تعيش اليوم اسرائيل حالة من الصدمة ، اثر عملية طوفان الأقصى -يوم 7 أكتوبر الماضي- بعدما تعرضت -بشكل مفاجئ، لهجمات متتابعة من قبل مقاتلي كتائب القسام التابعة لحركة حماس وبمشاركة فصائل مقاومة اخرى .
حيث تكبدت اسرائيل خسائر فادحة بالأرواح والمعدات ، علاوة على أسر المقاومة اعداد كبيرة من جنودها ومواطنيها ، ومنيت بخسائر اقتصاديه باهضة .
في المقابل ، اعلن رئيس الوزاء الاسرائيلي “بنيامين نتنياهو” قرار الحرب -اثر تفويض من مجلس الوزراء الأمني المصغر- وبدء عملية “السيوف الحديدية”.
وعلى اثر ذلك، شن الطيران الاسرائيلي غارات مكثفة وعنيفة على مناطق غزة بأكملها ، ما أسفر عن سقوط شهداء وتدمير هائل لمنازل المدنيين وبشكل متوحش .
ان عملية “طوفان الأقصى” كانت حدثا مفاجئا لأسرائيل ، رغم أن هجوما بهذا الحجم يتطلب أشهرا من الإعداد والتجهيز من المقاومة.
وفي نفس الوقت، ان بقاء المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية عاجزة ، وفي حالة ذهول، طيلة أيام، يدل على فشل ذريع في التعامل مع هكذا أزمة.
بالاضافة الى انها كشفت مدى ارتباك الدولة العبرية ، وتأخرها قي الاستجابة والرد السريع على عملية المقاومة.
فالخسائر المعلنة من جهة اسرائيل لغاية اللحظة هائلة . لم يسبق لها مثيل في حروب اسرائيل منذ حرب اكتوبر عام 1973 .
في “اكتوبر” توفرت لدى اسرائيل معلومات بالحشد المقابل ، ولكن كان خطأها بالتقدير ، بينما في هذه الحرب لم يكن لديها اي معلومات ، وتفاجئت بما حدث .
في الحقيقة، ان المقاومة تسفت اسطورة جيش “إسرائيل” الذي لا يُقهر .وان هذه القوة الإقليمية الكبرى في المنطقة ، انهارت أمام بضع مئات من المقاتلين.
وان اعلان رئيس الوزاء الاسرائيلي “بنيامين نتنياهو” قرار الحرب ، اثر خسائر جيشه الكبيرة، جاءت للخروج من ورطته الاسراتيجية والتاريخية ، وعبر تصريحاته المتكررة بالقضاء على حركة حماس .
بالسابق حاول جيشه انجاز شيء كهذا، خلال العقدين الماضيين، ولكنه باء بالفشل .
لقد شاهد “نتنياهو”جنده وهم مذعورين عندما كانوا في قواعدهم المحصنة ، حينما اقتحمها مقاتلوا المقاومة باسلحتهم الفردية البسيطة، فيما سكان مستوطنات غلاف غزة، يفرون مرعوبين الى خارجها .
في اعقاب ذلك، لم تكتفِ الولايات المتحدة الأمريكية بالدعم المادي واللوجستي ، بل حركت حاملات طائراتها نحو المنطقة ، في محاولة لرفع معنويات الجيش الاسرائيلي المنهارة.
وما كانت لتتحرك ، لولا إدراكها التام بأن هذا الجيش بات عاجزا ولم يستوعب الصدمة بعد .
بالاضافة الى أن هذا الحشد الامريكي كان رسالة قوية لإيران وحلفائها ، بلزومهم الحياد .
وعندما نقارن اليوم بما حدث بالحروب السابقة ، فسنجد ان المقاومة اليوم قد غيرت من تكتيكاتها واساليبها .
فتحول نهجها من رشقات صاروخية على عدة بلدات ومدن والتزامها حالة الدفاع وعدم اقتحام قواتها خارج غزة، الى الهجوم والتحييد الكامل للمنظومات الدفاعية على الحدود مع غزة ، ومن ثم اقتحام المستوطنات .
بالاضافة الى أنها أدارت اللعبة العسكرية والاعلامية والسياسية باقتدار وبمنتهى الاحترافية . واصبحت هي من تحدد توقيت المعركة ،
وما حدث في السابع من اكتوبر ، اصبح يعتبره الاسرائيليون الحادي عشر من سبتمبر اسرائيلي.
اما أكبر تحدي تواجهه اسرائيل في الوقت الحاضر ، هو عدد الاسرى الاسرائيليين الكبير لدى المقاومة، واحتمال قيام الأخيرة بتوزيع هؤلاء الاسرى على كامل القطاع ، في محاولة منها لردع اسرائيل عن استهداف المدنيين في قصف طيرانها على غزة .
أما المحتجزين الاسرائيليين لدى المقاومة ، فان اسرائيل لا تملك أوراقا للضغط على المقاومة للمساومة عليها ، الا ان تضطر للاذعان لشروط المقاومة ، وما سياسة تكبيد المدنيين المزيد من الارواح للضغط على المقاومة فانها غير مضمونة العواقب.
في الواقع، ان الأزمة الحالية تجاوزت من كونها حلقة من حلقات الصدام المتكرر بين المقاومة واسرائيل . من شن الطيران الاسرائيلي لغارات على قطاع غزة . بالمقابل تقوم المقاومة باطلاق رشقات صاروخية على المدن والبلدات الاسرائيلية . بل ان الحديث يدور اليوم حول اجتياح اسرائيلي واسع لقطاع غزة .
في الجهة الأخرى، هناك تحذيرات تصدر من ايران وحلفائها بفتح جبهات أخرى ، اذا توسعت اسرائيل وقامت بالحرب البرية .
والخلاصة ، ان ما حدث في “طوفان الأقصى ، قد غير معادلة الصراع للابد ، وقضى على اسطورة جيش اسرائيل الذي لا يقهر .
وسواء اقرت اسرائيل بالمتغيرات الجديدة ، التي تعني : بأن دولتهم الاقوى في المنطقة ، وجيشهم المدجج باحدث انواع الاسلحة، اهتزت هيبته، وبات يخسر في الحروب .
و لا أحد يستطيع تنبؤ كيف سيتطور المشهد؟ لكننا أمام حرب قد تتطور ، وتقلب موازين الشرق الأوسط لتعيد تركيبه من جديد .
والحقيقة ان ما جرى يوم ٧ أكتوبر، كان علامة فارقة في تاريخ هذه المنطقة ونقطة تحول مفصلية بهذا الصراع .
الاسم : مروان سمور باحث سياسي أردني