دراسات أمنيةدراسات عسكرية

آفاق الحرب الاوكرانية

وليد عبد الحي

من العسير فصل الدعاية والحرب النفسية عن العمل العسكري والدبلوماسي في الصراعات الدولية،ومراقبة تطورات الحرب الاوكرانية خلال الشهور الستة الماضية تؤكد ذلك بوضوح، ومتابعة الاعلام الروسي وبعض المساندين لروسيا في الاعلام العربي وبعض الدولي يركز على بعدين مركزيين هما حجم الخسائر في المعدات والافراد في الجيش الاوكراني من ناحية ، واضطراب الاسواق والاقتصاد الغربي من ناحية ثانية، اما الاعلام الغربي ومعه قناة الجزيرة وبعض الاعلام الاسرائيلي والخليجي والتايواني فيركز على ثلاثة ابعاد هي : مركز بوتين في السلطة الروسية ، حيث يتم التركيز على مرضه او حركة الجسد او تنامي المعارضة له مع محاولة زرع الفكرة بان الرجل قاب قوسين او ادنى من السقوط او الموت احيانا، والبعد الثاني هو النفخ والمبالغة في اي مكسب يحققه الجيش الاوكراني على غرار ما جرى في الايام الاخيرة في الشمال الشرقي الاوكراني ، اما البعد الثالث فهو محاولة التخفيف من ثقل الازمة الاقتصادية في الاقتصاد الراسمالي الغربي وخلق الانطباع بأن الحل اصبح في متناول اليد.

ان التركيز الغربي على مستقبل بوتين السياسي واحتمالات سقوطه شكل سمة طاغية على الاعلام الغربي منذ احداث المسرح( عام 2002) واحتجاز الرهائن في احد المدارس عام 2004، مرورا باحياء فكرة السقوط خلال احداث جورجيا 2008، ثم خلال الازمة الاقتصادية العالمية في نفس العام، وانخفاض اسعار الطاقة الى الحد الذي كلف الاقتصاد الروسي تراجعا بقيمة 8% في معدلات النمو، وصولا الى مظاهرات 2011 و 2012 حول الفساد وفي اعقاب انتخاب زيلنسكي رئيسا لاوكرانيا 2019.

بالمقابل فإن الاعلام الروسي يتعالى عن بعض انتكاسات قواتهم في بعض الاحيان، ولا يتعرض لخسائرهم الا في النزر اليسير ، ويحاول تعزيز صورة ” النازي” في وصف السلوك الاوكراني، وتجنب اية اشارة لاية معارضة روسية للحرب او حتى ” بعض ” التباين الروسي الصيني في الموضوع كما اتضح في بعض مداولات مجلس الامن الدولي وميل الصين للامتناع عن التصويت في بعض البنود. .

ما سبق يستدعي غربلة كل هذه التقارير والتصريحات والبيانات …ومحاولة تقديم صورة متوازنة بعيدة عن “التفكير بالرغبة”، ويمكن رصد عدد من الاتجاهات لكل طرف لتقييم الوضع بشكل عام:

أولا: روسيا: يبدو ان الوضع الروسي طبقا للمعطيات المتوفرة هو على النحو التالي:

أ‌- يبدو ان الروس يراهنون على ” ان الاحتفاظ بالمنطقة التي يسيطرون عليها حاليا هو امر ممكن”، وتبلغ مساحة المنطقة حوالي 120 الف كم2، خسروا منها في الايام القليلة الماضية حوالي 6.7% مما سيطر عليه الروس منذ نهاية فبراير من هذا العام ،

ب‌- يبدو ان اغلب التحليلات الروسية تشير الى أن الرهان الروسي هو على فصل الشتاء القادم، نظرا لازدياد الطلب على الطاقة في اوكرانيا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام من ناحية ، ونظرا لتركيز الروس على تدمير او ضرب كل المنشآت الاوكرانية ذات الصلة بالطاقة، مما يزيد الامور تعقيدا في وجه القيادة الاوكرانية، ذلك يعني ان الروس سيواصلون القتال لكي لا تفوتهم فرصة تحقيق بعض الانجازات خلال الشتاء، ونظرا لمشكلة الطاقة في اوكرانيا ، فان التقديرات المختلفة ترجح ان يضاف الى ال6.7 مليون لاجئ اوكراني منذ الحرب ما يعادل 2 مليون لاجئ اوكراني جديد قد تكون وجهة اغلبهم هي بولندا.

ت‌- من الواضح ان روسيا لن تتراجع عن موضوع فصل دونباس عن اوكرانيا ، مع احتمال الاعلان عن استفتاء على الانضمام لروسيا،لكن روسيا لن تعمل على التوسع اكثر من منطقة دونباس (الى جانب الاحتفاظ بالقرم).

ث‌- تحاول روسيا أن تعزز موقفها من خلال الاستغلال للمازق الغربي ، فمن ناحية لم يصل الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا نقطة التحول في المسار العام للمعركة ، كما أن حجم البيوت والمنشآت الاوكرانية التي تم تدميرها لا تعوضه المساعدات الغربية في ظل الاعداد الكبيرة من الاوكرانيين الذين يعيشون في مراكز ايواء مؤقتة ويحتاجون العون الدائم، ناهيك عن ان الحرب تثقل الميزانية الأوكرانية بحوالي خمسة مليارات دولار شهريا، وهو امر مرهق في ظل اقتصاد مشلول.

ج‌- الخلل الديموغرافي الاوكراني: تراجع عدد سكان أوكرانيا لعاملين هامين هما انخفاض نسب المواليد من ناحية ، والزيادة في معدلات الهجرة منذ 1993 واشتدادها بعد الحرب، وهو ما ادى لتراجع عدد سكان اوكرانيا من 52 مليون عام 1993 الى حوالي 42 مليون عام 2021، وهو مرشح لمزيد من التراجع بخاصة مع استمرار الحرب واشتداد ازمة الطاقة .

ح‌- المراهنة الروسية على تحولات الراي العام الاوروبي : تشير استطلاعات الراي الغربية الى تباين واضح في مستويات التاييد لاوكرانيا بين مواطني اوروبا، فنجد مثلا ان اعلى تاييد لاوكرانيا هو في رومانيا و وبولندا وايطاليا، تليها وبنسبة اقل كل من فرنسا والمانيا وبريطانيا، بينما يضعف التأييد بشكل واضح في فنلندا والسويد ، وتراهن روسيا انه كلما طالت الحرب فإن التأييد الشعبي الاوروبي لأوكرانيا سيتراجع ،ويرى حاليا 42% من الاوروبيين ان حكومات بلادهم مهتمة اكثر من اللازم باوكرانيا.

ثانيا: الغرب وأوكرانيا: يراهن الغربيون على :

أ‌- تزايد الخسائر البشرية بين القوات الروسية ، وطبقا لعدد من المراجع فان معدل القتلى اليومي في القوات الروسية يصل الى حوالي مائة قتيل يوميا، ناهيك عن الخسائر المادية بخاصة في المعدات العسكرية.

ب‌- ان تزايد المستوى التقني للاسلحة الغربية التي يتم تزويد اوكرانيا بها بدأ يساعد القوات الاوكرانية على ضرب المراكز الحساسة للقوات الروسية وبخاصة مواقع التمركز الهامة، واصبح العمل الاوكراني يميل نحو شكل من اشكال الاستنزاف للقوات الروسية.

ت‌- يراقب الاوكرانيون تداعيات ما جرى في الايام الاخيرة من خسارة روسيا لبعض المواقع ، فاذا تم اجراء تغيير في القيادات العسكرية الروسية من مستوى وزير الدفاع او بعض القيادات العليا ،فان ذلك يعكس ان تقدير الروس للخسارة اكبر من الحجم الذي يحاول الاعلام الروسي غرسه في العقول.

ث‌- رغم الحصار الشديد والواسع على روسيا بخاصة في الجانب الاقتصادي، فان الرهان على تغيير القيادة الروسية لهذا السبب امر لا يميل له الباحثون الأكثر موضوعية.

ثالثا: انعكاسات البيئة الدولية: كل تطور استراتيجي في البيئة الدولية سيترك أثرا على هذا الطرف او ذاك، واهم ما يبدو في الفترات القادمة:

أ‌- احتمالات تصاعد الخلاف الامريكي الصيني حول تايوان وبخاصة خلال الفترة بين شهري أكتوبر ونوفمبر من هذا العام، بعد ان يعلن الحزب الشيوعي الصيني استراتيجيته للتعامل مع ازمة تايوان.

ب‌- استمرار الازمة الاقتصادية وازمة الطاقة واستمرار انهيار اسعار اليورو والاسترليني وتفاقم التضخم والاسعار والبطالة…الخ.

ت‌- تصاعد التهديدات المتبادلة بين اسرائيل وايران في حالة فشل الوصول الى اتفاق نووي، وهو ما قد يزيد سوق الطاقة والغذاء تأزما والاختناق الاقتصادي عسرا.

في ظل كل هذا ، سيترتب على نتائج الحرب الاوكرانية انعكاسات على بنية النظام الدولي ..فمن سيقتنص فرصة التحول ؟

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى