دراسات سياسيةدراسات شرق أوسطية

نداء لسمو ولي العهد السعودي ” محمد بن سلمان” المحترم

وليد عبد الحي

سمو ولي العهد، تحية وبعد،

يُعَلِمُنا فلاسفة وعلماء الميادين العلمية المختلفة، أن اثبات الفرضيات الخاصة بالظواهر يحتاج الى قدر كبير من الروية وجمع المعلومات واتباع خطوات محددة للبرهنة على صحة او خطأ الفرضية، وفي كلا الحالتين يكون الباحث قد حقق غايته، وتزداد الامور تعقيدا في فرضيات الظواهر الاجتماعية ، ولعل الظواهر السياسية هي الاكثر تعقيدا، وبخاصة إذا استمرت التجربة فترة طويلة تزداد فيها متغيرات الظاهرة تباعا.

قد أكون أطلت في مقدمتي، لكني سأطبق ما سبق على الحرب اليمنية التي بدأت في مارس 2015 ، وما تزال نيرانها مشتعلة ، لكن الاسوأ فيها هو ان الأهداف التي تم تسطيرها تزدادا ابتعادا بل تكاد ان تكون توارت كليا، وهو ما يتضح في :

أ‌- الصورة السلبية للمملكة السعودية لدى الرأي العام العالمي الرسمي والشعبي في المؤسسات الدولية وما دون الدولة وما فوقها بخاصة نظرا لمشاهد الضحايا المدنيين(ما بين 56 و57 الف قتيل عسكري ومدني) ومشاهد الدمار ناهيك عن التقارير التي تصدرها المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية عن بلد كان حتى قبل الحرب يصنف ضمن الدول الأكثر فقرا في العالم، وها هو 65% من سكانه بحاجة لامس المساعدات الانسانية ومنهم حوالي 14 مليون لا يتوفرون على مياه صالح للشرب، أفلا تستحق الصورة السلبية للسعودية بسبب هذه الحرب ان تدفع نحو المراجعة؟ لا سيما ان هذه الصورة السلبية تتكرس في دول ” حليفة في الغالب” للمملكة.

ب‌- تماسك الخصم أي ” أنصار الله” والثبات الاستراتيجي على الهدف ، قياسا لتشقق متلاحق في جدران التحالف ” العربي”، بدءا من تلكؤ اطراف عربية عن المشاركة الفاعلة مرورا بالتمنع وصولا للنهج المنفرد لدولة الامارات التي تمثل الشريك الرئيسي، ناهيك عن الخلافات مع قطر .

ت‌- قدرة أنصار الله على ” اللسع” المتواصل والذي كان آخره الهجوم على المواقع البترولية لأرامكو على بعد أكثر من الف وثلاثمائة كيلو متر عن مراكزهم، وعند المقارنة بين الترسانة العسكرية السعودية بما لدى انصار الله نجد فارقا هائلا لصالح السعودية لكنه لا يتناسب مع نتائجه الميدانية.

ث‌- حجم الانفاق العسكري السعودي على هذه الحرب والتي لا شك أن سموك تعرفها بدقة أكثر من مراكز الدراسات والتقارير الدولية التي تقدرها ما بين 5-6 مليار دولار شهريا، وهو ما يعني ما مجموعه 200-210 مليار دولار، أي قريبا من نصف قيمة مشروع ” نيوم” الذي سيقام – ان استمر التوتر الاقليمي- في بيئة تجعله غير قابل للنماء في ظل الطائرات المسيرة التي قد تجده هدفا لها، وفي ظل التوترات حول الممرات البحرية التي يُطَلُ عليها مشروعكم الاقتصادي الطموح.

ج‌- واسمح لي سمو الامير في هذه النقطة الاشارة الى ” العذر ” الرئيسي لشن الحرب بأنها ” للجم النفوذ والتمدد الإيراني” في الاقليم، ولست معنيا هنا بمناقشة هذه النقطة الخلافية بين قوى المنطقة، ولكني معني بالتساؤل عن ما إذا كان الهدف “المعلن ” قد تحقق، ام أن النتائج العكسية هي التي تتكرس ؟ ويكفي ان نلقي نظرة على حلفاء ايران وحلفاء السعودية على المستويين الاقليمي والدولي، فحلفاء إيران لا يبدون التعالي ولا النفعية ” المفرطة ” التي نراها بالمقارنة مع ما يفعله حلفاء المملكة العربية السعودية معها ، بل ان التعامل الدبلوماسي بين ايران وحلفائها ينطوي على تعاون يتطور تدريجيا بينما تبدو الشقوق في علاقات السعودية مع مجلس التعاون الخليجي ، واهتراء دور الجامعة العربية، والفتق الكبير في العلاقة السعودية التركية، والابتزاز الأمريكي بتوظيف وقائع معينة حاليا او وقائع في التاريخ القريب (مثل 11 سيبتمبر او موضوع خاشقجي..الخ)، ناهيك عن ان حلفاء ايران ” مسلحون ومنضبطون لسياسات محورهم” بينما جعلت السعودية من أغلب الحركات الدينية التي كانت حليفا تاريخا لها ضمن قوائم ” الارهاب”.

ذلك يعني – سمو الأمير- ان إعادة النظر في العقدة اليمنية لا تُنقص من المكانة السياسية للدولة، فالرسول غيَّر خطته في بدر بعد ان قال ان اختياره لمواقع جيشه ليس ” وحيا”، وخالد بن الوليد انسحب في معركة مؤتة واصبح نموذجا تدرسه الأكاديميات العسكرية، والامريكيون انسحبوا من فييتنام ، وقبلهم الفرنسيون في الجزائر ، وبعدهم السوفييت في أفعانستان…واخرهم الجيش الاسرائيلي في جنوب لبنان….بل إن اليمن يقدم نموذجا للجغرافيا التي عرفت أكبر عدد من نماذج انسحاب الجيوش الخارجية…الخ.

سمو الأمير:
ان الجرح اليمني سيعمق الأحقاد التاريخية ، وسيجعل البيئة الاقليمية السعودية غير مواتية لبناء تكتلات تواجه الاتجاه التاريخي لبناء الكتل في الطريق الى العولمة…ان الانسحاب من اليمن وتركه وشأنه أولى من موقف متصلب يكاد يمثل حالة نموذجية لكل من يريد فهم ” نظرية ليون فيستنغر. عدم الاتساق المعرفي”…مع تمنياتي.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى