دراسات استشرافية

نحو تصميم سوسيولوجي للبحوث الاستشرافية المستقبلية

 د.علي الفتلاوي و د.عويدات حسين

في الممارسة الحياتية اليومية، يتجه الإنسان تلقائيًا في أفعاله قصدًا نحو المستقبل؛ فهو يفكر بالزواج، فيتزوج وينشئ أسرته ومن ثم يسعى لإنجاب الاطفال ليكبروا رجالًا ونساء، وكل ذلك بدأ فكرةً نحو المستقبل فتحقق واقعًا؛ أو انه يدرس في مراحل دراسية متعددة ليحصل بعد سنين على شهادةٍ تمكنه لاحقًا من كفاف أو رفاهية اقتصادية ومكانةٍ اجتماعية؛ وهو يحرث الأرض وينثر البذور أو يغرس الأشجار فيها، ليحصد أو يجني في نهاية الموسم الزراعي طعامه أو دخلًا ماليًا منها، وغير ذلك من الأمثلة التي تبين، ان الإنسان يقصد المستقبل بأعماله، ومن ثم؛ فإن المستقبل حاضر في حياته من حيث أنه يوجه افعاله بإزائه، مما يعني أن قصد الإنسان في حياته نحو المستقبل هو نزوع فطري لا يعتمد فيه على المنهج العلمي ضرورةً، تفاعلًا تواصليًا مع المستقبل دون أن يسميه اصطلاحًا؛ ويؤكد ذلك أن التفكير في المستقبل عند الإنسان لازمه حتى في تقعيده للّغة عندما قسم الفعل زمنيًا الى ماضٍ وحاضرٍ ومستقبل.

بل، إن الإنسان حاول منذ قديم وجوده أن يتشوف معرفةً لمصيره باستدعاء المستقبل من خلال وسائل بدئية اولًا وهو يلجأ الى التنجيم والتكهن والعرافة والاستخارة، وفي كل الحضارات.

لقد شغلت قضية المستقبل اهتمام المفكرين منذ وقت مبكر في تاريخ الفكر الإنساني، وتنوعت تحليلاتهم لهذه القضية، وتعددت الرؤى والتصورات، بين بعضها الفلسفي وغيرها الأدبي والعلمي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والطبيعي؛ بمعنى ان سؤال المستقبل حاضر في البنية الذهنية عامةً؛ إلا ان المفارقة المُحيرة؛ وعلى الرغم من بيان أن المستقبل يقود حياتنا – أدركنا ذلك أم لم ندرك – أن نمط التفكير الذي يغلب على البنية الذهنية في الثقافة العربية والاسلامية المُعاشة هو نمط تهيمن عليه القطيعة مع سؤال المستقبل فكرًا وبحثًا، سيما في المرحلة الحالية وما تشهده من استحضار للماضي تفكيرًا ودعوات، وكأن ثقافتنا وإنسانها يتلبسهما عُصابًا نوستولوجيًا – الشوق والحنين الى الماضي – وتلك مفارقةٌ صادمة؛ إذ يكون عقلنا ومزاجنًا ماضويًا، أما أقدامنا فإنها تأخذ بنا ضرورة ولزومًا نحو المستقبل مطلبًا وظيفيًا، لنعيش تناشزًا غريبًا.

وربما هو المشهد ذاته الذي يطبع مؤسساتنا الأكاديمية والبحثية – باستثناءات ضعيفة -التي لم تتمكن من تحقيق نقله نوعية في الاهتمام بقضية المستقبل إلا مع حلول الستينيات من القرن العشرين، حيث عرف الباحثون نمطًا جديدًا من البحث في المستقبل، تحت مفهوم استشراف المستقبل، وتبلورت معه أساليب نظرية ومنهجية جديدة تتفق وهذا النمط في البحث، انطلاقًا من الحاجة لمواكبة المجتمعات المتقدمة صناعيًا، أو تأكيدًا لأحد أهداف العلم – طبيعيًا كان أم اجتماعيًا – بسعيه نحو الاستشراف

عقلنا ومزاجنًا ماضويًا، أما أقدامنا فإنها تأخذ بنا ضرورة ولزومًا نحو المستقبل مطلبًا وظيفيًا، لنعيش تناشزًا غريبًا.

وربما هو المشهد ذاته الذي يطبع مؤسساتنا الأكاديمية والبحثية – باستثناءات ضعيفة -التي لم تتمكن من تحقيق نقله نوعية في الاهتمام بقضية المستقبل إلا مع حلول الستينيات من القرن العشرين، حيث عرف الباحثون نمطًا جديدًا من البحث في المستقبل، تحت مفهوم استشراف المستقبل، وتبلورت معه أساليب نظرية ومنهجية جديدة تتفق وهذا النمط في البحث، انطلاقًا من الحاجة لمواكبة المجتمعات المتقدمة صناعيًا، أو تأكيدًا لأحد أهداف العلم – طبيعيًا كان أم اجتماعيًا – بسعيه نحو الاستشراف والتنبؤ.

فعلى الرغم من أن ميدان الدراسات الاستشرافية المستقبلية شهد تطورات متلاحقة في منهجياته وأساليبه وتطبيقاته وأخذ مكانته بين سائر ميادين المعرفة، وحصل على شرعيته علمًا من العلوم الاجتماعية أو منهجًا من مناهجها أو فنًا في صناعة مشاهدها الاستشرافية، ولكن حظ مجتمعاتنا العربية الاسلامية مازال يسيرًا للغاية، والإقبال عليه ضئيل، ولذلك مازالت مساهمة هذه الدراسات في عمليات التخطيط وصناعة القرارات ضعيفة، إن لم تكن غائبة كلية عند صانع القرار التخطيطي أو التنفيذي، بل ما زالت أغلب الجامعات العربية تغيب عنها المقررات الدراسية ذات المنحى المستقبلي، فضلًا عن غياب المنهج الاستشرافي المستقبلي عن مفردات مناهج البحث وتصميماته.

إن تطور الوعي بالدراسات والبحوث الاستشرافية المستقبلية، علميًا ومجتمعيًا، يساهم في فهم نوعي لمشكلاتنا وأزماتنا وسبل تجاوز المخاطر التي تحيط بمجتمعاتنا، على أسس منهجية ونظرية تحليلية علمية، وليس في ضوء أحكام او مسلمات مسبقة.

ومن هنا، تظهر أهمية التعرف على منطلقات هذا المنهج / العلم الاستشرافي، وتفصيل دائرة المعرفة بهذا النوع من البحوث والدراسات، محاولةً، من خلال التعريف به، واهميته واهدافه، ومتطلباته النظرية والمنهجية، وجدواه العلمية والمجتمعية، والصعوبات التي تعترضه، ومتطلبات تصاميمه البحثية، وهو ما تحاوله الصفحات التالية بعرضها للقضايا الاتية:

  1. مفهوم الاستشراف المستقبلي.
  2. نشأة البحوث الاستشرافية وتطورها.
  3. أهمية البحوث الاستشرافية المستقبلية.
  4. اهداف البحوث الاستشرافية المستقبلية.
  5. الجدوى العلمية والمجتمعية للبحوث الاستشرافية.
  6. في علمية البحوث الاستشرافية المستقبلية.
  7. بحوث الاستشراف المستقبلي وعلاقتها بالبحوث الاجتماعية الأخرى.
  8. الدراسة السوسيولوجية الاستشرافية المستقبلية.
  9. أنماط البحوث الاستشرافية المستقبلية.
  10. الموجهات النظرية والأساليب المنهجية للبحوث الاستشرافية المستقبلية.
  11. مستقبل البحوث الاستشرافية المستقبلية.
  12. صعوبات منهجية تعترض انتشار ثقافة البحوث الاستشرافية المستقبلية.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى