دراسات سياسية

نماذج ونظريات صنع السياسة العامة واتخاذ القرار

إعداد الأستاذة: أوشن سمية

السنة الجامعية: 2012-2013

أولا- مفاهيم أساسية:

النظرية Theory: هي مجموعة مترابطة من المفاهيم والتعريفات والقضايا التي تكون رؤية منظمة للظواهر، عن طريق تحديدها للعلاقات بين المتغيرات بهدف تفسير الظواهر والتنبؤ بها.

وتكتسي النظرية أهمية كلما كانت قابلة للتطبيق وتميزت بالوضوح والبساطة، وتزداد النظرية شهرة كلما اتسمت بالشمول والقدرة على استيعاب ظواهر متعددة وفهمها وتفسيرها.

والنظرية تفيدنا كثيرا في عملية البحث، حيث أنها توجه البحث نحو مجالات مثمرة، كما أنها تضفي على نتائج البحث دلالة ومغزى، إذ أنها تمكن الباحث من القدرة على الفهم والربط بين المعطيات التي يتوصل إليها، وتمكنه من القدرة على التفسير في إطار اشمل وأكثر وضوحا.

وتتمثل الوظيفة الأساسية للنظرية في إيجاد تفسير مستند إلى أدلة موضوعية، مما يعطي معنى للوقائع والبيانات، من خلال اكتشاف المنطق الذي يحكمها، ويتم ذلك من خلال عملية الاستنباط على أساس النظرية وبعد التحقق التجريبي من صحة النتائج المستنبطة.

وفي مجال العلوم الاجتماعية نجد أن النظرية نسبية في تفسيرها أي لا تتفق في وضع تفسير موحد للمواضيع الاجتماعية.

النموذج Model: هو عبارة عن صورة نظرية ومبسطة لما هو موجود في عالم الواقع، أي انه عبارة عن بناء مشابه للواقع.

إن فكرة النموذج انتقلت إلى الدراسات الاجتماعية ثم السياسية من علم البيولوجيا، حينما حاول علماء الاجتماع أن يستفيدوا من التطورات العلمية الكبيرة التي تحققت في العلوم الطبيعية، ولقد شبه الاجتماعيون المجتمع بالكائن الحي وأحدثوا تناظر بينهما، ومن هنا جاءت فكرة النموذج كمناظر للواقع المعقد وتبسيطا له.

والنموذج يسمح بفهم أفضل لبعض الظواهر، وإبراز بعض العلاقات التي يصعب الوصول إلى كشفها بدون النموذج، ويظل النموذج بمثابة البناء الرمزي المنطقي لوضع بسيط إلى حد ما.

ثانيا- نماذج ونظريات صنع السياسة العامة:

نموذج الجماعة Group Model: يرجع الفضل في ابتكار تحليل الجماعة في الدراسات السياسية إلى العالم الأمريكي “آرثر بانتلي” Arther bentleyعام 1908، إلا أن شهرة استخدامه جاءت على يدي ديفيد ترومان عام 1951.

لقد احدث نموذج الجماعة تحولا كبيرا في منظور علم السياسة، حيث حول اهتمامه من التركيز على الأبنية والمؤسسات الرسمية، إلى العمليات والنشاطات والتفاعلات، أي الانتقال من الدراسة الجامدة إلى ديناميات الحياة السياسية، كما نقل محور اهتمام علماء السياسة من التركيز على الدولة إلى الجماعة دون أن يعير ادني اهتمام للأفراد، إذ أن السلوك الفردي يصاغ من خلال الجماعة، فهي التي تضبط سلوك أعضائها وتوجهه، ولهذا فإن بانتلي قد أولى أهمية كبرى للجماعة في العملية السياسية بدلا من الأفراد والدول والدساتير وموضوعات السيادة.

ويقوم هذا النموذج على اعتبار أن التفاعل الحاصل بين الجماعات يشكل مركز السياسات العامة، حيث تقوم هذه الجماعات بالضغط على الحكومة بغرض الإلحاح عليها، ويؤلفون بذلك جماعة المصلحة وتتفاعل معها بذلك مؤسسات الحكومة.

وبذلك فإنه وفقا لهذا النموذج فإن السياسة العامة تتخذ مسارها المرغوب منن قبل الجماعة التي تتعاظم درجة تأثيرها وضغطها من خلال عدد أفرادها الأقوياء، والثروة التي يحوزون عليها، والتنظيم المحكم والقوة التي تحيط بناءها، باعتبار أن الجماعة هي الجسر القائم بين الحكومة من جهة وبين الأفراد من جهة أخرى، ما يجعل صانع السياسة حسب هذا النموذج مدفوع بالضغط الذي تمارسه عليه الجماعات.

نموذج النخبة Elite Model:

يرى أنصار نموذج النخبة (الصفوة) أنه ما من مجتمع مهما كان مستواه من التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، لا يخلو من أقلية ماهرة تسيطر وأكثرية تخضع لحكم تلك الأقلية، ويطلقون عليها اسم على تلك الأقلية الحاكمة اسم: الصفوة أو النخبة.

وترجع فكرة النخبة إلى عهود قديمة، ذلك أن النخبة أو الأقلية قد لازمت الوجود الإنساني في أبسط تكويناته الاجتماعية، وقد امتدح أفلاطون الحكام الفلاسفة ودعا إلى ضرورة الجمع بين الحكم والفلسفة لميلاد الدولة ونموها وكمالها، كما رأى ابن خلدون أن الناس يحتاجون في كل اجتماع إلى حاكم يحكم بينهم.

إلا أن بروز نظرية النخبة كان أكثر وضوحا مع نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي، وكان ذلك على أيدي مجموعة من المفكرين الغربيين ومنهم على وجه الخصوص، باريتو، موسكا، روبرتو ميشلز، رايت ميلز، برنهام، وقد رأى هؤلاء جميعا، أن هناك دائما في المجتمعات طبقة صغيرة متحكمة في الأغلبية الساحقة من الناس.

وقد جاءت نظرية النخبة كرد على مفهوم الطبقة التي تبنته الماركسية كوحدة للتحليل. حيث تنظر الماركسية للمجتمع على أنه منقسم بين من يملك ومن لا يملك، بينما النخبة تنظر إليه على انه مقسم بين أقلية وأكثرية، بمعنى آخر شريحة: الحكام والمحكومين، أما الحكام فهم أقلية تستأثر بالقوة السياسية وتتخذ القرارات الهامة التي تؤثر على حياة المجتمع، ويأتي هذا التأثير انطلاقا من السيطرة إما بفعل الانتماء العائلي، أو التحكم في الموارد، أو تجسيد القيم الدينية أو الاجتماعية السائدة، أو ارتفاع المستوى التعليمي، أو حيازة مهارات معينة أو قدرات تنظيمية كبيرة، فضلا عن تماسكها في مواجهة القوى الأخرى في المجتمع، أما المحكومون فيمثلون الأغلبية التي لا تشارك ولا تؤثر في عملية صنع القرار وعليها السمع والطاعة.

لذلك يتوجب أن ينصب التحليل السياسي على هذه النخبة كمفتاح لفهم العملية السياسية. لذلك سعى الكثير من الباحثين إلى استخدام مفهوم النخبة كاقتراب لتحليل العمليات السياسية في البلدان المتخلفة فمثلا: “وليام كوانت” درس النخبة في الجزائر، و”زارتمان” درس النخبة في الشرق الأوسط،…

ووفقا لهذا النموذج تكون السياسة العامة هي تلك التي تعبر عن قيم وتفضيلات النخبة الحاكمة، وأنها كنخبة متميزة هي التي تشكل رأي الجمهور حول السياسة العامة، وهي التي تؤثر في الجمهور بأكثر مما تتأثر هي به.

وعليه فإن نموذج النخبة يتميز بفلسفة قائمة على الخصائص التالية:

-إن المجتمع وفقا لهذا النموذج ينقسم إلى قسمين: قسم مع من يمتلك القوة، وقسم مع من لا يمتلك القوة، وتبعا لذلك فإن تحول الأفراد من فئة الأكثرية إلى فئة الأقلية النخبوية، يقيد بضوابط شديدة، تكمن في الحفاظ على الاستقرار وتجنب حالات قيام الثورة، بحيث لا يدخل ضمن فئة النخبة إلا الذين يؤمنون فعلا بقيم النخبة والاقتناع بها والإخلاص لها.

-إن القلة الحاكمة ليست ممثلة للكثرة المستضعفة، حيث غالبا ما تكون النخبة الحاكمة من الطبقة العليا الغنية وذات النفوذ، والبعيدة عن الطبقات العامة ولا تلبي مطالبها، بل أنها تسعى فقط لتلبية مصالحها الخاصة.

لا يخضع النخبة لضغوط الجماهير الأغلبية، إلا بنسبة محدودة، إذ أن النخبة هي التي تشكل مصدر الضغط والتأثير في الجماهير وليس العكس، كما أن آراء الجماهير عادة ما يتم تضليلها والتأثير عليها من قبل النخبة، دون أن يكون لتلك الجماهير أي رد فعل أو أثر يذكر في قيم النخبة.

يلائم هذا النموذج عددا من الأنظمة السياسية القائمة في المجتمعات الأفريقية والدول العربية والإسلامية ذات الأنظمة التقليدية، وأمريكا اللاتينية،…

تقييم:

وفقا لنموذج النخبة تكون السياسة العامة استفزازية للجماهير، لكونها تعنى بالمصالح الخاصة على حساب المصالح العامة.

يصعب تحديد أعضاء النخبة وجمع المعلومات عنهم.

نموذج النظم Systems Model: يعتبر ديفيد ايستون (David easton) من أول العلماء السياسيين الذين حاولوا استعمال مفهوم النظام في الدراسات السياسية، ويعرف استون النظام بأنه: “تلك الظواهر التي تكون في مجموعها نظاما هو في الحقيقة جزء من مجموع النظام الاجتماعي ولكنه تفرع عنه بقصد البحث والتحليل … ويتكون النظام السياسي من تلك العناصر المتصلة بالحكم وتنظيماته وبالجماعات السياسية والسلوك السياسي، ويمكن التعرف على حدود النظام السياسي من خلال مجموعة الأعمال التي تتصل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بصنع القرارات الإلزامية للمجتمع … ومن ثم فإن كل عمل اجتماعي لا تتوافر فيه هذه الخاصية يجرد من مكونات النظام السياسي ويمكن اعتباره فورا أحد العوامل البيئية المحيطة”.

ويقوم هذا النموذج على أساس مفاده أن السياسة العامة هي مخرج للنظام السياسي القائم في المجتمع والبيئة بمعنى أنها استجابة النظام السياسي إزاء الحاجيات والمطالب المطروحة عليه، ويعتمد في ذلك على المعلومات المطروحة من خلال المدخلات، المخرجات، التغذية العكسية.

المدخلات: Inputs وتتكون من العناصر التالية:

1.المطالب: وهي الحاجات والتفضيلات المختلفة لأفراد المجتمع، والتي تدخل إلى النظام السياسي كمطالب وتمثل ما يريده أو يسعى له الأفراد والجماعات لغرض إشباع مصالحهم العامة، ما يفرض على السلطات أن تستجيب لها بصورة أو بأخرى.

الدعم والمساندة: وتعبر عن التزام الأفراد والجماعات بما تقوم به الحكومة، وكذا علاقتهم بالسلطات والمؤسسات الرسمية، ويكون التأييد في أشكال عدة: كدفع الضرائب، تطبيق القوانين….

ولهذا السبب يرى استون أنه يجب على كل نظام سياسي أن يعمل على خلق والمحافظة على درجة عالية من التأييد، حيث أنه كلما انخفضت نسبة التأييد عن الحد الأدنى، فإن استمرارية وديمومة النظام السياسي تصبح معرضة للخطر.

المعارضة أو المقاومة: وتكون هذه المعارضة من قبل الهيئات التي لديها مطالب ترمي إلى تحقيقها من خلال ممارستها لها للضغوط على النظام السياسي، كالأحزاب السياسية والجماعات المعارضة.

المصادر والموارد: تمثل المصادر المادية والبشرية والموارد الموجودة في بيئة النظام السياسي على المستوى الداخلي والدولي، والتي يتم توظيفها تحقيقا لأهداف النظام وتنفيذ السياسة العامة.

المعلومات الراجعة: هي تلك المعلومات الصادرة من المجتمع تجاه السياسة العامة السابقة، والتي تشكل جملة مطالب جديدة.

2.الصندوق الأسود Black Box : يجسد النظام السياسي ويعبر عن كيفية تعامله مع المدخلات وتحويلها إلى مخرجات.

المخرجاتoutputs : تمثل المخرجات استجابات النظام السياسي للمطالب الفعلية التي تأتيه من البيئة، وتصدر هذه الاستجابات في شكل قرارات وأفعال معينة يقوم بها النظام السياسي، وهذه الاستجابات تختلف من نظام لآخر ومن وقت لآخر، وتعبر المخرجات عن طريقة تصرف النظام السياسي إزاء البيئة.

4. التغذية العكسية Feed back : يقصد بها مجموعة ردود أفعال البيئة على مخرجات النظام السياسي، وذلك في شكل طلبات وتأييد وموارد جديدة توجهها البيئة إلى النظام السياسي عبر المدخلات.

وتمثل التغذية العكسية (الاسترجاعية) ما يتلقاه أعضاء السلطة من معلومات عن نشاطاتهم، وتمثل أداة أساسية تساعد السلطات على تعديل أهدافها وتصحيح السلوكات وتقويم الأفعال.

يقول استون:” إن التغذية الاسترجاعية تسمح لأعضاء النظام بإدراك ذواتهم ومعرفتها، ومعرفة الوضعية التي يوجدون فيها، كما تزود النظام وتعيينه على اكتشاف وسائل جديدة واستطلاعها لمعالجة المشكلات وهكذا يكتسب النظام السياسي نضجا سياسيا.

تقييم: على الرغم من إسهاماته المختلفة في تطوير الدراسات السياسية، إلا أنه يؤخذ عليه ما يلي:

اهتمامه ينصب على مقومات النظام وطرق دعمه، وليس على عوامل تغييره وتطويره، فهو يكشف عن عناصر الاستمرار والاستقرار في النظام وطرق دعمه، وليس على عوامل تغييره وتطويره، فهو يكشف عن عناصر الاستمرار والاستقرار في النظام دون أن يستطيع تفسير كيف ولماذا يتطور النظام من وضع إلى آخر بصورة دقيقة، وبالتالي فإن هذا النموذج غير صالح لتناول النظم السياسية في فترات التغيير الثوري.

النظر إلى الحياة السياسية نظرة ميكانيكية تبسيطية تتجاهل تعقيداتها وخصائصها المتميزة كما يميل إلى التجريد والعمومية.

يتجاهل التاريخ، علما بأن الظاهرة السياسية ليست مقطوعة الصلة بالماضي.

الغموض الكائن حول كيفية اتخاذ القرارات وصنع السياسة العامة داخل الصندوق الأسود أي داخل النظام السياسي.

ومع ذلك فإن نظرية النظم تعد مفيدة لتنظيم معرفتنا حول صنع السياسة مثل كيف تؤثر المدخلات البيئية في السياسة العامة وتطبيق النظام السياسي، وكيف تحول المطالب إلى سياسة عامة إضافة إلى تأثير السياسة العامة في البيئة، وكذا معرفة طبيعة القوى والعوامل البيئية المولدة للمطالب المطروحة على النظام.

النموذج المؤسسي Institutional Model : وفقا لهذا النموذج فإن الأنشطة السياسية والحكومية تتمحور من خلال المؤسسات الرسمية في الدولة وهي: المؤسسة التشريعية، التنفيذية والقضائية، بحيث أن هذه المؤسسات هي التي تتخذ القرارات وتصنع السياسة العامة، فالسياسة العامة وفقا لهذا النموذج تتبناها وتنفذها الحكومة، وهي التي تضفي عليها 3 صفات أساسية وهي:

الشرعية: بحيث تصبح هذه السياسات تحظى بالالتزامات القانونية، التي تفرض على الجهات الأخرى والمواطن الالتزام والعمل بها.

الطابع العمومي (العمومية): أي أن السياسة العامة تتميز بطابعها العام، بحيث تشمل كل أفراد المجتمع.

الفرض (الإجبار): أي أن الحكومة وحدها تستطيع فرض عقوبة على من يخالف سياساتها.

تقييم: إن هذا النموذج أصبح غير مجدي في أيامنا هذه كون أن الدولة الفاعل الرئيسي، قد تم تحييده في ظل وجود دور بارز لقوى أخرى، لذلك اتجه اهتمام المحللين إلى استخدام نظريات تتعلق بدراسة الجماعات والشبكات التي تحكم العلاقات بين الأفراد بدلا من الدولة.

ثالثا- نماذج ونظريات اتخاذ القرار:

النموذج الكلي الرشيد (Rational Comprehensive Model):

وفقا لهذا النموذج، فإن القرار الرشيد أو السياسة الرشيدة هو ذلك الذي يحقق أكبر عائد (ناتج) اجتماعي معين، بمعنى أن يحقق الفوائد الكبيرة وفقا لأقل قدر من التكاليف المطلوبة، وعليه يكون وفقا لهذا النموذج من غير اللائق أو الصحيح تبني أية سياسة أو قرار حينما تكون التكلفة عالية مرتفعة وتزيد عن عائدها.

ويتكون هذا النموذج من العناصر الأساسية التالية:

وجود مشكلة محددة، وهي قابلة لأن تدرس بشكل متأني وجديرة بالاهتمام .

تحديد الأهداف، أي أن صانع القرار يقوم باتخاذ قراره في ظل وضوح الأهداف وأهميتها وترتيبها تبعا لدرجات الأفضلية فيها وترتيبها يكون منطقيا.

فحص جميع البدائل ودراستها بصورة كاملة.

تحديد وتحليل النتائج المتوقعة من اختيار البدائل كلها قياسا ومقارنة مع الكلفة.

إن كل بديل جرى اختياره تجري عليه عملية مقارنة تبعا لما يتوقع عنه من نتائج مع البدائل الأخرى، سعيا لتحديد البديل الأفضل.

وبالتالي يقوم صانع القرار بناء على تلك الخطوات السابقة باختيار البديل الأفضل، الذي يمكن صانع القرار من إمكانية تحقيق الهدف المسطر في البداية وبأقل تكاليف ممكنة بوصفه الأفضل من بين جميع البدائل الأخرى.

تقييم:

-إن هذا النموذج يستوجب بالضرورة أن تكون كل القيم المجتمعية معروفة، وكذا معرفة كل البدائل الممكنة.

-حسب بعض الباحثين، فإن الرشد الكامل لم يتحقق لا في السياسة ولا في غيرها من الميادين نظرا لصعوبة اتخاذ قرار يتسم بالرشد والعقلانية.

النموذج التدريجي (Incremental Model)

يقوم هذا النموذج في عملية صنع القرار من خلال كون السياسة العامة ماهي في حقيقة الأمر إلا استمرارية للنشاطات الحكومية السابقة، مع وجود بعض التعديلات التدريجية، وصاحب هذا النموذج هو : تشارلز لندبلوم (Charles Lindblom) في مقالته الشهيرة: “علم التخبط العشوائي The science of Muddling Through[1]”، ويمسها كذلك بالتدريجية المجزأة Incrementalism Disjointedباعتبار أن صانعي القرارات يفضلون تجزئة المشكلات عند صياغة القرارات، لغرض التمكن من اختيار القرار الذي يحقق في كل منها هامشا مطلوبا من الحل.

ويقوم النموذج التدريجي على أساس أن القرار والسياسة العامة عملية تراكمية محورها الإضافة لما تم في الماضي، ومحاولة تحسين الوضع بصورة آنية وجزئية، وعليه فإن البرامج والمشروعات الراهنة وما يتصل بها من سياسيات تتخذ كقاعدة يبنى عليها مع إضافة بعض التعديلات الجزئية.

تقييم:

-إن هذا النموذج يركز على الاهداف القصيرة المدى وليس على التخطيط الطويل.

-يحافظ على التواصل وعلى الاستمرار في الحاضر عن طريق تغيير جزئي في القرارات.

3. نموذج الفحص المختلط Mixed Scanning model:

صاحب هذا النموذج هم أميتاي اتزيوني Amitai Etzioni الذي دعا إلى ضرورة إيجاد نموذج توفيقي في عملية صنع القرار واتخاذه، بحيث يأخذ هذا النموذج من النموذج الكلي الرشيد كما يأخذ أيضا بجانب من النموذج التدريجي.

وجاءت أفكار اتزيوني بناء على الانتقادات التي وجهها إلى النموذج العقلاني على أساس أنه نموذج خيالي، وأن صانع هذا القرار هو إنسان لا يمكن أن يتصف بكل صفات الكمال التي تؤهله لاتخاذ قرار رشيد، كما وجه انتقادات للنموذج التدريجي تجلت في أن الإنسان لا يعرف كل البدائل، وأن هذا النموذج يركز على حاضر المؤسسة وماضيها دون الاهتمام بالمستقبل.

وعليه فقد قدم اتزيوني بديلا أطلق عليه الفحص المختلط، واعتبر أن عملية التخطيط والتنفيذ وظيفتان متكاملتان، ما يعني أن مرحلة التخطيط تستدعي اعتماد النموذج الرشيد ومرحلة التنفيذ تتطلب اعتماد النموذج التدريجي.

وبالتالي فإن اتزيوني حاول التوفيق بين النموذجين من أجل الحصول على نموذج قائم على الدمج بين العقلانية والتدريجية التي تعتبر الأسس التي يقوم عليها نموذج الفحص المختلط.

نظرية الاحتمالات Probability Theory:

هي أحد النظريات الكمية التي تنطلق في حل المشكلة من المعطيات والمعلومات والظروف المحيطة بالموقف لتجيب على أسئلة متكررة مفادها: هل المعلومات والمعطيات المتوفرة لدينا حقيقية وكاملة، أم لا؟ وهل الظروف المحيطة بالقرار مواتية ومناسبة لاتخاذ القرار؟ وما درجة المواءمة تلك؟

إن الإجابة عن تلك الأسئلة تجعل المدير أو الرئيس في وضعين مختلفين، وضع التأكد من المعطيات المتوفرة، ووضع عدم التأكد من تلك المعطيات والحقائق.

الوضع الأول: وضع التأكد

بمعنى أن وضع القرار وظروفه والمعلومات المتوفرة مؤكدة، وأن الأسباب والعوامل العشوائية قليلة ومعلومة لدى صانع القرار كما هي، ومثل هذه الأوضاع تجعل من القرار يقيني ويتصف بالرشد، وتكون احتمالات المخاطرة قليلة أو معدومة في مثل هذه الحالة يفترض انعدام تأثير قانون الصدفة، لتبقى دقة التقديرات، وبالتالي دقة تحديد العلاقة بين المتغيرات المتوفرة، ثابتة كانت أو عشوائية، ويمكن لصانع القرار استخدام الأساليب الكمية والرياضية لضبط تقديراته كالمحاسبة الإدارية والبرمجة الخطية.

من خلال الطرح السابق لنظرية الاحتمالات، وفي ظروف التأكد التام نجد ذلك ممكنا في الجوانب الكمية المادية، حينما تكون الأوضاع مستقرة وغير متحركة، أما في حالة احتواء وحدة التحليل على متغيرات عشوائية، أو متغيرات غير ثابتة، فإن هذا يجعل القرار أقل تأكيدا وثباتا.

الوضع الثاني: وضع عدم التأكد

يعود وضع عدم التأكد إلى أكثر من سبب منها قلة المعلومات والحقائق، أو تعارضها، ارتباط القرار بمتغيرات عشوائية لا يمكن التحكم فيها، وتبعا لذلك فإن النتائج المحتملة للقرار غير مؤكدة، ونسبة التحقيق فيها ضعيفة، وإذا تنكرنا بأن القرار دائما متعلق بالمستقبل يتطلب جهدا باختيار احتمالات أكثر واقعية، الإشكال هنا يتوقف على الدوافع والحوافز التي تجعل متخذ القرار يضحي بالشكل الذي يمكنه من تقدير القرار الواقعي.

وعليه فإن صانع القرار يجد أمامه عوامل كثيرة تؤثر على عامل اليقين في نتيجة القرار منها العوامل المادية، البشرية، السلوكية، والعوامل السياسية الاقتصادية القانونية بالإضافة إلى العوامل الثقافية والحضارية، كما أن المستقبل يكتنفه الغموض وتحيط به العوامل الطارئة،…

إن نظرية الاحتمالات تقدم الكثير لصانعي القرار، وترشدهم إلى جدوى القرار، ومن ورائه رشد التسيير وصولا إلى مفهوم الحكم الراشد على مستوى الإدارة، وإدارة الجودة الشاملة على مستوى إدارة الأعمال قصد تحقيق التنمية المستدامة والتنمية الشاملة بفضل صواب رشد القرار.

نظرية اللعب ( المباراة):Game theory

لقد بدأ تطوير نظرية اللعب في بداية الأربعينات وتحديدا سنة 1944 من خلال الكتاب الذي الفه العالمان: فون نيومان von neumann وهو عالم رياضيات، و أوسكار مورجنسترن oskar mrgenstern وهو عالم اقتصاد، والكتاب بعنوان: نظرية الألعاب والسلوك الاقتصادي، وبذلك فقد بدأ الاهتمام بالنظرية لمعالجة المشاكل الاقتصادية والإدارية المطروحة أمام متخذي القرار.

يتلخص نظرية اللعب بوجود مباراة محددة أو مباراة لها هدف نهائي يسعى كل متنافس الوصول إليه، وهذا من خلال مراحل خاصة يتم اختيارها حسب قوانين وأسلوب المباراة، وعليه يمكن أن تقاس المباراة على مقياس كمي إذا كان الهدف يتمثل في الربح أو الخسارة، كما يمكن أن تقاس المباراة بالزمن أو المنفعة نتيجة لاستخدام الاستراتيجيات المتاحة لدى كل متنافس.

1-اللعبة الصفرية: سميت بمباراة ذات المجموع صفر لان ربح احد المتنافسين يساوي خسارة المتنافس الخصم، مما يعني أن: الربح + الخسارة = صفر، وان اختيار معيار لحل مشكل قراري ما يتوقف كثيرا على توفر المعلومات، لكن المباراة عادة ما تفقد الكثير من المعلومات، ومن بين المعلومات صعوبة معرفة أو التنبؤ بتصرفات ونوايا المتنافس الخصم، لهذا فهذا النوع من المباراة قابل للتجسس، ونظرا لصعوبة مهمة التجسس كون المتنافسين كلاهما محاطا بالسرية التامة، فان المعيار المحافظ عادة ما يعتبر أفضل معيار لحل مثل هذا النوع من المباراة.

2-اللعبة غير الصفرية: تقوم أساسا على بناء التحالفات لضمان الأمن لأجل إيجاد صيغة توفيقية تضمن تحقيق المكاسب لكل الأطراف في ظل مساهمات كل طرف، وهذا ما يتضح خاصة في التعاون بين الدول، أو التحالفات بين الأحزاب السياسية،..

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ابحث عن مقال بعنوان البعد الحضاري والدولي في الفكر التحرري الجزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى