دراسات سياسية

نكث التعهدات وحيوية المقاربة الإستراتيجية الإقليم

أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أمس أنها سوف تباشر مبادرة تسهيل الحوار بين بغداد وأربيل من أجل احتواء الآثار الأمنية لاستفاء انفصال كردستان العراق، لكن المشكلة أن تعهدات الولايات الخارجية في عهد الإدارة الجديدة تآكلت بشكل خطير؛ من خلال نكث الرئيس دونالد ترامب تعهدات الدولة الأمريكية نحو العالم ككيان متناغم، ونحو الدول فرادى؛ فكيف لحكومة بغداد أن تثق في وعود وتعهدات الولايات المتحدة. منذ دخول ترامب البيت الأبيض، قلص تعهدات أمريكا إزاء الدفاع عن أوربا؛ وأعلن انسحاب أمريكا من اتفاقية باريس حول المناخ؛ وتراجع عن مشروع أمريكا حول دمقرطة الشرق الأوسط؛ وظهر ضعيفا في حماية حلفاء أمريكا التقليديين في شرق أسيا أمام طموحات كوريا الشمالية؛ وسحب العاملين في السفارة الأمريكية في هافانا تحت مبرر سخيف وهو تعرضهم لمرض غامض (هل المرض تآمر فقط على البعثة الدبلوماسية الأمريكية في هافانا؟) وأعلن مؤخرا تقليص حصة الولايات المتحدة في تمويل ميزانية الأمم المتحدة في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ ولا ندري النكث اللاحق ما هو، ربما يكون الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران كما هدد ذلك أيضا في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. إذن من يجرؤ على الثقة في أمريكا بعد الآن؟؟؟
المقاربة البديلة أمام بغداد والدولة المعنية بالآثار الأمنية لانفصال كردستان العراق، هي تطوير رؤية إستراتيجية إقليمية شاملة تشمل الجوانب العسكرية، الأمنية، الدبلوماسية، السياسية وتصحيح العلاقات العامة والإدراكات المشوهة التي تتسبب في عدم استقرار المنطقة وتعوق العمل الإقليمي. العمل الإقليمي بواسطة الأبعاد السابقة الذكر سوف يمكّن المنطقة من التغلب على محاولات تفكيكها ويجنبها الصراعات الاثنية في المستقبل.
يمكن تطعيم المقاربة الإقليمية بإعطاء دور معين لروسيا من اجل خلق التوازن مع الولايات المتحدة التي هي حاضرة عسكريا وأمنيا في المنطقة، ولها علاقات أمنية طويلة مع الأكراد في العراق ومؤخرا في شمال سوريا؛ الهدف من وراء ذلك، هو إحباط المقاربة الأمريكية-الإسرائيلية في تفكيك المنطقة. في نفس الوقت، يجب عدم إعطاء أهمية لتصريحات وزارة الخارجية أو البيت الأبيض بأن الولايات المتحدة ترفض الاستفتاء وتدعم عراق واحد، وذلك بناءً على سلسلة نكث التعهدات المشار إليها سابقا. في العلاقة مع الاستفتاء، طرحت الأقلية الديمقراطية في الكونغرس اقتراح دعم انفصال الأكراد، بمعنى أن في انتخابات الكونغرس القادمة إذا سيطر الديمقراطيون على الكونغرس، تتحول أمريكا إلى صف دعم انفصال الأكراد وتفكيك المنطقة الاثنية بعد تفكيكها مذهبيا؛ خاصة وأن هناك بعض الدبلوماسيين الأمريكيين مثل السفير السابق في بغداد وليام كروكر أعلن أمس أن أمريكا أخطأت عندما دعمت بغداد في رفض الاستفتاء، لأن ذلك زاد من نفوذ بغداد على أربيل.
النتيجة، تبقى المقاربة الإستراتيجية الإقليمية الأكثر فعالية للحفاظ على استقرار المنطقة.

عامر مصباح
جامعة الجزائر 3

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى