دراسات سياسية

نرجسية الفروق الصغيرة في السياسة

بقلم وليد عبد الحي

يميل الأفراد والجماعات الفرعية في مجتمع معين الى تضخيم التباينات الصغيرة بينها بدافع ” تأكيد الذات” والرغبة الدفينة في عدم التماهي ، وعند نقل هذا السلوك إلى ميدان الفعل السياسي نجد أن كثيرا من التنظيمات أو الافراد المتقاربين بشكل كبير في ” استراتيجيات عملهم السياسي” ينفخون في فقاعات تبايناتهم الصغيرة لتصبح حاجزا كبيرا ومانعا يحول دون الوحدة بينهم، وتتضح هذه النزعة التي سماها فرويد وعلماء الانثروبولوجيا ” نرجسية الفروق الصغيرة” في المجتمعات المتخلفة أكثر دون نفي وجودها ولو بحدة أقل في المجتمعات الأكثر عقلانية، ولتوضيح الفكرة سأمر على مثالين عربيين ( رغم امكانية التطبيق على مجتمعات غربية وغير غربية) أحدهما فردي والآخر جماعي:
1- النموذج الجماعي: لو أخذنا حركتي حماس والجهاد الاسلامي، وحاولنا تحديد المشترك لما يجمعهما، سنجد انهما على وفاق تام في جوهر نشاطاتهما: فهما ينتميان لنفس العقيدة بل ونفس الجذور الفكرية، ولهما هدف واحد(فلسطين) واتفاق تام على أدوات تحقيق الهدف (المقاومة المسلحة)، وتقتصر عضوية أفرادها على الفلسطينيين، بل إن تحالفاتهما من حيث الجوهر هي ذاتها، ومواقفهما من الجوانب الاجتماعية ذاتها، فلماذا لا تصبح الحركتان حركة واحدة؟ من الواضح ان الفروق الصغيرة( في الاجتهادات التكتيكية في معظمها) تتنامى نرجسيتها إلى حد حجب الرؤيا عن “المشتركات الاستراتيجية” لصالح جدار تبنيه “نرجسية الفروق الصغيرة ” والنفخ فيها من قبل أفراد في القيادتين تتوارى في لاوعيهم ” نرجسيات” تأبى إلا أن تؤكد ذاتها.
2- النموذج الفردي: صدام حسين وحافظ الأسد: ينتمي كلاهما لنفس الأمة(التي يعتز كل منهما بها)، ولنفس العرق ونفس اللغة(التي اعتبرت اساس القومية العربية) ولنفس الآيديولوجيا السياسية( الفكر القومي) ولنفس الحزب (حزب البعث) ولنفس الهدف( الوحدة العربية) ولنفس البيئة الجغرافية، بل ويشرب كل منهما من نفس النهر(الفرات)، ورغم كل هذه “المشتركات” الاستراتيجية كان العداء بينهما هو الأكثر وضوحا وقسوة في شبكة العلاقات العربية…الأ يدل ذلك على ان ” نرجسية الفروق الصغيرة ” فعلت فعلها في القطيعة بين الدولتين ومنع وحدتهما التي كانا ينشدانها في كل أدبياتهما السياسية…
يبدو لي ان سيطرة الفكر الغرائزي (نتيجة الجهل العام) توفر بيئة مواتية تماما لتنامي ” نرجسية الفروق الصغيرة “، وأن علاجها لا يتم بثقافة الوعظ والإرشاد، بل ببنية عقلية متحررة تؤسس لبنيات اجتماعية واقتصادية وسياسية مبنية على اسس عقلانية عمادها ان الفروق الصغيرة قد تكون ميزة للتنوع الذي يعزز “المشتركات”، ويكفي النظر في المجتمع الإسرائيلي أو الامريكي ( الذي ينطوي كل منهما على فروق صغيرة وكبيرة لا حصر لها بين الأفراد والجماعات) لكنهم تمكنوا من “خلق” آليات كبح لرعونة “نرجسية الفروق الصغيرة” وتحويلها إلى معزز للمشتركات..

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. للاسف هذا المقال لي ومأخوذ عن صفحتي في الفيسبوك..فلماذا تم حذف اسمي ووضع اسم شخص اخر على المقال؟ هل هو خطأ اداري او مطبعي او ماذا ؟ اتمنى تصحيح ذلك

    1. نعم هو خطأ تقني او شكلي مرتبط بقالب الموقع الجديد، حيث في القالب القديم كان اسم الكاتب تحت العنوان مباشرة و بالتالي عند تغير القالب كان هناك حذف لاسم الكاتب. لقد تم التصحيح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى