العراق في السياسة الامريكية المعاصرة 1980-2003

قريباً من الذكرى ……… كتاب يرصد موضوع العلاقات العراقية – الأمريكية منذ نشأة الدولة العراقية الحديثة وحتى احتلال بغداد يوم التاسع من نيسان ٢٠٠٣ … وسجل يا تاريخ !

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كان العراق – وما زال – محط أنظار الدول الكبرى عبر تاريخه الحديث والمعاصر، فمنذ بواكير تاريخه كان هذا البلد ممراً بين الشرق والغرب ، وعكست حدوده مصالح القوى العظمى خلال الحرب العالمية الأولى أكثر مما عكست أماني سكانه ، وظلت موضع تحد بينه وبين الدول المجاورة له . وبسبب غناه الاقتصادي واحتواءه على موارد نفطية هائلة وموقع إستراتيجي متميز ، تعرض العراق لمحاولات إخضاعه للسيطرة الأجنبية ، وتنافست عليه مختلف القوى تحت ذرائع وإدعاءات مختلفة .فقد جاء البريطانيون عقب سيطرة عثمانية متخلفة لم تستطع أن تصنع عراقاً حديثاً ، وتزامن تأسيس الدولة العراقية مع فرض البريطانيين انتدابهم عليه ، إلا أن تأثير البريطانيين ، وإن لم يكن مقصوداً ، كان تأثيراً ضئيلاً في جوانب معينة ، وكانوا مؤثرين على المجتمع والبنية العراقية في جوانب أخرى .
مع ذلك لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية بعيدة عن العراق ، أو أنه كان مفقوداً في إستراتيجيتها ، أو رقماً ثانوياً في حساباتها،بل كان العراق ، منذ الاهتمام الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط ، يشكل دولة مهمة لدى صانع القرار الأمريكي الذي عدّ ، مثلما عدّ غيره ، منطقة الشرق الأوسط قلب العالم ، ومن يسيطر عليها فإنه يسيطر على العالم برمته ، على الرغم من أن ذلك لم يلغ عند السياسيين الأمريكان أهمية المناطق الأخرى ، الأمر الذي ركزت عليه الإدارات الأمريكية المختلفة عند رسم إستراتيجيتها وأهدافها الخارجية .
وبحكم الأهمية الكبيرة التي حظي بها العراق في الإستراتيجية الأمريكية ، وتركيز الأمريكان عليه من أجل وضعه تحت هيمنتهم ، حتى وصل الحال بأكثر من إدارة أمريكية حاكمة إلى التأكيد على ضرورة احتلاله بشكل مباشر تحت هذه الذريعة أو تلك ، وبشكل منفرد أو بتكتل دولي ، حتى آل المآل لاحتلاله وإنهاء نظامه السياسي واستقلاله الدولي في التـاسع من نيسان عام 2003 .
بحكم هذه الأهمية تم اختيار موضوع (( العراق في السياسة الأمريكية المعاصرة 1980 – 2003 )) عنواناً لكتابنا هذا .
وقد أسهمت مجموعة من العوامل في اختيار هذا الموضوع يقف في مقدمتها أهمية الموضوع وعدم وجود دراسات جامعية مستقلة تناولته حتى هذا التاريخ ، فعلى الرغم من وجود بعض الرسائل والاطاريح الجامعية التي تناولت العلاقات العراقية – الأمريكية في أثناء الحرب العالمية الثانية ( 1939 ـ 1945 ) ، وما بعد أحداث تلك الحرب ، وحتى عام 1958 ، والعلاقات العراقية – الأمريكية بين ( 1967 – 1987 ) ، وسياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه العراق ( 1958 – 1963 ) ، إلا أنها لم تستمر لتبحث في الفترة اللاحقة التي ترتبط السياسة فيها بالأحداث التاريخية ، ليأتي التغيير السياسي عام (2003) نقطة تحول جذرية وشاملة لكل الذي خططت له الولايات المتحدة الأمريكية تجاه العراق حتى توجته عملياً باحتلاله ، وإسقاط نظامه السياسي . لذا فإن دراسة هذه الفترة المليئة بالأحداث والمتغيرات تعد مهمة علمية ووطنية في آنٍ واحد ، وتكتسب أهميتها من طبيعة الموضوع نفسه وحيويته .
تألفت الدراسة من مقدمة وأربعة فصول وخاتمة . تناول الفصل الأول الجذور التاريخية لعلاقات العراق بالولايات المتحدة الأمريكية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحتى أواخر عام 1980 ، فتطرق إلى بدايات الاهتمام الأمريكي بالعراق وأساليب الأمريكان في التغلغل داخله سواء كان ذلك عن طريق البعثات التبشيرية أم الاقتصادية أم الثقافية والآثارية. كما بحث الفصل العلاقات العراقية – الأمريكية بين الحربين العالميتين ، وتحول الاهتمام الأمريكي وتركيزه على نفط العراق ، والتنافس الذي شهدته هذه الفترة بين الولايات المتحدة وبريطانيا حول مصالحهما في العراق . واهتم الفصل ذلك بالعلاقات العراقية– الأمريكية إبان الحرب العالمية الثانية ( 1939 ـ 1945 ) حتى سقوط النظام الملكي عام 1958 ، فَبَيَّن وجود رغبة عراقية لدى عدد من الساسة العراقيين بالتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد تراجع الدور الاستعماري لبريطانيا ، وتحولها إلى دولة استعمارية من الدرجة الثانية . وتناول الفصل أيضاً طبيعة العلاقات العراقية – الأمريكية في عهد عبد الكريم قاسم ( 1958 – 1963 ) وموقف الأمريكان من التغيير السياسي الذي شهده العراق في هذه الفترة ، وموقعه في الإستراتيجية الأمريكية . فضلاً عن ذلك فقد بحث الفصل موقف الولايات المتحدة الأمريكية من انقلابي الثامن من شباط والثامن عشر من تشرين الثاني (1963) وعلاقات البلدين حتى قيام التغيير السياسي يوم السابع عشر من تموز عام (1968). وتطرق الفصل أيضاً إلى التغيير السياسي الذي شهده العراق عام (1968) وموقف الولايات المتحدة منه . كما بحث الموقف الأمريكي من تأميم النفط الذي قام به العراق لشركات النفط الأجنبية عام (1972) ، فضلاً عن موقف الولايات المتحدة الأمريكية من البرنامج النووي العراقي .
شهد عام (1980) اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية لأسباب عدة كان من بينها الاختلاف الإيديولوجي بين النظامين السياسيين في كلا البلدين ، ورغبة كل منهما فرض هيمنته على منطقة الخليج العربي المتاخمة لهما ، واستمرار المشاكل الحدودية بينهما والتجاوزات التي شهدتها حدود البلدين لاسيما من قبل إيران التي كانت تطرح دائماً ضرورة (تصدير الثورة ) إلى العراق وإلى غيره من الدول الخليجية والتدخل في الشؤون الداخلية ، وما إلى ذلك من أسباب دفعت البلدين لخوض غمار حرب استمرت ثماني سنوات ، قدم فيها البلدان خسائر بشرية ومادية كبيرة ، ولم تصب إلا في صالح الدول الكبرى ، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية التي أسهمت في إطالة أمدها لإضعاف الطرفين ، فضلاً عن تدمير بنيتيهما التحتية .
لم يكن بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية التي وجدت في حرب الخليج الأولى فرصة سانحة لها للتواجد في منطقة الخليج العربي أن يبقى العراق بعيداً عنها دبلوماسياً ، فشهدت السنوات التي أعقبت الحرب سعياً أمريكياً حثيثاً لإعادة العلاقات مع العراق بعد أن كانت قد توقفت إبان حرب الخامس من حزيران (1967) . وبالفعل نجحت تلك الجهود في عودة العلاقات العراقية – الأمريكية عام 1984 لتزداد أهمية العراق في الإستراتيجية الأمريكية خلال هذه الفترة والتي تلتها ، مثل توجهات السياسة الأمريكية وتطورها تجاه العراق للمدة (1984– 1988) ، فتم التركيز على مواقف العراق من قضية النفط والقضية الفلسطينية والإرهاب الدولي ، وعلاقاته مع الاتحاد السوفيتي السابق ودوره في الخليج العربي وموقف الولايات المتحدة منه ، كما تطرق الفصل إلى تنامي العلاقات السياسية والعسكرية بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية ، وتطور العلاقات الاقتصادية والثقافية بين الحكومتين العراقية والأمريكية ، وكان ذلك أمراً طبيعياً ومتوقعاً ، ونتيجة من نتائج عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ، وهذا كله كان محور الفصل الثاني من الدراسة.
وتناول الفصل الثالث موقع العراق في الإستراتيجية الأمريكية بين سنتي 1988 – 1993 ، فبحث موقف حكومة واشنطن من العراق بعد انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية ، واحتلال العراق للكويت عام 1990 ، والقرارات التي أصدرها مجلس الأمن الدولي بضغط أمريكي وتحشيد التحالف المضاد للعراق بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، وقيام حرب الخليج الثانية عام 1991 ، وقرارات الأمم المتحدة اللاحقة ، ومناطق حظر الطيران التي أثارت جدلاً كبيراً ، فضلاً عن طبيعة العلاقات مع الأمم المتحدة ولجنة (يونسكوم) للبحث عن أسلحة العراق المحظورة والمشاكل التي تسببت بها فرق التفتيش العاملة في العراق في تلك المرحلة .
أما الفصل الرابع ، فقد أشار إلى سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه العراق منذ عام 1993 وحتى احتلاله وإسقاط نظامه السياسي في التاسع من نيسان عام 2003 . وقد أثرت طبيعة تلك السياسة في تصاعد التوتر السياسي والعسكري إبان مدة حكم الرئيس الأمريكي بيل كلنتون والتي امتدت لولايتين رئاسيتين ، وما تخللها من عمليات قصف متواصل للأراضي العراقية ، ومنذ اللحظات الأولى لتولي الرئيس الأمريكي الجديد مهامه في البيت الأبيض . كما كان من أبرز ملامح تلك المرحلة ظهور قانون ( تحرير العراق ) عام 1998 لدعم فصائل المعارضة العراقية في سعيها لإسقاط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين ، والذي تم التوقيع عليه من قبل عدد غير قليل من المحافظين الجدد في البيت الأبيض إبان عهد بيل كلنتون ، وممن استمر نهجهم في مدة حكم الرئيس التالي جورج دبليو بوش ( الابن ) . كما تناول هذا الفصل طبيعة العلاقات المتوترة بين العراق ولجنة ( يونسكوم ) ، وحتى قيام فرق التفتيش بترك الأراضي العراقية في تشرين الثاني 1998 ولأربع سنوات متتالية . وبحث الفصل الأخير في استمرارية عمليات استهداف العراق طيلة السنوات الباقية من عمر إدارة كلنتون ( 1998 – 2000 ) . وأوضح الفصل وصول العلاقات العراقية – الأمريكية إلى أخطر مراحلها عندما تولى جورج دبليو بوش إدارة البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني عام 2001 ، وإصراره حتى قبيل فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية ، على استهداف العراق وإسقاط نظامه السياسي . وجاءت أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 لتسهم إسهاماً كبيراً في إيجاد ( الذريعة المناسبة ) لربط العراق بالإرهاب الدولي ، فضلاً عن حجة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل ووضعه ضمن قائمة دول (( محور الشر Axis of Evil )) ، كل هذه الأمور مجتمعة أصبحت موضع اهتمام إدارة بوش اليمينية المتشددة التي سعت مبكراً إلى الإطاحة بمقدرات دولة عضو في الأمم المتحدة ، سياسياً واقتصاديا وعسكرياً بل وحتى مجتمعياً . كما أشار الفصل إلى مسألة عودة فرق التفتيش الدولية إلى العراق في تشرين الثاني عام 2002 ، وتعاون العراق البنَّاء معها لأجل تفويت الفرصة على صانعي القرار الأمريكي في سعيهم لاستهداف العراق تحت أية ذريعة كانت ، فوافقت الحكومة العراقية على قرار مجلس الأمن ذي الرقم (1441) الذي يقضي بالسماح بعودة فرق التفتيش تحت مسمى لجنة أنموفيك برئاسة السفير السويدي هانس بليكس ، وعلى الرغم من كل ذلك سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاستمرار في نهجها لغزو العراق واحتلاله ، الأمر الذي حدث فعلياً ، وتحت ذرائع عديدة يوم العشرين من آذار 2003 لتبدأ حرب الخليج الثالثة ، التي انتهت وقائعها يوم التاسع من نيسان 2003 باحتلال العراق . وما ترتب من آثار خطيرة على الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط الذي ما تزال آثاره ماثلة للعيان حتى كتابة هذه السطور.

اعتمد الكتاب مصادر ومراجع متعددة ومختلفة يقف في مقدمتها الوثائق غير المنشورة العراقية منها والأمريكية ، فقد احتلت وثائق دار الكتب والوثائق المحفوظة في المكتبة الوطنية ببغداد حيزاً معيّناً من المعلومات التي وردت في متن الكتاب ، وتكمن أهميتها في أنها تعد مصدراً أصيلاً لا غنى عنه لكل من يتصدى لدراسة موقع العراق في الإستراتيجية الأمريكية ، وتضمنت معلومات مفيدة بحكم مصداقيتها وقربها من الأحداث .
أما الوثائق الأمريكية المنشورة ( Foreign Relation of the United States ) احتوت معلومات قيمة عن العراق وأوضاعه الداخلية .
وأفاد الكتاب من الوثائق التي تم نشرها بعنوان : صدام حسين : التاريخ السري جداً ” Saddam Hussein : More Secret History ” لـ ( Malcolm Byrne ) ، وفيها معلومات مهمة عن السيرة الذاتية لصدام حسين وكيفية تسلمه الحكم ، وتقييم السفير البريطاني له في بغداد عام 1969 ، وتوقعاته لأن يكون الوريث المميز للرئيس أحمد حسن البكر . فضلاً عن وثائق أخرى اعتمدها الكتاب ، تخص السياسة الخارجية العراقية ، كما تضمن الكتاب معلومات مهمة أخذت من أرشيف الأمن القومي الأمريكي الذي حرره جولي باتل في 25 / شباط / 2003 وأعطاه عنواناً هو : مصافحة صدام حسين : انحراف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه العراق ، وتطرقت وثائقهُ إلى الحرب العراقية – الإيرانية وموقف الولايات المتحدة منها ، وزيارة دونالد رامسفيلد للعراق وما تمخض عنها ، فضلاً عن العلاقات العراقية – الأمريكية . وعلى الرغم من أهمية هذه المعلومات ، إلا أنها كانت منتقاة من الأرشيف ، ولم تتضمن جوانب أخرى أكثر خطورة مما جاءت به .
وشكلت الكتب الوثائقية حيزاً مهماً في عملية تسلسل الأحداث التاريخية المهمة التي وردت ضمن صفحات هذه الدراسة ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر كتاب : (( الحرب على العراق . يوميات – وثائق – تقارير 1990 – 2005 )) الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية بطبعته الأولى في بيروت عام 2007 والمكون من ( 1616 ) صفحة من القطع الكبير ، ويحتوي على المئات من الخطب والبيانات والتصريحات وأحداث الساحتين العربية والدولية وما يتعلق منها تحديداً بتطورات القضية العراقية قبيل اجتياح الكويت وحتى عام 2005 ، فضلاً عن احتوائه على جميع نصوص قرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة التي كانت قد صدرت بحق العراق من القرار ( 660 / 1990 ) إلى القرار ( 1441 / 2002 ) ، فكان مادة علمية قيمة أسهمت بشكل كبير في عملية صياغة الأحداث التاريخية الواردة في ثنايا هذه الدراسة ، وأخذت مجالاً كبيراً في العديد من صفحاتها.
وألفت المصادر المعربة والعربية رافداً إضافياً للمعلومات التي وردت في الكتاب ، لاسيما تلك التي وجدت طريقها إلى المكتبات بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ، ومنها كتاب ” صدام . الحياة السرية ” لمؤلفه كون كوغلن الذي عربه مسلم الطعان عام 2005 ، وتكمن أهميته في أنه تضمن معلومات مهمة ، لاسيما عن سياسته الداخلية وعلاقاته الخارجية التي لم يرد بعضها في مراجع أخرى ، فضلاً عن اعتماده مصادر ووثائق عديدة . وتمت الإفادة من كتاب ويليام إينغرال المعنون ” مائة عام من الحرب . السياسة النفطية الأمريكية – الإنكليزية (( والنظام العالمي الجديد ))” الذي عربه محمود فلاحة، فعلى الرغم من أن الكتاب يركز على الجوانب النفطية والتنافس الأمريكي – البريطاني حول نفط الشرق الأوسط ، إلا أنه يفرد صفحات كثيرة لسياسة الرئيس الأمريكي جورج بوش ( الأب ) تجاه العراق حتى وصول بيل كلنتون إلى رئاسة الولايات المتحدة مطلع عام (1993) . وكشف كتاب ” النار هذه المرة . جرائم الحرب الأمريكية في الخليج ” لمؤلفه رامزي كلارك ، وزير العدل الأمريكي الأسبق ، النقاب عن عدد كبير من أسرار ما قبل هجوم الحلفاء على العراق عام 1991 نتيجة غزو الأخير للكويت في آب (1990) وتداعيات ذلك الأمر سياسياً واقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً على الشعب العراقي ، وتمهيد الولايات المتحدة لإنزال نظام عقوبات لم يشهد له العالم مثيلاً في حق العراق لأجل إخضاعه لحسابات أمريكية قادمة ، كان من نتيجتها الغزو العسكري للعراق عام (2003) .
أما كتاب ” خطة الهجوم على العراق ” لمؤلفه الصحفي المقرب من البيت الأبيض بوب ود وورد ، فيمثل أحد أهم المؤلفات الأمريكية التي أوضحت صورة الولايات المتحدة الأمريكية وسياستها العدائية تجاه العراق ، وتحديداً في المدة الواقعة بين الحادي عشر من أيلول عام 2001 حتى توجه الإدارة الأمريكية لغزو العراق واحتلاله عام 2003 . ويذهب وورد إن بوش ( الابن ) وضع مسألة احتلال العراق وإطاحة نظامه السياسي نصب عينيه حتى قبل تسنمه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية . فضلاً عن حقائق وأرقام وردت في كتاب وورد ، غاية في الأهمية ، أسهمت في تعزيز جوانب عديدة من الحقائق الواردة في هذه الدراسة . ولا يقل كتاب ” حرب الخليج . الملف السري ” لمؤلفيه بيار سالنجر و أريك لوران ، أهمية عما ورد ذكره من مصادر ، إذ يسرد هذان الصحفيان حقائق غاية في الخطورة توضح دور الولايات المتحدة الأمريكية السري والمعلن في الإعداد لحرب الخليج الثانية عام 1991 بدءً من يوم التاسع من آب 1988 ، أي بعد أقل من أربعة وعشرين ساعة فقط من توقف الأعمال الحربية بين العراق وإيران ، الأمر الذي يوضح طبيعة الدور الأمريكي . فضلاً عن إشارة الكتاب المذكور إلى ملاحق ( سرية ) مهمة تدل على تعاون الكويت مع إدارة بوش ( الأب ) ، وطبيعة التفاهم المشترك بين الطرفين من خلال عدد من الوثائق المتبادلة ، كما ورد في ملاحق الكتاب وثيقة أخرى يكشف النقاب عنها لأول مرة ، تشير إلى أسماء عشرات الشركات الأمريكية والبريطانية والغربية عموماً من التي زودت العراق بأسلحة وتكنولوجيا غير تقليدية . وأسهم كتاب ” ضد الحرب في العراق ” لمؤلفيه : ميشيل راتنر وجيمي غرين وبربارة اولشانسكي من مركز الحقوق الدستورية ، في إغناء مادة الأطروحة خاصة بعد إصدار مجلس الأمن الدولي لقراره المرقم ( 1441 ) الذي يوصي العراق بضرورة التعاون مع لجان التفتيش عن أسلحته المحظورة ، وكان راتنر ، رئيس مركز الحقوق الدستورية قد رفع ، ولسنوات عديدة ، عشرات الدعاوى متحدياً صلاحية رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بوش (الابن ) في خوض الحرب ، ورفع قضايا عديدة ضد منتهكي حقوق الإنسان ، ولم يقل الدور الذي لعبه زميلاه المشار إليهما ، في إثبات حق العراق القانوني والأخلاقي المشروع في التصدي للمواقف الأمريكية سواء كانت السياسية منها أم الاقتصادية وحتى العسكرية .
ومن الكتب الأخرى التي وجدت مكانها في عدد غير قليل من صفحات هذا الكتاب ، كتاب ” كذبات بوش الخمسة الكبيرة التي أخبرنا بها عن العراق ” لمؤلفيه : كريستوفر شير وروبرت شير ولاكشمي شاوذري ، والذي يشير بوضوح لا لبس فيه إلى أبرز عمليات التضليل الذي مارسته إدارة جورج دبليو بوش في إصرارها على الذهاب إلى غزو العراق واحتلاله ، وتحديداً تلك المتعلقة بامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل . وكان كريستوفر شير قد بحث بشكل مستفيض في هذه المسألة تحديداً ( الأسلحة المحظورة ) وقضايا عراقية أساسية أخرى في حين كان يعمل مع والده روبرت شير الصحفي في جريدة التايمز في لوس انجيلوس . كما أفادت الدراسة من المعلومات الواردة في كتاب ” نظام صدام حسين 1979 – 2003 ” لمؤلفته فيبي مار الخبيرة المختصة في شؤون العراق الإستراتيجية التي عملت في وزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاغون ) بصفة مستشار أيام ولاية الرئيس بوش ( الابن ) الأولى ، إذ أسهمت الباحثة الأمريكية في توضيح جوانب عديدة من تاريخ العراق المعاصر بالوثائق بدءً من تولي حزب البعث للسلطة في العراق عام 1968، كتمهيد تاريخي لطبيعة سريان الأحداث التي شهدها العراق لاحقاً بعد تولي صدام حسين رئاسة الجمهورية في البلاد يوم السادس عشر من تموز عام 1979، مروراً بظروف وتداعيات الحرب العراقية – الإيرانية وانعكاساتها على مجرى العلاقات العراقية – الأمريكية، وصولاً إلى أزمة الخليج الثانية وتداعياتها السياسية والاقتصادية والعسكرية على مجمل العلاقات بين واشنطن وبغداد ، وانتهاءً بعملية غزو العراق واحتلاله وإسقاط نظام الحكم فيه عام 2003 . كما أسهمت المؤلفات العربية بشكل كبير جداً في إثراء مادة الدراسة العلمية . وبهذا الصدد نشير إلى كتاب ” العراق والولايات المتحدة الأمريكية . دراسات في التاريخ والسياسة والنفط والتعليم ” الصادر عن مركز الدراسات الإقليمية بجامعة الموصل ، لمؤلفه الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاّف ، الذي يشير إلى تطور العلاقات العراقية – الأمريكية، وامتدادها إلى سنوات طويلة بدءً من النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبخاصة ما يتعلق بجوانب السياسة والنفط والتعليم ، كما يوضح الكتاب طبيعة العلاقات العراقية – الأمريكية بعد استئنافها بين البلدين عام 1984 ، وظروف تلك العلاقة إبان الحرب العراقية – الإيرانية، وصولاً إلى تردي تلك العلاقات بعد احتلال العراق للكويت عام 1990، وما نتج عن ذلك من قطع العلاقات بين البلدين ، إذ ألقت بظلالها على مجمل تطورات الأوضاع السياسية والعسكرية في المنطقة ، والتي مهدت لاحقاً لغزو الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الأراضي العراقية واحتلالها للبلاد وإسقاط نظامه السياسي في نيسان عام 2003 ، فكان لهذا الكتاب وجود يعتد به ضمن صفحات هذه الدراسة . وكان لكتاب الأستاذ محمد حسنين هيكل المعنون ” الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق ” الدور المهم في ترتيب تطور الأوضاع السياسية والعسكرية التي رسمت ملامح وأطر العلاقة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية منذ سبعينيات القرن العشرين وحتى احتلال القوات الأمريكية والبريطانية لكامل التراب العراقي صيف 2003 . كما أشار الكتاب المذكور ، بحكم إطلاع مؤلفه الواسع على إصدارات ووثائق عديدة ، العربية منها والأجنبية ، إلى عدد من أهم التصريحات والاجتماعات الأمريكية التي سبقت أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 ، وبعدها عملية المداولات السرية والعلنية التي قام بها بوش ( الابن ) مع كبار مساعديه ومستشاريه في شؤون الأمن القومي ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية (C.I.A. ) ووزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاغون ) للتمهيد لعملية استفزاز واسعة النطاق ضد العراق لجره إلى نزاع سياسي وحرب عسكرية . وثمة كتب أخرى أفادت منها الأطروحة ، منها كتاب الأستاذ محمود بكري ” جريمة أمريكا في الخليج . الأسرار الكاملة” الذي ضم تقارير مهمة عن الإستراتيجية الأمريكية في الخليج العربي . و كتاب ” على حافة الهاوية . العراق 1968 – 2002 ” لمؤلفه جعفر الحسيني الذي تطرق لأوضاع العراق خلال هذه المدة ، واعتمد مصادر ومهمة ، فضلاً عن مقالات وبحوث ومقابلات صحفية تهيأت للكاتب بحكم إقامته في لندن ، لكن ما يؤخذ عليه عدم اتباعه التسلسل الزمني في سرده للأحداث .
كما لم يكن بالإمكان إهمال كتب المذكرات فعلى الرغم من قلتها في الدراسة ، إلا إنها ، مع ذلك ، كانت مهمة ، لأن كتابها ، رغم غلبة الجانب الذاتي على الموضوعي فيها ، فإنهم كانوا شهود عيان على أحداث معينة ، ومنها كتاب الدكتور محمد المشاط ، المعنون : ” كنت سفيراً للعراق في واشنطن . حكاياتي مع صدام في غزو الكويت ” الذي كان سفيراً دبلوماسياً للعراق في واشنطن عام 1989 وعمل سنوات عدة هناك ، وتابع بحكم عمله ، ما كان يدور في الولايات المتحدة الأمريكية نحو العراق ، ومن هنا تأتي أهمية ما كتبه خلال هذه الفترة حتى الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003 . كما أسهمت مذكرات وزير الخارجية ورئيس الوزراء الروسي ، يفجيني بريماكوف ، التي جاء بعنوان : ” حقول ألغام السياسة ” الصادر في موسكو عام 2008 ، في تحليل مضمون التناقضات الواقعية في طبيعة العلاقات العراقية– الأمريكية ، بدءً من توتر تلك العلاقات عام 1990 ، والدور الروسي لتجنب اندلاع أزمة عسكرية سبقت حرب الخليج الثانية ، لكن دون جدوى بسبب التفسير والتجاهل الخاطئ المتعمد لإدارة بوش ( الأب ) – آنذاك – لقررات مجلس الأمن والمساعي الدولية لإنهاء الأزمة ، فضلاً عن التعنت العراقي الرافض لأي تنازل في سبيل تجنب الصدام مع الولايات المتحدة الأمريكية وأكثر من ثلاث وثلاثين دولة أخرى . كما أشارت مذكرات بريماكوف إلى العلاقات السيئة ، في معظمها ، بين العراق والأمم المتحدة ، وتحديداً مع لجنة ( يونسكوم ) التي ترأسها ريتشارد باتلر وسكوت ريتر ، وطبيعة الأهداف(( التجسسية )) لتلك اللجان وخطورتها على شؤون السيادة العراقية ، سياسياً وعسكرياً . وفسر بريماكوف طبيعة التفرد الأمريكي في تفسيره لقرارات مجلس الأمن الدولي ، وتحديداً ما يتعلق بعبارات القرار ( 1441 ) وتحركات الإدارة الأمريكية لإجهاض أي حل دولي للأزمة بين العراق وإنموفيك، والذي كان قريباً جداً ، لولا تلك التحركات الهائلة المريبة التي قامت بها أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية لاستهداف العراق . وأوضح بريماكوف أيضاً اتصاله الأخير بالرئيس العراقي الأسبق صدام حسين ومقابلته له في شباط 2003 داعياً إياه التنحي عن الحكم في العراق ، لكن صدام حسين رفض ذلك لعدم وجود ضمانات روسية بعدم حدوث الاجتياح الأمريكي للعراق في حال قبول الرئيس العراقي بمطلب ضيفه الروسي .
وألفت الأطاريح والرسائل الجامعية غير المنشورة رافداً مهماً زود دراستنا بمعلومات غاية في الأهمية لا بسبب المصادر والمراجع التي اعتمدت عليها فحسب ، بل بسبب مناقشتها من قبل أساتذة أكاديميين لهم خبرتهم في هذا المجال مثل رسالة كوثر عباس عبد المعنونة ” تطور العلاقات العراقية – الأمريكية للفترة من 1945 – 1958 ” ورسالة فاطمة حمدي عبد الرحمن العاني المعنونة ” العلاقات العراقية – الأمريكية بين 1967 – 1987 “، وأطروحة سنان صادق حسين الزيدي المعنونة ” سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه العراق 1958 – 1963 ” رغم أن هاتين الرسالتين والأطروحة كانت أسبق زمنياً من دراستنا ، إلا إنها ، مع ذلك ، حظيت بموقع متميز في هذا الكتاب .
وأفادت المصادر الأجنبية الدراسة ، رغم أنها مثلت وجهة نظر أجنبية في تبيان الإستراتيجية الأمريكية تجاه العراق ، ونشير إلى البعض منها مثل كتاب United States and Iraq . The years of Crisis ” ” لمؤلفه ( D. M. Kennedy ) الذي أشار فيه إلى سنوات عديدة من الصراع العراقي – الأمريكي منذ سبعينيات القرن العشرين ، وتحديداً بعد قيام العراق بتأميم شركات النفط الأجنبية العاملة في أراضيه عام 1972، والموقف الأمريكي من إندلاع الحرب العراقية – الإيرانية ، ومن ثم ينتقل المؤلف إلى أزمة الخليج الثانية وتداعياتها التي انعكست سلباً على مجمل العلاقات العراقية – الأمريكية . وأوضح كتاب ” U.S.A. and The Middle East 1947 – 1991 ” لمؤلفه (A.J. Smith) طبيعة الهيمنة الأمريكية وتدخلاتها المباشرة في شؤون الشرق الأوسط منذ عام 1947، وبدايةً ما يعرف بالحرب الباردة بين واشنطن وموسكو ، وانعكاسات التحديات الدولية على تطور الأوضاع السياسية و الاقتصادية والعسكرية على المنطقة العربية تحديداً ، وكان العراق أحد ساحات ذلك الصراع ، وأشار Smith إلى العلاقات العربية – الأمريكية ودورها في مواجهة (( المد الشيوعي )) تجاه الشرق الأوسط ، متطرقاً إلى فعالية العلاقات العراقية – الأمريكية بعد عقد حلف بغداد عام 1955 وأهم الجوانب السياسية والاقتصادية في ثنايا تلك العلاقة . كما تطرق المؤلف إلى طبيعة العلاقات العراقية – الأمريكية في ظل الأنظمة الجمهورية التي قامت في العراق بعد النظام الملكي ، ودور الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك ، متطرقاً إلى العلاقات السلبية التي طرأت بين البلدين بعد الثلاثين من تموز 1968 كونها أطاحت بأهم حلفاء الولايات المتحدة في النظام السياسي الجديد داخل العراق ، منتقلاً بشكل تدريجي إلى أوجه الخلاف الأخرى في ملف العلاقات السلبية بعد تأميم النفط العراقي عام 1972 وما تبع ذلك من قيام الحركة الكردية المسلحة في شمال العراق ، واندلاع الحرب بين العراق وإيران في ثمانينات القرن الماضي ، وصولاً إلى أزمة الكويت واندلاع حرب الخليج الثانية عام 1991 . كما كان لكتاب المؤلف (S.G. Albert ) المعنون ” Operation Staunch United States and Iraq 1984 – 1988 ” الدور المهم في توضيح بعض الجوانب ومميزات العلاقات العراقية – الأمريكية بعد قرار واشنطن استئناف علاقاتها الدبلوماسية والسياسية والعسكرية مع العراق عام 1984 ، وما قام به رامسفيلد ، مبعوث الرئيس الأمريكي رونالد ريغان إلى بغداد ، في تلك التغيرات التي شكلت دخلت منعطفاً جديداً في ظل أحداث إقليمية ودولية غايةً في التعقيد ، لعل من أبرزها اشتداد حدة المواجهات العسكرية بين العراق وإيران على طول جبهات القتال الرئيسية . كما تناول الكتاب الجوانب العسكرية في ملف تلك العلاقة ، وتحديداً في النصف الثاني من عمر الحرب العراقية – الإيرانية ، ودور الولايات المتحدة الأمريكية في دعم جهود العراق العسكرية في مواجهة القوات الإيرانية ، والحيلولة دون تعرض أهم طرق إمدادات النفط العالمي للخطر .
وألفت الصحافة العربية والأجنبية مصدراً أولياً لا غنى عنه في دراسة قضايا مهمة تناولتها الدراسة ، لأن الصحافة كانت تتابع أولاً بأول ما كان يجري على الصعيد السياسي من تحولات في الإستراتيجية الأمريكية تجاه العراق ، وتابعت مواقف الرأي العام من الأحداث التي تخللت العلاقات العراقية – الأمريكية ، وكل ما يتعلق بسياسة واشنطن تجاه العراق ، فضلاً عن ذلك فقد استفاد الباحث من شبكة المعلومات الدولية ( الإنترنت ) في تسليط الضوء على بعض القضايا والمعلومات التي وردت في كتابنا هذا .
واستفادت الدراسة أيضاً من عدد من البحوث والدراسات العلمية التي تناولت جوانب مختلفة من السياسة الأمريكية تجاه العراق ، سواء أكانت العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين الجانبين ، أم موقع العراق في الإستراتيجية الأمريكية ، لاسيما في المرحلة الأخيرة من عمر نظام صدام حسين حتى احتلال العراق عام 2003 .

ملاحظة : الكتاب المشار إليه هو بالأصل أطروحة دكتوراه بإشراف الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف ، جرت مناقشتها بكلية التربية/جامعة الموصل يوم الرابع من تشرين الأول 2011 وترأس لجنة مناقشتها الأستاذ الدكتور أسامة عبد الرحمن الدوري من كلية الآداب/جامعة بغداد .. وقد حصل الباحث على تقدير “الامتياز”.

5/5 - (52 صوت)

SAKHRI Mohamed

أحمل شهادة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى شهادة الماستر في دراسات الأمنية الدولية من جامعة الجزائر و خلال دراستي، اكتسبت فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الرئيسية، ونظريات العلاقات الدولية، ودراسات الأمن والاستراتيجية، بالإضافة إلى الأدوات وأساليب البحث المستخدمة في هذا التخصص.

أضف تعليق