دراسات سياسية

أمريكا أعطت بوتين سوريا فعلياً وإسرائيل “لا تستبعد” إقامة علاقات مع الأسد ؟

-المركز الديمقراطي العربي

بدعم من روسيا، أحرز الجيش السوري تقدما في جنوب غرب البلاد وصار على أعتاب القنيطرة الخاضعة لسيطرة المعارضة والمتاخمة لهضبة الجولان السورية التي تحتلها إسرائيل. وأثارت هذه المكاسب قلق إسرائيل من محاولة الأسد نشر قوات الجيش السوري هناك في تحد لاتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم بين إسرائيل وسوريا عام 1974 ويحظر أو يفرض قيودا على الحشد العسكري من الجانبين حول الجولان.

أبقت إسرائيل يوم الثلاثاء على احتمال إقامة علاقات في نهاية المطاف مع سوريا في ظل رئاسة بشار الأسد مشيرة إلى التقدم الذي تحرزه القوات الحكومية السورية في الحرب الأهلية المستمرة منذ سبع سنوات والتي توقع مسؤولون إسرائيليون في بدايتها أن تطيح بالأسد.

وأجرت سوريا تحت حكم عائلة الأسد مفاوضات مباشرة مع إسرائيل في الولايات المتحدة عام 2000 ومحادثات غير مباشرة بوساطة تركية عام 2008. وارتكزت تلك المناقشات على احتمال تسليم إسرائيل لكل مناطق الجولان التي احتلتها عام 1967 أو جزء منها.

لكن لم يوقع الجانبان أي اتفاقات. وبعد اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، توقع مسؤولون إسرائيليون، ومنهم وزير الدفاع السابق إيهود باراك، سقوط الأسد في غضون أسابيع. لكن دفة الحرب اتجهت لصالح الأسد عام 2015 حين تدخلت روسيا عسكريا لمساندته. كما أرسلت إيران وجماعة حزب الله اللبنانية تعزيزات إلى سوريا.

ورغم تبنيها رسميا موقفا محايدا من الحرب الأهلية السورية فإن إسرائيل شنت عشرات الضربات الجوية ضد ما تشتبه بأنها عمليات انتشار أو نقل أسلحة يقوم بها حزب الله أو إيران داخل سوريا وهو ما تعتبره إسرائيل خطرا أكبر من الأسد نفسه. وحذرت إسرائيل الأسد من مغبة دعم هذه العمليات.

يستعد الرئيس السوري بشار الأسد للقضاء على المعارضة في البقعة التي انطلقت منها أول شرارة للانتفاضة على حكمه قبل أكثر من سبع سنوات مع بدء المعارضين في درعا محادثات مع حلفائه الروس بشأن الانسحاب أو قبول عودة سلطة الدولة.

وسيطرت القوات الحكومية، بدعم روسي، على أغلب محافظة درعا في إطار حملة بدأت الشهر الماضي. وطوقت القوات الاثنين الأجزاء التي تسيطر عليها المعارضة في مدينة درعا واستعادت منطقة الحدود مع الأردن التي كانت المعارضة تسيطر عليها.

واستعاد الأسد الآن مساحات كبيرة من أراضي البلاد بمساعدة حاسمة من حلفائه الروس والإيرانيين بعد أن كان نفوذه لا يمتد سوى على نسبة ضئيلة من أراضيها. وشهدت درعا بداية الاحتجاجات المناهضة للأسد التي تحولت إلى حرب أهلية يقدر حاليا أنها أودت بحياة نحو نصف مليون شخص. ودفع الصراع أكثر من 11 مليون للفرار من ديارهم لجأ 5.6 مليون منهم لدول مجاورة ولجأ كثيرون غيرهم إلى أوروبا.

وفي مقال نشرته “واشنطن بوست” حول اعطاء أمريكا لبوتين سوريا حيث يتساءل “دينيس روس” وهو زميل بارز في معهد واشنطن، ماذا بقي لترامب أن يقول؟ ويقول الباحث :

إن القيام بالشيء نفسه مراراً وتكراراً وتوقّع نتيجة مختلفة قد لا يستوفي التعريف السريري للجنون، لكنه لا يزال معياراً جيّداً. ويحدث أيضاً أنّ تنطبق هذه الظاهرة على مقاربات الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترامب فيما يتعلق بالتعامل مع روسيا بشأن الحرب الأهلية في سوريا.

فقد أصدرت كل من واشنطن وموسكو على نحو متكرّر بيانات مشتركة تحدّد مبادئ التصدي للصراع والتقليل من عواقبه الإنسانية المروّعة. لكن الروس تخاذلوا مراراً وتكراراً عن الوفاء بالتزاماتهم.

لننظر في السجل. في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، توصل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى اتفاق حول مبادئ فيينا. ودعيا إلى وقف الأعمال العدائية، ورفع الحصار عن جميع المدن، وتوفير الغذاء والأدوية والمواد الإنسانية الأخرى دون عوائق، وصياغة دستور في غضون ستة أشهر، وعملية انتقال سياسي خلال 18 شهراً. وفي كانون الأول/ديسمبر 2015، تمّ تكريس هذه المبادئ في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. لكن نظام الرئيس السوري بشّار الأسد انتهك بشكل صارخ جميع هذه الشروط. فلم يرفع أي حصار ولم يسمح بمرور الإغاثة الإنسانية دون عوائق.

كما أن الرّوس لم يفعلوا شيئاً [في هذا الصدد]. وعلى الرغم من أن الأسد والروس قاموا أخيراً بتنفيذ قرار وقف إطلاق النار بعد مرور شهرين، إلا أنه انهار بحلول نيسان/أبريل 2016 مع استئناف نظام الأسد هجومه ضد الأهداف المدنية، وتشديده بشكل خاص على استهداف المستشفيات. وكما هو الحال في استخدامه للأسلحة الكيميائية، قام الأسد بضرب المستشفيات ليُظهِر أنّه لن يتقيّد بأيّ حدود. فلم يبقَ أمام كيري خيار آخر سوى إدانة هجمات الأسد وتوجيه نداء أليم إلى موسكو لكي تتصرّف وفقاً للمسؤولية المنصوص عليها في قرار كانون الأوّل/ديسمبر 2015.

وقال: “وقّعنا جميعاً على الاتفاق نفسه، ودعمنا جميعاً قرار مجلس الأمن نفسه رقم 2254 الذي يدعو إلى وقف الأعمال العدائية على صعيد الوطن”، مضيفاً أن القرار “يدعو إلى تقديم المساعدات الإنسانية بالكامل على صعيد الوطن وإيصالها إلى جميع أنحاء سوريا”.

إنّها كلمات واضحة، ولكن دون عواقب. لذلك ليس من المستغرب أن تذهب دعوات كيري أدراج الرياح. وبحلول خريف عام 2016، حاول مرّةً أخرى التوصل إلى اتفاق حول مركز عمليات مشترك مع الروس على أمل الحد من العنف وجعل العملية السياسية ممكنة. لكن مساعيه أُحبطَت مرّةً أخرى، بإعلانه أن لديه “شكوك عميقة حول ما إذا كان بإمكان روسيا ونظام الأسد الوفاء بالالتزامات التي وافقا عليها في جنيف أم سوف يفيان بها”.

وجاء الرد الروسي من خلال شنّ هجوم على حلب وفقاً لسياسة الأرض المحروقة، الأمر الذي حوّل النصف الشرقي من المدينة إلى أنقاض – بعد أن كانت المدينة الأكبر في سوريا في ذلك الحين، مما أدى إلى إنهاء جهود كيري.

ثمّ قام ترامب بمحاولاته الخاصة لإحراز تقدم مع الروس. فعلى هامش قمّة “مجموعة العشرين” التي عُقِدَت في ألمانيا في تموز/يوليو 2017، أبرم مع بوتين اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا. ثمّ اجتمع ترامب ثانية مع بوتين في “قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ” التي انعقدت في فيتنام في تشرين الثاني/نوفمبر، وأصدرا بياناً مشتركاً آخر بشأن سوريا.

وشدّد ذلك البيان على “أهمية مناطق وقف التصعيد كخطوة مؤقتة للحد من العنف في سوريا، وفرض اتفاقيات وقف إطلاق النار، وتيسير وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وتهيئة الظروف للحل السياسي النهائي للصراع” على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254.

  • كيف تصَرّف الروس بعد ذلك؟

من خلال تعاونهم مع نظام الأسد والإيرانيين، قاموا بشن حملات عسكرية أدت إلى تدمير ثلاث من مناطق وقف التصعيد الأربع وتهجير أهلها. أمّا المنطقة الرابعة التي كان قد اتفق عليها ترامب وبوتين في جنوب غرب سوريا، فظلّت هادئةً، الأمر الذي أدى إلى إطلاق العنان لنظام الأسد ومؤيديه الروس لشن هجوم على مناطق أخرى.

وفي الآونة الأخيرة، حوّل الأسد والروس انتباههم إلى جنوب غرب سوريا، وقاموا بقصف تلك المنطقة بلا هوادة. وفي 21 حزيران/يونيو، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بياناً صريحاً حذّرت فيه نظام الأسد والحكومة الروسية من “تداعيات خطيرة لهذه الانتهاكات”. وقد كثف الرّوس قصفهم، مما أدى إلى تدفق جديد للاجئين مع فرار أكثر من 270,000 شخص إلى الحدود الأردنية والإسرائيلية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل واجهت موسكو أي “تداعيات خطيرة”؟ الجواب: كلا- فقط سعي الرئيس الأمريكي لعقد قمّة مع بوتين.

لم يكن كل من أوباما وترامب على استعداد لفرض أي عواقب على الروس. فقد أراد كلاهما الخروج من سوريا، وليس التورط فيها. وسمح كلاهما لبوتين بأن يصبح الحَكَم على الأحداث. فما الذي يجب أن يفعله ترامب إذاً عندما يجتمع ببوتين في هلسنكي في 16 تمّوز/يوليو؟

في الواقع، يتعيّن عليه تحويل الضرورة إلى منفعة ونقل النقاط التالية: إنّ الولايات المتحدة ستحافظ على وجودها الصغير في سوريا إلى أن يختفي تنظيم «الدولة الإسلامية»، وإنّ ترسيخ إيران المستمرّ في سوريا سيؤدي إلى حرب أوسع نطاقاً بين إسرائيل والإيرانيين إذا لم يتمّ احتواؤه، وأن الولايات المتحدة ستدعم الإسرائيليين بشكل كامل، مما يجعل من مصلحة بوتين وقف توسّع الإيرانيين ووكلائهم في سوريا ومنع حصول تصعيد إقليمي كبير. وحتى بإمكان ترامب أن يقترح قيام الرّوس بالتوسّط في وضع مجموعة من الخطوط الحمراء بين الإسرائيليّين والإيرانيّين في سوريا.

وبالفعل، قد يطلب الرئيس الأمريكي من بوتين أن يكون قناته إلى الإيرانيين. فإلى جانب الحد من احتمالات الحسابات الخاطئة مع طهران، فإن ذلك قد يمنح بوتين حصةً في التنسيق مع واشنطن بشأن إيران. فبعد أن سلّمت الولايات المتحدة سوريا بالفعل إلى روسيا، يؤكد لنا التاريخ أنه من غير المرجّح أن تحقّق واشنطن أكثر من ذلك.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى