الإدارة العامة المقارنة

بقلم  

المقدمة:
كل مجتمع في يومنا هذا يزخر بالمنظمات التي تسعى لتنظيم أعمالها و تحقيق الأهداف التي أنشأت من أجل تحقيقها، و نجاحها أو فشلها في تحقيق ما تصبو إليه يتوقف على نوعية الأداء الإداري و فعاليته و مقدرة قادتها على تحديد الأهداف التي تلبي رغبات المجتمع و خلق أنظمة جديدة تمكنها من تجنيد الموارد البشرية و المادية و لذلك كان لابد من دراسة النماذج و التجارب الناجحة لتطوير علم الإدارة العامة و بالتالي تطوير الإدارة العامة المقارنة و بذلك تحويل نظم الإدارة العامة من منظور جزئي إلى منظور كلي يحلل بناء المجتمع ككل و تفاعلاته مع نظامه الإداري و ذلك من أجل فهم الإدارة في بيئات مختلفة و متنوعة و هذا ما فيه إثراء للمعارف الإدارية.
و لذلك إرتأينا اختيار هذا الموضوع الذي يتناول دور الإدارة العامة المقارنة في تدعيم دراسات المناطق، و كذلك تدعيم الإدارة العامة بالتنظير العلمي لتحقيق الإستفادة من الرؤى الجديدة في الأهداف التطبيقية.
و لهذا الغرض انتهجنا المنهج الوصفي التحليلي الذي يساعد على عرض المعلومات وفق التسلسل التاريخي و المراحل التي مرت بها الإدارة العامة المقارنة، و من هذا المنطلق تتولد الإشكالات التالية:
ما طبيعة الإدارة العامة المقارنة؟ و هل هي فرع علمي قائم بذاته ام أنها لا تعدو أن تكون طريقة منهجية؟
و للإجابة عن هذه التساؤلات اعتمدنا على خطة ثلاثية المباحث فقد جاء المبحث الأول تحت عنوان “ماهية الإدارة العامة المقارنة” لينطوي تحته مطلبين المطلب الأول المعنون ب ” تعــريف الإدارة العـامة المقارنـة “و المطلب الثاني تحت عنوان ” أهــداف الإدارة العامـة المقـارنـة” ليأتي المبحث الثاني تحت عنوان “تــطـور الادارة العامــة المقارنة و استراتيحيتـها” ليندرج تحته مطلبين تحت عنوان “تطـور الإدارة العامــة المقارنـة” و “استـراتيجيتـها”، أما المبحث الثالث فقد عنواناه ب “مشكـلات الإدارة العامـة المقارنـة و آفاقـها” ليأتي المطلب الأول “مشكـلات الإدارة العامة المقارنة” و المطلب الثاني “آفاق الإدارة العامـة المقارنـة”

المبحث الأول: ماهية الإدارة العامة المقارنة
المطلب الأول : تعريف الإدارة العامة المقارنة
يستخدم العلماء و بعض كتاب الإدارة العامة للتعبير عن المقارنة عدَة مصطلحات منها: الإدارة المقارنة، الدراسة المقارنة للإدارة، المنهج المقارن، التحليل المقارن، المدخل المقارن و المدخل البيئي المقارن، و بذلك هم يعنون أن الإدارة العامة المقارنة هي فرع من علم الإدارة العامة يتناول دراسات في البيروقراطية و الخدمة المدنية و إدارة التنمية و إدارة المؤسسات العامة و الأدارة المحلية و بذلك هي دراسات تطبيقية تتجاوز حدود بلد معينة و لا تنصب على بلد بمفرده حيث تقوم بالمقارنة بين الدول حتى أنها تقوم بدراسات مقارنة في المجتمع الواحد على إعتبار أن هنالك تباين و إختلاف في العناصر و القوى البيئية حتى في الدولة الواحدة.
أما إذا انتقلنا للحديث عن مصطلحي الدراسة المقارنة للإدارة العامة و المنهج المقارن للإدارة العامة فإننا نجد أنهما يعبران عن الطريقة المنهجية المتبعة في البحث كتناول عدَة أنظمة إدارية و القيام بتطبيق المقارنة بينها لإظهار أوجه الشبه أو الخلاف بينها بهدف التوصل إلى مقترحات لتطوير هذه الاأنظمة أي أن المقارنة لا تعدو أن تكون مجرد طريقة مطبقة في مجل الإدارة العامة.
أما مصطلح المدخل البيئي المقارن فيعبر و يبرز أهمية البيئة أو المحيط الخاص بالأنظمة الإدارية في عملية المقارة أي أن أنظمة الإدارة العامة هي وليدة بيئتها أي أنه من غير الممكن نقل نظام إدارة عامة ناجح في مجتمع معيَن إلى مجتمع آخر يختلف عنه لتحقيق نفس النجاح في المجتمع الثاني (1) و بذلك فهو يسعى لدراة المتغيرات البيئية بغرض إعادة بناء أنظمة للإدارة العامة في هذه المجتمعات لتكون أكثر ملائمة للواقع و بالتالي فعالَة و ناجحة.
و الإختلاف هنا بين المصطلحات ليس خلافا على الألفاظ و لكن الخلاف حول طبيعة الإدارة العامة المقارنة فمنهم من يرى أنَها علم قائم بذاته و منهم من يرى أنها لا تعدو أن تكون طريقة منهجية يتوصل من خلالها الباحث إلى نتائج معينة ضمن بحث مقارنة في التنظيم الإداري و بذلك فإن نتئج بحثه ستلحق بفروع الإدارة العامة حيث نجد أنَ الدكتور عبد المعطي محمد عسَاف يتعامل مع الإدارة العامة المقارنة على أنها مقارنة تعنى

(1) عاشور، أحمد صقر، الإدارة العامَة مدخل بيئي مقارن، بيروت: دار النهضة العربيَة، 1979. ص51.
بدراسة مقارنة لظاهرة الإدارة العامة أي اخضاع أيَ ظاهرة إدارية إلى المنهج المقارن (1).
و لكن من جهة أخرة يمكن إعتبار الإدارة العامة المقارنة علم قائم بذاته لأنَـه يعبَر عن مجموعة المعارف المتناسقة في موضوع
معين يتوصل إليها الباحث بإستعمال طريقة منهجية معيَنة (2)، و هذا ما يعني أنَ الإدارة العامة المقارنة هي (علم مناهج المقارن في نطاق الإدارة العامة) حيث أنها تعالج قواعد الطريقة المنهجية للمقارنة مطبقة على أنظمة الإدارة العامة بحيث يمكن قول أنص نطاق علم الإدارة العامة المقارنة يبدأ حيث ينتهي نطاق البحث في الطريقة المقارنة.

المطلب الثاني: أهداف الإدارة العامة المقارنة
-1-أهداف علمية أكاديمية
إنَ بناء علم الإدارة العامة يعتمد على النجاح في تكوين افتراضات و مفاهيم حول الإدارة التي تتجاوز الحدود لكل بلد حيث أشار(Robert Dahl) في مقالته المشهورة بعنوان “دراسة الإدارة العامة ” سنة 1947 إلى أنً دراسة الإدارة يجب أن تكون في مختلف دول العام و ذلك للوصول إلى أسس و قواعد عامة و مؤسسة للم الإدارة العامة أي أنَ البحث لا يجب أ يكون مقتصرا على بيئة إجتماعية بعينها لانً ذلك سيتولد عنه قواعد مفككة مثلما نقول: قواد الغدارة الأمريكية أو اليابانية أي عدم الووصل إلى علم للإدارة العامة.
و كمثال على ذلك الدراسة التي قدَمها (Fred Riggs) في المقارنة بين الإدارة العامة في المجتمعات الزراعية و الصناعية التي توصَل من خلالها إلى أنَ خصائص و هويَة نظام الإدارة العامة يختلف من مجتمع إلى آخـر،

(1) عساف، عبد المعطي محمد، النموذج المتكامل لدراسة الإدارة العامَة-إطار عام مقارن-، الأردن: شركة الفاهوم التجاريَة، 1982. ص58.
(2)بدوي، محمد طه، ، المنهج في علم السياسة، الإسكندرية: كليَة التجارة، 1979. ص115.

فالجهاز الحكومي في المجتمع الزراعي أو الصناعي هو محصلة تفاعل الأنظمة التي يتكون منها كل مجتمعه منهما و هذه الدراسة هي التَي فتحت المجال لدراسة أنظمة الإدارة في المجتمعات النامية بعدما كانت كلً الدراسات تدور حول المجتمعات الغربية المتقدمة.
-2-أهداف عمليَة تطبيقية
تهدف الدارسات الإدارية المقارنة لتطوير الأنظمة الإدارية لجعلها أكثر فعالية و التعرف على حلول أفضل لعديد من المشكلات الإدارية، فالدراسات المقارنة لأنظمة الإدارة العامة في الدول النامية تهدف إلى تطوير و تحديث الإدارة العامة لجعلها أكثر إمكانية و قدرة على القيام بمسؤولياتها في التنمية و يتحقق هذا الأمر كلَما كانت الدراسات متفهمة لبيئة المجتمعات أي تحليل البيئة السياسية و الثقافية و الإجتماعية و الإقتصادية للمجتمع الذي يراد تطوير أنظمة الإدارة العامة فيه (1).
• و هذا الأمر لا يعني أن هنالك فصل بين الأهداف العلمية و العملية ففي غالب الأحيان يترتب عن ظهور نظريات و نماذج للإدارة العامة ترتيب و تنظيم للمعارف الإدارية و بالتالي تطبيق هذه الرؤى على أرض الواقع و كمثال علىلد حركة الإدارة العامة الجديدة و دورها في إدخال العدالة الإجتماعية في الدراسات التطبيقة لتقييم الأجهزة الحكومية.

(1)عاشور، أحمد صقر، الإدارة العامَة مدخل بيئي مقارن، بيروت: دار النهضة العربيَة، 1979. ص51.

المبحث الثاني: تطوًر الإدارة العامة المقارنة و إستراتيجيتها
المطلب الأول: تطوَر الإدارة العامة المقارنة
ترجع الأصول التاريخية لهذه الدراسة إلى الدراسات المقارنة للأنظمة السياسية بحكم الإرتباط الوثيق للإدارة العَامة مع علم السياسة، و بالتالي ارتبطت الدراسات المقارنة بالتحليل المقارن لأنظمة الحكومات، فقد كان أرسطو أوَل من قام بدراسات مقرانة لأنظمة الحكم حيث تناول ما يناهز عن 150 دستور بحثا عن نظام الحكم الفاضل عملا أي النظام الذي يتلاءم مع واقع دولة المدينة اليونانية (1). و لكن البداية الحديثة للإدارة العامة المقارنة بدأت بإنفصال علم الإدارة عن علم السياسة و بالتلي انفصالها عن الحكومات المقارنة و لكن رغم هذا الإنفصال إلاَ أنَها تأثرت بهذه الدراسات و أخذت بعض سماتها. و يمكن تمييز مرحلتين في النشأة الحديثة للإدارة العامة المقارنة:
-1-المرحلة الأولى
تمتدَ هذه المرحلة من بداية ظهور الإدارة العامة المقارنة كنوع من الإدارة العامة حتى بداية الستينات و يمكن أن نطلق على هذه المرحلة مرحلة النهج التقليدي للدراسات الإدارية المقارنة، و أهم ما تميَزت به هذه المرحلة هو سيادة النظم الإدارية الغربية على البحوث المقارنة لأن معظم دول إفريفيا و آسيا و أمريكا اللاتينية كانت مستعمرة و بالتلي عدم القدرة على تطبيق البحث المقارن لأنَ هذه الدول كانت تفتقـد للهويَة السياسة و الإدارية.
و من أهَم الدراسات الإدارية المقارنة دراسة (H.Zink) الذي تناول طبيعة عمل نظام الحكم الأمريكي على مستوى الحكومة الأمريكية و الحكم المحلي و كذلك دراسة (روجيه جريجوار) عن الوظيفة العامة في فرنسا و التي أوضح فيها طبيعة الوظيفة العامة في النظام الإداري الفرنسي كمهنة تتميز بالدوام و الإستمرار (2).

(1)الأفندي، أحمد حامد، النظم الحكوميَة المقارنة، الكويت، وكالة المطبوعات، 1976. ص18.
(2)مهنا، محمد فؤاد، سياسة الإصلاح الإداري و تطبيقاتها في ضوء مبادئ علم التنظيم و الإدارة، القاهرة: دار المعارف، 1978. ص520.

ثمَ انتقلت الدراسات الأوروبية من دراة الأنظمة الإدارية بشكل منفرد إلى إجراء المقارنات بينها و ذلك بالتركيز على الشكل التنظيمي للتنظيمات الإدارية و الرقابة في النظام الإداري. و من هذا السياق يمكن القول أنَ رواد الإدارة العامة المقارنة في
الولايات المتحدة الأمريكية أمثال وودرو ويلسون و ايرنست فرويند اعتمدا على الخبرات الأروربية لتحسين الإدارة الأمريكية.
و غالبية هذه الدراسات كانت تتسم بالطابع القانوني أي تركَز على البناء الحكومي الرسمي كما أقامته نصوص الوثائق الدستورية و الساسية دون أن يشير إلى الواقع الفعلي و إيجاد علاج لمشاكل و قضايا التطبيق الإداري كالمركزية و اللامركزية، كما أنَ هذه الدراسات كانت وصفيَة أي لم يكون هنالك تحليل للمعطيات كتلك الدراسات التَي كرست لإجراء مقارنة بين عدد من دول إوروبا الغربية و لكن هذه الدراسات لم تكون تتضمن أيَة معايير لتحديد أوجه الشبه و أوجه الخلاف بين الأنظمة الإدارية.
-2-المرحلة الثانية
ما ميَـز هذه المرحلة هو ظور الدول النامية كمجموعة هامَة على مسرح المجتمع الدولي بعد حصول أغلبها على الإستقلال بحيث لم يعد من الممكن تجاهلها في الدراسات الإدارية المقارنة و هذا ما دفع المنشغلين بالإدارة العامة المقارنة لتوسيع نطاق الدراسة بعدما كان مقتصراً على النظم الإدارية الغربية و هذا ما ظهر جليَاً في كيفية تنفيذ الأمم المتحدة لبرامج المعونة الفنية، التي رأت أن نجاحها مرهون بمستوى الكفاءة الإدارية في كلَ دولة (1) أي القيام بدراسة أحوال اقتصاد كلَ دولة و أنظمتها الإدارية و هدا ما يعني تحليل بناء المجتمع و علاقات نظام الإدارة العامة فيه و تفاعله معها و هذا ما دعا له (John Gaus) الذي اهتم بالبيئة في دراسة الإدارة العامة بأي بلد ما حيث كان يرى أنَـه لا يمكن نقل قاعدة معيَنة من مجتمعها أي المجتمع الذي نشأت فيه و نمت إلى مجتمع آخر دون أن تطرأ عليها تغييرات و تفاعلات مع محيطها الجديد حيث إنَها ستأخذ شكلا مختلفا عمَما كانت عليه (2)
(1) درويش، عبد الكريم، و ليلى تكلا، أصول الإدارة العامَة، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصريَة، 1980. ص145.
(2) درويش، عبد الكريم، و ليلى تكلا، مرجع سابق، ص158.
و هذا ما يعني أنَ نجاح أي تنظيم إداري في دولة ما لا يعني بالضرورة أنَه سوف يصادف نفس النجاح و من الأمثلة على ذلك دراسة لوثر جولوك عن (إعادة تنظيم الإدارة الحكومية في مصر) و دراسة مصطفى الكثيري عن (الخصوصية التاريخية و الحضارية لبلدان المغرب العربي و دمى انعكاساتها على التنمية الإدارية) و على المستوى العربي ظهرت الدراسات الإدارية المقارنة بمنطقة الخليج العربي التي عززت هذه الجهود بإنشاء مجلس التعاون الخليجي سنة 1981 حيث أنها قامت بجمع المعلومات و القيام بمقارنات تشمل مختلف الشؤون الإقتصادية، الإجتماعية، الإدارية، السياسية و العسكرية.
أي انَه في هذه المرحلة انتقلت هذه الدراسة من التحليل الجزئي لنظم الإدارة العامة إلى تحليل بناء المجتمع ككل مع نظامه الإداري و الخروج من الطابع الغربي للدراسة إلى بيئات مختلفة.

المطلب الثاني: إستراتيجية الإدارة العامة المقارنة
-1-نموذج المقارنة
بـرز في الدراسات المقارنة عدد من النماذج المقارنة على أساسها و تستخدم هذه النماذج لجمع المعلومات و البحث و التحليل للوصول إلى النتائج، و من أشهر هذه النماذج نموذح (Fred Riggs) للإدارة العامة في المجتمعات الزراعية و الصناعية الذي يقوم على المقارنة بين أنظمة الإدارة العامة من منظور كلَي من خلال تفاعل بين الإدارة العامة و البئة و ذلك باتباع خمس متغيرات بيئية و هي: الأساس الإقتصادي، البناء الإجتماعي، النظام السياسي، الإطار العقائدي و نظام الاتصالات. بالإضافة إلى نموذج (Sutton) الذي صنَف فيه المجتمعات إلى مجموعات لكلَ خصائصها و التي برهن فيها أنَـه من خلال الصفات المجتمعية يمكن استقراء نظام الحكم، دون أن ننسى الدراسة التي قام بها (Sayre-Koufman) في مجل البيروقراطية حيث درس السلوك البيروقراطي و تفاعله مع البيئة السياسية و هذا النموذج أعطى دفعا و معلومات قيمة للدراسة التي أعدها أساتذة من جامعة إنديانا عن تركيا، مصر، فرنسا، بوليفيا، الفلبين و تايلند. و من هنا رأى (waldo) أنَ المشكلة الأساسية في بناء نماذج لدراسة الإدارة العامة المقارنة يكمن في اختيار نموذج عام يشمل الظاهرة الإدارية ككل (1).
(1)محمود، محمد فتحي، الإدارة العامَة المقارنة، الرياض، جامعة الملك سعود، 1405. ص48.
-2-الإطار النظري للمقارنة
مع تطـور علم الإدارة العامة تعددَت المداخل و المناهج المستخدمة في دراسة موضوعاتها من أهمها: المدخل القانوني، المدخل الوظيفي، المدخل السلوكي، المدخل البيئي و أحدثها حركة الإدارة العامة الحديثة.
-أ- المنهج القانوني:
الذي يقوم أساسا على تحليل أنظمة الترقية و الترفيع بين عدد من الدول و من الدراسات التي تعبَر عن هذا الإتجاه دراسة محمد أنس قاسم جعفر (نظم الترقية في الوظيفة العامة و أثرها في فاعلية الإدارة) و قام فيها بدراسة نظم الترقية في بعض التشريعات المقارنة و هي الولايات المتحدة الأمريكية و انجلترا و فرنسا و قد إختار هذه الدول على أساس أن أمريكا تمثل اتجاها في مجل التوظيف بصفة عامة و الترقية بصفة خاصة مغيراً لإنجلترا و فرنسا حيث درس الأحكام النظامية العامة للترقية و موانعها القانونية و اجراء الترقية من حيث السلطة المختصة و ما تثيره الترقية من إشكالات نظامية في التطبيق الإداري .
-ب- المنهج الوظيفي:
الذي يعتمد على التحليل المقارن للعملية الإداريَة بين عدد من المنظمات الحكومية في دول مختلفة، حيث يقوم بجمع المعلومات عن الوظائف الإداريَة في أداء هذه المنظمات و تأثير ممارستها لى الكفاءة و الفعاليَة الإداريَة دون أن يدرس البيئة الخارجية المؤثرة على هذه المنظمات و من أمثلة هذه الدراسات البحوث التي تصدرها المنظمة العربيَة للعلوم الإداريَة عن (أنظمة الإدارة العامَة في الدول العربيَة).
-ج- المنهج السلوكي:
الذي يقوم بالتخليل المقارن و بجمع المعلومات عن الأبعاد النفسيَة و الإجتماعيَة لأداء البيروقراطيَات المختلفة من حيث العوامل المحرَكة لسلوك الإفراد العاملين فيها و المتحكمة في إتخاذ القرارات بالإضافة إلى دراسة أنماط القيادة و أثرها على أداء و سلوك البيروقراطيَات.
-د-المنهج البيئي:
و لا يمكن أن تكون الدراسة كاملة إلاَ إذا عايشت الواقع أي تجمع المعلومات من واقع الممارسة الفعليَة و المؤثرات البيئيَة المؤثرة على الموضوع محلَ الدراسة مع الإستعانة ببعض الأدوات البحثيَة كالإستقصاءات و المقابلات.
-هـ-أفكار حركة الإدارة الحديثة:
يقوم هذا المنهج على أساس تقويم البرامج الحكومية في عدد من الدول كجمع المعلومات عن كيفيَة تحقيق الأجهزة الحكوميَة للعدالة في توزيع خدماتها على المواطنين بالإضافة إلى دراسة دور الدولة في توفير فرص العمل و مدى إتاحتها الفرصة لهم للمشاركة في إتخاذ القرارات الرئيسيَة.
-3-تحديد وحدة المقارنة
درج المهتمون بالإدارة العامَة المقارنة لفترة طويلة على إعتبار النموذج البيروقراطي وحدة الدراسة المقارنة (1)، و لكن مع السبعينات إحتلَت إدارة التنمية مكان الصدارة في هذه الدراسات و مصطلح إدارة التنمية (2) جلب انتباه قادة الدول النامية لما فيه من تسليط للضوء على مقاصدهم المتمثلة في تحقيق التنمية لبلدانهم، و لذلك كان لابدَ من تناول نظم إداريَة متعدَدة.

(1) درويش، إبراهيم، الإدارة العامَة نحو اتجاه مقارن، القاهرة: دار النهضة العربيَة، 1984. ص193.
(2) درويش، إبراهيم، مرجع سابق، ص189.

المبحث الثالث: مشكلات الإدارة العامَة المقارنة و آفاقها
المطلب الأول: مشكلات الإدارة العامَة المقارنة
يواجه التحليل المقارن مجموعة من المشاكل فكما سبق لنا و ذكرنا أنَ هذه المشاكل تتصل أساسا بمناهج و أدوات البحث الممقارن و الَتي تستخدم للتوَصل إلى دراسة مقارنة علميَة بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الماكل و في مقدمتها:
-1-المفاهيم
إنَ عدم دقَة المصطلحات يمثَل أحد جوانب الضعف الأساسيَة في البحث الإداري المقارن، حيث أنَه لا يوجد إتفاق بين الدارسين للإدارة العامَة حول معنى المفاهيم فعلى سبيل المثال: مفهوم البيروقراطيَة قد يعني النظام الإداري ككل، و قد يعني مجموع الإجراءات التي يجب إتباعها في مبارة العمل الحكومي، و قد تعني السلطة و النفوذ التي يمارسها الموظف العام (1) و مفهوم الحكومة الذي يشبر إمَا للسلطات الثلاث أو إلى السلطة التنفيذيَة وحدها. إضافة إلى أنَ المفاهيم الإداريَة غالبا ما تتغيَر فوظيفة الدولة لم تعد كما كانت في السابق.
و من المشكلات أيضا التي تواجه تحديد المفاهيم قضيَة الترجمة فبعض مصطلحات الإدارة العامَة من الصعب تعريبها لما يفقدها من دلالتها الحقيقيَة، و لحلَ هذه الإشكالات وجب التوجه إلى مفاهيم ذات مستوى عال من العموميَة كتعريف الحكومة بأنَها: (الأداة الرسميَة التي من خلالها يتم طرح و لورة و تنفيذ القرارات بشكل قانوني و قد قصد بهذا التعريف أن يكون شاملا ليحوي الدول كافَة كانت متطوَرة أو متخلَفة، ديمقراطية أو إستبدادديَة)(2). بالإضافة إلى ضرورة تنويع المجتمعات التي تكون هدفا للدراسة المقارنة.
-2-جمع المعلومات
تعتمد الدراسة المقارنة على معلومات مباشرة و غير مباشرة، فالمعلومات المباشرة مصادرها الإستبيان، المقابلة و الملاحظة و لكن هذه الأدوات غالبا ما تواجه صعوبات منها أنَه غالباً ما تحيط بهذه الأمور السريَة لا سيما في
(1) درويش، إبراهيم، الإدارة العامَة نحو اتجاه مقارن، القاهرة: دار النهضة العربيَة، 1984. ص190.
(2) درويش، عبد الكريم، و ليلى تكلا، أصول الإدارة العامَة، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصريَة، 1980. ص162.
الدول النامية، كما أنَه في حالة الإستبيان تثار مشكلة إختيار العيَنة و الدقَة في إعداد و تطبيق الإستبيان و عدم تجاوب أفراد العيَنة في الإجابة على الإستبيان.
أمَا مصادر المعلوات غير المباشرة تتمثل في الإحصاءات الرسميَة و الوثائق و لكن هذه المصادر لا يعوَل عليها كثيراً لأنَها لا تحاكي واق الممارسة الفعليَة و تركَز على الأوضاع الرسميَة.
-3-تداخل النظام الإداري مع الأنظمة الأخرى
إنَ تداخل الأنظمة الإدارية مع أنظمة أخرى كالنظام السياسي يجعلها كفرع في إطاره حيث أنَه من الصعب الفصل بين الإدارة و السياسة و فهم واحدة دون الأخرى، و هذا ما يظهر عند محاولة المقارنة بين الأنظمة الإداريَة المختلفة حيث أنَ هذه المقارنة يجب أن تنطلق من الفهم بأن الإدارة ليست إلاَ جزءاً من عمليَات النظام السياسي (1)، و هذا ما يعني أنَ دراسة الإدارة العامَة المقارنة متصل اتصَالا مباشراً مع الدراسات السياسيَة المقارنة للأنظمة السياسيَة و هذا ما يعرقل عمل الباحثين للتوصَل إلى مقارنات محددَة و دقيقة لهذه الظاهرة.
-4-موضوعيَة الباحث
تقوم موضوعيَة الباحث إمَا بأنَه يكتب عن أوضاع معيَنة في مجتمعه أو أنَه قد يكون مدفوعا بمصلحة ما تخَصه شخصيَاً أو تخَص مجتمعه (2) و ذلك ما يلاحظ من عدم نقد الباحثين لأنظمتهم في الدراسات التي يقومون بها، و حتَى و إن كانوا حياديين و يقومون ببحث يدرس بلداً غير بلدهم و نظاماَ لم ينشأوا عليه فإنهم سيكونون أمام أوضاع لا يستطيعون أن يحيطوا بها لأنَها ليست بيئتهم بما فيها من عقائد و معتقدات و قيم و تنظيمات غير رسميَة تؤثر على أوضاعها الإداريَة.

(1)عساف، عبد المعطي محمد، النموذج المتكامل لدراسة الإدارة العامَة-إطار عام مقارن-، الأردن: شركة الفاهوم التجاريَة، 1982، ص62.
(2)غرايبية، فوزي و آخرون، أساليب البحث العلمي في العلوم الإجتماعية و الإنسانية، عمان، 1981، ص18
المطلب الثاني: آفاق الإدارة العامَة المقارنة
هنالك عدَة موضوعات بدأت الآن تشغل بال المهتمين بالإدارة العامَة المقارنة
-1-تعيين الحدود
ربَما لا زال لحدَ الآن الخلاف قائما حول الحدود الملائمة لميدان الإدارة العامَة المقارنة فغالبا ما كانت الدراسات المقارنة مندمجة إلى حدَ كبير في فرع إدارة التنمية حيث إحتلت هذه الإدارة حصيلة جهود الباحثين في الإدارة العامَة المقارنة و ذلك ما يظهر في المنشورات و الكتب التي كانت عناوينها تحمل كلمة تنمية أو تنمويَة دون إيَة إشارة إلى كلمة مقارنة.
و كلَ الدراسات أتبثت أنَ مجال الدراسة المقارنة للإدارة العامة متنوع حيث أنَه يعالج كلَ المواضيع سواء كانت سياسيَة، إقتصاديَة أو إجتماعيَة.
-2-دراسات المناطق
هذا ما يعني دراسة الإنظمة و المنظمات الإداريَة في منطقة معيَنة من مناطق العالم و هي دراسة إختياريَة يقوم بها فريق من الباحثين من ذوي الإختصاصات المختلفة (جغرافيَون، تاريخيَون، إقتصاديَون، تربويَون، سياسيَون و علماء إدارة) (1)، و أغلب هذه الدراسات تقوم بها المنظمات الدوليَة المتخصصة التابعة لمنظمة إقليميَة كالجامعة العربيَة و مجلس التعاون الخليجي و منظمة الوحدة الإفريقيَة.
و هذه المنظمات هي: المنظمة العربيَة للعلوم الإداريَة و المكز الإفريقي للبحث الإداري و التدريب من أجل الإنماء و المركز الآسياوي لإدارة التنمية، و هذه المنظمات تسعى بالدرجة الإولى لمواجهة الماكل الإداريَة في التنمية القومية و وسائل تحسين قدراتها و مهاراتها الإداريَة لمواجهة متطلبات التنمية.
-3-الإختلال بين النظير و التطبيق
إنَ دراسة الإدارة العامَة المقارنة غالباً كانت تركَـز على المدخلات و تتجاهل المخرجات للنظام الإداري أي أنَها لم تخرج عن إطارها النظري.
(1)بدوي، محمد طه، ، المنهج في علم السياسة، الإسكندرية: كليَة التجارة، 1979، ص128.
الخاتمة
إنَ نجاح علم الإدارة العامَة المقارنة يعتمد على تكوين افتراضات و مفاهيم عامَة حول السلوك الإداري و ليس فهم جانب أو دولة بعينها، حيث أنَ التنوع بين الدول سواء من حيث المساحة، عدد السكان، درجة الإستقرار السياسي و الإيديولوجي، مستوى التنمية الإقتصاديَة، الظروف التاريخيَة و طبيعة المؤسسات الحكومية كلَها عوامل تؤدي إلى إتساع إطار دراسة الإدارة العامَة المقارنة و لذلك كان ضروريَا على الكتَاب تقديم دراسات لحلَ الماكل الملَََحة مثل تنظيم السكاَن و حماية البيئة و إنتاج الغذاء. و لكن كما يقول العلماء في هذا المجال (إنَ حركة الإدارة العامَة المقارنة لم تنتج معلومات أو معرفة مفيدة للمجتمع و ليست القضيَة أنَ الإنتاج كان دواءاً رديئاً و لكن لم يكن هنالك دواء على الإطلاق).

البيبليوغرافيا:
(1) الأفندي، أحمد حامد، النظم الحكوميَة المقارنة، الكويت، وكالة المطبوعات، 1976.
(2) بدوي، محمد طه، ، المنهج في علم السياسة، الإسكندرية: كليَة التجارة، 1979.
(3) بوحوش، عمَار، أبحاث و دراسات في السياسة و الإدارة، دار الغر الإسلامي، المجلد1، 2007.
(4) درويش، عبد الكريم، و ليلى تكلا، أصول الإدارة العامَة، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصريَة، 1980.
(5) درويش، إبراهيم، الإدارة العامَة نحو اتجاه مقارن، القاهرة: دار النهضة العربيَة، 1984.
(6) عاشور، أحمد صقر، الإدارة العامَة مدخل بيئي مقارن، بيروت: دار النهضة العربيَة، 1979.
(7) عساف، عبد المعطي محمد، النموذج المتكامل لدراسة الإدارة العامَة-إطار عام مقارن-، الأردن: شركة الفاهوم التجاريَة، 1982.
(8) غرايبية، فوزي و آخرون، أساليب البحث العلمي في العلوم الإجتماعية و الإنسانية، عمان، 1981.
(9) محمود، محمد فتحي، الإدارة العامَة المقارنة، الرياض، جامعة الملك سعود، 1405.
(10) مهنا، محمد فؤاد، سياسة الإصلاح الإداري و تطبيقاتها في ضوء مبادئ علم التنظيم و الإدارة، القاهرة: دار المعارف، 1978.

 

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

أحمل شهادة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى شهادة الماستر في دراسات الأمنية الدولية من جامعة الجزائر و خلال دراستي، اكتسبت فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الرئيسية، ونظريات العلاقات الدولية، ودراسات الأمن والاستراتيجية، بالإضافة إلى الأدوات وأساليب البحث المستخدمة في هذا التخصص.

المقالات: 14921

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *