دراسات أمنيةدراسات استراتيجية

روسيا وأزمة الطاقة العالمية

كانت أحداث غزو القوات الروسية لأوكرانيا، ابتداء في 24 فبراير 2022، أسوأ أزمة أمنية واقتصادية عالمية منذ الحرب العالمية الثانية. لم يكن الغزو الروسي غزوًا عسكريًا فحسب، بل سبقه توتر دبلوماسي، وتزامن معه تدهور في العلاقات الاقتصادية والتجارية، رد الغرب بفرض عقوبات جماعية على روسيا وفرض حظر على الصادرات الروسية. عاد النظام السياسي العالمي إلى شكل يشابه ما بعد الحرب العالمية الثانية، عالم ثنائي القطب: الشرق بقيادة روسيا وبدعم من الصين، ضد الغرب بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا، وباتت وسائل الإعلام أمام طريقين: إما أن تنقل الصورة الذهنية الغربية فتهاجم الغزو الروسي باعتبارات حقوق الإنسان وسيادة الدول على أراضيها، وإما أن تنقل الصورة الذهنية الروسية فتبرر الغزو الروسي باعتبارات حقوق الأمن القومي. 

يُناقش التحليل إمدادات الطاقة العالمية والدور المركزي لروسيا كمصدر للطاقة، وصعوبة الاستعاضة عنها بمصادر أخرى.

 تعتبر روسيا حرفيًا سلة موارد العالم، فصادراتها للدول الأخرى تشمل صادرات الطاقة والوقود (نسبة 63% من إجمالي الصادرات الروسية) وصادرات معدنية (نسبة 10%)، وصادرات زراعية وغذائية (نسبة 5%)، ومعدات وماكينات وعربات نقل سواء القطارات أو السفن أو الطائرات (نسبة 7.6%)، ومواد كيميائية ودوائية (نسبة 7.%)، وصادرات أخرى تشمل الأخشاب والصناعات الورقية والزجاجية والأسمدة والمواد البلاستيكية والمتفجرات والأسلحة والذخيرة. وقد بلغ إجمالي صادرات روسيا عام 2020 حوالي 330 مليار دولار، وأكبر مستوردين للمنتجات الروسية هم الصين وألمانيا وهولندا وإيطاليا وبيلاروسيا وتركيا واليابان مرتبين حسب حجم الصادرات. وقد كان لصادرات النفط الخام من روسيا الحظ الأوفى فقد بلغت قرابة 80 مليار دولار عام 2021 مما مكّن روسيا من استغلال هذا السلاح الاقتصادي لتحقيق أغراض سياسية.

روسيا من أكبر منتجي ومصدري الطاقة في العالم

تعتبر روسيا لاعبًا رئيسيًا في أسواق الطاقة العالمية، ويُطلق على معيارها النفطي نفط الأورال الخام مقارنة بخام غرب تكساس كمعيار أمريكي أو خام برنت لبريطانيا. لقد شجع تزايد الاحتياطيات البترولية المكتشفة في روسيا على زيادة الإنتاج النفطي، فقد ازدادت الاحتياطيات المكتشفة من 49 مليار برميل عام 1997 حتى بلغت 80 مليار برميل عام 2016، وبذلك ازداد الإنتاج النفطي هناك من قرابة 6 ملايين برميل يوميًا عام 1997 حتى بلغ قرابة 12 مليون برميا يوميًا عام 2016، إنها ثاني أكبر منتج للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة، وثاني أكبر مصدر للنفط في العالم بعد المملكة العربية السعودية، وثالث أكبر مصدر للفحم في العالم بعد إندونيسيا وأستراليا.

شكل (1): يقارن إنتاج النفط -بوحدة المليون برميل يوميًا- من كبار الدول المنتجة عام 2020، وتأتي روسيا في المرتبة الثانية

وعلي صعيد الغاز الطبيعي، تُعد روسيا ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم بعد الولايات المتحدة، ولديها أكبر احتياطيات غاز في العالم. روسيا هي أكبر دولة تصدر الغاز في العالم. ففي عام 2021، أنتجت روسيا 762 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي (18% من إنتاج الغاز في العالم)، وصدرت ما يقرب من 250 مليار متر مكعب، سواء عبر خطوط الغاز أو في صورة الغاز المسال.

شكل (2): يقارن صادرات الغاز الطبيعي -بوحدة المليار متر مكعب- من روسيا بسائر كبار الدول المصدرة

شكل (3): يقارن احتياطيات الغاز الطبيعي -بوحدة التريليون متر مكعب- بين الدول الأكثر ثروة منه في العالم 2020، تأتي روسيا في المرتبة الأولى

خريطة صادرات النفط الروسية 

تمثل أوروبا أحد أكبر الأسواق العالمية للمنتجات الروسية، فطبقًا لبيانات التجارة العالمية لكوم تريد التابع للأمم المتحدة فإن واردات الاتحاد الأوروبي من روسيا بلغت عام 2021 قرابة 170 مليار دولار، وهو حجم كبير يجعل من دول الاتحاد الأوروبي عاجزة تمامًا عن استبدال روسيا بمورد آخر في خلال أجل قصير المدى. وبتتبع حركة العلاقات التجارية بين أوروبا وروسيا في مجال الطاقة خلال العقدين الماضيين، وطبقًا لإحصائيات يوروستات التابع للاتحاد الأوروبي، فقد وجد أنه بخصوص صافي واردات الطاقة إلى أوروبا من روسيا، ونعني بهذا حجم واردات الوقود الأحفوري الكلي (شاملًا الفحم والنفط والغاز الطبيعي مجموعين معًا) مطروحًا منه حجم صادرات الوقود الأحفوري الكلي؛ فإن مؤشر الاعتماد على الطاقة الروسية في دول الاتحاد الأوروبي مجموعة، وهو نسبة مساهمة صافي الواردات في حجم الاستهلاك الكلي للطاقة محليًا، ثابت إلى حد ما منذ عام 2000 (56.3%) إلى عام 2020 (57.5 %)، ويمكن عزو هذه الزيادة الطفيفة إلى تفشي وباء كورونا. أما عن الدول منفردة فإن أكثرها اعتمادًا على روسيا هي مالطا (نسبة حوالي 100%) وأقلهم اعتمادًا وأكبرهم تغيرًا إيجابيًا هي إستونيا فلقد هبط مؤشر اعتمادها من 34% عام 2000 إلى 10.5% عام 2020، وأكبرهم تغيرًا سلبيًا هي الدنمارك فقد زاد اعتمادها من سالب 36% عام 2000 إلى 44.5% عام 2020.

وعلى صعيد الصادرات النفطية الروسية، ففي ديسمبر 2021، صدرت روسيا 7.8 ملايين برميل في اليوم، منها الخام والمتكثفات بقيمة 5 ملايين برميل، تمثل 12٪ من التجارة العالمية، وبلغ إجمالي صادرات المنتجات النفطية 2.8 مليون برميل في اليوم (تمثل حوالي 15٪ من المنتجات المكررة العالمية). هذا ويذهب حوالي 60% من صادرات النفط الروسية إلى أوروبا، و20% أخرى للصين والتي تمثل أكبر مستورد للنفط الخام في العالم وثاني أكبر مستهلك له بعد الولايات المتحدة، حيث بلغ الطلب الصيني 13.7 مليون برميل في اليوم في يناير 2022. أيضًا تمد روسيا دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لأوروبا بنسبة 34٪ من إجمالي وارداتهم البترولية، فمنذ عام 2009 زاد نصيب روسيا في واردات النفط لدول المنظمة عن 25% بسبب انخفاض الإنتاج المحلي الأوروبي بنسبة الثلث. أما خارج الاتحاد الأوروبي والصين، فهناك مستوردون رئيسيون آخرون للنفط الروسي هم الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وكوريا وبيلاروسيا وأوكرانيا، فقد بلغت إجمالي واردات الولايات المتحدة الأمريكية من روسيا في عام 2021 (أكثر من 400 ألف برميل يوميًا من المنتجات البترولية وأكثر من 180 ألف برميل يوميًا من النفط الخام).

نقل النفط والغاز الروسي إلى أوروبا

يتم تصدير ما يقرب من 750 ألف برميل يوميًا من النفط الخام إلى أوروبا عبر خط أنابيب دروزبا، والذي يمر الفرع الجنوبي منه عبر أوكرانيا لتزويد المجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك. كما توفر روسيا حوالي 40% من الاحتياج الأوروبي للغاز الطبيعي، هذا ويتم تصدير الغاز بطريقتين؛ إما في خطوط الأنابيب في مرحلتها الغازية أو عبر الغاز الطبيعي المسال المنقول بحرًا. وإذا ما أردنا أن نربط مدى ارتباط تنوع طرق نقل الغاز الطبيعي بصعوبة الأزمة فإنه بلا شك لا يوجد بديل سريع ورخيص لغاز الأنابيب، والذي بلغ عام 2020 حوالي 74% من إجمالي الطلب الأوروبي، بغاز مسال مستورد من دول أخرى أهمها الجزائر وقطر وذلك بسبب اعتبارات البنية التحتية لخطوط الأنابيب المتاحة مع روسيا، وقصر المسافة وقلة تكاليف الاستيراد مع روسيا وعدم وفرة مصانع إعادة تغييز الغاز المسال في أوروبا.

شكل (4): يبين أبرز خطوط الغاز الروسية إلى أوروبا

المصادر

تقارير هيئة الطاقة الدولية

بيانات هيئة الطاقة الأمريكية، وموقع تريدنج أكونوميكس، ومرصد التعقيدات الاقتصادية التابع لمعهد إم إي تي

تحليلات موقع أويل بريس وشركة وود ماكنزي

المواقع الإخبارية والتحليلية الشهيرة: بلوبرج، الإكونومست، بي بي سي

بقلم أحمد عبدالعزيز – المركز المصري للفكر و الدراسات الاستراتيجية

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى