والاعتدال والوسطية في هذا الدين. فالدين الإسلامي دين يسر وليس دين عسر، حتى أن الرسالة المحمدية جاءت متدرجة في الأوامر والنواهي لتواكب عقول الناس على اختلاف مستوياتهم وتركيبتهم النفسية.

لقد جاء الإسلام برسالة نبيلة وإن أُسيءَ فهمُها لدى الكثير من المسلمين أنفسهم، حتى باتت فوضى التأويلات للنصوص الدينية طاغية على المشهد الديني في المنطقة العربية، وهي أحد العوامل الأساسية في تكوين صورة “المسلم المتطرف-الإرهابي” لدى الغرب والمجتمعات الأخرى.

والوسطية هي الأصل في الدين، ومصدر الوسطية في الإسلام هو القرآن والسنة، في حين أن مصدر التطرف هو الفوضى في تأويل النصوص اتّباعًا للأهواء، ولمشايخ الفتنة، ولغايات سياسية وإستراتيجية قد لا تتحقق دونما مساس بالأعراض وبالأمن النفسي والمجتمعي للأفراد[7]. فالإسلام “دين أنتج قيما ساهمت في تأسيس حضارة بقيت مرجعا لما بعدها”[8]، ويعد الاختلاف أمرا صحّيا في أي مجتمع، لأنه من غير المعقول أن تجد مجتمعا يؤمن بنفس القيم والمعتقدات والأفكار، لكن الإسلام ينبذ التشدد في الرأي أو الدين والكراهية ونفي الآخر، لذلك نهى عن التطرف في الدين والتعصب للرأي، وفي المقابل كرّس ضوابط التعايش وحرية المعتقد في إطار الاحترام المتبادل داخل المجتمع الواحد.

الهوامش:

[1] محسن بن عيسى، الإرهاب من العنف السياسي إلى التهديد الإستراتيجي، ط1 (تونس: الدار المتوسطية للنشر، 2018)، ص101.

[2] عبد الله بن عبد العزيز اليوسف، الأنساق الاجتماعية ودورها في مقاومة الإرهاب والتطرف (الرياض: منشورات جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، 2006)، ص111.

[3] “قرار 154: موقف الإسلام من الغلو والتطرف والإرهاب”، الرابط الإلكتروني: https://ammanmessage.com/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%B1%D9%82%D9%85-154-%D9%85%D9%88%D9%82%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D9%84%D9%88-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D8%B1/?lang=ar.

[4] فرغلي هارون، الإرهاب العولمي وانهيار الإمبراطورية الأمريكية (مصر: دار الوافي، 2006)، ص44-45.

[5] محمد سعيد العشماوي، موسوعة الإسلام السياسي (بيروت: دار الجيل، د.س.ن)، ص ص139-140.

[6] محمود كيشانة، “التطرف بين الدين والتدين”، مجلة ذوات، العدد 06 (2015)، ص38.

[7] المرجع نفسه، ص ص: 32، 34.

[8] محسن بن عيسى، مرجع سابق، ص ص104-105.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى