دراسات سياسيةدراسات شرق أوسطية

هل كان الأصمعي المؤسس الأول للقومية العربية ؟

ولد الأصمعي عام مئة وثلاثة وعشرين للهجرة، وكان اسمه عبد الملك وكنيته «أبو سعيد»، وعاش عصرة شهد عاصفة من المتغيرات، والمستجدات، كانت الأشد هوة وعنفا في تاريخ العرب.

شهد الرجل ومنذ أن كان في التاسعة من عمره، أحداث الثورة العباسية على الحكم الأموي، ولا يمكن أن نفسر انتفاضة الأصمعي الشاب الصغير إلا من خلال رسم لوحة سريعة لمشهد الثورة العباسية من جهة، التي تأسست بهدوء وسرية، ولكنها انطلقت بركانية، ومن جهة ثانية مشهد تداعي العرش الأموي وانهياره في عهدي هشام بن عبد الملك ثم مروان بن محمد آخر خلفاء الأمويين الأوائل.

ولم تكن الدعوة العباسية، ثم تحولها إلى ثورة ترا رتيبة أو تداولا عادية للشلطة. بل كملت بذور تغيير جذري وبنيوي وضع العلماء والناشطين والأمراء والقبائل في حالة من الحيرة والقلق والترقب، وأدخلت للاحة قوى متعددة متنوعة غريبة عن السياق السابق، نعني بهم «الموالي، والشعوبية وعددا من القوى المعارضة للأمويين، وهكذا فإن الأبواب التي فتحتها الثورة العباسية حركت عوامل الشك والخوف بداية داخل مشاعر الأصمعي، ولكن ذلك الخوف لم يكن خوفا من العباسيين كشلطة سياسية، كما لم يكن تعبأ للأمويين كشلطة أموية، إذ يتبين للمتتبع، ومن بعض التفاصيل التي ذكرها في السياق، أن ځوقه كان على التراث العربي والقيم المتراكمة وعلى الأدب والشعر، وكل ما يتعلق بالبنية العلمية الثقافية العربية وهي في نظره ثروة العرب غير المسموح الاعتداء عليها ولا تشويهها ولا نحل موادها، كما ولا إدخال الغريب عليها. وكان الأصمعي كما كتب أحمد زكي: «بما يتصل بماضي العرب مبعث إثارة وتقديس، وكان إذا صور هذا الماضي وعبث العابثين به من الموالي، اندفع بحماسة وتأثر».إن دخول العناصر الجديدة من موال غير عرب ومن موال عرب ومن شعوبية، ومن يدور في الفلك الجديد هو ما كان يشغل بال أبي سعيد الأصمعي.

كانت البصرة مدينة كبيرة منفتحة على الشمال والجنوب، وفيها المرفأ الشهير على «دجلة» أي «الأبله»، وقربها سوق «المربد» الشهير الذي كان ساحة السجالات الشعرية والأدبية. وكانت فيها المساجد التي تزخر بحلقات العلم والثقافة حيث أبو عمر ابن العلاء، ووزية ابن العجاج وابن المقفع ويونس وغيرهم «عدد كبير من الشعراء والنقلة والمدونين والتلاميذ».

أما البنية التحتية التي استمد منها الأصمعي علومه وثقافته، وقدراته الأدبية الثورية المفعمة بالمعرفة التي عشقها منذ يفاعته، فقد تشكلت من اتصاله بالمسجديين … «الذين يطيلون القعود إلى مثل أبي عمر ابن العلاء ولف الأحمر وغيرهم… كما يطيلون القعود إلى عشاق اللهو»(4). مما كشف للأصمعي ما انتشر من انحلال أخذ يدب في كيان المجتمع، الأمر الذي أثار في نفسه الخوف والقلق.

تحميل الدراسة

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى