دراسات اقتصاديةدراسات سوسيولوجية

هرم ماسلو ودول العالم الثالث

فادي ميده، أحمد عرنوس

نظرية ماسلو للحاجات Maslow’s hierarchy of needs ، هي نظرية نفسية قدّمها عالم النفس الأمريكي آبراهام ماسلو*[1] في ورقته البحثية “نظرية الحافز الإنساني” عام 1943 في مجلة (علم النفس) Psychological العلمية، ومن ثم في كتاب “الحافز والشخصية”، ثم وسّع ماسلو فكرته لتشمل ملاحظاته حول الفضول البشري الفطري.

تعود نظرية ماسلو إلى فرع من فروع علم الاجتماع السياسي وتناقش هذه النظرية ترتيب حاجات الإنسان ووصف الدوافع التي تُحركه، وتتلخص هذ الاحتياجات فيما يلي:

  • الاحتياجات الفيزيولوجية Physiological needs:

 مجموعة من الحاجات التي تخدم البقاء البيولوجي بشكل مباشر مثل “الأكل، النوم، الشرب، الجنس، التنفس وغيرها…”، ويعتبر ماسلو هذه الاحتياجات الأكثر أهمية لأن جميع الاحتياجات الأخرى تصبح ثانوية حتى يتم تلبية هذه الاحتياجات.

  • حاجات الأمان Safety needs:

  تشمل مجموعة من الحاجات المتصلة بالحفاظ على الحالة الراهنة، وضمان نوع من النظام والأمان المادي والمعنوي مثل “السلامة الجسدية، المسكن، الحاجة إلى الإحساس بالأمن.. والثبات.. والنظام.. والحماية…” وضغط مثل هذه الحاجات يمكن أن يتبدى في شكل مخاوف مثل الخوف من المجهول.. من الغموض… من الفوضى واختلاط الأمور أو الخوف من فقدان التحكم في الظروف المحيطة، ويرى ماسلو أن هناك ميلاً عاماً إلى المبالغة في تقدير هذه الحاجات، وأن النسبة الغالبة من الناس يبدو أنهم غير قادرين على تجاوز هذا المستوى من الحاجات والدوافع.

  • حاجات الحب والانتماء: Love & Belonging needs

تشمل مجموعة من الحاجات النفسية مثل الحاجة إلى الألفة، والحاجة إلى أن يكون الإنسان عضواً في عائلة أو جماعة منظمة.. والحاجة إلى بيئة أو إطار اجتماعي يحس فيه الإنسان بالألفة مثل: الصداقة أو الحب أو الأشكال المختلفة من الأنظمة والنشاطات الاجتماعية، وهناك مستويين من حاجات الحب والانتماء وهما:

  • أ‌- المستوى الأدنى أو مستوى الحب الناشئ عن النقص Deficit or D-love: وفيه يبحث الإنسان عن صحبة أو علاقة تخلصه من توتر الوحدة وتساهم في إشباع حاجاته الأساسية الأخرى مثل الراحة والأمان والجنس… الخ.
  • ب‌- المستوى الأعلى أو مستوى الكينونة Being or B-love: وفيه يقيم الإنسان علاقة خالصة مع آخر كشخص مستقل… كوجود آخر يحبه لذاته دون رغبة في استغلاله أو استبداله لصالح احتياجاته هو.
  • حاجات التقدير: Esteem needs

هذا النوع من الحاجات كما يراه ماسلو له جانبان:

  • أ‌- جانب متعلق باحترام النفس.. أو الإحساس الداخلي بالقيمة الذاتية.
  • ب‌- والآخر متعلق بالحاجة إلى اكتساب الاحترام والتقدير من الخارج… ويشمل الحاجة إلى اكتساب احترام الآخرين.. السمعة الحسنة.. النجاح والوضع الاجتماعي المرموق.. الشهرة.. المجد… الخ. وماسلو يرى أنه بتطور السن والنضج الشخصي يصبح الجانب الأول أكثر قيمة وأهمية للإنسان من الجانب الثاني.
  • حاجات تحقيق الذات Self-actualization والحاجات العليا: Metaneeds

يصف ماسلو مجموعة من الحاجات أو الدوافع العليا التي لا يصل إليها الإنسان إلا بعد تحقيق إشباع كاف لما يسبقها من الحاجات الأدنى، وتحقيق الذات هنا يشير إلى حاجة الإنسان إلى استخدام كل قدراته ومواهبه وتحقيق كل إمكاناته الكامنة وتنميتها إلى أقصى مدى يمكن أن تصل إليه، وهذا التحقيق للذات لا يجب أن يُفهم في حدود الحاجة إلى تحقيق أقصى قدرة أو مهارة أو نجاح بالمعنى الشخصي المحدود.. وإنما هو يشمل تحقيق حاجة الذات إلى السعي نحو قيم وغايات عليا مثل الكشف عن الحقيقة.. وخلق الجمال.. وتحقيق النظام.. وتأكيد العدل.. الخ، ومثل هذه القيم والغايات تمثل في رأي ماسلو حاجات أو دوافع أصيلة وكامنة في الإنسان بشكل طبيعي مثلها في ذلك مثل الحاجات الأدنى إلى الطعام.. والأمان.. والحب.. والتقدير، وهي جزء لا يتجزأ من الإمكانات الكامنة في الشخصية الإنسانية والتي يجب أن تتحقق لكي يصل الإنسان إلى مرتبة تحقيق ذاته والوفاء بكل دوافعها أو حاجاتها. (انظر الصورة رقم 1)

الصورة رقم 1: رسم توضيحي لهرم ماسلو

تم خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي توسيع نموذج ماسلو من خمسة احتياجات ليصبح ثمانية، والاحتياجات الجديدة التي أُضيفت هي:

  • الاحتياجات المعرفية Cognitive needs: وتشمل الحاجة إلى الاستكشاف والمعرفة والفهم، وقد أكد ماسلو على أهميتها للإنسان، وهي في تصوره تأخذ أشكالاً متدرجة تبدأ في المستويات الأدنى بالحاجة إلى معرفة العالم واستكشافه بما يتسق مع إشباع الحاجات الأخرى، ثم تتدرج حتى تصل إلى نوع من الحاجة إلى وضع الأحداث في نسق نظري مفهوم.. أو خلق نظام معرفي يفسر العالم والوجود _ الحاجة إلى الدين والإيمان على سبيل المثال _ وهي في المستويات الأعلى تصبح قيمة يسعى الإنسان إليها لذاتها بصرف النظر عن علاقتها بإشباع الحاجات الأدنى.
  • الاحتياجات الجمالية Aesthetic needs: وهذه تشمل عدم احتمال الاضطراب والفوضى والقبح والميل إلى النظام والتناسق، والحاجة إلى إزالة التوتر الناشئ عن عدم الاكتمال في عمل ما أو نسق ما.
  • الاحتياجات التفوقية Superior needs: “قد يكون الدافع وراء الشخص هو القيم التي تتجاوز الذات الشخصية مثال تجارب معينة مع الطبيعة، خدمة الآخرين، الإيمان الديني….”

فالحياة في هرم ماسلو حزمة حاجات وكلما حصلت على حاجة ستبحث عن تلبية الحاجة التي تليها، حيث أن هذه النظرية تشبه لعبة الفيديو، فهي تفترض أنك لن تستطيع الوصول إلى مستوى جديد من اللعبة طالما أنك لم تنتهي من المستوى الحالي.

قد تبدو هذه النظرية مقتصرة على المستوى الفردي فحسب، ولكن ماسلو وعلى النقيض عن غيره من علماء النفس، فهو كان مهتماً للغاية بالعلاقة بين علم النفس والسياسة، حيث رأى أن الاحتياجات النفسية لا تقتصر على الفرد وإنما أيضاً تتأثر بالعوامل السياسية والديمقراطية والسلطة والمجتمع الذي يعيش فيه الفرد.

بالاستناد إلى هرم ماسلو وتدرج حاجات الفرد الأساسية به، فدول العالم الثالث التي لا تحقق للأفراد احتياجاتهم من الطبيعي أن تشهد احتجاجات على واقعهم، لذلك من الضروري ومن الحكمة تلبية الاحتياجات للأفراد في تلك الدول من أجل تحقيق جميع المتطلبات النفسية للفرد وصولاً إلى مجتمع مكتفي بذاته الأمر الذي سينعكس إيجابياً على الدولة التي يعيش فيها وعلى مختلف الصعد، أما في الحالة المعاكسة والتي تشهدها العديد من الدول في الوقت الحاضر فإن عدم توفير احتياجات الفرد سينعكس ذلك سلباً على المجتمع في العديد من الدول، وإنه ما يجب التركيز عليه بالنسبة للقيادات السياسية الحاكمة في دول العالم الثالث هو العمل على تأمين واشباع الاحتياجات الفيزيولوجية والأمنية للأفراد، وإيلاء الأهمية اللازمة لتأمين الاحتياجات العلمية والمعرفية الحقيقية، وأيضاً توجيه الشعب نحو عمليات التضامن الاجتماعي والعمل الجماعي، فهذا أمر حيوي جداً لتحقيق التكامل والاندماج الوطنيين في داخل المجتمعات التي قد تشهد أو تشهد في الفترة الراهنة أزمات وطنية تتعلق بالموضوعات التي تعالجها نظرية ماسلو للحاجات الإنسانية.

[1]  آبراهام ماسلو*: عالم نفس أمريكي ولد في نيويورك من أب وأم روسيين، اشتهر بنظريته تدرج الحاجات، بدأ بدراسة القانون بالجامعة تحت تأثير ضغط والديه، ولكنه سرعان ما ترك مدينته ليدرس في جامعة وسكنسن حيث حصل على بكالوريوس في علم النفس، وحصل على الماجستير في علم النفس، ودكتوراه في الفلسفة عام 1934، من أهم مؤلفاته: نحو سيكولوجية كينونة، الدافعية والشخصية، أبعد ما تستطيعه الطبيعة البشرية.

المصدر: موقع توازن للأبحاث والدراسات 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى