دراسات سياسيةنظرية العلاقات الدولية

6 توجهات كبرى ستؤثر في مستقبل السياسة الدولية في القرن 21

6 توجهات كبرى ستؤثر في مستقبل السياسة الدولية في القرن 21
أ . محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي
المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
azzammohd@hotmail.com
تمهيد :::
( نحن مسافرون باستمرار في رحلة استكشاف نحو المستقبل , ولكننا لسنا سواحا يرافقنا دليل يستطيع ان يخبرنا تماما ماذا سنصادف امامنا ليبقينا مرتاحين وبأمان . على العكس , نحن مستكشفون في منطقة مجهولة وخطرة لم يسبقنا اليها احد ابدا من قبل ) ( ) .
على ضوء ذلك يمكن القول ان هذا الطرح هو واحد من تلك التحليلات الاستشرافية التي تحاول استقصاء واستقراء بعض تلك التوجهات العالمية الكبرى التي ستؤثر في مستقبلنا السياسي والامني , والتي نجد انها بدأت بالتشكل في تلك المنطقة المجهولة والخطرة من رقعة الشطرنج الدولية . من خلال توقع بعضها بناء على معطيات ووقائع الحاضر القائم. وذلك بهدف تمكين متخذ القرار السياسي والامني من بناء احتمالات وصياغة سيناريوهات لمفاجئات يمكن ان تحدث في المستقبل على رقعة الشطرنج العالمية بوجه عام , والشرق أوسطية على وجه الخصوص . ومعرفتنا بها قبل ان تقع ولو بفترة زمنية مقبولة . يمكن ان يعطينا قدرة اكبر على المناورة من جهة , واحتواء اكبر قدر ممكن من انعكاساتها وتأثيراتها السلبية على الداخل الوطني من جهة اخرى .
وتعد تلك التوجهات والمتغيرات السياسية والجيوسياسية القائمة على التشكل اليوم على رقعة الشطرنج الدولية في الواقع مؤشرات على أحداث قادمة اكبر واخطر بكثير مما يتوقعه البعض منا. لذا يمكن القول ان محاولة السعي لاستشراف تلك التوجهات المعاصرة وفهم تداعياتها وتأثيراتها ستساعدنا كثيرا على صناعة قراراتنا وتوجهاتنا العسكرية والأمنية والسياسية المستقبلية التي يجب علينا اتخاذها على المستويين القريب والمتوسط على اقل تقدير وبشكل أكثر حرفية ودقة وواقعية . فلا غرابة أبدا فيما يحدث اليوم من تحولات عابرة للحدود الوطنية ربما يكون قد تم توقع حدوثها قبل عقود طويلة من الزمن من قبل بعض الخبراء والمراقبين بناء على معطيات ومقاربات ووقائع تاريخية اعتبرت وقتها مجرد أوراق مستقبلية غرائبية . بينما نشاهها اليوم واقع نعيشه بكل تفاصيله.
فالفرصة ( التي قد تسنح لنا لتجنب كارثة في المستقبل ,او على الأقل لإعداد استراتيجيات لمواجهتها , هي مبرر كاف لتفحص إمكانات حدوث الأوراق الغرائبية , فهذه الأوراق شديدة الغرابة قد تطلق سلسلة من الأحداث التي قد تكون أسوا بكثير من الحادث الأول نفسه , مثلا . ان كارثة طبيعية كبرى قد تؤدي الى وباء على امتداد الكوكب , مما يؤدي الى ان تغلق الدول حدودها . ما يؤدي بدوره الى انهيار صناعة خطوط الطيران وهكذا ) ( ). وما المشكلات والازمات السياسية والعسكرية التي تنتشر في كل انحاء كوكبنا الارضي اليوم , بل وتغزو الفضاء من حولنا سوى امتداد لتلك السياسات والتوجهات الناتجة عن الصراع على القوة والنفوذ والسيطرة وتضارب المصالح الجيوسياسية بين الفواعل والقوى الدولية .
والاسئلة التي يجب ان تطرح في هذا السياق هو : ما مدى تأثير انعكاس تلك الاتجاهات العالمية القائمة على التشكل في انظمة الحكم وبناء القوة والنفوذ على رقعة الشطرنج الدولية على امننا الوطني وسياستنا الخارجية ؟ وكيف يمكن ان تلامس تلك الاتجاهات العابرة للحدود الوطنية البيئة السياسية والامنية الوطنية ؟ .بالتالي ماذا يجب ان نفعل ؟ وكيف يجب ان نتصرف ؟ اذا اخذنا في الاعتبار ان عالمنا القائم على التشكل ستحكمه دول كثيرة ومتعددة الأحجام وأشكال الحكم على حساب فكرة الاستقطاب والأنظمة المحكمة , سواء كان ذلك عبر التمرد او التنمر على النظام القطبي او القوى الكبرى , وستنتهي معه الدولة السياسية كنواة مكونة للنظام العالمي باتجاه التفتيت والتقسيم الجغرافي الى دويلات صغيرة اقرب ما تكون الى دول افتراضية , في بيئة دولية مشحونة بفوضى القوة وانتشار السياسات العسكرية وعسكرة المواقف السياسية , مع ارتفاع واضح في منسوب الصراعات القومية والدينية على رقعة الشطرنج الدولية بوجه عام والمرجل الشرق أوسطي خصوصا .
لذا يمكن القول ان ابرز ( 6 ) توجهات كبرى عالمية قائمة على التشكل اليوم على رقعة الشطرنج الدولية من وجهة نظري , ولاشك ان انعكاساتها ستؤثر على مستقبل البشرية والاستقرار والسلام العالميين من جهة , وعلى توجهاتنا وقراراتنا الوطنية المتعلقة بالسياسة الدولية والامن الوطني من جهة اخرى .على اعتبار اننا جزء لا يتجزأ من المنظومة الدولية , ولا شك ابدا ان كل ذلك سيلامسنا في البيئة الوطنية في وقت ما , هذا اذا ان لم نكن اصلا قد بدانا نعايش ونتأثر بتلك التوجهات الكبرى منذ زمن طويل . وتلك التوجهات والاوراق الغرائبية هي :-
اولا : تشظي النظام الدولي القائم على المركزية او الثنائية القطبية او حتى التعددية باتجاه ولادة ما يطلق عليه بنظام حكم الكثرة . وما سيواكب هذا النظام من ارتفاع مستوى علاقات الخصومة بين الدول حول مئات القضايا والمشكلات وعلى مختلف الأصعدة .
ثانيا : فكرة مثيري القلاقل والتي يقصد بها ظهور العديد من الدول الصغيرة حول العالم , التي تحاول بطريقة او بأخرى الصعود والتصرف كقوى اقليمية على اقل تقدير مستخدمتا لتحقيق ذلك كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة . بداية بالطرق الناعمة ومرورا باستخدام التهديد كوسيلة من وسائل القوة , وليس انتهاء بزرع القلاقل والفتن وتصدير الثورات والتدخل في شؤون الاخرين.
ثالثا : فكرة تفتيت الدول الى دويلات تنتهي معها الجغرافيا السياسية . بمعنى اخر , تقسيم الدول وتجزئتها وتفكيك النواة التقليدية المكونة للنظام العالمي , أي الدولة جراء صراع التيارات الداخلية والاقليات المنادية بالانفصال بهدف الحصول على الحكم الذاتي عن الدولة المركزية. سواء كان الدافع لذلك سياسي او ثقافي . قومي . او عرقي او غير ذلك من اشكال الاستقلال والرغبة في الانفصال والاستقلال عن الدولة المركزية .
رابعا : البدء بتمييز وملاحظة نمط جديد من المجتمعات المتداخلة قائما على التشكل ونوع من الإدارة يحملان شيئا من الشبه بالوضع الذي كان سائدا قبل ان يصبح نظام الدول ذا طابع رسمي حيث سيتراجع مع الوقت نوعا ما عنصر مهم من عناصرها المكونة لبنائها القانوني والسياسي , وهو عنصر السيادة الوطنية بطريقة او بأخرى , باتجاه ما يمكن ان يطلق عليه في العقود القادمة بالدولة الرقمية او الافتراضية .
خامسا : تشتت القوة والنفوذ والسلطان بعيدا عن المركز ونظام احادي او ثنائية الأقطاب , باتجاه حقل تعددي الاطراف . لذا ستكون البيئة الدولية حينها مشحونة بالفوضى وسياسات القوة وعرض العضلات هي من سيحكم . وستكون القوة او التهديد بالقوة الحكم النهائي , وفي هذه البيئة فان الدول جميعها ستشعر بأنها غير آمنة , ما سيدفعها الى البحث عن رادع لاحتواء تلك المخاطر , والذي سيؤدي بدوره الى مزيد من عسكرة المواقف والسياسات العسكرية .
سادسا واخيرا : النظام العالمي يتجه اليوم بخطوات متسارعة وثابتة الى طريق الحروب والصراعات التي ترتبط ارتباطا كاملا بصراع الأيديولوجيات أو الصدوع الثقافية من جهة والحروب الطائفية والقومية من جهة أخرى , وذلك نتيجة لتلك المحفزات النفسية والدينية والاقتصادية التي تستغلها بعض الدول والمؤسسات والجماعات الدولية المتعصبة أو النفعية بغرض تجاري أو سياسي أو اقتصادي وليس بالضرورة ان تكون جماعات متشددة .
لذا سنتناول كل توجه من تلك التوجهات العالمية الكبرى سالفة الذكر بشيء من التفصيل , مع طرح بعض الاسئلة التي يمكن من خلالها فهم الطرح بشكل اوضح .على ان نختم كل توجه بذكر بعض المعطيات والنتائج النهائية التي ستترتب عليه وستؤثر على رقعة الشطرنج الدولية , ومنه على القرار السياسي والامني الوطني .

المطلب الأول السياسة الدولية وتحولات القوة على رقعة الشطرنج الدولية
المبحث الأول : نظام عالمي ستحكمه الكثرة :-
ابرز التوجهات القائمة على التشكل على رقعة الشطرنج الكبرى اليوم هو ما أطلقنا عليه بنظام حكم الكثرة , وهو ( نظام يمثل طيفا متباين الألوان من التحالفات وعلاقات الخصومة المتشكلة حول مئات القضايا والمشكلات وعلى مختلف الأصعدة . ففي ظل نظام حكم الكثرة ستتبارى الدول القومية والجماعات دون القومية والمصالح والروابط الخاصة العابرة للحدود القومية والمؤسسات متعددة القوميات فيما بينها على الموارد والتأييد والولاء في قواعدها ، التي تكون كثرة منها أعضاء في كثير من هذه الكيانات المختلفة في الوقت نفسه ) ( )
وبحسب تعبير كينث والتز أستاذ العلوم السياسية وعضوا هيئة التدريس في كل من جامعة كاليفورنيا في بركلي و جامعة كولومبيا و احد أبرز العلماء في مجال العلاقات الدولية فان : ( الأصدقاء والأعداء على حد سواء سوف يتصرفون كما تصرفت البلدان دائما إزاء تعرضها لتفوق احدها او التهديد بتفوقه : أي أنهم سيعملون معا على تصحيح الميزان , فالحالة الراهنة للسياسة الدولية غير طبيعية ) ( )
فالمتتبع لجملة التوجهات السياسية والجيوسياسية التي تشكلت مع مطلع القرن 21 وخصوصا مع احداث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001م يلاحظ ان الدولة القطبية والمركزية الاقوى والابرز في التاريخ الحديث لم تعد تمسك بالريموت كنترول العالمي او تملك تلك القوة التي توجه من خلالها دفة المركب الدولي , اما من جهة اخرى فما عادت كذلك ( قادرة على التطلع الى عالم مؤلف من اصدقاء واعداء دائمين بسبب توجهات اصبحت الان ناضجة على صعيد القدرة العسكرية . اضف الى ذلك ان التكهن بتحالفات اكثر هلهلة واقل جدارة بالثقة يعزز من حجج واراء انصار الشؤون العسكرية الذين يقولون بضرورة اغناء ترسانة البلاد العسكرية بالتكنولوجيات الناشئة التي تتيح التحرك الاحادي )( )
هذا التوجه القائم على التشكل اليوم سيكون النظام الأشد نزوعا للحرب والصراعات والاقتتال العابر للقارات ، إلا انه لن ينطوي على حرب الجميع ضد الجميع كما توقع ذلك توماس هوبز نتيجة لوجود صلات التقاطع والتداخل بين الأمم والتي تستطيع ان تفعل وتولد الكابح للجهود المولدة للعداوة الكلية بين الأمم ، لذا ستتركز تلك الحروب والصراعات حول جيوب وبقع عداوة مفرطة بين أطراف أحادية أكثر منها عالمية مجتمعة وخصوصا تلك التي تغرق في بحر من ثقافة العنف والطائفية والحزبية والمذهبية والقومية المفرطة، ونتوقع ان يبرز ذلك بشكل أكثر وضوح على رقعة الشطرنج الاوراسية ، وخصوصا في الشرق الأوسط ( )
ومن ابرز نتائج هذا التوجه الجوانب التالية : تراجع مستوى التحالفات المحكمة بين الدول على حساب قيام تحالفات فضفاضة . انهيار عدد كبير من التحالفات والتكتلات الدولية القائمة اليوم مع الوقت واستمرار تشظي النظام الدولي ( ) . سيرتفع مستوى علاقات الخصومة بين الدول حول مئات القضايا والمشكلات وعلى مختلف الأصعدة بحيث ستكون الدولة الحليفة في قضية ما عدوة في قضية ، وما يعد من أهم المصالح الاستراتيجية لدولة معينة , سيشكل ابرز أشكال التهديد للدولة الأخرى . ما يعني إمكانية ان تكون العداوة والصداقة قائمة في نفس الوقت بين الدول , بانتظار تغليب جانب على آخر لا أكثر . حينها لا يمكن ان يتم التعويل على اتفاقيات الحماية الدولية او الصداقات الشخصية بشكل كبير لإنقاذ الدول التي تتعرض للتدخلات السياسية في شؤونها الداخلية او تصدير الثورات والمشاكل اليها . حيث يجب ان تبدا من اليوم في حساب كل الاحتمالات. حتى ان اقرب الاصدقاء اليوم ربما يكون اشد الاعداء حينها .

المبحث الثاني : الصراع على القوة والنفوذ (مأزق توازن القوة):
ان ( الصراع من اجل القوة ظاهرة شاملة زمانا ومكانا , وان التجربة اقامت الدليل على صحة وجودها كونها حقيقة , وليس ثمة من يستطيع ان ينكر ان جميع الدول على اختلاف اوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية قد التقت في جميع الازمنة والاماكن على الصراع من اجل القوة )( ) تعد السياسة الدولية صراعا على القوة والنفوذ والسلطان . والدول هي الفاعلة في ذلك الصراع كما يشير الى ذلك هانز مورجنثاو في تعريفه لنظرية الواقعية في العلاقات الدولية , حيث يقول ( ان الناس لديهم رغبة في السلطة ” القوة ” لا يمكن إشباعها , وفي السياسة الدولية لا يهم ما هو الهدف المعلن , فهو في نهاية المطاف دائما يدور حول اكتساب المزيد من القوة , ويقول : ان الحقيقة هي ان الرغبة الإنسانية تظهر نفسها في طموحات الدولة التي لا يمكن إشباعها ) ( )
و( تكشف جميع السياسات من داخلية او دولية وجود ثلاث صور اساسية لها , أي ان السياسة بوصفها سياسة تبحث دائما اما عن الاحتفاظ بالسلطان او مضاعفته او عرضه , وهناك ثلاث سياسات دولية نموذجية تتصل وتتماثل مع هذه الاكال الثلاثة الانموذجية من السياسة , فالدولة التي تميل سياساتها الخارجية الى الاحتفاظ بالسلطان دون رغبة في اعادة توزيعه لمصلحتها في اوضاع القوة والسلطان تسير على سياسة الحفاظ على الوضع الراهن . والدولة التي تهدف سياساتها الخارجية تبدلا لمصلحتها في اوضاع القوة والسلطان تسير على سياسة استعمارية , اما الدولة التي تنشر سياساتها الخارجية عن طريق عرض ما تملكه من قوة وسلطان اما بقصد الاحتفاظ به او زيادته فتسير على طريق اظهار المهابة )( )
فإذا افترضنا ان النظام العالمي القادم كما نعتقد ونتوقع ستحكمه وتتحكم به سياسات وتوجهات حكم الكثرة , أي عشرات او مئات الدول والمنظمات الدولية العابرة للحدود الوطنية , , ذات الرغبة في السعي الى تملك القوة الصلبة والنفوذ والسيطرة باختلاف اشكالها وانواعها . فان التوقع المنطقي الآخر كنتيجة طبيعة لذلك التوجه حينها هو ان تتوزع تلك القوة بطريقة عشوائية بين العديد من الأطراف الدولية الفاعلة بغض النظر عن اختلاف حجم كل فاعل منهم على الخارطة الجيوسياسية العالمية نظرا لمساعي الجميع لتملكها لمواجهة المخاطر المتصورة حينها جراء تفاوتها او تفوق البعض على حساب الاخر .
صحيح ان القوة الناعمة والدبلوماسية ستبقى خيار مهم في العمل السياسي في ذلك الوقت , ولكن خيار اخر بديل وليس اساسي في كثير من الاحيان في تلك البيئة المليئة بالشكوك والريبة المفرطة في نظرة خوف الكل من الكل , وعلى حد تعبير نائب وزير الدفاع الاميركي السابق بول وولفوفيتز في مقابلة معه اجرتها CNN( ) حيث قال ( ان الناس الذين يعتقدون بإمكانية فصل الدبلوماسية عن التهديد باستخدام القوة لا يفهمون طبيعة العمل الدبلوماسي ), وبالتالي يمكن التأكيد على الاستعداد المفرط والدائم لاستخدام القوة كأداة رئيسية من ادوات السياسة الخارجية في ذلك النظام العالمي المتوقع اكتمال معالمه بعد سنوات قليلة جدا .
وكما هو معروف , فان هذا التوازن المخل بالاستقرار اشد خطورة نظرا لتوفر القوة والرغبة في السلطة لدى الجميع . والاخطر من ذلك هو طموح البعض منها لكسب الولاء والسيادة والتبعية من دول اقل قوة , وربما تجاوز الحدود الوطنية الى النزعة للاستعمار والاحتلال , على عكس النظام الدولي القائم على المركزية , او على اسوا الاحوال الثنائية القطبية كما كان بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الاميركية , فعدم المساواة في القوة كثيرا ما كان يؤدي الى السلام والاستقرار .مع حفظ الاحترام للعديد من الآراء التي تجد ان توزيع القوة بين الفواعل الدولية هو سبب من اسباب تحقيق السلام وليس العكس . ففي سبعينيات القن العشرين كان ريتشارد نيكسون يجادل بان ( الزمن الوحيد الذي تمتعنا فيه بفترات مديدة من السلام في تاريخ العالم هو الذي ساد فيه توازن القوى , فخطر الحرب انما ينشا عندما تصبح احدى الامم اقوى من منافسيها المحتملين بدرجة غير محدودة )( )
( بيد ان المعضلات الكبيرة تنشا في الحالات التي يحاول فيها منافسون اقل قدرة او لاعبون يحتمل ان يتخذوا مواقف معادية للسلطان الامبراطوري انهاء عدم التكافؤ في المجال العسكري من خلال حصولهم على منظومات اسلحة تمكنهم من مجابهة الامبراطورية مجابهة الند بالند , وغني عن بيان ان امتلاك الاسلحة النووية والصواريخ الناقلة للرؤوس النووية هو اساسا الامر الذي يخلق الشروط الضرورية لمجابهة من هذا القبيل )( ) كما هو حال العديد من الدول اليوم في مواجهة قوة وتسلط الولايات المتحدة الاميركية على سبيل المثال على رقعة الشطرنج الدولية.
فالبنية السياسية العالمية التي تطورت عقب احداث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001م تبرز تشتت القوة والنفوذ والسلطان بعيدا عن المركز ونظام احادي او ثنائية الأقطاب , باتجاه حقل تعددي الاطراف . يلاحظ انه مكون كما سبق واشرنا من عشرات وربما المئات من الفواعل الدولية كالدول القومية والجماعات القومية الفرعية , والمشروعات المتعددة القومية , والمؤسسات العالمية والاقليمية. وكذلك المنظمات الدولية العابرة للحدود الوطنية , خصوصا تلك التي تسعى لمد نفوذها الى مختلف ارجاء العالم كالتنظيمات الارهابية والمتطرفة , وكثيرا ما تكون هذه الكيانات على حد تعبير – سيوم براون – استاذ التعاون الدولي في قسم العلوم السياسية بجامعة برانديز : ( في حالة منافسة حادة لكسب تأييد وولاء بناها القاعدية التي تكون بأكثريتها اعضاء في عدد مختلف من الكيانات المتنافسة في ان معا)( )
يضاف الى ذلك ان ثورة المعلومات آخذة في جعل السياسة الدولية أكثر تعقيد وصعوبة من خلال تمكين العديد من العناصر الفاعلة بغض النظر عن حجمها الجغرافي او حتى مكانتها الدولية من امتلاك القوة المناسبة وبالتالي التأثير على توازن القوة بين الدول باتجاه النزوع الى اللامركزية . ولقد جادل العالم السياسي روبرت جيلبين بان ( ” السلام البريطاني ” و” السلام الاميركي” مثل “سلام روما ” الإمبراطورية القديمة , يضمن نظاما دوليا من السلم والأمن النسبيين)( ) كما ان الاقتصادي شارلز كيندلبيلرغر زعم انه ( لكي يستقر الاقتصاد العالمي يجب ان يكون هناك مثبت . مثبت واحد ) ( ) وذلك ان حسن إدارة العالم يتطلب دولة كبيرة واحدة تأخذ بزمام القيادة .
لذا ستكون البيئة الدولية مشحونة بالفوضى وسياسة القوة هي من سيحكم , حيث ان الدول وهي الأطراف الرئيسي الفاعلة والتي في العادة هي من يحدد مصالحها وكذلك كيف تخدم وتوجه تلك المصالح ستكون ( منشغلة أساسا بمصالحها الخاصة , ولن تستطيع الاعتماد على إلا على نفسها من اجل البقاء . وبما ان لكل دولة قوتها العسكرية , وبما ان الدول الأخرى لن يمكن الوثوق بها أبدا , فليس هناك أي شيء آخر . فإما القوة وإما التهديد بالقوة هو من سيصبح الحكم النهائي , وفي هذه البيئة فان الدول جميعها ستشعر بأنها غير آمنة , وستؤدي زيادة قدرة دولة واحدة على تعزيز أمنها تلقائيا الى زيادة انعدام الأمن لدى الدول الأخرى الى حد ما ) ( )
سيؤدي هذا التوجه الى ظهور مأزق امني كبير حيث ستتجه مختلف دول العالم باختلاف حجمها وطبيعتها الى تحصين نفسها بالقوة العسكرية , ما سيؤدي بدوره مع الوقت الى ما أطلق عليه بفوضى في التوجهات والسياسات العسكرية والتسلح . حيث أدت ( القدرات الجديدة بالفعل الى السماح- بتوجيه – العمل العسكري بدقة لخدمة الأغراض السياسية – مع زيادة النزعة الأحادية – الى التهديد باستخدام القوة كأداة للدبلوماسية ) ( )

المبحث الثالث : المتنمرين الصغار ( خصوم بوجوه مختلفة ) :
( يمثل اللاعبون الجيواستراتيجيون النشيطون الدول التي تمتلك القدرة والارادة الوطنية اللازمتين لممارسة النفوذ أي التأثير فيما وراء حدودها لغرض تبديل الوضع الجيوبوليتيكي القائم الى الحد الذي يؤثر على مصالح – العديد من الدول – ,وتكون لها الامكانية والاستعداد للاشتعال الجيوبوليتيكي ,وتسعى بعض الدول لأسباب عدة منها تحقيق العزة القومية او الانجاز الايديولوجي او الرسالة الدينية او الابهة الاقتصادية الى الحصول على السيطرة الاقليمية او المكانة العالمية , وتكون مدفوعة بدوافع مركبة وضاربة الجذور)( )
وتفترض هذه الفكرة او التوجه حدوث تمرد على النظام الدولي القائم – على افتراض انه نظام احادي القطب او حتى ثنائي او تعددي محكم – من قبل العديد من الاطراف والكيانات الدولية الاصغر الراغبة في السيطرة وامتلاك القوة او على اقل تقدير حماية كياناتها من تطرف الدول الكبرى في لحظة من لحظات العنجهية والنزعة الامبريالية . وكذلك من دول مؤهلة لامتلاك النفوذ مع التراجع المستمر للمركزية الاميركية . وسيكون اقرب الى نظرية التنمر العشوائي او الاحادي منه الى التبعية التعاونية او التنظيمية التي كتبنها عنها في مؤلفنا الصادر في العام 2012م والموسوم بنهاية المركزية – الخارطة الجيوسياسية للقوى العالمية في العقد الثاني من القرن 21 بالفصل الثالث الذي تم تخصيصه لما اطلقنا عليهم بالمتنمرون الجدد ( ) .
وسيتشكل ذلك التوجه في بداية الامر عبر مراحل زمنية غير متباعدة خصوصا في الشرق الأوسط والبيت السوفيتي القديم . وباعتقادي ان ذلك سيكون واضح جدا قبل منتصف العقد الثالث من القرن 21 . وليس بالضرورة ان يكون منظم او عبر تنسيق مسبق بينها . لان تلك الكيانات ستكون في كثير من الاحيان خصوم واعداء حتى في اقصى لحظات التعاون حول بعض القضايا المشتركة بينها. وان وجدت بين الحين والأخر قواسم مشتركة او بعض التعاون والتنسيق من جهات وحركات تضامن بين بعضها البعض في بعض الأحيان . الا ان ذلك سيكون اقرب الى العشوائية والفوضوية كما سبق واشرنا . وستكون مدفوعة بنزعة تمرد رافضة لنظام القوى الكبرى او القطبية القائم على التراجع أصلا باتجاه رفض العديد منها الالتزام بما يتوقعه منها الفاعلون الكبار والمسيطرون على رقعة الشطرنج الكبرى والمجتمع الدولي . وبمعنى آخر , خروج الدول الصغيرة من عباءة النظام العالمي الذي تتحكم به القوى الكبرى في العالم كالولايات المتحدة الاميركية وروسيا على سبيل المثال لا الحصر .
وكما يشير الى ذلك فريديريك شاريون , أستاذ العلوم السياسية بجامعة اوفيرن ومعهد الدراسات السياسية في باريس من ان سنوات القرن 21 شهدت تطور هذه الفكرة ( وبقيت علة وجود المعارضة تتمثل حتما بالمحافظة من خلال خطاب دولي قوي يؤدي أيضا الى تعبئة داخلية على نموذج وطني من التنظيم السياسي تريد الدول المهيمنة لا سيما الاميركية الشمالية والأوربية ان تجعله يخبو . ولكن بالنسبة الى دول كثيرة يحوك التجمع معا وسط انتقادات الدول الغربية الكبرى روابط جديدة بين هذه الدول , وقد سجلت قواسم مشتركة من جهة وحركات تضامن من جهة أخرى تقوم اليوم بين مثيري القلاقل المفترضين هؤلاء أكثر بكثير مما كانت تقوم في الماضي ) ( )
من ابرز نتائج هذا التوجه الجوانب التالية : تنمر او تمرد العديد من الدول الصغيرة في الشرق الأوسط على النظام العالمي القائم على الأنظمة القطبية او القوى الإقليمية الكبرى , باتجاه اتخاذ قرارات أحادية ودون الرجوع فيها بالضرورة الى الفاعلين السياسيين الكبار كما هو معتاد ومتعارف عليه . او حتى الى المنظمات الدولية والقانونية كهيئة الامم المتحدة او مجلس الامن الدولي , رغم ان تلك التوجهات قد تكون في بعض الأحيان اتخاذ قرارات حرب او صراع او تدخل في شؤون الدول الأخرى . كما ستنتشر الاستفزازات السياسية العابرة للحدود الوطنية عبر لغة غير مقبولة دبلوماسيا وسياسيا . يميل بعضها في أحيان كثيرة الى التشدد والعنف , وسيرتفع معها الاستعداد لتحدي المحظورات الدولية .
حينها لن تكون الدول في مأمن او سلام من طموحات واطماع وتدخلات بعضها البعض , ولا نقصد في هذا السياق الدول الكبرى . بل تلك الدول الصغيرة التي ستجد نفسها في لحظة من اللحظات مندفعة نحو ملئ الفراغ الجيوسياسي في نطاق موقعها الجغرافي , او حتى بسبب رغبتها في حماية نفسها بأسلوب الهجوم كأفضل وسيلة للدفاع. فالمتنمرين الصغار الطامحين لاستغلال اوقات الفراغ الجيوسياسي لصالحهم سيتحركون بكل قوة لتحقيق اهدافهم السياسية والجيوسياسية على رقعة الشطرنج الدولية , مستخدمين كل الطرق المشروعة وغير المشروعة لتحقيق تلك الاهداف , دون مراعاة لأي اعتبارات قانونية او سياسية ان اضطرهم الامر لذلك . فالغاية وحدها ستكون حينها المبرر لاستخدام كل تلك الوسائل .

المطلب الثاني التحولات الجيوسياسية الدولية وحروب العصر الرقمي
المبحث الأول : تفتيت الدول ونهاية الجغرافيا السياسية :
بالرغم من أن المجتمع الدولي لا يزال يصر على أن الدولة هي النواة الأساسية المكونة للنظام العالمي ، وأن المحافظة عليها وعلى سيادتها ووحدتها هو من أهم شروط الاستقرار في العلاقات الدولية . إلا ان ذلك الأمر وكما يبدو لم يعد قابلا للاستمرار والاستقرار خلال العقود القادمة ، بحيث يمكن القول إن السنوات القليلة المقبلة سوف تشهد صراعاً قاسيا ومريرا بين المبادئ المتعلقة بسيادة الدول وسلامتها الإقليمية واحترام شؤونها الداخلية ، وبين تلك التيارات الداخلية والاقليات المنادية بالانفصال والتفكك بهدف الحصول على الحكم الذاتي عن الدولة المركزية. سواء كان الدافع لذلك سياسي او ثقافي . قومي وعرقي او غير ذلك من اشكال الاستقلال والرغبة في الانفصال .
على ضوء ذلك وباختصار يمكن التأكيد على ان ابرز التحديات والمشكلات التي ستواجه الدولة المركزية وسيادتها واستقلالها كوحدة في القرن 21 ستتشكل نتيجة التوجهات القومية والطائفية للاقليات او الاطراف البعيدة عن المركز على امتداد افق رقعة الشطرنج الدولية بوجه عام والاوراسية على وجه الخصوص . وكذلك نتيجة الردود السياسية الدولية على اشكال الاستبداد القومي والطائفي من جهة اخرى , ويبدو ( ان احد التكاليف المقبول للدولة القومية يقرر كلا من جذور الصراع السياسي الداخلي وتطوره , حيث ستتحدى الدولة القومية رؤية الدولة ذات السيادة لنفسها باعتبارها دولة قومية , وفي النهاية فان سياسات الاستبعاد المبنية على الرفض , وسياسات الاستئصال والطرد القسري والهيمنة المتأصلة ستخلق ظروف الانفصال المصحوبة بالعنف )( )
وكما يبدو أن التحولات الجديدة في بنية النظام الجيوسياسي العالمي القادم قد بدأت بالتشكل والبروز بشكل مبكر، وخصوصا ظاهرة تقسيم الدول القائمة وتفتيتها الى كيانات جديدة، والتي ستشكل لاحقا مع تلك الكيانات الدولية التي تطالب بالانفصال والاستقلال عن المركز السياسي الذي تتبعه بحسب الجغرافيا السياسية الراهنة، والتي سيتم الاعتراف بها لاحقا بشكل أو بأخر، قائمة الدول التي سترسم معالم الخارطة الجديدة للجغرافيا السياسية في القرن الحادي والعشرين.
وقد بات من المحتمل وبحسب العديد من الدراسات السياسية والجغرافية وبعض النظريات والتحليلات والتوقعات الصادرة عن العديد من مراكز الأبحاث المرموقة والشخصيات العلمية ذات الاختصاص، أن في العالم اليوم ما يقارب من الـ 50 دولة على الأقل مهددة بالتقسيم والتفتيت الى دويلات وكيانات اصغر، على رأسها الولايات المتحدة الاميركية واستراليا وعدد من الدول الأوربية والعربية ، هذا بخلاف العديد من الدول في مختلف قارات العالم ، ومن ضمنها القارة الأسيوية المهددة أكثر من غيرها بهذا الأمر، كون النظام الدولي القادم سترتسم معالمه من هذه القارة المحورية تحديدا.
وكما ان تلك التحولات المحتملة في النظام الجغرافي الدولي الراهن، تسير في طريق تفتيت الجغرافيا القائمة ونهاية التاريخ السياسي القديم، فإنها ومن جهة أخرى تؤكد وبما لا يدع مجالا للشك بان هناك دول وكيانات صغيرة قائمة، ستتوحد وتندمج مع كيانات دولية أخرى، مكونة بذلك دول جديدة وأنظمة سيادية وسياسية مستحدثة، سترسم لاحقا مع تلك الدول المستقلة أو المنفصلة، خارطة العالم الجديد، والنظام الجيوسياسي القادم خلال العقود المتبقية من القرن الحادي والعشرين.
– وبمعنى آخر – أن نظرية ” إزاحة الدول ” وتفتتها وتقسيمها جغرافيا وسياسيا من جهة ، وانزواء دول أخرى واندماجها جغرافيا وسياسيا مع كيانات أخرى اكبر منها، أو مثلها من جهة أخرى، أو من خلال ظهور أقليات وجيوب وتقسيمات جغرافية داخلية ستعطى بعض الاستقلال الذاتي مع بقاء ارتباطها بالمركز، قد اصبح امر شبه مؤكد خلال المرحلة الزمنية القادمة ، وخصوصا أن الدفع نحو تأكيد هذه التحولات الجغرافية والسياسية قد بدأت ترتسم معالمها الأولية فعليا وعمليا قبل ان نلج العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. .
ومن ابرز النماذج المستقبلية المتحملة على سبيل المثال لا الحصر القارة الاوربية حيث سيبدأ ذلك مع الكيانات الجغرافية الصغيرة التي تطالب بالاستقلال من جهة , والانفصال عن مركزها الجغرافي الراهن من جهة أخرى , أو حتى من خلال المطالبة بالانزواء وراء دول كبرى قد تؤيد استقلالها , ككوسوفو وألبانيا الكبرى ، والشيشان وأنغوشيا ومولدوفا , وليس استقلال تيمور الشرقية في العام 2002 م , وجمهورية الجبل الأسود في العام 2006م عنا ببعيد 0هذا بخلاف ما يمكن ان يحدث لبعض الدول الأوربية الرئيسية كبلجيكا على سبيل المثال لا الحصر والتي ظهرت فيها مؤخرا بعض الأحزاب والقوى السياسية الكبرى التي تنادي بإعطاء بعض المناطق الداخلية البلجيكية استقلال ذاتي كمنطقتي فلاندرز وفالونيا , كما انه لا يجب ان نتجاهل مطالبة سكان جزر الكناري وإقليم الباسك الإسباني الانفصال عن اسبانيا , وكذلك الأقليات المجرية في كل من رومانيا وسلوفاكيا , وكذلك في هولندا وسويسرا , وشمالي إيرلندا .
أما الولايات المتحدة الاميركية فهي الأخرى ليست بمعزل عن الإصابة بظاهرة التقسيم والتجزئة الجغرافية في المستقبل , فهناك العديد من المنظرين الذين وضعوا عدة سيناريوهات لانهيار الولايات المتحدة الاميركية وتفتيتها وتقسيمها , وخصوصا نتيجة ظروف وعوامل كالاقتصاد والتجاوزات في حقوق الإنسان , أو حتى من خلال التعددية العرقية والأثينية , كايمانويل تود في كتابه ” ما بعد الإمبراطورية ” و الخبير الاقتصاد الروسي البروفيسور ”إيجور بانارين” الذي وضع منذ عشر سنوات وتحديدا في العام 1998م سيناريو توقع من خلاله انهيار الولايات المتحدة الاميركية وتقسيمها الى دويلات حيث وقف بنارين في مؤتمر دولي تحت عنوان ” الحرب المعلوماتية ”، بالعاصمة النمساوية ليلقي كلمته الطويلة التي جذبت الحضور بشدة وأثارت دهشتهم وصيحاتهم ، خصوصاً عندما قال إن ( الولايات المتحدة ستلقى مصير الاتحاد السوفييتي وستتفكك إلى أجزاء”، والأكثر غرابة أن بنارين في كلمته في المؤتمر تنبأ بأن الولايات المتحدة ستواجه أزمة مالية حادة في غضون العشرة أعوام المقبلة ستكون بداية انهيار الهرم الكبير , وهو ما حدث في العام 2008م )( )
أما عربيا : – وللأسف الشديد – فلا زالت هذه الظاهرة تسير في طريق الاستفحال والانتشار بشكل لا يبشر بخير, وبالفعل فقد برزت خلال العقود القليلة الماضية العديد من الأفكار والتوجهات التي تسير في هذا الاتجاه , تدفعها عوامل خارجية وداخلية , وفي هذا السياق يقول الدكتورعبد الله الأشعل ( أما في العالم العربي , فإن تفتيت الدول في آسيا الوسطى وروسيا ومن قبله تيمور الشرقية سوف يرفع وتيرة التفتيت في العالم العربي )( ). وبالفعل فإننا ومن خلال السنوات العشر الأولى من القرن الحادي والعشرين , شاهدنا سقف تزايد الدول العربية المهددة بالانقسام والتفكك قد ارتفع كثيرا , وقد اظهر استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات العربي الأوروبي في باريس ان المطالبة بانفصال الجنوب السوداني يأتي ضمن سياق مخطط أميركي – صهيوني مدروس ومخطط له مسبقا .
وذكر المركز في بيان أنّ 76.4 % من الذين شملهم الاستطلاع قالوا انه مع احتمال انفصال جنوب السودان ستنتقل العدوى الى دول عربية أخرى ، وأن المطالبة بانفصال الجنوب تأتي ضمن سياق مخطط أميركي – صهيوني ، وهو التكتيك الجديد في الحرب على المنطقة العربية إي تقسيم الدول العربية وليس خوض الحروب التقليدية , وبرأيهم ان القائمة المطروحة حاليا تشمل العراق – اليمن – السودان – المغرب – الجزائر , ولم يستبعدوا في المدى المنظور دولا خليجية قد يشملها التقسيم , وتوقعوا ان يتم تقسيم هذه الدول خلال السنوات العشر المقبلة ,
هذا بالإضافة الى العديد من الدول الأفريقية والأسيوية الأخرى المهددة بالتنازل عن أجزاء من أقاليمها , وذلك بالانفصال أو التفتيت أو تسليم تلك الأقليات حكما ذاتيا منفصلا , ومن أمثلة ذلك مملكة التورو في أوغندا ، وأوغادين وأورومو في إثيوبيا ، والهوسا والايبو في نيجيريا , والسكان الأصليون في إقليم كاتنغا بالكونغو , واللوزي في زامبيا .
لذا فان من ابرز نتائج هذا التوجه . تصاعد وتيرة تفتيت العديد من الدول في المستقبل واندماج دول اخرى مع بعضها البعض , وسيكون لمنطقة الشرق الاوسط نصيب لا يستهان به من هذا التوجه القائم على الاستفحال . على ضوء ذلك فلا يستبعد ابدا ان نجد انفسنا في لحظة من اللحظات التاريخية ونحن بجوار دولة جديدة , مضطرين للتعامل معها سياسيا ودبلوماسيا وربما عسكريا , كما لا يستبعد ابدا ان تجد العديد من الشعوب نفسها كذلك امام انهيار الجغرافيا السياسية لأوطانها, لتشاهد في لحظة زمنية معالم جغرافيا جديدة تفصل وتقسم طرفها الوطني الاخر .
المبحث الثاني :: حروب دينية وقومية على امتداد العالم :
لكل قرن من القرون حروبه وصراعاته الخاصة على اعتبار اختلاف الظروف والمتغيرات الجيوسياسية واطماع القوى الدولية الموجهة لشكل وطبيعة ذلك الصراع في كل زمان ومكان عبر التاريخ البشري . الا ان الظاهر ان نوعان من التوجهات والصراعات كان المرافق الدائم للبشرية , وهما الصراع الديني والصراع القومي , وقد ( عرف الانسان الحرب منذ وجد على هذه المعمورة وان حالة الحرب قديمة قدم الانسان نفسه , والانسان بما لديه من مصالح وحب النفس , لذلك يحارب كل من ينافسه على ذلك , وفي بعض الاحيان لكي يحصل الانسان على تنفيذ ما يدور في خلده , يحتاج الى عدو , سواء كان هذا العدو وهميا او حقيقيا , ولكن في كل الاحوال يجب ان يكون واضح الملامح , فالتنافس والصراع يمكن فقط ان يحدث بين كيانات تكون في العالم نفسه او الحلبة ذاتها …. ومن ثم فان احتمال السلام العام والدائم بين المجموعات الاثنية او الدول او الشعوب بعيدة المنال , وكما تبين التجربة الانسانية فنهاية حرب ساخنة او باردة هي خلق ظروف لحرب اخرى )( ) فاذا كانت ديمومة الحرب هي سمة عرفها التاريخ منذ تسجيله , فالسمة التي لا تقل ديمومة عنها , هي ارتباط الحرب بالسلطات الدينية والقومية , وفي جميع الحضارات تقريبا .
وعلى شاكلة سيناريو انهيار الاتحاد السوفيتي الذي ادى سقوطه الى احداث فراغ جيوسياسي على الخارطة العالمية بوجه عام والبيت السوفيتي القديم على وجه الخصوص مع بداية تسعينيات القرن العشرين , ما ادى بدوره الى حدوث صراعات قومية وطائفية وعرقية امتدت على طول حدود جغرافيا النفوذ السوفيتية ولمدة دامت اكثر من عقد من الزمن . فان الملاحظ اليوم على رقعة الشطرنج الدولية حدوث سيناريو مشابه , ولكن على مساحة شبه كونية تمتد بامتداد النفوذ الاميركي المتفرد والاحادي القطب والذي دام اكثر من عقدين من الزمن . بداية بتسعينيات القرن الماضي وحتى نهاية العقد الاول من القرن 21 .
مع التأكيد على ان اقرب ما يمكن ان يوصف به النظام القائم اليوم على التشكل بالرغم من ذلك التراجع هو ذلك الوصف الذي أطلقه سيوم براون وهو أستاذ التعاون الدولي في قسم العلوم السياسية بجامعة برانديز في كتابه وهم التحكم – القوة والسياسة الخارجية في القرن الحادي والعشرين 2004م – بقوله : ان النظام العالمي الذي نعيشه اليوم هو اقرب الى نظام تعددية قطبية فضفاضة ، على تخوم نظام حكم الكثرة ، في ظل الحضور الأحادي الطاغي في اغلب الأحيان للولايات المتحدة الاميركية.
على ضوء ذلك نجد ان النظام العالمي يتجه اليوم بخطوات متسارعة وثابتة الى طريق الحروب والصراعات التي ترتبط ارتباطا كاملا بصراع الأيديولوجيات أو الصدوع الثقافية من جهة والحروب الطائفية والقومية من جهة أخرى , وذلك نتيجة لتلك المحفزات النفسية والدينية والاقتصادية التي تستغلها بعض الدول والمؤسسات والجماعات الدولية المتعصبة أو النفعية بغرض تجاري أو سياسي أو اقتصادي وليس بالضرورة ان تكون جماعات متشددة . والحقيقة ان هذه النظرة التشاؤمية الى المستقبل لم يتم اختزالها في رؤية قاصرة على مساحة جغرافية محدودة لمتغيرات النظام العالمي القائم منذ بداية القرن الحادي والعشرين , بحيث ألغينا كل معالم الأمل في تلك التحولات الطيبة على المستويين السياسي والاقتصادي الدولي , وإنما قمنا ببنائها على عدد من الأسس العلمية التي يمكن الاستناد عليها في استشراف المستقبل وقراءة ما بين سطور وهوامش الخارطة الجيوسياسية الدولية المستقبلية .
وفي هذا السياق نفسه يقول الدكتور ايرل تيلفورد – وهو مدير البحوث بمعهد الدراسات الإستراتيجية بكلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي ( ان الصراعات العرقية والدينية – والقومية – قد لازمتنا منذ فجر التاريخ وسوف تستمر خلال القرن الحادي والعشرين , ويضيف هناك ثلاثة أنواع من الحروب هي : حرب المواجهة وحرب السيطرة وحرب البنية التحتية , وفي سياق شرحه لتلك الحروب , قال : ستكون حروب السيطرة هي أكثر الصيغ شيوعا في حروب المستقبل , وهي من نوع الحرب التي نفذتها يوغسلافيا السابقة بنجاح تام , بينما كان حلف شمال الأطلسي منهمكا في حروب جوية مبنية على مبادئ الثورة في الشؤون العسكرية ) ( )
من هذه الناحية نؤكد من جديد على أن أهم وابرز مواطن الأسباب والدوافع الأيديولوجية التي يمكن ان تتسبب بتلك الحروب والصراعات الداخلية أو الإقليمية أو تلك العابرة للقارات هي الأفكار القومية والدينية , والتي نؤكد على أنها ستكون الشرارة الأكبر لحروب وصراعات ستتسبب بخسائر بشرية اكبر بكثير مما مر على البشرية في العقود الماضية , وذلك نتيجة لتراكم المعرفة والخبرة التاريخية في طرق الإبادة الجماعية وتوفر أدوات ووسائل القتل المتقدم , واستثمار الأموال الطائلة في امتلاك تلك الأدوات والوسائل التكنولوجية الحديثة والمتطورة هي الصراعات والحروب التي ستحركها الأفكار القومية والمذهبية والطائفية , أكان ذلك على مستوى الأفراد أو الجماعات المتشددة أو حتى الدول القومية العابرة للقارات.
و( سواء كنا متفائلين بتلك المحفزات السياسية والاقتصادية والتقدم العلمي ونضوج المجتمعات المدنية الحديثة , فان ذلك لا يمكن له ان يوقف التيار الجارف لحتمية الصراع والاستمرار والبقاء ودوافع الاستعمار والتوسع والسيطرة الأزلية للقوى الكبرى , كما انه لا يمكن له ان يحتوي تلك المعتقدات والأفكار والثقافات التي لا زالت تدفع بالإنسانية دفعا نحو حتفها كالطائفية والقومية والمذهبية والشعوبية , لذلك كان جيمس سجالنجر مصيبا بنحو لا يقبل الشك عندما توصل في عام 1992م الى ان النظام العالمي المستقبلي سترسمه سياسة القوة والصراعات القومية والتوترات العرقية )( )
وبالنظر الدقيق الى الخارطة الجيوسياسية الدولية للقرن الحادي والعشرين وما شابها من صراعات وحروب وتحولات جيواستراتيجية وجيوبولتيكية خلال العقد الماضي وبدايات العقد الثاني , يتأكد لنا شكل النظام العالمي المستقبلي الذي يمكن ان ترسمه امتدادات وانعكاسات تلك الحروب والصراعات القومية والدينية خصوصا , والتي يمكن للمتابع العادي والبسيط ان يعرف بأنها لم تكن لتتجاوز عتبات أبواب النعرات القومية والطائفية وتلك التي تساهم في صناعتها الامبريالية والتوسعية وأطماع الدول الكبرى , يضاف الى ذلك طموحات بعض المتنمرين الجدد ومثيري الفتن كما سبق
المبحث الثالث :: دول افتراضية ومواطنين عالميين :
يستطيع المرء البدء بتمييز وملاحظة نمط جديد من المجتمعات المتداخلة قائما على التشكل ونوع من الإدارة يحملان شيئا من الشبه بالوضع الذي كان سائدا قبل ان يصبح نظام الدول ذا طابع رسمي بمعاهدة سلام ويستفاليا ( فالاتصالات العابرة للقومية عبر الحدود السياسية كانت نماذج مألوفة في عهد الإقطاع , ولكنها صارت مقيدة على نحو متزايد بنشوء الدول او الأمم المركزية ) ( ) حيث سيتراجع مع الوقت نوعا ما عنصر مهم من عناصرها المكونة لبنائها القانوني والسياسي , وهو عنصر السيادة الوطنية بطريقة او بأخرى , باتجاه ما يمكن ان يطلق عليه في العقود القادمة بالدولة الرقمية او الافتراضية .
صحيح ان الدول ذات السيادة ستستمر بتأدية دور كبير في السياسة العالمية لزمن ليس بالقصير , ولكن ذلك لن يستمر الى ما لا نهاية , بل سيتعين عليها مع الوقت التنازل عن بعض من سيادتها واستقلالها الكامل أمام ضربات العولمة , وستكون اقل عزلة وانطواء على نفسها , وأكثر مسامية , وسوف يتعين عليها ان تتقاسم مسرح السيادة الوطنية مع مواطنيها , بل ومع أفراد واسر دولية من الخارج . ما يعني ان مبدأ سيادة الدول واستقلالها والذي ولد في القرن السادس عشر للميلاد مع انهيار النظام الإقطاعي وظهور حركة الإصلاح الديني الذي دفع بدوره الى تركيز السلطة في أيدي حكام وملوك الأنظمة السياسية القائمة في وقتها ولا زال مستمرا حتى وقتنا الراهن في العديد من دول العالم , يمر اليوم بمفترق طرق رئيسي في النظام العالمي الجديد او الرقمي , ابسط ما يمكن القول عنه , انه يسير نحو التراجع والانهيار والتفتت أمام ضربات العولمة الموجعة بمساندة ثورة المعلومات والمجتمعات الرقمية .
باختصار , فان هذه التحولات تشير الى إبطال مفعول الدولة المركزية الحديثة التي كانت تسيطر على السياسة العالمية منذ القرن السادس عشر وحتى منتصف القرن العشرين تقريبا. صحيح إننا ( لا نزال في مرحلة مبكرة من ثورة المعلومات الحالية , وتأثيراتها على الاقتصاد والسياسة متفاوتة ) ( ) إلا ان القياسات التاريخية السابقة تساعدنا على فهم بعض القوى التي ستشكل السياسة العالمية في القرن الحادي والعشرين , ( حيث تغيرت الاقتصادات وشبكات المعلومات بسرعة أكثر بكثير من سرعة تغير الحكومات , وقد تنامت أحجامها بأسرع من تنامي السيادة والسلطة ) ( ) .
كما ان هناك اتجاهان آخران لهما علاقة وثيقة بثورة المعلومات , ويعززان التكهن بان هذا القرن سيشهد تحولات في موقع الأنشطة الجماعية بعيدا عن الحكومات المركزية . وهما : ان ثورة المعلومات صنعت قوى وعناصر فاعلة خاصة عابرة للقومية غير سياسية ولكنها تؤثر بشكل رئيسي ومباشر في سياسات الدول وسيادتها الوطنية كشبكات التواصل الاجتماعي ” تويتر , فيس بوك , والواتساب , وغيرها , و( كذلك قد وسعت ثورة المعلومات من دور الأسواق – الشركات متعددة الجنسية والخصخصة – وتأثيرها على سياسات الدول بطريقة جعلت الدولة مصدرا واحدا للسلطة من بين عدة مصادر ) ( ) ( فالتحول القياسي الرئيسي – واعني الثورة الصناعية الى ثورة المعلومات – هو الذي أدى الى تغيير طبيعة الدولة القومية . فما كان يعرف بالسيادة الوطنية سيتحول الى مفهوم سيادة الشعب او سيادة المواطن , فهناك شيء آخر ينشا بدلا من القومية ) ( ) اتصور بانها قومية الدولة الافتراضية .
وهو ما يؤكده اريك شميدت الرئيس التنفيذي لشركة غوغل وجاريد كوين مدير قسم الأفكار في نفس الشركة في كتاب العصر الرقمي الجديد – إعادة تشكيل مستقبل الأفراد والأمم والأعمال بقوله ( ان الدول وخلال العقود القادمة والتي ستخضع فيها سيادتها الوطنية الى عوالم وأيقونات وضربات المملكة الافتراضية , حيث ستحن الى تلك الأيام التي لم يكن عليها فيها سوى التفكير بالسياسات الخارجية والمحلية في العالم الفيزيائي , ولو كان بالإمكان استنساخ هذه السياسات الى المملكة الافتراضية فلربما كان مستقبل فن السياسة اقل تعقيدا , ولكن على الدول ان تتعايش مع حقيقة ان الحكم في الوطن مع فرض النفوذ –والسيادة الوطنية – في الخارج والداخل بات أصعب بكثير اليوم ) ( )
( على هذا النحو ثمة نوع من اللاتكافؤ وقدر من الفوضى العالمية المتجذرة داخلة في صلب العلاقات بين القوى المعلوماتية على الصعيدين الدبلوماسي والاستراتيجي كليهما , وتأكيد العديد من المنافسات الاستراتيجية بات متحولا عن المجال المادي – الفيزيائي نحو المجال المعلوماتي في تجميع المعطيات وانضاجها , في اختراق الشبكات , وفي توظيف السيكولوجيا والتلاعب بها , في غياب مفصلة قواعد معينة للسلوك الدولي , لابد لنوع من الازمة ان تنشا من قلب اليات النظام نفسه )( )
لذا فان من ابرز نتائج هذا التوجه الجوانب التالية : تراجع ما يسمى بسيادة الدول على أراضيها وتفتت ما يطلق عليه بمبدأ السيادة الوطنية باتجاه دول افتراضية وسيادة جزئية تتحكم بها الثورة المعلوماتية ,والتجمعات الرقمية او شبكات التواصل الاجتماعي كتويتر والواتساب والفيس بوك , وكذلك الشركات العابرة للقارات , لتكون السيادة القادمة ليس للجغرافيا السياسية بقدر ما سيكون ذلك للجغرافيا الافتراضية , وستتحول الأنظمة السياسية القادمة الى حكومات الكترونية والأفراد الى مؤثرين فاعلين في سيادة تلك الأنظمة سواء كان السيادة الداخلية او الخارجية , فيما يمكن ان يطلق عليه بنهاية السيادة الوطنية وبداية الدولة الكونية الافتراضية او الرقمية.

ستؤثر في مستقبل السياسة الدولية في القرن 21  

أ . محمد بن سعيد الفطيسي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

رئيس تحرير مجلة السياسي

المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

azzammohd@hotmail.com

تمهيد :::

         ( نحن مسافرون باستمرار في رحلة استكشاف نحو المستقبل , ولكننا لسنا سواحا يرافقنا دليل يستطيع ان يخبرنا تماما ماذا سنصادف امامنا ليبقينا مرتاحين وبأمان . على العكس , نحن مستكشفون في منطقة مجهولة وخطرة لم يسبقنا اليها احد ابدا من قبل ) ([1]) .

        على ضوء ذلك يمكن القول ان هذا الطرح هو واحد من تلك التحليلات الاستشرافية التي تحاول استقصاء واستقراء بعض تلك التوجهات العالمية الكبرى التي ستؤثر في مستقبلنا السياسي والامني , والتي نجد انها بدأت بالتشكل في تلك المنطقة المجهولة والخطرة من رقعة الشطرنج الدولية . من خلال توقع بعضها بناء على معطيات ووقائع الحاضر القائم. وذلك بهدف تمكين متخذ القرار السياسي والامني من بناء احتمالات وصياغة سيناريوهات لمفاجئات يمكن ان تحدث في المستقبل على رقعة الشطرنج العالمية بوجه عام , والشرق أوسطية على وجه الخصوص . ومعرفتنا بها قبل ان تقع ولو بفترة زمنية مقبولة . يمكن ان يعطينا قدرة اكبر على المناورة من جهة , واحتواء اكبر قدر ممكن من انعكاساتها وتأثيراتها السلبية على الداخل الوطني من جهة اخرى .

        وتعد تلك التوجهات والمتغيرات السياسية والجيوسياسية القائمة على التشكل اليوم على رقعة الشطرنج الدولية في الواقع مؤشرات على أحداث قادمة اكبر واخطر بكثير مما يتوقعه البعض منا. لذا يمكن القول ان محاولة السعي لاستشراف تلك التوجهات المعاصرة وفهم تداعياتها وتأثيراتها ستساعدنا كثيرا على صناعة قراراتنا وتوجهاتنا العسكرية والأمنية والسياسية المستقبلية التي يجب علينا اتخاذها على المستويين القريب والمتوسط على اقل تقدير وبشكل أكثر حرفية ودقة وواقعية . فلا غرابة أبدا فيما يحدث اليوم من تحولات عابرة للحدود الوطنية ربما يكون قد تم توقع حدوثها قبل عقود طويلة من الزمن من قبل بعض الخبراء والمراقبين بناء على معطيات ومقاربات ووقائع تاريخية اعتبرت وقتها مجرد أوراق مستقبلية غرائبية . بينما نشاهها اليوم واقع نعيشه بكل تفاصيله.      

         فالفرصة ( التي قد تسنح لنا لتجنب كارثة في المستقبل ,او على الأقل لإعداد استراتيجيات لمواجهتها , هي مبرر كاف لتفحص إمكانات حدوث الأوراق الغرائبية , فهذه الأوراق شديدة الغرابة قد تطلق سلسلة من الأحداث التي قد تكون أسوا بكثير من الحادث الأول نفسه , مثلا . ان كارثة طبيعية كبرى قد تؤدي الى وباء على امتداد الكوكب , مما يؤدي الى ان تغلق الدول حدودها . ما يؤدي بدوره الى انهيار صناعة خطوط الطيران وهكذا ) ([2]). وما المشكلات والازمات السياسية والعسكرية التي تنتشر في كل انحاء كوكبنا الارضي اليوم , بل وتغزو الفضاء من حولنا سوى امتداد لتلك السياسات والتوجهات الناتجة عن الصراع على القوة والنفوذ والسيطرة وتضارب المصالح الجيوسياسية بين الفواعل والقوى الدولية .

          والاسئلة التي يجب ان تطرح في هذا السياق هو : ما مدى تأثير انعكاس تلك الاتجاهات العالمية القائمة على التشكل في انظمة الحكم وبناء القوة والنفوذ على رقعة الشطرنج الدولية على امننا الوطني وسياستنا الخارجية ؟ وكيف يمكن ان تلامس تلك الاتجاهات العابرة للحدود الوطنية البيئة السياسية والامنية الوطنية ؟ .بالتالي ماذا يجب ان نفعل ؟ وكيف يجب ان نتصرف ؟ اذا اخذنا في الاعتبار ان عالمنا القائم على التشكل ستحكمه دول كثيرة ومتعددة الأحجام وأشكال الحكم على حساب فكرة الاستقطاب والأنظمة المحكمة , سواء كان ذلك عبر التمرد او التنمر على النظام القطبي او القوى الكبرى , وستنتهي معه الدولة السياسية كنواة مكونة للنظام العالمي باتجاه التفتيت والتقسيم الجغرافي الى دويلات صغيرة اقرب ما تكون الى دول افتراضية , في بيئة دولية مشحونة بفوضى القوة وانتشار السياسات العسكرية وعسكرة المواقف السياسية , مع ارتفاع واضح في منسوب الصراعات القومية والدينية على رقعة الشطرنج الدولية بوجه عام والمرجل الشرق أوسطي خصوصا .

        لذا يمكن القول ان ابرز ( 6 ) توجهات كبرى عالمية قائمة على التشكل اليوم على رقعة الشطرنج الدولية من وجهة نظري , ولاشك ان انعكاساتها ستؤثر على مستقبل البشرية والاستقرار والسلام العالميين من جهة , وعلى توجهاتنا وقراراتنا الوطنية المتعلقة بالسياسة الدولية والامن الوطني من جهة اخرى .على اعتبار اننا جزء لا يتجزأ من المنظومة الدولية , ولا شك ابدا ان كل ذلك سيلامسنا في البيئة الوطنية في وقت ما , هذا اذا ان لم نكن اصلا قد بدانا نعايش ونتأثر بتلك التوجهات الكبرى منذ زمن طويل . وتلك التوجهات والاوراق الغرائبية هي :-

        اولا : تشظي النظام الدولي القائم على المركزية او الثنائية القطبية او حتى التعددية باتجاه ولادة ما يطلق عليه بنظام حكم الكثرة . وما سيواكب هذا النظام من ارتفاع مستوى علاقات الخصومة بين الدول حول مئات القضايا والمشكلات وعلى مختلف الأصعدة .

        ثانيا : فكرة مثيري القلاقل والتي يقصد بها ظهور العديد من الدول الصغيرة حول العالم , التي تحاول بطريقة او بأخرى الصعود والتصرف كقوى اقليمية على اقل تقدير مستخدمتا لتحقيق ذلك كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة . بداية بالطرق الناعمة ومرورا باستخدام التهديد كوسيلة من وسائل القوة , وليس انتهاء بزرع القلاقل والفتن وتصدير الثورات والتدخل في شؤون الاخرين. 

       ثالثا : فكرة تفتيت الدول الى دويلات تنتهي معها الجغرافيا السياسية . بمعنى اخر , تقسيم الدول وتجزئتها وتفكيك النواة التقليدية المكونة للنظام العالمي , أي الدولة جراء صراع التيارات الداخلية والاقليات المنادية بالانفصال بهدف الحصول على الحكم الذاتي عن الدولة المركزية. سواء كان الدافع لذلك سياسي او ثقافي . قومي . او عرقي او غير ذلك من اشكال الاستقلال والرغبة في الانفصال والاستقلال عن الدولة المركزية .

       رابعا : البدء بتمييز وملاحظة نمط جديد من المجتمعات المتداخلة قائما على التشكل ونوع من الإدارة يحملان شيئا من الشبه بالوضع الذي كان سائدا قبل ان يصبح نظام الدول ذا طابع رسمي حيث سيتراجع مع الوقت نوعا ما عنصر مهم من عناصرها المكونة لبنائها القانوني والسياسي , وهو عنصر السيادة الوطنية بطريقة او بأخرى , باتجاه ما يمكن ان يطلق عليه في العقود القادمة بالدولة الرقمية او الافتراضية .

       خامسا : تشتت القوة والنفوذ والسلطان بعيدا عن المركز ونظام احادي او ثنائية الأقطاب , باتجاه حقل تعددي الاطراف . لذا ستكون البيئة الدولية حينها مشحونة بالفوضى وسياسات القوة وعرض العضلات هي من سيحكم . وستكون القوة او التهديد بالقوة الحكم النهائي , وفي هذه البيئة فان الدول جميعها ستشعر بأنها غير آمنة , ما سيدفعها الى البحث عن رادع لاحتواء تلك المخاطر , والذي سيؤدي بدوره الى مزيد من عسكرة المواقف والسياسات العسكرية .

       سادسا واخيرا : النظام العالمي يتجه اليوم بخطوات متسارعة وثابتة الى طريق الحروب والصراعات التي ترتبط ارتباطا كاملا بصراع الأيديولوجيات أو الصدوع الثقافية من جهة والحروب الطائفية والقومية من جهة أخرى , وذلك نتيجة لتلك المحفزات النفسية والدينية والاقتصادية التي تستغلها بعض الدول والمؤسسات والجماعات الدولية المتعصبة أو النفعية بغرض تجاري أو سياسي أو اقتصادي وليس بالضرورة ان تكون جماعات متشددة .

      لذا سنتناول كل توجه من تلك التوجهات العالمية الكبرى سالفة الذكر بشيء من التفصيل , مع طرح بعض الاسئلة التي يمكن من خلالها فهم الطرح بشكل اوضح .على ان نختم كل توجه بذكر بعض المعطيات والنتائج النهائية التي ستترتب عليه وستؤثر على رقعة الشطرنج الدولية , ومنه على القرار السياسي والامني الوطني . 

المطلب الأول السياسة الدولية وتحولات القوة على رقعة الشطرنج الدولية

المبحث الأول :  نظام عالمي ستحكمه الكثرة :-

      ابرز التوجهات القائمة على التشكل على رقعة الشطرنج الكبرى اليوم هو ما أطلقنا عليه بنظام حكم الكثرة , وهو ( نظام يمثل طيفا متباين الألوان من التحالفات وعلاقات الخصومة المتشكلة حول مئات القضايا والمشكلات وعلى مختلف الأصعدة . ففي ظل نظام حكم الكثرة ستتبارى الدول القومية والجماعات دون القومية والمصالح والروابط الخاصة العابرة للحدود القومية والمؤسسات متعددة القوميات فيما بينها على الموارد والتأييد والولاء في قواعدها ، التي تكون كثرة منها أعضاء في كثير من هذه الكيانات المختلفة في الوقت نفسه ) ([3])

      وبحسب تعبير كينث والتز أستاذ العلوم السياسية وعضوا هيئة التدريس في كل من جامعة كاليفورنيا في بركلي و جامعة كولومبيا و احد أبرز العلماء في مجال العلاقات الدولية فان :       ( الأصدقاء والأعداء على حد سواء سوف يتصرفون كما تصرفت البلدان دائما إزاء تعرضها لتفوق احدها او التهديد بتفوقه : أي أنهم سيعملون معا على تصحيح الميزان , فالحالة الراهنة للسياسة الدولية غير طبيعية ) ([4])   

        فالمتتبع لجملة التوجهات السياسية والجيوسياسية التي تشكلت مع مطلع القرن 21 وخصوصا مع احداث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001م يلاحظ ان الدولة القطبية والمركزية الاقوى والابرز في التاريخ الحديث لم تعد تمسك بالريموت كنترول العالمي او تملك تلك القوة التي توجه من خلالها دفة المركب الدولي , اما من جهة اخرى فما عادت كذلك ( قادرة على التطلع الى عالم مؤلف من اصدقاء واعداء دائمين بسبب توجهات اصبحت الان ناضجة على صعيد القدرة العسكرية . اضف الى ذلك ان التكهن بتحالفات اكثر هلهلة واقل جدارة بالثقة يعزز من حجج واراء انصار الشؤون العسكرية الذين يقولون بضرورة اغناء ترسانة البلاد العسكرية بالتكنولوجيات الناشئة التي تتيح التحرك الاحادي )([5])        

      هذا التوجه القائم على التشكل اليوم سيكون النظام الأشد نزوعا للحرب والصراعات والاقتتال العابر للقارات ، إلا انه لن ينطوي على حرب الجميع ضد الجميع كما توقع ذلك توماس هوبز نتيجة لوجود صلات التقاطع والتداخل بين الأمم والتي تستطيع ان تفعل وتولد الكابح للجهود المولدة للعداوة الكلية بين الأمم ، لذا ستتركز تلك الحروب والصراعات حول جيوب وبقع عداوة مفرطة بين أطراف أحادية أكثر منها عالمية مجتمعة وخصوصا تلك التي تغرق في بحر من ثقافة العنف والطائفية والحزبية والمذهبية والقومية المفرطة، ونتوقع ان يبرز ذلك بشكل أكثر وضوح على رقعة الشطرنج الاوراسية ، وخصوصا في الشرق الأوسط ([6])

       ومن ابرز نتائج هذا التوجه الجوانب التالية : تراجع مستوى التحالفات المحكمة بين الدول على حساب قيام تحالفات فضفاضة . انهيار عدد كبير من التحالفات والتكتلات الدولية القائمة اليوم مع الوقت واستمرار تشظي النظام الدولي ([7]) . سيرتفع مستوى علاقات الخصومة بين الدول حول مئات القضايا والمشكلات وعلى مختلف الأصعدة بحيث ستكون الدولة الحليفة في قضية ما عدوة في قضية ، وما يعد من أهم المصالح الاستراتيجية لدولة معينة , سيشكل ابرز أشكال التهديد للدولة الأخرى . ما يعني إمكانية ان تكون العداوة والصداقة قائمة في نفس الوقت بين الدول , بانتظار تغليب جانب على آخر لا أكثر . حينها لا يمكن ان يتم التعويل على اتفاقيات الحماية الدولية او الصداقات الشخصية بشكل كبير لإنقاذ الدول التي تتعرض للتدخلات السياسية في شؤونها الداخلية او تصدير الثورات والمشاكل اليها . حيث يجب ان تبدا من اليوم في حساب كل الاحتمالات. حتى ان اقرب الاصدقاء اليوم ربما يكون اشد الاعداء حينها .

المبحث الثاني  : الصراع على القوة والنفوذ (مأزق توازن القوة):

        ان ( الصراع من اجل القوة ظاهرة شاملة زمانا ومكانا , وان التجربة اقامت الدليل على صحة وجودها كونها حقيقة , وليس ثمة من يستطيع ان ينكر ان جميع الدول على اختلاف اوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية قد التقت في جميع الازمنة والاماكن على الصراع من اجل القوة )([8]) تعد السياسة الدولية صراعا على القوة والنفوذ والسلطان . والدول هي الفاعلة في ذلك الصراع كما يشير الى ذلك هانز مورجنثاو في تعريفه لنظرية الواقعية في العلاقات الدولية , حيث يقول ( ان الناس لديهم رغبة في السلطة ” القوة ” لا يمكن إشباعها , وفي السياسة الدولية لا يهم ما هو الهدف المعلن , فهو في نهاية المطاف دائما يدور حول اكتساب المزيد من القوة , ويقول : ان الحقيقة هي ان الرغبة الإنسانية تظهر نفسها في طموحات الدولة التي لا يمكن إشباعها ) ([9])

        و( تكشف جميع السياسات من داخلية او دولية وجود ثلاث صور اساسية لها , أي ان السياسة بوصفها سياسة تبحث دائما اما عن الاحتفاظ بالسلطان او مضاعفته او عرضه , وهناك ثلاث سياسات دولية نموذجية تتصل وتتماثل مع هذه الاكال الثلاثة الانموذجية من السياسة , فالدولة التي تميل سياساتها الخارجية الى الاحتفاظ بالسلطان دون رغبة في اعادة توزيعه لمصلحتها في اوضاع القوة والسلطان تسير على سياسة الحفاظ على الوضع الراهن . والدولة التي تهدف سياساتها الخارجية تبدلا لمصلحتها في اوضاع القوة والسلطان تسير على سياسة استعمارية , اما الدولة التي تنشر سياساتها الخارجية عن طريق عرض ما تملكه من قوة وسلطان اما بقصد الاحتفاظ به او زيادته فتسير على طريق اظهار المهابة )([10])  

       فإذا افترضنا ان النظام العالمي القادم كما نعتقد ونتوقع ستحكمه وتتحكم به سياسات وتوجهات حكم الكثرة , أي عشرات او مئات الدول والمنظمات الدولية العابرة للحدود الوطنية , , ذات الرغبة في السعي الى تملك القوة الصلبة والنفوذ والسيطرة باختلاف اشكالها وانواعها . فان التوقع المنطقي الآخر كنتيجة طبيعة لذلك التوجه حينها هو ان تتوزع تلك القوة بطريقة عشوائية بين العديد من الأطراف الدولية الفاعلة بغض النظر عن اختلاف حجم كل فاعل منهم على الخارطة الجيوسياسية العالمية نظرا لمساعي الجميع لتملكها لمواجهة المخاطر المتصورة حينها جراء تفاوتها او تفوق البعض على حساب الاخر .

        صحيح ان القوة الناعمة والدبلوماسية ستبقى خيار مهم في العمل السياسي في ذلك الوقت , ولكن خيار اخر بديل وليس اساسي في كثير من الاحيان في تلك البيئة المليئة بالشكوك والريبة المفرطة في نظرة خوف الكل من الكل , وعلى حد تعبير نائب وزير الدفاع الاميركي السابق بول وولفوفيتز في مقابلة معه اجرتها CNN([11]) حيث قال ( ان الناس الذين يعتقدون بإمكانية فصل الدبلوماسية عن التهديد باستخدام القوة لا يفهمون طبيعة العمل الدبلوماسي ), وبالتالي يمكن التأكيد على الاستعداد المفرط والدائم لاستخدام القوة كأداة رئيسية من ادوات السياسة الخارجية في ذلك النظام العالمي المتوقع اكتمال معالمه بعد سنوات قليلة جدا .

       وكما هو معروف , فان هذا التوازن المخل بالاستقرار اشد خطورة نظرا لتوفر القوة والرغبة في السلطة لدى الجميع . والاخطر من ذلك هو طموح البعض منها لكسب الولاء والسيادة والتبعية من دول اقل قوة , وربما تجاوز الحدود الوطنية الى النزعة للاستعمار والاحتلال , على عكس النظام الدولي القائم على المركزية , او على اسوا الاحوال الثنائية القطبية كما كان بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الاميركية , فعدم المساواة في القوة كثيرا ما كان يؤدي الى السلام والاستقرار .مع حفظ الاحترام للعديد من الآراء التي تجد ان توزيع القوة بين الفواعل الدولية هو سبب من اسباب تحقيق السلام وليس العكس . ففي سبعينيات القن العشرين كان ريتشارد نيكسون يجادل بان ( الزمن الوحيد الذي تمتعنا فيه بفترات مديدة من السلام في تاريخ العالم هو الذي ساد فيه توازن القوى , فخطر الحرب انما ينشا عندما تصبح احدى الامم اقوى من منافسيها المحتملين بدرجة غير محدودة )([12])  

       ( بيد ان المعضلات الكبيرة تنشا في الحالات التي يحاول فيها منافسون اقل قدرة او لاعبون يحتمل ان يتخذوا مواقف معادية للسلطان الامبراطوري انهاء عدم التكافؤ في المجال العسكري من خلال حصولهم على منظومات اسلحة تمكنهم من مجابهة الامبراطورية مجابهة الند بالند , وغني عن بيان ان امتلاك الاسلحة النووية والصواريخ الناقلة للرؤوس النووية هو اساسا الامر الذي يخلق الشروط الضرورية لمجابهة من هذا القبيل )([13]) كما هو حال العديد من الدول اليوم في مواجهة قوة وتسلط الولايات المتحدة الاميركية على سبيل المثال على رقعة الشطرنج الدولية.

         فالبنية السياسية العالمية التي تطورت عقب احداث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001م تبرز تشتت القوة والنفوذ والسلطان بعيدا عن المركز ونظام احادي او ثنائية الأقطاب , باتجاه حقل تعددي الاطراف . يلاحظ انه مكون كما سبق واشرنا من عشرات وربما المئات من الفواعل الدولية كالدول القومية والجماعات القومية الفرعية , والمشروعات المتعددة القومية , والمؤسسات العالمية والاقليمية. وكذلك المنظمات الدولية العابرة للحدود الوطنية , خصوصا تلك التي تسعى لمد نفوذها الى مختلف ارجاء العالم كالتنظيمات الارهابية والمتطرفة , وكثيرا ما تكون هذه الكيانات على حد تعبير – سيوم براون – استاذ التعاون الدولي في قسم العلوم السياسية بجامعة برانديز : ( في حالة منافسة حادة لكسب تأييد وولاء بناها القاعدية التي تكون بأكثريتها اعضاء في عدد مختلف من الكيانات المتنافسة في ان معا)([14])

        يضاف الى ذلك ان ثورة المعلومات آخذة في جعل السياسة الدولية أكثر تعقيد وصعوبة من خلال تمكين العديد من العناصر الفاعلة بغض النظر عن حجمها الجغرافي او حتى مكانتها الدولية من امتلاك القوة المناسبة وبالتالي التأثير على توازن القوة بين الدول باتجاه النزوع الى اللامركزية . ولقد جادل العالم السياسي روبرت جيلبين بان ( ” السلام البريطاني ” و” السلام الاميركي”  مثل “سلام روما ” الإمبراطورية القديمة , يضمن نظاما دوليا من السلم والأمن النسبيين)([15]) كما ان الاقتصادي شارلز كيندلبيلرغر زعم انه ( لكي يستقر الاقتصاد العالمي يجب ان يكون هناك مثبت . مثبت واحد ) ([16]) وذلك ان حسن إدارة العالم يتطلب دولة كبيرة واحدة تأخذ بزمام القيادة .

       لذا ستكون البيئة الدولية مشحونة بالفوضى وسياسة القوة هي من سيحكم , حيث ان الدول وهي الأطراف الرئيسي الفاعلة والتي في العادة هي من يحدد مصالحها وكذلك كيف تخدم وتوجه تلك المصالح ستكون ( منشغلة أساسا بمصالحها الخاصة , ولن تستطيع الاعتماد على إلا على نفسها من اجل البقاء . وبما ان لكل دولة قوتها العسكرية , وبما ان الدول الأخرى لن يمكن الوثوق بها أبدا , فليس هناك أي شيء آخر . فإما القوة وإما التهديد بالقوة هو من سيصبح الحكم النهائي , وفي هذه البيئة فان الدول جميعها ستشعر بأنها غير آمنة , وستؤدي زيادة قدرة دولة واحدة على تعزيز أمنها تلقائيا الى زيادة انعدام الأمن لدى الدول الأخرى الى حد ما ) ([17])

        سيؤدي هذا التوجه الى ظهور مأزق امني كبير حيث ستتجه مختلف دول العالم باختلاف حجمها وطبيعتها الى تحصين نفسها بالقوة العسكرية , ما سيؤدي بدوره مع الوقت الى ما أطلق عليه بفوضى في التوجهات والسياسات العسكرية والتسلح . حيث أدت ( القدرات الجديدة بالفعل الى السماح- بتوجيه – العمل العسكري بدقة لخدمة الأغراض السياسية – مع زيادة النزعة الأحادية – الى التهديد باستخدام القوة كأداة للدبلوماسية ) ([18]

المبحث الثالث : المتنمرين الصغار ( خصوم بوجوه مختلفة ) :

        ( يمثل اللاعبون الجيواستراتيجيون النشيطون الدول التي تمتلك القدرة والارادة الوطنية اللازمتين لممارسة النفوذ أي التأثير فيما وراء حدودها لغرض تبديل الوضع الجيوبوليتيكي القائم الى الحد الذي يؤثر على مصالح – العديد من الدول – ,وتكون لها الامكانية والاستعداد للاشتعال الجيوبوليتيكي ,وتسعى بعض الدول لأسباب عدة منها تحقيق العزة القومية او الانجاز الايديولوجي او الرسالة الدينية او الابهة الاقتصادية الى الحصول على السيطرة الاقليمية او المكانة العالمية , وتكون مدفوعة بدوافع مركبة وضاربة الجذور)([19])

        وتفترض هذه الفكرة او التوجه حدوث تمرد على النظام الدولي القائم – على افتراض انه نظام احادي القطب او حتى ثنائي او تعددي محكم – من قبل العديد من الاطراف والكيانات الدولية الاصغر الراغبة في السيطرة وامتلاك القوة او على اقل تقدير حماية كياناتها من تطرف الدول الكبرى في لحظة من لحظات العنجهية والنزعة الامبريالية . وكذلك من دول مؤهلة لامتلاك النفوذ مع التراجع المستمر للمركزية الاميركية . وسيكون اقرب الى نظرية التنمر العشوائي او الاحادي منه الى التبعية التعاونية او التنظيمية التي كتبنها عنها في مؤلفنا الصادر في العام 2012م والموسوم بنهاية المركزية – الخارطة الجيوسياسية للقوى العالمية في العقد الثاني من القرن 21 بالفصل الثالث الذي تم تخصيصه لما اطلقنا عليهم بالمتنمرون الجدد ([20]) .

         وسيتشكل ذلك التوجه في بداية الامر عبر مراحل زمنية غير متباعدة خصوصا في الشرق الأوسط والبيت السوفيتي القديم . وباعتقادي ان ذلك سيكون واضح جدا قبل منتصف العقد الثالث من القرن 21 . وليس بالضرورة ان يكون منظم او عبر تنسيق مسبق بينها . لان تلك الكيانات ستكون في كثير من الاحيان خصوم واعداء حتى في اقصى لحظات التعاون حول بعض القضايا المشتركة بينها. وان وجدت بين الحين والأخر قواسم مشتركة او بعض التعاون والتنسيق من جهات وحركات تضامن بين بعضها البعض في بعض الأحيان . الا ان ذلك سيكون اقرب الى العشوائية والفوضوية كما سبق واشرنا . وستكون مدفوعة بنزعة تمرد رافضة لنظام القوى الكبرى او القطبية القائم على التراجع أصلا باتجاه رفض العديد منها  الالتزام بما يتوقعه منها الفاعلون الكبار والمسيطرون على رقعة الشطرنج الكبرى والمجتمع الدولي . وبمعنى آخر , خروج الدول الصغيرة من عباءة النظام العالمي الذي تتحكم به القوى الكبرى في العالم كالولايات المتحدة الاميركية وروسيا على سبيل المثال لا الحصر .

        وكما يشير الى ذلك فريديريك شاريون , أستاذ العلوم السياسية بجامعة اوفيرن ومعهد الدراسات السياسية في باريس من ان سنوات القرن 21 شهدت تطور هذه الفكرة ( وبقيت علة وجود المعارضة تتمثل حتما بالمحافظة من خلال خطاب دولي قوي يؤدي أيضا الى تعبئة داخلية على نموذج وطني من التنظيم السياسي تريد الدول المهيمنة لا سيما الاميركية الشمالية والأوربية ان تجعله يخبو . ولكن بالنسبة الى دول كثيرة يحوك التجمع معا وسط انتقادات الدول الغربية الكبرى روابط جديدة بين هذه الدول , وقد سجلت قواسم مشتركة من جهة وحركات تضامن من جهة أخرى تقوم اليوم بين مثيري القلاقل المفترضين هؤلاء أكثر بكثير مما كانت تقوم في الماضي ) ([21])

       من ابرز نتائج هذا التوجه الجوانب التالية : تنمر او تمرد العديد من الدول الصغيرة في الشرق الأوسط على النظام العالمي القائم على الأنظمة القطبية او القوى الإقليمية الكبرى , باتجاه اتخاذ قرارات أحادية ودون الرجوع فيها بالضرورة الى الفاعلين السياسيين الكبار كما هو معتاد ومتعارف عليه . او حتى الى المنظمات الدولية والقانونية كهيئة الامم المتحدة او مجلس الامن الدولي , رغم ان تلك التوجهات قد تكون في بعض الأحيان اتخاذ قرارات حرب او صراع او تدخل في شؤون الدول الأخرى . كما ستنتشر الاستفزازات السياسية العابرة للحدود الوطنية عبر لغة غير مقبولة دبلوماسيا وسياسيا . يميل بعضها في أحيان كثيرة الى التشدد والعنف , وسيرتفع معها الاستعداد لتحدي المحظورات الدولية . 

         حينها لن تكون الدول في مأمن او سلام من طموحات واطماع وتدخلات بعضها البعض , ولا نقصد في هذا السياق الدول الكبرى . بل تلك الدول الصغيرة التي ستجد نفسها في لحظة من اللحظات مندفعة نحو ملئ الفراغ الجيوسياسي في نطاق موقعها الجغرافي , او حتى بسبب رغبتها في حماية نفسها بأسلوب الهجوم كأفضل وسيلة للدفاع. فالمتنمرين الصغار الطامحين لاستغلال اوقات الفراغ الجيوسياسي لصالحهم سيتحركون بكل قوة لتحقيق اهدافهم السياسية والجيوسياسية على رقعة الشطرنج الدولية , مستخدمين كل الطرق المشروعة وغير المشروعة لتحقيق تلك الاهداف , دون مراعاة لأي اعتبارات قانونية او سياسية ان اضطرهم الامر لذلك . فالغاية وحدها ستكون حينها المبرر لاستخدام كل تلك الوسائل .

المطلب الثاني التحولات الجيوسياسية الدولية وحروب العصر الرقمي

المبحث الأول : تفتيت الدول ونهاية الجغرافيا السياسية :

       بالرغم من أن المجتمع الدولي لا يزال يصر على أن الدولة هي النواة الأساسية المكونة للنظام العالمي ، وأن المحافظة عليها وعلى سيادتها ووحدتها هو من أهم شروط الاستقرار في العلاقات الدولية . إلا ان ذلك الأمر وكما يبدو لم يعد قابلا للاستمرار والاستقرار خلال العقود القادمة ، بحيث يمكن القول إن السنوات القليلة المقبلة سوف تشهد صراعاً قاسيا ومريرا بين المبادئ المتعلقة بسيادة الدول وسلامتها الإقليمية واحترام شؤونها الداخلية ، وبين تلك التيارات الداخلية والاقليات المنادية بالانفصال والتفكك بهدف الحصول على الحكم الذاتي عن الدولة المركزية. سواء كان الدافع لذلك سياسي او ثقافي . قومي وعرقي او غير ذلك من اشكال الاستقلال والرغبة في الانفصال .

         على ضوء ذلك وباختصار يمكن التأكيد على ان ابرز التحديات والمشكلات التي ستواجه الدولة المركزية وسيادتها واستقلالها كوحدة في القرن 21 ستتشكل نتيجة التوجهات القومية والطائفية للاقليات او الاطراف البعيدة عن المركز على امتداد افق رقعة الشطرنج الدولية بوجه عام والاوراسية على وجه الخصوص . وكذلك نتيجة الردود السياسية الدولية على اشكال الاستبداد القومي والطائفي من جهة اخرى , ويبدو ( ان احد التكاليف المقبول للدولة القومية يقرر كلا من جذور الصراع السياسي الداخلي وتطوره , حيث ستتحدى الدولة القومية رؤية الدولة ذات السيادة لنفسها باعتبارها دولة قومية , وفي النهاية فان سياسات الاستبعاد المبنية على الرفض , وسياسات الاستئصال والطرد القسري والهيمنة المتأصلة ستخلق ظروف الانفصال المصحوبة بالعنف )([22])

        وكما يبدو أن التحولات الجديدة في بنية النظام الجيوسياسي العالمي القادم قد بدأت بالتشكل والبروز بشكل مبكر، وخصوصا ظاهرة تقسيم الدول القائمة وتفتيتها الى كيانات جديدة، والتي ستشكل لاحقا مع تلك الكيانات الدولية التي تطالب بالانفصال والاستقلال عن المركز السياسي الذي تتبعه بحسب الجغرافيا السياسية الراهنة، والتي سيتم الاعتراف بها لاحقا بشكل أو بأخر، قائمة الدول التي سترسم معالم الخارطة الجديدة للجغرافيا السياسية في القرن الحادي والعشرين.

        وقد بات من المحتمل وبحسب العديد من الدراسات السياسية والجغرافية وبعض النظريات والتحليلات والتوقعات الصادرة عن العديد من مراكز الأبحاث المرموقة والشخصيات العلمية ذات الاختصاص، أن في العالم اليوم ما يقارب من الـ 50 دولة على الأقل مهددة بالتقسيم والتفتيت الى دويلات وكيانات اصغر، على رأسها الولايات المتحدة الاميركية واستراليا وعدد من الدول الأوربية والعربية ، هذا بخلاف العديد من الدول في مختلف قارات العالم ، ومن ضمنها القارة الأسيوية المهددة أكثر من غيرها بهذا الأمر، كون النظام الدولي القادم سترتسم معالمه من هذه القارة المحورية تحديدا.

        وكما ان تلك التحولات المحتملة في النظام الجغرافي الدولي الراهن، تسير في طريق تفتيت الجغرافيا القائمة ونهاية التاريخ السياسي القديم، فإنها ومن جهة أخرى تؤكد وبما لا يدع مجالا للشك بان هناك دول وكيانات صغيرة قائمة، ستتوحد وتندمج مع كيانات دولية أخرى، مكونة بذلك دول جديدة وأنظمة سيادية وسياسية مستحدثة، سترسم لاحقا مع تلك الدول المستقلة أو المنفصلة، خارطة العالم الجديد، والنظام الجيوسياسي القادم خلال العقود المتبقية من القرن الحادي والعشرين.

       – وبمعنى آخر – أن نظرية ” إزاحة الدول ” وتفتتها وتقسيمها جغرافيا وسياسيا من جهة ، وانزواء دول أخرى واندماجها جغرافيا وسياسيا مع كيانات أخرى اكبر منها، أو مثلها من جهة أخرى، أو من خلال ظهور أقليات وجيوب وتقسيمات جغرافية داخلية ستعطى بعض الاستقلال الذاتي مع بقاء ارتباطها بالمركز، قد اصبح امر شبه مؤكد خلال المرحلة الزمنية القادمة ، وخصوصا أن الدفع نحو تأكيد هذه التحولات الجغرافية والسياسية قد بدأت ترتسم معالمها الأولية فعليا وعمليا قبل ان نلج العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.        .

          ومن ابرز النماذج المستقبلية المتحملة على سبيل المثال لا الحصر القارة الاوربية حيث سيبدأ ذلك مع الكيانات الجغرافية الصغيرة التي تطالب بالاستقلال من جهة , والانفصال عن مركزها الجغرافي الراهن من جهة أخرى , أو حتى من خلال المطالبة بالانزواء وراء دول كبرى قد تؤيد استقلالها , ككوسوفو وألبانيا الكبرى ، والشيشان وأنغوشيا ومولدوفا , وليس استقلال تيمور الشرقية في العام 2002 م , وجمهورية الجبل الأسود في العام 2006م عنا ببعيد 0هذا بخلاف ما يمكن ان يحدث لبعض الدول الأوربية الرئيسية كبلجيكا على سبيل المثال لا الحصر والتي ظهرت فيها مؤخرا بعض الأحزاب والقوى السياسية الكبرى التي تنادي بإعطاء بعض المناطق الداخلية البلجيكية استقلال ذاتي كمنطقتي فلاندرز وفالونيا , كما انه لا يجب ان نتجاهل مطالبة سكان جزر الكناري وإقليم الباسك الإسباني الانفصال عن اسبانيا , وكذلك الأقليات المجرية في كل من رومانيا وسلوفاكيا , وكذلك في هولندا وسويسرا , وشمالي إيرلندا .

        أما الولايات المتحدة الاميركية فهي الأخرى ليست بمعزل عن الإصابة بظاهرة التقسيم والتجزئة الجغرافية في المستقبل , فهناك العديد من المنظرين الذين وضعوا عدة سيناريوهات لانهيار الولايات المتحدة الاميركية وتفتيتها وتقسيمها , وخصوصا نتيجة ظروف وعوامل كالاقتصاد والتجاوزات في حقوق الإنسان , أو حتى من خلال التعددية العرقية والأثينية , كايمانويل تود في كتابه ” ما بعد الإمبراطورية ” و الخبير الاقتصاد الروسي البروفيسور ”إيجور بانارين” الذي وضع منذ عشر سنوات وتحديدا في العام 1998م سيناريو توقع من خلاله انهيار الولايات المتحدة الاميركية وتقسيمها الى دويلات حيث وقف بنارين في مؤتمر دولي تحت عنوان ” الحرب المعلوماتية ”، بالعاصمة النمساوية ليلقي كلمته الطويلة التي جذبت الحضور بشدة وأثارت دهشتهم وصيحاتهم ، خصوصاً عندما قال إن ( الولايات المتحدة ستلقى مصير الاتحاد السوفييتي وستتفكك إلى أجزاء”، والأكثر غرابة أن بنارين في كلمته في المؤتمر تنبأ بأن الولايات المتحدة ستواجه أزمة مالية حادة في غضون العشرة أعوام المقبلة ستكون بداية انهيار الهرم الكبير , وهو ما حدث في العام 2008م )([23])

        أما عربيا : – وللأسف الشديد – فلا زالت هذه الظاهرة تسير في طريق الاستفحال والانتشار بشكل لا يبشر بخير, وبالفعل فقد برزت خلال العقود القليلة الماضية العديد من الأفكار والتوجهات التي تسير في هذا الاتجاه , تدفعها عوامل خارجية وداخلية , وفي هذا السياق يقول الدكتورعبد الله الأشعل ( أما في العالم العربي , فإن تفتيت الدول في آسيا الوسطى وروسيا ومن قبله تيمور الشرقية سوف يرفع وتيرة التفتيت في العالم العربي )([24]). وبالفعل فإننا ومن خلال السنوات العشر الأولى من القرن الحادي والعشرين , شاهدنا سقف تزايد الدول العربية المهددة بالانقسام والتفكك قد ارتفع كثيرا , وقد اظهر استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات العربي الأوروبي في باريس ان المطالبة بانفصال الجنوب السوداني يأتي ضمن سياق مخطط أميركي – صهيوني مدروس ومخطط له مسبقا .

        وذكر المركز في بيان أنّ 76.4 % من الذين شملهم الاستطلاع قالوا انه مع احتمال انفصال جنوب السودان ستنتقل العدوى الى دول عربية أخرى ، وأن المطالبة بانفصال الجنوب تأتي ضمن سياق مخطط أميركي – صهيوني ، وهو التكتيك الجديد في الحرب على المنطقة العربية إي تقسيم الدول العربية وليس خوض الحروب التقليدية , وبرأيهم ان القائمة المطروحة حاليا تشمل العراق – اليمن – السودان – المغرب – الجزائر , ولم يستبعدوا في المدى المنظور دولا خليجية قد يشملها التقسيم , وتوقعوا ان يتم تقسيم هذه الدول خلال السنوات العشر المقبلة ,

هذا بالإضافة الى العديد من الدول الأفريقية والأسيوية الأخرى المهددة بالتنازل عن أجزاء من أقاليمها , وذلك بالانفصال أو التفتيت أو تسليم تلك الأقليات حكما ذاتيا منفصلا , ومن أمثلة ذلك مملكة التورو في أوغندا ، وأوغادين وأورومو في إثيوبيا ، والهوسا والايبو في نيجيريا , والسكان الأصليون في إقليم كاتنغا بالكونغو , واللوزي في زامبيا .

          لذا فان من ابرز نتائج هذا التوجه . تصاعد وتيرة تفتيت العديد من الدول في المستقبل واندماج دول اخرى مع بعضها البعض , وسيكون لمنطقة الشرق الاوسط نصيب لا يستهان به من هذا التوجه القائم على الاستفحال . على ضوء ذلك فلا يستبعد ابدا ان نجد انفسنا في لحظة من اللحظات التاريخية ونحن بجوار دولة جديدة , مضطرين للتعامل معها سياسيا ودبلوماسيا وربما عسكريا , كما لا يستبعد ابدا ان تجد العديد من الشعوب نفسها كذلك امام انهيار الجغرافيا السياسية لأوطانها, لتشاهد في لحظة زمنية معالم جغرافيا جديدة تفصل وتقسم طرفها الوطني الاخر . 

المبحث الثاني :: حروب دينية وقومية على امتداد العالم : 

       لكل قرن من القرون حروبه وصراعاته الخاصة على اعتبار اختلاف الظروف والمتغيرات الجيوسياسية واطماع القوى الدولية الموجهة لشكل وطبيعة ذلك الصراع في كل زمان ومكان عبر التاريخ البشري . الا ان الظاهر ان نوعان من التوجهات والصراعات كان المرافق الدائم للبشرية , وهما الصراع الديني والصراع القومي , وقد ( عرف الانسان الحرب منذ وجد على هذه المعمورة وان حالة الحرب قديمة قدم الانسان نفسه , والانسان بما لديه من مصالح وحب النفس , لذلك يحارب كل من ينافسه على ذلك , وفي بعض الاحيان لكي يحصل الانسان على تنفيذ ما يدور في خلده , يحتاج الى عدو , سواء كان هذا العدو وهميا او حقيقيا , ولكن في كل الاحوال يجب ان يكون واضح الملامح , فالتنافس والصراع يمكن فقط ان يحدث بين كيانات تكون في العالم نفسه او الحلبة ذاتها …. ومن ثم فان احتمال السلام العام والدائم بين المجموعات الاثنية او الدول او الشعوب بعيدة المنال , وكما تبين التجربة الانسانية فنهاية حرب ساخنة او باردة هي خلق ظروف لحرب اخرى )([25]) فاذا كانت ديمومة الحرب هي سمة عرفها التاريخ منذ تسجيله , فالسمة التي لا تقل ديمومة عنها , هي ارتباط الحرب بالسلطات الدينية والقومية , وفي جميع الحضارات تقريبا .

        وعلى شاكلة سيناريو انهيار الاتحاد السوفيتي الذي ادى سقوطه الى احداث فراغ جيوسياسي على الخارطة العالمية بوجه عام والبيت السوفيتي القديم على وجه الخصوص مع بداية تسعينيات القرن العشرين , ما ادى بدوره الى حدوث صراعات قومية وطائفية وعرقية امتدت على طول حدود جغرافيا النفوذ السوفيتية ولمدة دامت اكثر من عقد من الزمن . فان الملاحظ اليوم على رقعة الشطرنج الدولية حدوث سيناريو مشابه , ولكن على مساحة شبه كونية تمتد بامتداد النفوذ الاميركي المتفرد والاحادي القطب والذي دام اكثر من عقدين من الزمن  . بداية بتسعينيات القرن الماضي وحتى نهاية العقد الاول من القرن 21 .

        مع التأكيد على ان اقرب ما يمكن ان يوصف به النظام القائم اليوم على التشكل بالرغم من ذلك التراجع هو ذلك الوصف الذي أطلقه سيوم براون وهو أستاذ التعاون الدولي في قسم العلوم السياسية بجامعة برانديز في كتابه وهم التحكم – القوة والسياسة الخارجية في القرن الحادي والعشرين 2004م – بقوله : ان النظام العالمي الذي نعيشه اليوم هو اقرب الى نظام تعددية قطبية فضفاضة ، على تخوم نظام حكم الكثرة ، في ظل الحضور الأحادي الطاغي في اغلب الأحيان للولايات المتحدة الاميركية.

        على ضوء ذلك نجد ان النظام العالمي يتجه اليوم بخطوات متسارعة وثابتة الى طريق الحروب والصراعات التي ترتبط ارتباطا كاملا بصراع الأيديولوجيات أو الصدوع الثقافية من جهة والحروب الطائفية والقومية من جهة أخرى , وذلك نتيجة لتلك المحفزات النفسية والدينية والاقتصادية التي تستغلها بعض الدول والمؤسسات والجماعات الدولية المتعصبة أو النفعية بغرض تجاري أو سياسي أو اقتصادي وليس بالضرورة ان تكون جماعات متشددة . والحقيقة ان هذه النظرة التشاؤمية الى المستقبل لم يتم اختزالها في رؤية قاصرة على مساحة جغرافية محدودة لمتغيرات النظام العالمي القائم منذ بداية القرن الحادي والعشرين , بحيث ألغينا كل معالم الأمل في تلك التحولات الطيبة على المستويين السياسي والاقتصادي الدولي , وإنما قمنا ببنائها على عدد من الأسس العلمية التي يمكن الاستناد عليها في استشراف المستقبل وقراءة ما بين سطور وهوامش الخارطة الجيوسياسية الدولية المستقبلية .        

         وفي هذا السياق نفسه يقول الدكتور ايرل تيلفورد – وهو مدير البحوث بمعهد الدراسات الإستراتيجية بكلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي  ( ان الصراعات العرقية والدينية – والقومية – قد لازمتنا منذ فجر التاريخ وسوف تستمر خلال القرن الحادي والعشرين , ويضيف هناك ثلاثة أنواع من الحروب هي : حرب المواجهة وحرب السيطرة وحرب البنية التحتية , وفي سياق شرحه لتلك الحروب , قال : ستكون حروب السيطرة هي أكثر الصيغ شيوعا في حروب المستقبل , وهي من نوع الحرب التي نفذتها يوغسلافيا السابقة بنجاح تام , بينما كان حلف شمال الأطلسي منهمكا في حروب جوية مبنية على مبادئ الثورة في الشؤون العسكرية ) ([26])

         من هذه الناحية نؤكد من جديد على أن أهم وابرز مواطن الأسباب والدوافع الأيديولوجية التي يمكن ان تتسبب بتلك الحروب والصراعات الداخلية أو الإقليمية أو تلك العابرة للقارات هي الأفكار القومية والدينية , والتي نؤكد على أنها ستكون الشرارة الأكبر لحروب وصراعات ستتسبب بخسائر بشرية اكبر بكثير مما مر على البشرية في العقود الماضية , وذلك نتيجة لتراكم المعرفة والخبرة التاريخية في طرق الإبادة الجماعية وتوفر أدوات ووسائل القتل المتقدم , واستثمار الأموال الطائلة في امتلاك تلك الأدوات والوسائل التكنولوجية الحديثة والمتطورة هي الصراعات والحروب التي ستحركها الأفكار القومية والمذهبية والطائفية , أكان ذلك على مستوى الأفراد أو الجماعات المتشددة أو حتى الدول القومية العابرة للقارات.

         و( سواء كنا متفائلين بتلك المحفزات السياسية والاقتصادية والتقدم العلمي ونضوج المجتمعات المدنية الحديثة , فان ذلك لا يمكن له ان يوقف التيار الجارف لحتمية الصراع والاستمرار والبقاء ودوافع الاستعمار والتوسع والسيطرة الأزلية للقوى الكبرى , كما انه لا يمكن له ان يحتوي تلك المعتقدات والأفكار والثقافات التي لا زالت تدفع بالإنسانية دفعا نحو حتفها كالطائفية والقومية والمذهبية والشعوبية , لذلك كان جيمس سجالنجر مصيبا بنحو لا يقبل الشك عندما توصل في عام 1992م الى ان النظام العالمي المستقبلي سترسمه سياسة القوة والصراعات القومية والتوترات العرقية )([27])

         وبالنظر الدقيق الى الخارطة الجيوسياسية الدولية للقرن الحادي والعشرين وما شابها من صراعات وحروب وتحولات جيواستراتيجية وجيوبولتيكية خلال العقد الماضي وبدايات العقد الثاني , يتأكد لنا شكل النظام العالمي المستقبلي الذي يمكن ان ترسمه امتدادات وانعكاسات تلك الحروب والصراعات القومية والدينية خصوصا , والتي يمكن للمتابع العادي والبسيط ان يعرف بأنها لم تكن لتتجاوز عتبات أبواب النعرات القومية والطائفية وتلك التي تساهم في صناعتها الامبريالية والتوسعية وأطماع الدول الكبرى , يضاف الى ذلك طموحات بعض المتنمرين الجدد ومثيري الفتن كما سبق

المبحث الثالث :: دول افتراضية ومواطنين عالميين :

       يستطيع المرء البدء بتمييز وملاحظة نمط جديد من المجتمعات المتداخلة قائما على التشكل ونوع من الإدارة يحملان شيئا من الشبه بالوضع الذي كان سائدا قبل ان يصبح نظام الدول ذا طابع رسمي بمعاهدة سلام ويستفاليا ( فالاتصالات العابرة للقومية عبر الحدود السياسية كانت نماذج مألوفة في عهد الإقطاع , ولكنها صارت مقيدة على نحو متزايد بنشوء الدول او الأمم المركزية ) ([28] ) حيث سيتراجع مع الوقت نوعا ما عنصر مهم من عناصرها المكونة لبنائها القانوني والسياسي , وهو عنصر السيادة الوطنية بطريقة او بأخرى , باتجاه ما يمكن ان يطلق عليه في العقود القادمة بالدولة الرقمية او الافتراضية .

        صحيح ان الدول ذات السيادة ستستمر بتأدية دور كبير في السياسة العالمية لزمن ليس بالقصير , ولكن ذلك لن يستمر الى ما لا نهاية , بل سيتعين عليها مع الوقت التنازل عن بعض من سيادتها واستقلالها الكامل أمام ضربات العولمة , وستكون اقل عزلة وانطواء على نفسها , وأكثر مسامية , وسوف يتعين عليها ان تتقاسم مسرح السيادة الوطنية مع مواطنيها , بل ومع أفراد واسر دولية من الخارج . ما يعني ان مبدأ سيادة الدول واستقلالها والذي ولد في القرن السادس عشر للميلاد مع انهيار النظام الإقطاعي وظهور حركة الإصلاح الديني الذي دفع بدوره الى تركيز السلطة في أيدي حكام وملوك الأنظمة السياسية القائمة في وقتها ولا زال مستمرا حتى وقتنا الراهن في العديد من دول العالم , يمر اليوم بمفترق طرق رئيسي في النظام العالمي الجديد او الرقمي , ابسط ما يمكن القول عنه , انه يسير نحو التراجع والانهيار والتفتت أمام ضربات العولمة الموجعة بمساندة ثورة المعلومات والمجتمعات الرقمية .        

         باختصار , فان هذه التحولات تشير الى إبطال مفعول الدولة المركزية الحديثة التي كانت تسيطر على السياسة العالمية منذ القرن السادس عشر وحتى منتصف القرن العشرين تقريبا.        صحيح إننا ( لا نزال في مرحلة مبكرة من ثورة المعلومات الحالية , وتأثيراتها على الاقتصاد والسياسة متفاوتة ) ([29])  إلا ان القياسات التاريخية السابقة تساعدنا على فهم بعض القوى التي ستشكل السياسة العالمية في القرن الحادي والعشرين , ( حيث تغيرت الاقتصادات وشبكات المعلومات بسرعة أكثر بكثير من سرعة تغير الحكومات , وقد تنامت أحجامها بأسرع من تنامي السيادة والسلطة ) ([30]) .

       كما ان هناك اتجاهان آخران لهما علاقة وثيقة بثورة المعلومات , ويعززان التكهن بان هذا القرن سيشهد تحولات في موقع الأنشطة الجماعية بعيدا عن الحكومات المركزية . وهما : ان ثورة المعلومات صنعت قوى وعناصر فاعلة خاصة عابرة للقومية غير سياسية ولكنها تؤثر بشكل رئيسي ومباشر في سياسات الدول وسيادتها الوطنية كشبكات التواصل الاجتماعي ” تويتر , فيس بوك , والواتساب , وغيرها , و( كذلك قد وسعت ثورة المعلومات من دور الأسواق – الشركات متعددة الجنسية والخصخصة – وتأثيرها على سياسات الدول بطريقة جعلت الدولة مصدرا واحدا للسلطة من بين عدة مصادر ) ([31]) ( فالتحول القياسي الرئيسي – واعني الثورة الصناعية الى ثورة المعلومات – هو الذي أدى الى تغيير طبيعة الدولة القومية . فما كان يعرف بالسيادة الوطنية سيتحول الى مفهوم سيادة الشعب او سيادة المواطن , فهناك شيء آخر ينشا بدلا من القومية ) ([32]) اتصور بانها قومية الدولة الافتراضية .

         وهو ما يؤكده اريك شميدت الرئيس التنفيذي لشركة غوغل وجاريد كوين مدير قسم الأفكار في نفس الشركة في كتاب العصر الرقمي الجديد – إعادة تشكيل مستقبل الأفراد والأمم والأعمال بقوله ( ان  الدول وخلال العقود القادمة والتي ستخضع فيها سيادتها الوطنية الى عوالم وأيقونات وضربات المملكة الافتراضية , حيث ستحن الى تلك الأيام التي لم يكن عليها فيها سوى التفكير بالسياسات الخارجية والمحلية في العالم الفيزيائي , ولو كان بالإمكان استنساخ هذه السياسات الى المملكة الافتراضية فلربما كان مستقبل فن السياسة اقل تعقيدا , ولكن على الدول ان تتعايش مع حقيقة ان الحكم في الوطن مع فرض النفوذ –والسيادة الوطنية – في الخارج والداخل بات أصعب بكثير اليوم ) ([33])

        ( على هذا النحو ثمة نوع من اللاتكافؤ وقدر من الفوضى العالمية المتجذرة داخلة في صلب العلاقات بين القوى المعلوماتية على الصعيدين الدبلوماسي والاستراتيجي كليهما , وتأكيد العديد من المنافسات الاستراتيجية بات متحولا عن المجال المادي – الفيزيائي نحو المجال المعلوماتي في تجميع المعطيات وانضاجها , في اختراق الشبكات , وفي توظيف السيكولوجيا والتلاعب بها , في غياب مفصلة قواعد معينة للسلوك الدولي , لابد لنوع من الازمة ان تنشا من قلب اليات النظام نفسه )([34])

         لذا فان من ابرز نتائج هذا التوجه الجوانب التالية : تراجع ما يسمى بسيادة الدول على أراضيها وتفتت ما يطلق عليه بمبدأ السيادة الوطنية باتجاه دول افتراضية وسيادة جزئية تتحكم بها الثورة المعلوماتية ,والتجمعات الرقمية او شبكات التواصل الاجتماعي كتويتر والواتساب والفيس بوك , وكذلك الشركات العابرة للقارات , لتكون السيادة القادمة ليس للجغرافيا السياسية بقدر ما سيكون ذلك للجغرافيا الافتراضية , وستتحول الأنظمة السياسية القادمة الى حكومات الكترونية والأفراد الى مؤثرين فاعلين في سيادة تلك الأنظمة سواء كان السيادة الداخلية او الخارجية , فيما يمكن ان يطلق عليه بنهاية السيادة الوطنية وبداية الدولة الكونية الافتراضية او الرقمية.

[1]ادوارد كورنيش , الاستشراف – مناهج استكشاف المستقبل – ترجمة د. حسن الشريف , بيروت / لبنان , ط 1/2007م

[2] -المرجع السابق

[3]محمد بن سعيد الفطيسي , التاريخ الموجز للأنظمة القطبية (1800ـ 2020) المعهد المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية , www.eipss-eg.org  26/9/2016م

[4]كينث والتز , العولمة والقوة الأميركية , ذي ناشيونال انترست , 2000م

[5]سيوم براون , وهم التحكم – القوة والسياسة الخارجية في القرن الحادي والعشرين – ترجمة : فاضل جتكر , بيروت / لبنان , ط 1/2004م

[6] – محمد بن سعيد الفطيسي , العالم على تخوم نظام حكم الكثرة ( البولياركي ـ Polyarchy), جريدة الوطن العمانية بتاريخ 27 / 4 / 2015م ,  www.alwatan.com 

[7] – محمد بن سعيد الفطيسي , تشظّي النظام الدولي , صحيفة الوطن العمانية , www.alwatan.com بتاريخ 12/6/2017م

[8] – د. كامران احمد محمد , السياسة الدولية في ضوء فلسفة الحضارة – دراسة تحليلية نقدية – بيروت/لبنان , ط1/2009م

[9] – هاري.ار. يارغر , الاستراتيجية ومحترفو الأمن القومي – التفكير الاستراتيجي وصياغة الاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين – مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية , ط1/2011م

[10] – هانز.جي.مورجنتاو – السياسة بين الامم – الصراع من اجل السلطان والسلام – ترجمة : خيري حماد . ج1 ,الدار القومية للطباعة والنشر , بدون ط/1965م

[11] – نوفاك.هنت , وشيلدز سي , مقابلة مع وزير الدفاع الاميركي Paul Wolfowitz . على CNN بتاريخ 16/3/2002م

[12] – نيكسون في جيمس تشيس ونيقولاس اكس , نحو تناغم جديد للأمم – منظور امريكي – مجلة وورلد بوليسي جورنال , مجلة فصلية , خريف العام 1999م

[13] – هيرفريد مونكلر , الامبراطورية – منطق الهيمنة العالمية من روما القديمة الى الولايات المتحدة الاميركية – ترجمة : عدنان عباس علي , مركز الامارات للبحوث والدراسات الاستراتيجية , ط1/2008م

[14] – سيوم براون , وهم التحكم – القوة والسياسة الخارجية في القرن الحادي والعشرين – ترجمة : فاضل جتكر , بيروت / لبنان , ط 1/2004م

[15] – جوزيف .س.ناي الابن , مفارقة القوة الاميركية – لماذا لا تستطيع القوة العظمى الوحيدة في العالم اليوم ان تنفرد في ممارسة قوتها ؟ ترجمة : د. محمد توفيق البجيري , ط1/2003م

[16] – تشارلس كيندلبرغر, العالم وقت الكساد – 1929/1939 – ( بيركلي : مطبعة جامعة كاليفورنيا ) بدون ط / 1973

[17] – هاري.ار. يارغر , الاستراتيجية ومحترفو الأمن القومي – التفكير الاستراتيجي وصياغة الاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين – مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية , ط1/2011م

[18] – محمد بن سعيد الفطيسي . الفوضى القادمة في السياسات العسكرية , موقع الحوار المتمدن . العدد 1939  بتاريخ 7/6/2007م , www.ahewar.org

[19] -زبغينيو بريجنسكي , رقعة الشطرنج الكبرى – الاولوية الاميركية ومتطلباتها الجيواستراتيجية – ترجمة : امل الشرقي , عمان /الاردن , ط1/1999م

[20] – محمد بن سعيد الفطيسي – نهاية المركزية – الخارطة الجيوسياسية للقوى العالمية في العقد الثاني من القرن 21 – سلطنة عمان , ط1 / 2012م , الفصل الثالث – بصمات التمرد والمتنمرون الجدد .

[21] – أوضاع العالم 2011- 50 فكرة رئيسية للفهم – إشراف : برتران بادي ودومينيك فيدال , مؤسسة الفكر العربي , لبنان / بيروت , ط1/2011م , الكتاب الثاني / فبراير

[22] – مورتمر سيلرز  , النظام العالمي الجديد- حدود السيادة , حقوق الانسان , تقرير مصير الشعوب – ترجمة: صادق ابراهيم , دار فارس للنشر والتوزيع , ط1/2001م

[23] – محمد بن سعيد الفطيسي , ظاهرة تفتيت الدول ونهاية الجغرافية السياسية , موقع الركن الاخضر ,بتاريخ 19/ 10/2010م , www.grenc.com

[24] – الدكتور بلهول نسيم ,موت الجغرافيا السياسية وسقوط مركزية الدولة في العلاقات الدولية , موقع شبكة باب المغاربة للدراسات الاستراتيجية , بتاريخ 14/ 5 / 2017م ,babalmaghariba.org .www

[25] – هنتجتن من نحن ؟ – التحديات التي تواجه الهوية الاميركية – ترجمة : حسام الدين فضور , ط1/2005م , دار الحصاد/ دمشق

[26] مجموعة مؤلفين ,هكذا يصنع المستقبل , مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية , ط1/2001م , ايرل تيلفورد – الحرب في القرن الحادي والعشرين

[27] – محمد بن سعيد الفطيسي. في مواجهة الوحش- حروب القرن 21- موقع الركن الاخضر , بتاريخ 1/2/2011م .www.grenc.com

[28] – جوزيف. س.ناي الأصغر , مفارقة القوة الاميركية , تعريب د. محمد توفيق , العبيكان , الرياض , ط ع 1 / 2003م

[29]إيريك برينجولفسون وبيان كهين , فهم الاقتصاد الرقمي , مطبعة معهد ميتشغان للتكنولوجيا , كمبريدج ماساشوسيتس , بدون ط/ 2000

[30]جوزيف.س.ناي الأصغر , مفارقة القوة الاميركية , تعريب د. محمد توفيق , العبيكان , الرياض , ط ع 1 / 2003م

[31]سوزان سترينج , تراجع الدولة , كمبريدج/المملكة المتحدة , مطبعة جامعة كمبريدج , بدون ط/1996م  

[32] – مجموعة مؤلفين ,هكذا يصنع المستقبل , مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية , ط1/2001م , كينيشي اوماي – طبيعة الدولة في القرن الحادي والعشرين

[33]اريك شميدت وجاريد كوين , العصر الرقمي الجديد – إعادة تشكيل مستقبل الأفراد والأمم والأعمال , ترجمة :احمد حيدر , الدار العربية للعلوم/بيروت , ط1/2013م

[34] -هنري كيسنجر, النظام العالمي – تأملات حول طلائع الامم ومسار التاريخ 0 ترجمة : فاضل جتكر , دار الكتاب العربي , بيروت / لبنان , بدون ط/2015م

************

معلومات عن كاتب المقال:

  • رئيس تحرير مجلة السياسي – تتبع المعهد العربي للبحوث والدراسات الإستراتيجية منذ مطلع العام 2009 م وحتى الآن 0
  • رئيس تحرير صحيفة الساعة الإخبارية السياسية السورية في الفترة من 2007 – 2008م.
  • كاتب مقال أسبوعي بصحيفة الوطن بسلطنة عمان – صفحة آراء منذ العام 2005م
  • باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية.
  • محاضر في إدارة المعرفة الاستشرافية والمستقبلية

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى