دراسات سياسيةدراسات مغاربية

مُرشحّي النظام، نتيجة حتمية للعدمية، الإتكّالية وتجاهل قوانين الطبيعة والتاريخ

طبعا لن يختلف إثنان بخصوص الحال المؤسف الذّي بلغته البلاد بعد ثمانية أشهر ملحمية من حراك شعبي تاريخي يجد فيه الجزائريون أنفسهم يختارون بين أوجه خمس مهترئة يُعاد تأهيلها من قبل القوى المنتصرة داخل النظام.
لكن الأمر الذّي أُبدي إستعدادا مطلقا منذ البداية للإختلاف والجدل حوله مع الجميع هو سماح النخب العلمية والمثقفة بوصول الحراك إلى هذا النفق المسدود.
أجل، فقد وجّهنا جميعا نقدا كافيا لهذا النظام ورموزه وممارساته لكن الجرأة كانت شبه منعدمة لدى هذه النخبة في نقد الحراك أو محاولة تقويمه أو توجيه مسعاه حتّى يبلغ المنشود.
إنّه لمن المعلوم بداهةً بالضرورة لكلّ متعامل مع هذا الحقل الذّي يتكلم فيه (حقل السياسة ممارسةَ وعلماَ) أنّ القويّ يفعل ما يشاء وأنّ الضعيف ليس أمامه سوى أن يُذعن لقدَره كما عبّر عن ذلك صاحب “حرب البوليبوناز” في “حوار جزيرة ميلوس” الشهير قبل 25 قرنا كاملا. لذا، فإنّ التباكي المستمر الذّي تُمارسه “نخبنا العدمية” تجاه ما يفعله أصحاب القوة داخل النظام ليس إلاّ ضربا من ضروب الإذعان والإعتراف بالضعف والهوان الذّي تسبّبت فيه أساسا ذهنياتهم الإتكالية، ذهنيات تُحمّل “الآخر القوي” كلّ الذنب ثمّ تنتظر منه حلّا ولا تُبادر به هي… وقد كان الإستثناء بين جمهور المثقفين في نظري يسير.
لقد كنتُ من المشجعين دوما على تأطير وهيكلة قوى الحراك بشكل توافقي بل قد شدّدت مرارا على ضرورة البدء بإنقاذ المجتمع المدني ممّا لحق به من خراب بسبب الحقب الفائتة وإعادة الثقة بين أفراد المجتمع الجزائري، فهو الكتلة التّي من شأنها أن تُنتج دوما تلك الحلول المزعجة لأصحاب القوة داخل النظام، إنّها قوى الكبح التّي تحدّث عنها غرامشي من قبل، فلا يُوقف القوة إلا قوة تُناظرها على قولة مونتيسكيو، وقوة أيّ مجتمع مرتبطة بمدى قدرة نخبه المفكرة على التنظيم والتأطير والتوجيه ومن ثمّة إنتاج البدائل والمقترحات.
لَكُمْ إذن أن تفتخرو بهذا المنجز الكبير الذّي قادت إليه عدميتكم وإتكّاليتكم أيّها “المثقفون”، لَكَمْ نبّهتُ منذ بداية الحراك وحذّرت من فخّ العدمية التّي نادى بها بعض المشبوهين ووقع في مصيدتها كثير من المتحمسّين (أنظر منشور 1 مارس مثلا) ثمّ لخصّها شعار ذلك الشاب المقهور “يتنحاو قاع”.. المشكلة أن يقع المثقف في ذات الفخ العدمي الذّي يجعله مجرد رقم عادي يُضاف إلى أرقام المتظاهرين في الشارع وفقط… يصرخ كلّ يوم جمعة كغيره من جماهير الشعب وفقط ثمّ ينصرف إلى شؤونه معتقدا أنّه أدّى كلّ ما عليه… لماذا تتباهى إذن بلقب المثقف؟ ما الذّي يُميّزك إذن عن عامة الجماهير التّي لا ننتظر منها طبعا غير الضغط السلمي كما كرّرت مرارا، بينما يُنتظر من هذا الذّي يُسمّونه مثقفا مهاما إضافية أهمّ تجعل منه جديرا بهذا اللقب الذّي يتباهى به.
لقد نبهّتُ دوما بأنّ الذّي يعيشه الجزائريون اليوم يُسمى يقضةً أو إستفاقة لا وعيا وإختلف معي الكثيرون.. والفرق بين المصطلحين كبير.. إستفاقةٌ صنعتها سنوات من القهر والحرمان والإنسداد، فحينما يستفق المرء ساخطا متحسما قد تأخذه الحماسة إلى حائط وقد تُوصله إلى برّ الأمان لكن بعد ثمن باهض يدفعه من دماءه وأرواح أبناءه.. لكن المثقف لوحده من بإمكانه أن يُحوّل اليقضة إلى وعي ويوجّه المُستفيق إلى الطريق المنشود بين عواطف الجماهير ومكر أصحاب القرار.. وحينما إكتفى المثقف بالصراخ إلى جانب الجماهير كلّ يوم جمعة صرنا إلى حائط ومارس صاحب القوة قوتّه بكلّ راحة كما يُخبرنا به حوار ميلوس تماما.

عزيزي المثقف، حينما تُطالب النظام بالتنازل عبر صراخك في الشوارع لا تنتظر منه أن يحمل حقائبه للرحيل بسهولة إستجابة لثقافتك الواسعة أو حرجا ممّا يفعل. عزيزي “المثقف الخيّر” إن لم تملئ الفراغ بذكاء سوف يملئه “غيرك الشرير” بكلّ وقاحة وقلّة حياء، ولا عزاء لك يوم التباكي.. لا يسألني أحدكم بعد الآن ما الحل، فقد كتبتُ كثيرا وتكلّمت.. ولا أحد يأبه.. لم يبق بحوزتي ما أقول.. إلاّ الله يجب الخير لهاد لبلاد.

جلال خشيب

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى