دراسات سياسيةمنهجية التحليل السياسي

منهج تحليل ظاهرة القيادة السياسية

منهج تحليل ظاهرة القيادة السياسية

Analysis of Political Leadership Phenomenon

By Professor Doctor KAMAL MM ALASTAL

(من تراث أستاذنا العلامة المرحوم حامد ربيع)

 

الظاهرة القيادية بين تعدد التطبيقات الاجتماعية والبيولوجية والقيادة السياسية

يرى أستاذنا العلامة المرحوم حامد ربيع أن الظاهرة القيادية ظاهرة معقدة ومركبة تكاد ترفض عملية التحليل العلمي بأساليبه المعتادة . يعلق بعض العلماء على تلك الظاهرة بقولهم بأن هناك موضوعات ثلاث على الباحث العاقل أن يتجنب أي معالجة لها : الحب والنبوغ والقيادة . ومن بين هذه الموضوعات الثلاث أكثرها غموضاً وأشدها تعقيداً وأبعدها في رفض التنبؤات ووضع قواعد التأصيل الفكري الظاهرة القيادية .والواقع أن الظاهرة القيادية تجمع أيضاً بين الظواهر التي تندمج في هذا النطاق من الغموض وعدم القدرة على التوقع ، فظاهرة الحب لا تخضع لنظريات هندسية أو معادلات جبرية أو حسابية أو قواعد عامة متفق عليها. إن النبوغ يرفض التحليل العلمي بمعناه الوضعي . إن النبوغ هو استثناء فكيف نجعل من الاستثناء قاعدة التحليل العلمي الذي يعني بتحليل الظواهر من خلال اكتشاف عنصر التكرار إلى علاقات ارتباطيه ثابتة فإذا كان النبوغ يعلن منذ البداية على أنه استثناء فكيف نصل إلى اكتشاف عنصر التكرار في ذلك الاستثناء ؟ ظاهرة القيادة تجمع بين التركيب السلوكي والنبوغ الفردي .وهكذا نجد ظاهرة القيادة أكثر أنواع الصور الاجتماعية تعقيداً وتركيباً ورفضاً لعملية التحليل في معناها المتداول .

 

صعوبات دراسة ظاهرة القيادة

على أن الصعوبات الحقيقة التي لابد وأن يواجهها محلل الظاهرة القيادة لا تقف عند ذلك الحد . ذلك أن الظاهرة القيادية أولاً : ظاهرة متعددة الأبعاد ،وثانياً: متنوعة التطبيقات ، وثالثاً : متباينة المصادر الفكرية.

  • هي متعددة الأبعاد: لا لأنها بغض النظر عن مستواها تفرض على الأقل مجموعة من العلاقات المختلفة التي تحمل مذاقاً متميزاً فإذا بها تقدم صورة ذاتية ومستقلة للظاهرة القيادية ولنذكر على سبيل المثال كيف أن الظاهرة القيادية ظاهرة اجتماعية أولاً، وفردية ثانياً، ونفسية ثالثاً، ونظامية رابعاً .
  • هي ظاهرة اجتماعية: لأن القائد إنما يعبر عن أحد مواقع السلم الاجتماعي بغض النظر عن ذلك الموقع وخصائصه بهذا المعنى نتحدث عن قائد الرأي وعن القائد السياسي بل وفي بعض الأحيان عن القائد الخفي الذي يمارس قيادته من خلال التعامل غير الظاهري . أحد الأبحاث المعروفة التي أجريت في المجتمع الإسرائيلي وأثارت الكثير من اللغط تدور حول موضع صديقات الحكام وسكرتيراتهم من العمل القيادي .
  • وهي أيضاً ظاهرة فردية، لأن القائد في نهاية الأمر لا يعدو أن يكون شخصاً قد استطاع أن يكتل في إرادته وفي سلوكه مجموعة من القدرات والخبرات الذاتية الموروثة والمكتسبة بل أنه وفي بعض الأحيان يكاد يقوم بعمليات مسرحية مدروسة بقصد خلق ذلك الانطباع .
  • ثم هي أيضاً ظاهرة نفسية : أنها علاقة خفية بين حيوان متمرس له قدرات غير معتادة وقطيع يقبل أن ينطوي تحت قيادة ذلك الحيوان المتمرس ، إن القائد يكاد يعبر عن مروض الوحوش الذي يملك إرادة خفية ترفض التحليل العلمي وتسمح لذلك المروض بأن يتحكم في حيواناته المتوحشة حتى إذا فقد تلك القدرة الخفية أضحى بلا حماية ولا وسيلة للدفاع عن نفسه إزاء تلك الحيوانات .
  • كذلك علينا أن نتذكر أن القيادة لابد لاتباعها من إطار نظامي معين .               ورغم أننا في هذه الدراسة إنما نعالج الظاهرة القيادية ابتداء من منطلق المدرسة السلوكية وفقط كأداة اتصالية ، إلا أن الفهم الحقيقي للظاهرة لابد وأن يفرض الإلمام بجميع الأبعاد الأخرى .

تحليل الظاهرة القيادية يجب أن ينطلق من مسلكين مختلفين كل منهما يقود إلى مفهوم معين للظاهرة ، مستقل ومتميز رغم أن كليهما ينتهي بإطار واحد للتعامل الحركي . المستوى الأول وهو المستوى الاجتماعي أي الظاهرة القيادية على مستوى التعامل اليومي المعتاد لماذا في أي تجمع معين تتجه الإرادة الجماعية لتفضيل شخص على آخر في توجيه تلك الجماعة في قيادتها . ولكن هناك مستوى آخر : المستوى السياسي لماذا تختار الجماعة شخصاً معيناً ؟ أو لماذا ينجح شخص معين في أن يمسك بقيادة الجماعة ويوجهها ويتحكم في مصيرها السياسي ؟

 

المصادر الفكرية للقيادة السياسية نستطيع أن نمركزها حول خمسة مسارات أو تطورات :

أولا: مفهوم الفيلسوف القائد في الفلسفة اليونانية ، الفيلسوف القائد الذي تصوره أفلاطون حاكماً يرفض أن يخضع للقانون بحيث تصير إرادته هي القانون. يمثل أول تلك المنطلقات التي ساهمت في خلق التقاليد الفكرية لظاهرة القيادة السياسية.

ثانيا: فكرة الأمير في التقاليد الرومانية ، ثم يأتي مفهوم الأمير كما عرفته الحضارة اليونانية بصفة خاصة خلال عصر الإمبراطور . رغم أن كلمة الأمير قد لا تعبر تعبيراً صادقاً عن المفهوم الروماني حيث أن الاصطلاح الذي تداولته النصوص الرومانية هي كلمة Principe والتي تعني في معناها الحرفي الأول إلا أن الخلفية العامة للمفهوم تظل واحدة وهي أن هناك فرد معين يرتفع عن سائر الأفراد فإذا به يحكم ولا يحكم وإذا به يأمر ولا يقبل أن يتقبل أي الأمر وإذا به يقود ولا يقاد . هو يوصف بهذا المعنى بأنه الرأس أو Dux والتي منها نبعت فيما بعد المفاهيم الفاشستية

ثالثا: تأصيل البطولة السياسية في الفلسفة الألمانية ، يأتي فيكمل هذا المصدر مفهوم البطولة السياسية ، مفهوم سوف يظل غير واضح وغير محدد حتى تأتي التقاليد الرومانسية الجرمانية فتبعته وتجعل منه على يد فكر القرن التاسع عشر أساساً ومحوراً للتحليل السياسي .

هيجل خير من يعبر عن هذه الفلسفة حيث يجعل البطل السياسي إرادة القدر يعمل لا فقط بوجه من ضميره ولكنه يمثل أحد مسالك الإرادة الخالدة أو العليا أو الإلهية في تعاملها مع الجماعة بحيث تفرض تلك البطولة كأداة من أدوات الإشعاع الحركي لتحقيق أهدافها الإنسانية . ابتداء من هذا التصور تبدأ فكرة الاتصال تقلق مفهوم القيادة السياسية فالبطل ليس مجرد إرادة اجتماعية أو جماعية وإنما هو أداة الإرادة الخالدة أي الإرادة التي تتحكم في المصير الإنساني في تطوير الجماعة وتحديد مساراتها .أنه أداة من خلالها الإرادة الخالدة تتقمص الوجود البشري وتتعامل مع ذلك الوجود في تطوراته المتعاقبة بغض النظر عن صحة ذلك التصور فإنه يقود لأول مرة لا أن يقدم لنا القيادة على أنها مسارات متدفقة من جانبين ، أنها أخذ وعطاء ، أنها أداة من أدوات الاتصال ،

رابعا: الظاهرة القيادية في الحركات الثورية ، تأتي عقب ذلك المدرسة الاجتماعية بتحليلاتها الجماهيرية وتصوراتها التجريبية وابتداء من كارل ماركس ومن تبعه من علماء المدرسة السلوكية فإذا بهذا المفهوم يتدعم وإذا يتصور القائد على أنه أداة من أدوات الإحلال النفسي للخوف والتخلي يأتي فيقف مفهوم الاتصال لا بمعنى العلاقة الخفية بين القائد والإرادة الخالقة وإنما بمعنى العلاقة بين القائد والمجتمع الممزق . أن المواطن يجد في ذلك القائد أسلوبه في أن يستعيد ثقته في نفسه . أنه إداته في تمكين العقيدة والأيديولوجية من أن تتغلغل في الضمير والوعي الفردي كمظهر من مظاهر التعبير عن الرمز الجماعي. وهكذا قادت جميع هذه المسالك إلى مفهوم ماكس فيبر عن ظاهرة القيادة أو فكرة الكاريزما . والواقع أن هذا المفهوم إن هو إلا تعبيراً علمي للتصورات الفلسفية والاجتماعية التي غزت القرن التاسع عشر والتي تعود في بعض مصادرها أيضاً إلى المفاهيم التاريخية المتعلقة بتحليل الحضارة الإنسانية من منطلق تقاليد عصر النهضة . فلنتذكر توماس كارلايل الذي رغم أنه ينتمي إلى القيم الأنجلوسكسونية لم يتردد في تاريخه المعروف للعصور الوسطى أن يعلن بأن الرجال العظام هم العنصر الأساسي اللازم لإعطاء كل فترة مذاقها الخاص . أنهم مصادر الإشعاع الذين دون وجودهم لا موضع لأي طاقة أو لا أي حركة .

 

خامسا: ثم أخيراً فكرة النبوغ في التقاليد العلمية المعاصرة ….

ثم تأتي البلورة النهائية من خلال النظرية السلوكية المعاصرة باسم ظاهرة النبوغ أو تحليل متغيرات ظاهرة التميز القيادي .

ولعل هذا يفسر الوضع الحالي الذي تعاني منه نظرية القيادة في التحليل الاجتماعي أنها لم تستطع بعد أن تخلق إطارها الفردي المتكامل الذي يسمح باستيعاب تلك الأبعاد المختلفة في تأصيل واحد متكامل للظاهرة القيادية بحيث تنصهر في داخلها مختلف مقوماتها، ومختلف عناصرها ، ومختلف تطبيقاتها .

  • التعريف بظاهرة القيادة ونماذجها التجريبية

     المجتمع ينقسم إلى قادة وتابعين . فما هي حقيقة عملية القيادة ؟ في إحدى الاضطرابات في باريس عام 1848 عندما قبض البوليس على أحد المشاغبين سمع وهو يصيح ” دعوني ، يجب أن أتبع تلك الجماعة إنني رئيسها ” . بغض النظر عن صحة هذه الواقعة من عدمها فإنها تعكس طبيعة القيادة ، إنها وظيفة وقيمة وعلاقة في آن واحد . هي وظيفة يؤديها القائد وتبرر وجوده . وهي علاقة تحكم طبيعة الروابط بين من هو قائد ومن هو تابع ثم هي قيمة تعكس صفات معينة ومبادئ محددة يجب أن يحترمها القائد قبل أن تحترمها الجماعة . فإذا أضفنا إلى تلك المشكلة التي يثيرها علماء التحليل الاجتماعي وهي طبيعة القيادة وهل هي تعكس صفات أصيلة تختلف في القائد عن غير القائد كما وكيفما لتحددت أبعاد تحليل الظاهرة .

ظاهرة القيادة خضعت للكثير من الدراسات الميدانية ولعل خير الدراسات التي أجريت بهذا الشأن هي تلك التي ندينها للعالم الأمريكي ” لوين ” وزملائه هي دراسة تجريبية تدور حول اكتشاف نماذج القيادة في المجتمعات الصغيرة ومن خلال تجارب عديدة أخضع فيها لوين وزملائه هذه المجموعات الثلاث سواء بتنويع القيادة في نفس الجماعة أو بتنويع عناصر الجماعة بالنسبة لنفس النموذج القيادي استطاع في النهاية أن يكتشف خصائص ما أسماه بالمجتمع الديموقراطي في مواجهة المجتمع الأوتوقراطي .

     ورغم أن هذا المكان لا يسمح بتفصيل هذه الخصائص إلا أن تحليلاً عاماً موجزاً يقدم لنا لا فقط نموذجاً للأبحاث الميدانية المتصلة بتحليل نماذج القيادة ولكن وبصفة خاصة خصائص هيكل كل من القيادتين الديموقراطية والأوتوقراطية ثم نتائج كل منهما على السلوك الفردي والجماعة .

أولاً : النموذج الأوتوقراطي للقيادة:

   وتتصف فيه عناصر القيادة بالخصائص الآتية :

  • جميع التعليمات العامة تتبع وتصدر من القائد .

2-مراحل وأدوات تنفيذ النشاط يتم تحديدها بمعرفة القائد وكل مرحلة في ذلك النشاط لا يعلن عنها القائد إلا في حينها بحيث أن إدارة الجماعة وتوجيه النشاط المقبل يظل دائماً في حكم المجهول من جانب أفراد الجماعة .

3-القائد يفرض على كل عضو في جماعة واجباته ومهامه ويختار بالنسبة لكل مهمة الأعضاء الذين يوكل إليهم القيام بتلك المهمة .

4-القائد يمتنع عن أي مشاركة فعلية في نشاط الجماعة ولا يفعل ذلك إلا على سبيل تقديم نموذج للنشاط المفروض أداؤه .

5-القائد هو الذي يوزع مديحه ونقده ودون أن يقدم لذلك مبررات موضوعية .

ثانياً : فإذا انتقلنا للأسلوب الديموقراطي أو للنموذج القيادي الآخر لوجدناه يقدم خصائص تتناقض مع خصائص القيادة في الأسلوب الأول تناقضاً كلياً :

1-التعليمات العامة تتم بناءاً على مناقشة عامة بين أفراد المجتمع حيث القائد يتخذ موقفاً سلبياً إذ هو يخلق ويدفع ويشجع المناقشة ويقودها دون أن يفرض رأي له عليها بل ودون أن يدلي برأيه في أغلب الأحيان .

2-التوجيهات العامة المتعلقة بتخطيط الحركة تتم من خلال المناقشة التي تتحدد فيها مراحل الحركة وخطواتها المتلاحقة . وعندا تكون الجماعة في حالة إلى نصائح فنية فإنها تلجأ إلى القائد الذي يقدم أكثر من نموذج واحد لحل المشكلة ويتم الاختيار من بينها بحرية من أفراد الجماعة .

3-أعضاء الجماعة يختارون كل منهم بحرية المجموعة التي يفضلون العمل بينها كذلك فإن توزيع المهام يتم بناءاً على اتفاق المجموعة .

4-القائد يسلك سلوك أي فرد من المجموعة بحيث يشارك معه في الأعمال كأي فرد آخر .

5-القائد يظل موضوعياً في تقييماته بالإطراء أو بالنقض مؤسساً لتلك التقييمات على الوقائع الفعلية .

ثالثاً :من خلال تحليل هذين النموذجين من نماذج القيادة التجريبية استطاع أن يقدم لنا الفوارق السلوكية بين الفرد الذي ينتمي إلى المجتمع الأوتوقراطي والفرد الذي ينتمي إلى المجتمع الديموقراطي :

1-في المجتمع الأوتوقراطي هناك ملحوظة عامة تميز السلوك الفردي لو قورن السلوك الفردي في مجتمع آخر وهو السلوك العدواني والاستفزازي . المجتمع الأوتوقراطي يميل إلى العدوانية ويتجه في هذه العدوانية إلى أفراد الفئات الأخرى وليس إلى رئيس الجماعة وقد لوحظ أن هذه العدوانية بلغت في بعض الأحيان مرتبة مبالغاً فيها حتى أنها عبرت عن نفسها في بعض التطبيقات بعنف واضح لم يتمكن من وضع حد له إلا عن تدخل الرئيس أو القائد .

2-كذلك لوحظ في المجتمع الأوتوقراطي اتجاه عام لرغبة أفراد المجتمع في التقارب من القائد تسيطر عليه ملامح الخضوع المبالغ فيه مع محاولات واضحة من جذب انتباه الرئيس من جانب الفرد أو المواطن الذي يرغب في خلق عملية التقارب على العكس من ذلك فإن العلاقات مع الرئيس في المجتمع الديموقراطي يسيطر عليها نوع من التساوي و الإخلاص مع الرغبة في تقديم عمل طيب .

3-كذلك العلاقات الفردية في داخل المجتمع الأوتوقراطي يسودها نوع من روح السيطرة بمعنى محاولة كل فرد أن يسيطر على الآخرين على عكس المجتمع الديموقراطي الذي لم تبرز فيه هذه الروح بأي شكل من الأشكال .

4-على العكس في المجتمع الديموقراطي فإن الروح الجماعية كانت أكثر وضوحاً و أكثر تعبيراً أما في المجتمع الأوتوقراطي فإن الروح الفردية بمعنى تأكيد الذات كان أكثر وضوحا.ً

5- كذلك لوحظ أن وحدة الجماعة في المجتمع الديموقراطي كانت أكثر قوة و كذلك فإن الجماعات التابعة كانت أكثر استقراراً على عكس ما حدث في المجتمع الأوتوقراطي حيث كانت الجماعة التابعة أقل استقراراً أكثر تعرضاً للتحلل لأي مصادفة .

6-كذلك لوحظ في أثناء التجريب أنه عندما كان منظم هذا البحث يدفع لخلق صعوبات بقصد تسجيل رد الفعل فقد لوحظ أن المجتمع الديموقراطي يهاجم تلك الصعوبة بمواجهة صريحة بينما في المجتمع الأوتوقراطي فقد لوحظ أن أفراد الجماعة تنقسم على نفسها إلى مجموعات صغيرة وتبدأ كل منها في اتهام الآخرين .

هل القيادة تعكس صفات مكتسبة أم موروثة ؟ وهل هذه الصفات التي تميز القائد عن غير القائد صفات كمية أم صفات كيفية بمعنى هل القائد يختلف عن تابعيه من حيث الصفات أم أنه لا يختلف من حيث الصفات وإنما فقط من حيث عمق تلك الصفات ؟

أسئلة يثيرها الفقهاء ولكن بدون إجابة واضحة .

البعض يتحدث عن النبوغ ويعتقد أن النبوغ وحده هو الذي يفسر ظاهرة القيادة .

و هكذا يمكن القول بأن القيادة تخضع لمقومات معينة:

أولا:خلفية اجتماعية – فكل مجتمع له خصائصه و كل مجتمع له مميزاته , هذه الخصائص و هذه المميزات هي التي من خلالها تتحد مسالك الصفات القيادية , فقائد اللصوص لا يمكن أن يتم اختياره و لولا شعورياً استناداً إلي نفس المعايير التي يتم بها اختيار القائد في مجتمع العلماء , و هذا يعكس طبيعة العملية النفسية التي تستتر خلف العلاقة غير الواضحة التي تحكم تدفق المجتمع نحو القائد و التقاء القائد بالمجتمع.

ثانياً: قدرة الشخص معين على أن يتقمص و يعبر عن تلك الخصائص بحيث يصير رمزاً لذلك المجتمع يرى فيه كل شخص نفسه, آماله و أمانيه ,إما بأسلوب مباشر إو غير مباشر.

ثالثًا: الموقف الذي يبرز فيه القائد، , هذا الموقف يبرز بشكل واضح من حيث أهميته في ظاهرة القيادة الجماهيرية حيث يصير القائد أداة لتكتيل الوعي الجماهيري نحو التخلص من حالة الخوف أو العودة لحالة الثقة التي أحدثتها الصدمة مصدر الاضطراب النفسي العام.

رغم ذلك فإننا لم نجب على السؤال: هل القيادة تعني خصائص مستقلة تختلف من قائد لآخر و لكنها تتحد في أنها تميز القائد عن تابعيه؟ و ما هي تلك الخصائص؟

من العرض السابق نستطيع أن نقول أن القائد لابد و أن يملك خصائص و صفات تميزه من التابعين , و هي خصائص تتصف بالغموض الذي لا تستطيع أن نكشفه و لكن رغم ذلك نستطيع أن نحدد بأنه يدور في صفات ثلاث:

  • عمق الحياة العاطفية بمعنى آخر أن القائد يمتاز و يختلف عن الشخص العادي بأنه يستطيع أن يشعر و يتجاوب مع تلك المنبهات التي لا يستطيع أن يشعر بها و أن يتجاوب منها بسلوك أيحابى الفرد العادي ,و بعبارة أخرى أكثر حساسية من غيره,المنبه الذي لا يحدث في الشخص العادي أثره إذا به يخلق عند الزعيم و القائد حالة من التوتر.

2-أن القائد أكثر من الشخص العادي قدرة على الألم و بالتالي فأحاسيسه أكثر صدقاً و أكثر اتساعاً من الشخص العادي , و هذا يمثل امتداد للصفة الأولى و يقودنا إلى قدرة القائد على أن يجعل من اتجاهه العام مصدراً لطغيان مطلق و كلي على كل اتجاه خاص.

أنه يشعر بآلام قومه و آلام شعبه و على استعداد لأن ينسى نفسه في سبيل الجماعة.

3-كذلك القائد يمتاز بالقدرة على التخيل , أنه يعيش في أحلام أو على الأقل يستطيع أن يلغي بصره إلى المستقبل فيرى مالا يراه الشخص العادي.

هذه الصفات الثلاث قد توجد في القائد كلا أو جزءاً و قد يبالغ فيها فتصير مصدر قوة و مصدر ضعف في آن واحد، فالقدرة على التخيل قد تصير بعدا عن الواقع و خيالا يمنع من إمكانية الحركة و مواجهة المشاكل اليومية و لكنها دائما هي المحور الحقيقي للتعبير عن الزعامة و بصفة خاصة في أبعادها السياسية.

ما هي وظائف القائد ؟

         وظائف عديدة تختلف من قيادة إلى قيادة ولكن لو أردنا أن نعددها مع تبسيط مبالغ فيه لاستطعنا أن نميز بين خمسة عشر وظيفة يمكن أن تنسب إلى القائد تبعاً لكل موقف ولكل تطبيق .

  • القائد هو أداة للتنفيذ . فأول وظيفة للقائد في كل جماعة هي التنسيق بين النشاط الجماعي والفردي .
  • كذلك القائد هو مخترع الخطط ، والخطة بهذا المعنى يقصد بها وضع أصول الحركة في المدى البعيد مع ما تفترضه ذلك من خطوات متلاحقة تدور في أهداف محددة مرحلياً وإن اندرجت في هدف عام يسيطر على أبعاد الحركة الجماعية .
  • إحدى الوظائف الأساسية للقائد هي أن يحدد أهداف الجماعة .
  • القائد يجب أن يكون رجلاً مختصاً : بمعنى أن يكون قادراً على أن يقدم للجماعة المعلومات والقدرات العملية والعلمية التي هي في حاجة إليها ،
  • القائد يقوم بعملية التمثيل للجماعة في العلاقات الخارجية .
  • القائد هو أداة الضبط للعلاقات الداخلية : سواء كانت العلاقات الداخلية شخصية أم غير شخصية وسواء كانت عملية الضبط تتم بطريق مباشر أو غير مباشر فإن وظيفة القائد بمثابة مركز لتوزيع العمليات .
  • وينبع من هذا أن القائد أيضاً يقوم بعملية توزيع الجزاءات المختلفة سواء إيجابية أو سلبية لتصرفات الأفراد طيبة كانت أو رديئة .
  • القائد هو حكم وموفق : فوظيفته الأساسية مرتبطة بالوظيفتين السابقتين أن يقوم بعملية التوفيق والتحكيم في الصراعات المختلفة والخلافات المتعددة بين عناصر الجماعة .
  • القائد نموذج للمثالية الاجتماعية : أن القائد يجب أن يشعر بأنه يصير بالنسبة للجماعة نموذج للسلوك أنه في سلوكه الفردي والجماعي يجب أن يعبر عن المثالية التي تسود الجماعة وتتمناها في شخص أفرادها وبالتالي في شخص قائدها ، القائد العسكري الذي يتقدم جيشه والقائد الديني الذي يعيش زهد وقناعة ليسا إلا نموذجين لمعنى هذه الوظيفة .
  • القائد رمز للجماعة : في بعض الأحيان يصير القائد رمز للجماعة أو بعبارة أدق بشخصه الواقعي يمثل الجماعة كرمز لأمانيها وآمالها وكتعبير عن شرفها وكرامتها ، فالقائد بهذا المعنى يؤكد استمرارية الوظيفة التاريخية وتماسك المجتمع السياسي ، ومن المعروف أنه في الحروب القديمة كان عندما يسقط القائد ويقتل في المعركة فإن ذلك يعني بداية الهزيمة . أحداث يونيو عام 1967 في مصر تعكس بشكل واضح هذه الوظيفة عندما التفت الجماهير في مصر حول القائد رغم الهزيمة .
  • القائد كأداة لإحلال المسئولية الفردية : في كثير من الجماعات وبصفة خاصة في المجتمعات المختلفة نجد المواطن يرى في القائد وسيلة لرفع المسئولية عن شخصه فيما يتعلق بالقرارات العامة ، هو يخضع للقائد لأنه بهذا الشكل يحرر نفسه من ضرورة اتخاذ القرار . نموذج واضح لهذا المدلول نستخلصه من متابعة تاريخ الدكتاتورية الفاشستية في إيطاليا وألمانيا.
  • القائد كخالق للأيديولوجيات : رغم أن هذه الوظيفة أي الوظيفة الأيديولوجية ترفض بحكم طبيعتها أن تتحدد في شخص القائد الحركي للخلاف الواضح بين القيادة بمعناها الضيق والنبوغ الفكري الخلاق حتى أن الاتجاهات المعاصرة في التحليل السياسي تقوم على أساس التمييز بين الفكر والحركة في نطاق التقييم السياسي إلا أن العالم المعاصر عرف نماذج عديدة لقادة أسندوا لأنفسهم الوظيفة الأيديولوجية ، ليس لينين وماوتسي تونج هتلر خير نماذج يعبر عن ذلك فهناك أيضاً نماذج أخرى أكثر وضوحاً تغمر بصفة خاصة المجتمعات النامية .
  • القائد والسلوك الأبوي : وظيفة برزت بشكل صريح في أعقاب الحرب العالمية الثانية وبصفة خاصة في المجتمعات التي حصلت على استقلالها حديثاً ، فالقائد يحاول أن يتشبه بالأب في علاقته بالجماعة . ياسر عرفات مثال واضح.
  • كذلك قد ينقلب القائد فإذا به أداة من أدوات إلقاء التبعية والمسئولية في حالة الهزيمة والإخفاق ، المجتمع السياسي عندما يخفق أو تبرز بشكل واضح أخطاؤه التاريخية قد يجد في القائد هدفاً سهلاً يلقي عليه بجميع مسئولياته وأنه يشعر أن ذلك القائد وقد أخفق في مشروعاته فقد خان أمته فهو من ثم مصدر لجميع المآسي والأخطاء .
  • فإذا أضفنا إلى ذلك ما سبق وذكرناه أن القيادة وهي قيم لها ذاتيتها لابد وان تؤدي من جانب آخر بطريقة تلقائية ولاشعورية إلى أحداث نوع من التغيير في عناصر وفئات المجتمع السياسي من التحرك بالاقتراب أو بالابتعاد عن موقع القيادة لفهمنا مدى الأبعاد الوظيفية لظاهرة القيادة .

    

– أنواع القيادة السياسية : النماذج :

ما هي نماذج تلك القيادة ؟ أم أنها جميعاً تخضع لتصنيف واحد ؟

مما لاشك فيه أن القيادة السياسية أنواع ونماذج عديدة ..

فكيف يمكن تصنيفها وما هو معيار هذا التصنيف؟ وما هي خصائص كل نموذج من الناحية السلوكية ؟

  • من أوائل من تعرض للموضوع العالم الإنجليزي “شفارز” Schwarz الذي جعل أساس التمييز هو ازدواجية مطلقة رجل الحركة ورجل الفكر ، الأول يواجه الواقع ويقدم الحلول العلمية للمشاكل والثاني يخطط للمستقبل ويتنبأ بأبعاد التطور.
  • عقب ذلك تقدم عالم آخر بريطاني أيضاً ” مارتن كون وي” Sir Martin Conway بتقسيم ثلاثي : ممثل الجماهير ، المتحدث باسم الجماهير ، وإما أن يسحر الجماهير ويأسرهم، النموذج الثالث الذي يعرف كيف يعبر بسحر بلاغته وقوة عباراته عن آماله المجتمع موضع القيادة ومن ثم يصفه بأنه crowd متحدث باسم الجماهير .
  • تكمل هذه المحاولة محاولة أخرى من جانب عالم النفس الاجتماعي “بار تليت” Bartelet ,بريطاني آخر إذ يقدم بدوره تقسيم ثلاثي:النموذج النظامي,النموذج المتسلط, النموذج المقنع, هذه التقسيمات جميعها موضع مناقشة و على كل فهي جميعها لا تقدم لنا النموذج السلوكي لكل قائد سياسي و قد ربطت بين شخصية و حقيقة الموقف المرتبط بوجوده و نشاطه.

النماذج السبعة للقادة حسب عالم النفس يونج

  • يجيب على هذا التساؤل عالم علم النفس إلا شه ريونج YOUNG في تقسيم سباعي لنماذج السلوك القيادي في نطاق النشاط السياسي بما يكاد يصير النظرية السائدة بهذا الخصوص.

هذه النماذج السبع هي:

  • القائد الرئيس.
  • القائد الديموقراطي.
  • القائد البيروقراطي.
  • القائد الدبلوماسي.
  • القائد المصلح.
  • مهيج الفتن و مثير القلاقل.
  • القائد العقائدي.

فلنتابع كل من هذه النماذج بشيء من التحليل.

1-الأول يعبر عنه بتلك الكلمة البسيطة و لكن ذات الدلالات العميقة: القائد الرئيس.

هو نتاج الديموقراطية الجماهيرية, يمتاز بقوة عجيبة في الإقناع و سحر في القيادة و قدرة على التلاعب بالجماهير و صلاحية للخديعة و التحاليل علي المواقف , قوي و صلب و على استعداد للمعاركة و المشاكسة لا يهاب المغامرة و يملك قدرة خارقة على تنظيم صفوفه و البدء دائما من جديد , خصائصه السلوكية تتخلص في كلمات ثلاث : حب السلطة,يقف دائما إلي جوار الوضع القائم, يهاب و يخشى الإصلاح ,أن تحدث عن الأيديولوجية فهو لا يعنيها و يعتبرها أحد عناصر خداع الجماهير. هذا لا يعني أنه لا يملك صفات إنسانية فهو يعرف كيف يكافئ أصدقائه.

2-القائد الديموقراطي يقف من النموذج السابق موقف التناقض . هو يتصف بصفة الاعتدال والاستعداد الدائم للتأقلم بالموقف والتعديل في حركته تبعاً للظروف ، هو وليد النظم الديموقراطية التقليدية كما عرفناه في القرن التاسع عشر ، هو ليس صلب كالنموذج السابق بل على العكس هو متواضع أو يتظاهر بالتواضع على استعداد للتفاهم عراكه توفيق وخصامه لا يدوم ، ماهر في استخدام مسالك الصراع الديموقراطي ، إقناع واقتناع من جانب ثم علاقات عامة من جانب آخر ، يؤمن بالنظام والقانون وليس على استعداد لان ينساق وراء الجماهير أو أن يؤسس حركته على الجماهير كما هو بالنسبة للنموذج السابق ، متسامح في الخلافات.

3-القائد البيروقراطي موظف أضحى قائداً سياسياً ، وهو لذلك مملوء بالعقد ، منهاجي حذر منظم ولكنه غير سعيد كلما دعي لاتخاذ قرار على استعداد لا أن يراقب الآخرين ويفتش على الآخرين وينتقد الآخرين وسعادته الحقيقية في أن يظل يتحرك في نطاق إطار محدد لا يعرف سوى التقليد والمحاكاة ، لا يملك القدرة على التخيل والمبادرة ، عالمه ضيق ، في أغلب الأحيان خائف تنقصه الشجاعة وهو على استعداد لأن يفسر جبنه بأنه ولاء وضيق أفقه بأنه انتماء .

4-القائد الدبلوماسي يملك صفات أخرى تختلف كل الاختلاف عن النموذج السابق ، في كثير من الأحيان يرتبط بنموذج القائد الدبلوماسي بالعلاقات الدولية أو على الأقل السياسة الخارجية ولكن هذا غير صحيح إذ أن هذا النموذج يتكرر في جميع مراحل ومستويات العمل السياسي ، هو يمتاز بالمرونة، على استعداد لأن يتخلى جانباً على الإخلاص في الحركة في سبيل تحقيق أهدافه ، سعادته في أن يتلاعب بالأفراد والمواقف ، مظهره لا يعكس باطنه وكلماته لا تعبر عن أفكاره ، يستخدم الألفاظ بحذر ، كلمة مشهورة تعكس حقيقته : إذا قال الدبلوماسي نعم فهو يعني ربما ، فإن قال ربما فإنه يعني لا ، وإن قال لا فإنه قد أعلن عن إخفاقه كدبلوماسي .

5-القائد المصلح رجل يمثل الكمال : هو يحلم بعالم جديد ، وهو لذلك يرفض جميع الصعوبات العملية التي تفرضها الحركة الواقعية ، ولكن هذا لا يعني أنه خيالي فهو على استعداد لا أن يسير في طريقه حتى لو حطم نفسه ، يذكرنا بشهداء العصور الوسطى فهو في إيمانه بالإصلاح يعكس صلة عاطفية غير قابل للإفساد ولا يقبل الحلول الوسط أو التوفيق في حركته أو مبادئه ، يؤمن بالمنطق والسلوك المنظم المحدد الذي يخترق الحواجز ولو على حساب نفسه .

6-المهيج أو مثير الفتن والقلاقل : يمثل نوعية خاصة لنموذج المصلح فهو على استعداد الالتجاء إلى العنف حيث تصير القوة الأسلوب الأصيل في تحقيق العالم الجديد إيمانه مطلق فهو عقائدي لا يعرف في العالم سوى الصديق أو العدو ، متعصب إلى أبعد حدود التعصب يؤمن بالثورة ويرى فيها أداة ووسيلة التقدم يميل إلى تضخيم الفروق والخلافات النظامية والعقائدية العالم لديه إما أبيض أو أسود على استعداد دائم للقتال ولا يقبل الحلول الوسطى ، يرفض التسامح ولا يصلح للقيام بالبناء الحقيقي . قد يقف على خطيبا في مهرجان أو مسيرة أو مظاهرة ويلهب مشاعر الجماهير ولكنه فاشل في البناء الحقيقي، قد يفتعل ويخلق الأزمات من أجل لفت انتباه الجماهير عن فشله في مجالات الحياة المختلفة. هناك نماذج كثيرة في الدكاكين السياسية في فلسطين وغيرها.

7-القائد العقائدي يقف من النموذج الأول موقف النقيض : يقدم لنا صورة منطقية للعالم يغلب عليها أن تكون مثالية أو على الأقل متشائمة ، يعيش في عالم مقفل من الألفاظ والمفاهيم ، غير واقعي ولا تعنيه الحياة الواقعية ، يسيطر عليه وصف ما يتصوره دون أن يلقي باله بتحقيق ما يحلم به ، هو فيلسوف أكثر منه رجل حركة .

هذه النماذج لا تمثل قوالب جامدة إذ من الممكن تصور تطبيق واحد يجمع بين أكثر من نموذج واحد من هذه النماذج ، ويبدو ذلك واضحاً في المجتمعات النامية حتى أن البعض أفرد للقيادة في تلك المجتمعات نموذجها الخاص بها حيث يتقابل النموذج الأول بالبيروقراطية بالنموذج العقائدي في خليط متناقض ليعكس بدوره حالة الاضطراب الاجتماعية التي تمثلها تلك الجماعات .

فلنذكر مستويات التفاعل بالنسبة للقيادة السياسية :

أولاً: التفاعل بين مختلف عناصر المجتمع الأمر الذي يسمح بتخطي الصراع الطبقي وتحقيق التكامل القومي.

ثانياً: التفاعل بين الأهداف القومية والتصورات الأيديولوجية ، فالأيديولوجية مثاليات سياسية مجردة والأهداف القومية تعبير عن المصالح الإستراتيجية ..

ثالثاً: التفاعل بين الأهداف القومية والحركة السياسية ، أن الأهداف القومية متعددة متباينة بل وفي بعض الأحيان متناقضة ، عملية ترتيب هذه الأهداف وخلق التتابع الحركي بالتقديم أو التأخير دون أن يعني ذلك التضحية بأي منها تبعاً للقدرات والإمكانيات هو جوهر القيادة السياسية وهو بدوره أحد مستويات التفاعل للحركة السياسية.

رابعاً: التفاعل بين المجتمع والموقف : كل مجتمع له تقاليده وله أفضلياته وكل موقف له خصائصه وله متغيراته ، عملية تطويع الجماعة لتصير أكثر صلاحية للتعامل مع الموقف لا يستطيع أن يؤديها سوى القائد من خلال تلك الحساسية التي تسمح له بأن يخلق المرونة في المجتمع وأن يخلق وأن يعيد تشكيل الموقف بحيث يصير التقابل بين الجماعة والموقف دون صراع أو صدام يخلق التمزق والتحلل.

خامساً: التفاعل بين القرار الذي يفرضه الموقف والحركة التي تعني التعامل مع الموقف . إن الحركة مجموعة قرارات وكل قرار يجب أن يأتي متجانساً مع خصائص الموقف ، نبوغ القائد يبرز عندما يستطيع أن يخلق التفاعل لا فقط بين القرار والموقف ولكن بين القرار والموقف والمجتمع بحيث يصير الموقف امتداداً لخصائص الجماعة وتصير الجماعة إرادة متكتلة في اتجاه القرار.

 

فئات المجتمع السياسي: ثلاثة عشر فئة على الأقل

لو حللنا المجتمع السياسي من حيث فئاته لوجدنا أن هناك على الأقل ثلاثة عشر فئة متتابعة كل منها تعبر عن خصائص متميزة :

  • القائد : أي الزعيم التاريخي الذي يجمع في شخصه آمال الأمة وصورتها القومية ويخلق الترابط بين الماضي والحاضر والمستقبل .
  • الحاكم : ليس كل قائد حاكم وليس كل حاكم قائد ، القائد هو رمز الأمة وقد يعمل كذلك وهو خارج السلطة وقد تمر بالجماعة فترات طويلة دون أن تعرف القائد ولكنها لابد وأن تعرف الحاكم ، الحاكم هو من يمارس السلطة بغض النظر عن قدراته وصلاحيته هو رأس الدولة ولكنه يمكن أن يوصف بأنه قائد فاشل ، يستمد حقوقه وسلطاته من النظام القانوني وليس من صلاحياته الذاتية .
  • رجل الإدارة السياسية : أي أداة الحاكم أو القائد في الاتصال بمختلف عناصر المجتمع السياسي . أحد عناصر نجاح القائد هو حسن اختياره لرجل الإدارة السياسية االذي في حقيقة الأمر يمثل القنوات الحقيقية التي تسمح للقائد أو الحاكم بأن ينساب في جنبات المجتمع السياسي . لا يفترض في رجل الإدارة السياسية الإخلاص أو النبوغ . ولنتذكر أن نابليون اختار اثنين وكأن يعلم مسبقا أنهما يخوناه في عمله السياسي:تالليران وفوشيه .
  • الدبلوماسي : أداة الإدارة السياسية في النطاق الدولي .
  • خبير السلطة : مفهوم جديد يعبر عن التعامل الذي فرضه المجتمع المعاصر بين القيادة الحركية والإبداع الفكري من منطلق التخصص العلمي .
  • السياسي: أي رجل التعامل مع الجماهير بأوسع معانيه ، أو بعبارة أخرى محترف المهنة السياسية .
  • صانع القرار : وهو كل من يساهم بطريق مباشر أو غير مباشر في عملية إعداد ووضع القرار نموذج متشعب يجمع بين جميع العناصر السابقة ويضيف إليها كل من يستطيع أن يؤثر أو يتأثر في قنوات العمل القراري . سبق أن رأينا وذكرنا صديقات الحكام في إسرائيل كأحد متغيرات صنع القرار السياسي.

8-قائد الرأي : أي أولئك الذين بحكم هيبتهم يمكن أن يؤثرون في الرأي العام، أمام الجامع نموذج واضح.

9-الأعوان : أولئك المؤمنون بالقائد والذين يعتقدون بأن علاقتهم به لا تنبع من مجرد وجوده في أعلى قمة الهرم السياسي وإنما نتيجة لعاطفة خفية تجعل منهم بمثابة الضامة المساندة واللصيقة بالقائد وجوداً وعدماً بغض النظر عن ممارسة للسلطة . يصفون بأنهم Supporters بمعنى أنهم يحملون على أكتافهم القائد ويمدونه بالطاقة الحقيقية .

10-التابعون : صورة أخرى من صور الأعوان ، أقل من حيث عمق العلاقة ، علاقتهم دائماً نفسية ولكنها تختفي لحظة انتهاء الممارسة وتتحدد بعبارة أخرى بالنجاح من عدمه يصعب التمييز بين الأعوان والتابعين ولكن بصفة عامة يمكن القول بان الأعوان أكثر عمقاً في علاقتهم النفسية وأن التابعين أقل استقراراً وانتظاماً في الترابط الفكري مع القائد أو الحاكم .

11-المنتفعون : طبقة يزدان بها كل نظام سياسي أن أي نظام سياسي وأي قيادة تعني تفضيل مجموعة من القيم على أخرى ومن ثم لابد وأن ترتبط بهذه العملية مصالح مادية معينة ، هذه المصالح تخلق طبقات متراصة متراكمة من الانتفاع والمنتفعين . تمتاز هذه الطبقة بقدرتها على تغيير لونها تبعاً لتغيير النظام السياسي أو خصائص القيادة . علاقتها بالقائد لا تعدو أن تكون المصالح المادية المؤقتة ، تدور في أغلب الأحيان حول الطبقات البورجوازية الصغيرة.

12-المصفقون : طبقة أخرى تقترب من المنتفعين ولكن رغم ذلك تتميز عنها الصفاقة هم فئة تخضع لبريق السلطة ، وتسعى دائماً لاجتذاب نظر صاحب السلطان بغض النظر عن الانتفاع من عدمه إنهم أولئك الذين ينتشرون ويتضخمون بشكل خاص في المجتمعات المتخلفة .

13-ثم تأتي باقي عناصر المجتمع باسم الطبقات المحكومة مع خلاف في مواقفهم ابتداء من التأييد إلى الرفض ولكنها بصفة عامة تمتاز بعدم اهتمامها بالسلطة .

هذا التمييز لعناصر المجتمع تمييز نسبي ينبع من محاولة تشريح الكيان الاجتماعي والجسد السياسي إلى فئات متميزة يغلب عليها طابع معين من حيث علاقتها بالقائد.

 

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى