دراسات أمنية

ابنة الكسندر دوغين : مروحة الاحتمالات


وليد عبد الحي
من يقف وراء اغتيال داريا (Darya) ابنة الفيلسوف الروسي الكسندر دوغين ؟ سؤال يغامر من يحاول اجابته لان الامر فيه ملابسات كثيرة وخصوم كُثْر وشح في المعلومات، لكني شغوف بالمغامرة المستقبلية ،فان فشلت سأتعلم من فشلي وأن اصبت يكفيني أجر المحاولة ..
لكني اود التوقف أولا عند بعض الملاحظات الخاصة بالاغتيال:
أ‌- التقارير الروسية ان السيارة التي انفجرت هي سيارة الاب لا سيارة الابنة.
ب‌- ان دوغين الذي كان مقررا ان يقود سيارته غير رأيه في اللحظة الاخيرة وقادت ابنته السيارة، فهل تم ذلك لظرف اجتماعي خاص ام ان دوغين تلقى تحذيرا امنيا في اللحظة الاخيرة، وهنا كان يمكنه تحذير ابنته ايضا، وهو ما لم يحدث ؟ هل نسي؟ ام ماذا؟
ت‌- هل يعقل ان سيارة لأهم مستشاري بوتين في الوسط الاكاديمي ان تكون دون حراسة او مراقبة او في مكان لا يخضع للتفتيش قبل الوصول له بخاصة في ظروف تمر فيها روسيا جد حرجة؟
اعود الان للائحة المتهمين من وجهة نظري:
المتهم الاول: جهة يهودية :
رغم خطورة انعكاس الأمر على العلاقات الروسية الاسرائيلية في حال انكشف المستور، إلا ان مراجعة العلاقات الروسية الاسرائيلية في ضوء الحرب الاوكرانية من ناحية والتحذيرات الروسية من استمرار الهجمات الاسرائيلية على سوريا والتي لم تعرها اسرائيل أي عناية حتى الان من ناحية ثانية، كما أن المواقف الاسرائيلية بشكل عام والمنحازة للغرب على حساب روسيا ، ادى بروسيا الى اتخاذ اجراء محدد هو ” تعليق عمل الوكالة اليهودية في روسيا” منذ 21 يوليو 2022، وبررت المحكمة الروسية وقف عمل الوكالة لانها ” تقوم بجمع المعلومات عن المواطنين الروس”، وهو ما أكدت مضمونه صحيفة الجيروزلم بوست الاسرائيلية.
ومعلوم ان المهمة المركزية للوكالة اليهودية منذ تاسيسها عام 1929 هو تشجيع اليهود في كل دول العالم على الهجرة الى فلسطين المحتلة، وقد استعادت الوكالة نشاطها في روسيا تحت اسم” Sohnut” منذ 1989 بعد ان اصبح الاتحاد السوفييتي على وشك الانهيار، وتمكنت بعدها هذه الوكالة من تأمين هجرة اكثر من مليون يهودي الى اسرائيل.
ولعل قراءة لرد الفعل الاسرائيلي على القرار الروسي بوقف عمل الوكالة كان واضحا في دلالاته، وهذه بعض المؤشرات:
أ‌- مغادرة الحاخام الاكبر ليهود روسيا وهو الحاخام بنحاس غولدشميدت(Pinchas Goldschmidt) موسكو بحجة انه ” يرفض تاييد الحرب الروسية في اوكرانيا “.
ب‌- وصف وزير شئون الشتات الاسرائيلي نخمان شاي(Nachman Sphai ) القرار الروسي بخصوص الوكالة بقوله ” لن يبقى اليهود الروس رهائن في روسيا ، وان معاقبة الوكالة اليهودية على موقفها من الحرب الاوكرانية هو عمل ” عدواني مؤسف”.
فإذا علمنا بان تاريخ الحركة الصهيونية مليئ بالتقارير الموثقة عن قيام الصهيونية بعمليات التفجير في دول مختلفة بخاصة التي فيها اعداد كافية من اليهود لدفعهم للهجرة الى فلسطين المحتلة( وقد سبق لنا ان نشرنا وثائق رسمية بريطانية والمانية عن مثل هذه التفجيرات في العراق ومصر …الخ في دراسة لنا منشورة في مركز الزيتونة في بيروت ويمكن العودة لكتاب مناحيم بيغن ” التمرد” بخصوص هذه النقطة)، فان ذلك يستدعي استحضار هذه الذاكرة التاريخية بخاصة:
أ‌- ان عدد اليهود في روسيا(ممن هم من اب وأم يهودية) هو حوالي 180 الف يهودي، وان اليهود ممن يحق له الانتفاع بقانون العودة الاسرائيلي(يهود الام أو الأب او احد الجدود) يصل الى حوالي 570 الف يهودي، وهي ارقام مغرية في ظل التوسع المتزايد في بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.
ب‌- ان الترويج الأوكراني والغربي عن استهداف روسيا لمنشآت نووية يستهدف في “احد” جوانبه تعميق المخاوف اليهودية من تبعات اي تسرب اشعاعي نووي وبالتالي التفكير في الهروب نحو اسرائيل.
ت‌- ان تكرار الهجمات على الروس في القرم، وتكرار اغتيال عدد من القادة الروس الميدانيين بتفجير سيارتهم في المناطق التي احتلتها روسيا في الحرب الاخيرة او في روسيا ذاتها يعزز من النزوع للهجرة من اليهود الروس، بل ان مثل هذه العمليات –وعملية اغتيال ابنه دوغين- تعزز ما يروجه مسئولو الأجهزة الامنية الأوكرانية مثل الناطق باسم مديرية الاستخبارات العسكرية الاوكرانية اندرية يوسوف(Andrii Yusov) الذي يرى أن ” روسيا تتآكل من الداخل في الطريق للانهيار” وهو ما يخلق بيئة طاردة لليهود من روسيا.
ث‌- منذ بداية الحرب الاوكرانية كان الشاغل الاول للوكالة اليهودية هو تأمين تهجير يهود اوكرانيا وما تبقى من يهود روسيا ، وبدأت بالتنفيذ فورا، ووصل عدد المهاجرين اليهود من البلدين منذ بداية الحرب الى اكثر من 31 الف يهودي منهم حوالي 12 الف من اوكرانيا وحوالي 19 الف من روسيا.
المتهم الثاني: اجهزة الاسنخبارات الأوكرانية وتوظيفها لفكرة الصراع الداخلي الروسي :
فالى جانب مبررات الحرب وعمق الخوار الاوكراني واحتلال مساحات واسعة من اوكرانيا ، تميل بعض اجهزة المخابرات الأوكرانية الى نقل الاضطراب بأي شكل من الاشكال الى روسيا ذاتها، ولعل اختيار هدف مثل دوغين او ابنته هو هدف له قيمة معنوية كبيرة بحكم المكانة التي يتمتع بها الكسندر دوغين كاحد ابرز الفلاسفة الروس والاكثر فربا من بوتين، وهو امر يرفع بعض الشيء من معنويات الاوكرانين لتعزيز فكرة اخرى او زرع هذه الفكرة من أن الخلاف قد نشب بين اشخاص صنع القرار الرسمي او بينها وبين النخبة غير الرسمية في روسيا، مع ملاحظة ان هناك علاقة بين مكانة المنطقة(أودينتسوفو-Odintsovo) التي وقع فيها اغتيال ابنة دوغين ومستوى التأييد لسياسات بوتين.
ومعلوم ان دوغين معروف بتأييده لاستعادة المجد الروسي ولو على حساب الجوار بما فيه اوكرانيا وعلى اسس عرقية ومذهبية، وهو امر تشاطره فيه ابنته فهي لا تخفي موقفها كما يتضح من منشوراتها على موقع “United World International” الذي تراست تحريره ، حيث عبرت عن تاييدها التام لضم اقليم دونباس لروسيا وعلى اسس عرقية ومذهبية
المتهم الثالث: اجهزة غربية بخاصة امريكية وبريطانية:
معلوم أنه منذ شهور وضعت بريطانيا وامريكا الكسندر دوغين وابنته على لائحة الحصار ، وهو امر وصفته الابنة قائلة ” انها فخورة انها ووالدها على قائمة المقاطعة الغربية” ، مع ان والدها موضوع على قائمة المقاطعة منذ 2015 بعد ضم روسيا للقرم وتاييد دوغين للخطوة.
ورغم بعض التساؤلات في عدد من المواقع الالكترونية والاعلامية عن احتمال ان تكون السي آي ايه تقف وراء العملية ، فان المصادر الرسمية لم تعط رايا باستثناء اشارات لموقف دوغين وابنته من الحرب الاوكرانية، الى حد اتهام احد المواقع المعنية بحقوق المرأة(RINJ Women) المخابرات الامريكية على اساس أن ” امراة تعرفت على اشخاص شاهدتهم في السفارة الامريكية في موسكو هم من قام باجراء بعض التعديلات ” adjustments) على سيارة ابنة دوغين.
لكن لبريطانيا مواجهة امنية سابقة مع روسيا ، فعند مقتل العميل المزدوج (Sergei Skripal) وابنته Yulia ( عام 2018 ) في بريطانيا نشبت ازمة بين البلدين دفعت بوريس جونسون الى اتهام روسيا وبوتين بانهما وراء مقتلهما، وقد تكون العملية انتقاما واستغلالا للظروف التي تمر بها روسيا.
ما هو الارجح ؟
اعتقد ان المستفيد الاكبر من العملية هم الوكالة اليهودية في روسيا تليها المخابرات الأوكرانية ، ولا استبعد التعاون الاوكراني الاسرائيلي في الامر…فتش عن المستفيد الاكبر…
ولكن هل هناك احتمالات أخرى..ربما ، وقد يكون الامر شخصيا…رغم ضعف الاحتمال.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى