الإستراتيجية البريطانية إزاء العراق

لقد كانت بريطانيا أقوى دولة في العالم خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وكذلك في بداية القرن العشرين، إذ مارست دوراً عالمياً من خلال قوتها المالية والصناعية والبحرية، والامتداد الواسع لهذه الإمبراطورية ساعد كثيراً في تدعيم قوتها.

إلا أن الاقتصاد المتعثر، وتكلفة حربين عالميتين، وفقدان الإمبراطورية بعد العام 1945 للكثير من مقاطعاتها ساهم في تضاؤل قوتها. وبعد ذلك العام خفضّت بريطانيا من التزاماتها بشكل منتظم في الخارج، بعد أن أصبحت أغلب المستعمرات مستقلة. كما وقلّصت من تدخلاتها في الشرق الأوسط مع أزمة قناة السويس في العام 1956 التي أنهت دور بريطانيا كقوة عظمى. ومع ذلك فإن هذا لم يمنع بريطانيا من إقامة علاقات عسكرية وثيقة مع الولايات المتحدة، ومع الخصوم التقليديين مثل فرنسا وألمانيا، في حلف شمال الأطلسي بعد سنوات من النقاش، وانضمت بريطانيا إلى السوق المشتركة في سنة 1973، الذي أصبح الآن الاتحاد الأوروبي، علما أن بريطانيا لم تَنضَم مالياً إلى الاتحاد الأوروبي، واحتفظت بالعملة وهي الجنيه الإسترليني، وأُبقي الجنيه منفصلا عن اليورو، والذي أبقاها محمية جزئياً عن الأزمة المالية للاتحاد الأوروبي في سنة 2011.

ومع ذلك لا تزال المملكة المتحدة قوة عظمى وعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وهي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، وعضو مؤسس في حلف شمال الأطلسي، وكذلك في كل من منظمة التعاون والتنمية، ومنظمة التجارة العالمية، ومجلس أوروبا، ومنظمة الأمن والتعاون، وكذلك في مجموعة الدول السبع، ومجموعة الدول الثماني، ومجموعة الدول العشرين، وهي أيضاً رئيس دول الكومنولث، الذي هو إرث الإمبراطورية البريطانية.

وبريطانيا دولة عظمى لها سياسة خارجية مميزة، ومؤسسات معروفة لها آليات متكاملة في كيفية صياغة إستراتيجياتها وصنع القرار السياسي الخارجي. ويعد العراق من أهم الدول التي حظيت ولا تزال تحظى باهتمام بريطانيا، ومؤسسة السياسة الخارجية فيها على وجه التحديد، تدرك تماماً أهمية العراق لبريطانيا تحديداً، وأهميته في العالم عموماً.

ومن أهم الأسباب التي دعتني لاختيار موضوع الإستراتيجية البريطانية إزاء العراق بعد 2003 الآتي:

  • إن المملكة المتحدة البريطانية هي من أهم الدول الذي له دور رئيس في القرارات السياسية والاقتصادية في المحافل الدولية والاتحاد الأوروبي بشأن الشرق الأوسط عموماً والعراق خصوصاً.
  • بريطانيا لها تاريخ عريق في العراق وتعد من مؤسسي الدولة العراقية الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى، ولها أدوار مهمة في الساحة السياسية العراقية، واستمر تأثير سياسات بريطانيا إزاء العراق وبالتحالف مع الولايات المتحدة والذي أدى إلى احتلال العراق في 2003.
  • إن بريطانيا هي من أهم الدول المؤسساتية الديمقراطية في العالم، والتي لها أسلوبها المميز في صياغة استراتيجيها في السياسة الخارجية.

أولاً: محطات من تاريخ السياسة البريطانية إزاء العراق

يرجع تاريخ العلاقة بين العراق وبريطانيا إلى العام 1640م حينما وصل موظفو ووكلاء شركة الهند الشرقية في البصرة والتي أسست لهذه العلاقة, ولو أن الشركة لم تتمكن في بادئ الأمر من تجد موطئُ قدم لها بشكل ثابت إلا أنها وجدته وثبتته بعد قرن من العام المذكور، فقد أصبح وزن الشركة ملحوظاً منذ حوالي 1775م عندما كان البريطانيون يحمون ويقودون السفن المسلحة التي يملكها والي بغداد والتي كانت ترفع العلم البريطاني.

وكان الوالي في أغلب الأحيان يتصرف بإيحاءات من الممثل البريطاني والذي كانت له علاقات مع شيوخ العشائر الرئيسين وكان المقيم البريطاني يمتلك سفن تحمل المدافع تجوب في نهر دجلة، وفي العام 1798 سمح الوالي حسن باشا بتعيين مبعوث بريطاني دائم في العراق، وفي العام 1808 عينت بريطانيا المستر ريج قنصلا في بغداد [1]، ويعد هذا الرجل هو أول من عمل على تكريس الدور البريطاني في العراق وقد نجح في ذلك نجاحاً كبيراً [2], وكان ريج يتمتع بعلاقات كبيرة ومهمة مع العراقيين وكانت شخصيته أقوى من شخصية الوالي العثماني فكان محط تقدير وإعجاب العراقيين, لاسيما وأن النزاع كان على أشده بين الولاة والقادة في بغداد وكانوا في تغيير مستمر , فقد شعر العراقيون بأن المستر ريج باقٍ بقوته ولم يتغير لاسيما حينما رأوا أن الولاة في بغداد يلجأون إليه في دعمهم وتثبيتهم، فأصبح الناس لا يقيمون وزناً لوعود بشواتهم وأعيانهم إلا إذا كانت مدعومة بضمان من المستر ريج [3].

وفي أعقاب اندلاع الحرب العالمية الأولى في العام 1914 ودخول الدولة العثمانية (التي كان العراق تحت سيطرتها) في تحالف إلى جانب ألمانيا، نزلت القوات البريطانية على الشواطئ العراقية, وسيطرت على البصرة بعد انسحاب القوات العثمانية في تشرين الثاني 1914، وواصلت القوات البريطانية تقدمها باتجاه بغداد، ونجحت بالسيطرة عليها في 11 آذار 1917، ثم تقدمت حيث سيطرت على كركوك في شهر آب من العام 1918، ثم سيطرت على الموصل في تشرين الثاني من العام ذاته، ليصبح كامل العراق تحت الاحتلال البريطاني [4].

إن الاحتلال البريطاني للعراق مر بعدة مراحل، فلقد ناقشت بريطانيا بعد الحرب سياستها العامة في العراق والأنموذج المعين من الإدارة التي كانت تنوي تأسيسها، وكانت هناك مدرستان من الفكر أثرتا على صانعي القرار السياسي في لندن. كانت الأولى قد أقرتها الدائرة الاستعمارية والتي ركزت على سياسة السيطرة المباشرة لحماية المصالح البريطانية في الخليج والهند. أما المدرسة الثانية فكانت تسعى إلى أن تستميل القوميين العرب، وتوجههم بسيطرة غير مباشرة. وكان البريطانيون منقسمون في العراق نفسه على هذا الموضوع، قسم تحت تأثير السير أرنولد ويلسون الذين أيدوا الهيمنة المباشرة، والآخرون، متهيبين من عدم الاقتناع بالإدارة البريطانية، نصحوا بالسيطرة غير المباشرة واقترحوا تأسيس نظام محلي يكون تحت الإشراف البريطاني[5].

وبعد ثورة العشرين[6]، وفي آذار 1921 عقد مؤتمر القاهرة ترأسه تشرشل لتأمين الاستقرار لشؤون الشرق الأوسط، وسمي فيصل ملكاً على العراق مع توصية بإجراء استفتاء لتأكيد التنصيب. وكان السير بيرسي كوكس المندوب السامي في العراق، مسؤولا عن تنفيذ الاستفتاء. وكانت الحكومة الانتقالية (حكومة عبد الرحمن النقيب) قد مررت قرارا في 11 تموز 1921 تعلن فيه فيصل ملكا على العراق على أن تكون “حكومته دستورية، ممثلة لكل أبناء الشعب وتنهج الديمقراطية. ولقد اقر الاستفتاء هذا الإعلان، وتوج فيصل رسمياً ملكاً في 23 آب 1921.

كان العراقيون الوطنيون وبالرغم من تمتعهم بحرية التعبير تحت النظام البرلماني إلا أنهم لم يكونوا مقتنعين بالانتداب. لقد طالبوا بالاستقلال كحق من حقوقهم، كما وعدوا خلال إعلان الحرب والمعاهدات، ولقد تمت عدة محاولات لتعريف العلاقات الانكلو عراقية كما تنص عليها معاهدتي 1926 و 1927 دونما تحريف أساسي بمسؤوليات بريطانيا. تمت مراجعة المعاهدات البريطانية من قبل الوطنيين ليس فقط من ناحية كونها تعيق الاعتراف بطموحات العراق الوطنية، بل أيضا من ناحية ضررها بالنمو الاقتصادي للبلاد [7].

قررت بريطانيا أن تضع حدا لهذا المأزق وتسوي مصالحها مع طموحات الوطنيين العراقيين. وأعلنت بأن الانتداب سينتهي في 1932، من خلال المعاهدة التي وقعت في 30 حزيران 1930، والتي أقرت تأسيس تحالف قوي بين العراق وبريطانيا، مع إقرار “التشاور التام والصريح بين الطرفين في جميع الأمور التي تخص السياسة الخارجية، والتي قد تؤثر على مصالحهما المشتركة”. وللعراق إدارة النظام والأمن الداخلي ويدافع عن نفسه تجاه الاعتداءات الأجنبية، بإسناد بريطانيا. ويجب التشاور مع بريطانيا حول أي خلاف يحصل بين العراق ودولة ثالثة يشتمل على خطر الحرب بينهما، على أمل إيجاد تسوية استنادا إلى ميثاق عصبة الأمم. في حالة وجود تهديد وشيك بالحرب، فيتخذ الطرفان وضعا دفاعيا مشتركا. واقر العراق بأن حماية وإدامة طرق المواصلات الأساسية البريطانية تصب في مصلحة الطرفين. لذا منحت بريطانيا مواقع لقواعد عسكرية جوية لقطعاتها قرب البصرة وغرب الفرات، ولكن تلك القوات ” سوف لن تشكل بأي حال من الأحوال قوة احتلال، ولن تشكل أي خرق للحقوق السيادية للعراق”. وان مدة صلاحية هذه المعاهدة هي لـ 25 سنة، وتكون نافذة حال دخول العراق إلى عصبة الأمم، وفي 3 تشرين الأول 1932 قبل العراق في عصبة الأمم المتحدة كدولة مستقلة.

وفي 2 أيار 1941 قامت ثورة ضد الوجود البريطاني بقيادة رشيد عالي الكيلاني وحلفائه قادة الجيش العراقي العقداء الأربعة [8]، وتم تشكيل حكومة جديدة بعد مغادرة نوري السعيد إلى خارج العراق، ولم تستطع الثورة الاستمرار في المقاومة، فاستسلمت بعد شهر من الحرب، وتم التوقيع على هدنة مكنت بريطانيا من استعادة السيطرة على العراق. وفي كانون الثاني 1943 أعلن العراق الحرب على دول المحور.

إن العلاقات العراقية البريطانية مرت بعد الحرب العالمية الثانية من القرن العشرين بمرحلة صعبة وحرجة، لاسيما وأن بريطانيا بدأت تتخوف من مخاطر بروز قوة الاتحاد السوفيتي وتحدثت كثيرا عن أطماعه في نفط العراق. فأطلق ساسة بريطانيا تصريحات عديدة بشأن توجه جديد في التعامل مع دول الشرق الأوسط وقد تبين بعد ذلك أن تلك التصريحات ليست أكثر من محاولة لذر الرماد في العيون، فبعد مفاوضات طويلة ومعقدة بين العراق وبريطانيا وقع الطرفان معاهدة العام 1948 التي عرفت باسم (معاهدة بورتسموث) لم تكن تختلف جوهريا عن معاهدة 1930، فقد اقتصر التغيير على إعادة صياغة بعض الفقرات، وبقاء بعضها الآخر على ما هو عليه، فكان أمراً طبيعياً أن ترفض الحركة الوطنية العراقية المعاهدة (الجديدة) بشدة لم يسبق أن رفضت بها أية معاهدة مع بريطانيا.

إن العلاقات العراقية –البريطانية التي اتسمت على الدوام بالتوتر الذي وصل حد الصدام في أكثر من مرة قبل العام 1945 وبعد العام 1958 وحتى الوقت الحاضر بسبب المواقف البريطانية من القضايا الوطنية العراقية وكذلك القضايا العربية [9].

وبعد ثورة 14 تموز 1958 أبلغت بريطانيا عبد الكريم قاسم في 21 تموز بوساطة سفارتها في بغداد عدم تدخلها في الشؤون الداخلية العراقية، وإن كان ذلك الإعلان بعيد عن الواقع، إلا إنه يدلل على أن النظام الجديد في العراق حينها أصبح أمراً واقعاً [10].

وخرج العراق من حلف بغداد في 24 آذار 1959، وبدأ جلاء القوات البريطانية من قاعدة الحبانية في 6 نيسان 1959، وبحلول 31 أيار 1959 غادرت العراق آخر مجموعة من الجنود البريطانيين، وفي 21 حزيران 1959 اتفق البلدان على خروج العراق من الكتلة الإسترلينية [11].

واستمرت العلاقات بين البلدين بمسارات متأرجحة، وكانت سمتها الغالبة هي التأزم في أغلب الأحيان، وصولاً للعام 2003.

ثانياً: الإستراتيجية البريطانية في عهد توني بلير (1997-2007)

إن المنطق الذي يحدد عملية صياغة السياسة الخارجية للمملكة المتحدة البريطانية، لم يتغير بشكل ملحوظ منذ القرن الماضي. وبشكل عام إن مقترح صياغة السياسة الخارجية البريطانية حول قضية معينة، يتم إعداده من قبل الوزراء والمسؤولين والخبراء المعنيين على أساس مناقشة البدائل مع الأخذ بعين الاعتبار الأسباب التاريخية وأولويات المصالح الوطنية في أهمية القضية أو المقترح، ومدى مشاركة المؤسسات ذات الصلة في القرارات ومشروعية القضية. وحين تصاغ هذه السياسة تدخل مرحلة التفسير، كما يجب أن تفسر من قبل المسؤولين الرسميين، وبعدها تدخل حيز التنفيذ وذلك من أجل تحقيق الأهداف المرجوة [12].

والسياسة الخارجية الجديدة في حينها لحزب العمال كانت تتمتع بكل هذه الخصائص والتوترات، وخلال السنوات بعد 2003، فأن توني بلير أثر في قرارات السياسة الخارجية البريطانية، ومن هنا نرى انه من غير المفيد التفكير في أن السياسة الخارجية للمملكة المتحدة كانت باتجاه واحد، لأن الحكومة تنتهج سياسات خارجية متعددة في وقت واحد وهي تشمل مجموعات مختلفة من المؤسسات والجهات الفاعلة والضغوطات الخارجية حسب نوعية القضية.

ولهذا السبب نعتقد أن مشاكل حزب العمال البريطاني التي واجهته في حكمه في المملكة المتحدة كانت محاولة لتجاوز الصيغة التقليدية البريطانية المبرمجة، وتطوير فهم المنطق الأساسي الذي يمكن من خلاله أن يتم صياغة أساسيات السياسة الخارجية [13].

وأود أن أوجز الأبعاد الثلاثة الأساسية الآتية في السياسة الخارجية البريطانية عموماً، والتي أثرت في صنع إستراتيجيتها إزاء العراق، وهي:

  • البعد الاقتصادي:

في المجال الاقتصادي هناك نخبة من السياسيين والتكنوقراط، والبنوك المركزية، والشركات الخاصة التي ساعدت في إعداد السياسة الخارجية الجديدة لحزب العمال، ذلك أن اقتصاد المملكة المتحدة اقتصاد دولي أكثر مما هو اقتصاد داخلي بالمقارنة مع الدول الأعضاء في مجموعة السبع (G7)، فضلاً عن أن رأس المال الدولي متداخل كثيراً مع اقتصاد بريطانيا إذ أن الاقتصاد البريطاني يعتمد على الاستثمار الأجنبي بشكل مباشر، وهيمنة الشركات الأجنبية على قطاع الصناعة لدرجة قد تؤثر على سياسة الاقتصاد في المملكة المتحدة [14].

وهذا يبين بأن الحالة الاقتصادية للمواطن البريطاني في المملكة المتحدة ضعيفة أمام صدمات الأسواق المالية الأجنبية أن القرارات المالية في مصلحة الشركات الأجنبية[15].

ونظراً لهذا السياق، يصبح من الواضح أن نرى الأبعاد الاقتصادية للسياسة الخارجية لحزب العمال تميزت بمتطلبين متناقضين، وحكومة بلير حاولت أن تجلب طريقة جديدة سميت بـ “الطريق الثالث” للتفكير في قلب عملية صنع السياسات. من جهة أخرى، حاول حزب العمال إقناع مجموعة متنوعة من الجمهور في الداخل وخارج البلد في محاولة عدم تسييس السياسات الاقتصادية الكلية تماشياً مع مبادئ ما يسمى تجمع ما بعد واشنطن. وهذا التجمع أكد على أن من أجل كسب مصداقية الاقتصاد الكلي في عالم الأسواق ورأس المال العالمية والنقدية والمالية يجب الفصل بين السياسة النقدية والسياسة المالية، وإعطاء الاستقلالية للبنوك. ولذلك كانت مسؤولية صنع السياسات الاقتصادية الدولية في بريطانيا سلمت إلى المصرفيين والتكنوقراط الذين كان همهم الأول يكمن في إرضاء البنك المركزي، واسترضاء رأس المال المتحرك دولياً لبناء ثقة المستثمرين. كما ولعب التكنوقراط وأصحاب الشركات من القطاع الخاص دوراً فعالاً في رسم السياسة الخارجية لحزب العمال.

مع ذلك استمرت حكومة بلير في تشجيع السياسة التاتشرية (مارغريت تاتشر رئيس الوزراء الأسبق) للاقتصاد السياسي التي أثرت بشدة على تحديث أعمال الحزب[16]، ذلك أن الدبلوماسيين البريطانيين كان مطلوبا منهم ومنذ 1960 تخصيص نسبة أكبر من أوقاتهم لتعزيز التجارة[17].

أثرت الشركات الخاصة والمتوسطة الحجم دوراً أساسياً على مستوى الاستراتيجيات الاقتصادية في بريطانيا، إذ جعل أغلبية ممثلي هذه الشركات أعضاء في مجلس التجارة والاستثمار البريطاني، كما ويشكل معظم هذه الشركات أعضاء بارزين في مؤسسة مشتركة مع وزارة التجارة والاستثمار ووزارة الخارجية البريطانية ووزارة التجارة والصناعة (DTI) تهدف إلى تنسيق التجاري في بريطانيا وتشجيع الأنشطة وزيادة الاستثمار الداخلي والصادرات [18].

وبطبيعة الحال، فإنه يوجد جهات فاعلة خاصة (أحيانا عن غير قصد) تقوم بتنفيذ سياسات رسمت في بلدان أخرى، والبعض الآخر من الفاعلين لهم أهمية متزايدة للتأثير في عملية صنع القرار السياسي للدولة من اجل التأثير على القرارات المتعلقة يفترض أن تنص على المشاركة البناءة للدولة والعمل من اجل تحقيق هذه بأشكال أخرى. ومع ذلك، ومع كل ذلك يوجد حدود حقيقية لقدرة تأثير الشركات من القطاع الخاص لتشكيل سياسات الدولة. والأولويات الإستراتيجية تكون في منافسة مباشرة مع تعزيز التجارة وذلك على المدى القصير، على سبيل المثال، كيف كان اثنتان من أكبر شركات النفط، منها شركة شل وشركة بريتيش بتروليوم، حذروا مراراً وتكراراً الحكومة البريطانية بأن الحرب مع العراق سيكون له أثر سلبي على أعمالهم، ولكن هذا الحذر لم يكن لها تأثير مرئي على سياسة الحكومة [19].

  • البعد الجغرافي

بالرغم من الحديث عن العولمة، لا يزال البعد الجغرافي له أهميته، وهناك دول محددة لها أهمية خاصة جغرافياً أكثر من غيرها بين دول العالم، وعملية صنع القرار السياسي متأثر بهذه المسألة وبالأخص الدول ذات الأهمية من حيث الموارد (البشرية والإنسانية). ولهذا اقترحت وزارة الخارجية البريطانية باستثناء أعضاء دول الاتحاد الأوروبي، أن تكون معظم علاقاتها الثنائية الهامة مع الولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان في العقد المقبل في المملكة المتحدة. وبالتالي من المرجح أن هذه الدول سوف تحظى باهتمام على مستوى أعلى في التسلسل الهرمي في وايت هول في علاقات المملكة المتحدة مع مختلف المناطق في العالم[20].

ولنأخذ بنظر الاعتبار حالة العلاقات البريطانية مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فالسياسة الخارجية لبريطانيا إزاء دول الاتحاد الأوروبي لها سياقات فريدة من نوعها، إذ أصبحت تلك العلاقات أشبه بالقضايا الداخلية بين دول الاتحاد الأوروبي ولا تعد سياسة خارجية. حيث هذه العلاقة قد ولدت فكرة استكشاف إلى أي مدى أصبحت السياسات الخارجية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بأنها أكثر أوروبية[21].

إن صنع القرار السياسي الخارجي في الشؤون الداخلية للاتحاد الأوروبي في عهد حزب العمال البريطاني تم من خلال مكتب رئيس الوزراء، ووزارة الخارجية والوزراء ذات الصلة، والممثلية الدائمة للمملكة المتحدة (UKREP) في بروكسل، والأمانة العامة الأوروبية في مكتب رئاسة الوزراء، واثنين من لجان مجلس الوزراء، منها الدفاع ومكتب سياسة ما وراء البحار (DOP) واللجان الفرعية لشؤون أوروبا[22].

أما خارج الاتحاد الأوروبي، فوزارة الخارجية لها الدور القيادي تقليدياً، وذلك في كل من المحافل الدولية متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة والكومنولث و(ذلك في حالة عدم وجود ممثل رئيس الوزراء) وفي العلاقات الثنائية في المملكة المتحدة.

  • البعد الاستراتيجي

إن البعد الاستراتيجي هو أحد المحاور الأساسية لصنع القرار السياسي، حينما يقوم البعد الجغرافي ليلعب دوراً في صياغة بعض جوانب عملية السياسة الخارجية، مع ذلك فإن البعد الجغرافي ليس دائماً يؤثر مباشرة على كيفية اتخاذ القرارات بشأن نشر القوات المسلحة البريطانية.

وعلى سبيل المثال فإن إرسال القوات البريطانية للقتال لا يزال يتطلب موافقة رئيس الوزراء شخصياً، ولاسيما في العمليات السرية، مثل عملية باراس في سيراليون في شهر أيلول 2000. وعند الإقرار بشأن قضايا التدخل العسكري، فمثلا بلير مثل أسلافه، فضل العمل على نطاق محدود وفي لجان تتألف من موظفي الخدمة المدنية الموثوق بهم من قبل الوزراء والمستشارين، بدلا من الحكومة ككل[23].

والتدخل العسكري لحزب العمال، في عملية ثعلب الصحراء في العراق، تم الاتفاق عليه من خلال اجتماع لجنة (DOP) (اللجنة المسؤولة عن نشر القوات) بينما كان هذا القرار لغير المطلع على أعمال هذه اللجنة يبين بأنه قرار رئيس الوزراء فقط، ولكن الواقع كان خلاف ذلك، وبالطبع مثل هذا القرار لم يكن خالي من إقرار دستوري لرئيس الوزراء البريطاني بلير أيضاً. فقد أفادت التقارير بأن رئيس الوزراء بلير اجتمع بالمستشارين على نطاق واسع في دائرة صنع القرار الاستراتيجي (ديفيد مانينغ، جوناثان باول واليستر كامبل)، ووزير الخارجية، جاك سترو، وزير شؤون مجلس الوزراء ريتشارد ويلسون، ورئيس لجنة الاستخبارات المشتركة (JIC)(Joint Intelligence Committee)، جون سكارليت، رئيس MI6 ريتشارد ديرلوف، ورئيس MI5 ستيفن لاندر. ومع ذلك، ربما لتهدئة المخاوف بشأن وسائل الإعلام وأمام حزبه، عقد بلير في وقت لاحق اجتماعا في مجلس الوزراء مع سبعة من الوزراء في الحكومة حينها للتنسيق بشأن العمليات العسكرية في أفغانستان، وهذا مماثل لما حدث في عمليات ثعلب الصحراء في العراق وكوسوفو[24].

وحين بدأ وقت الحرب على العراق، قال رئيس الوزراء بلير بأن حتى لجنة DOP غير عملي أن يقر على هذا الحرب، وفضل أن يكون القرار ضمن مجموعة مختارة من المقربين منه، والذي ضم مانينغ، باول، كامبل، سكارليت، ديرلوف، سالي مورغان المساعد الخاص لبلير، والأدميرال سير مايكل بويس رئيس أركان الدفاع [25].

إن هذا البعد في السياسة الخارجية لتوني بلير ولد انتقادات صارمة وسميت في حينها نمط السياسة الخارجية لرئيس الوزراء توني بلير الذي كان مفرط بالسرية، وبعيداً عن القرار الجماعي، وكانت العلاقات مع الوزراء في الحكومة ليست بالتنسيق وإعلام كافة الإدارات الحكومية، وهذا أثار الجدل بين الحكومة ولجنة الاستخبارات البريطانية المشتركة مع لجنة بلير. وقد جرت العادة في نظام مجلس الوزراء البريطاني أن يرتدون معطفاً طويلاً ويعملون في لجان فرعية سرية والقرارات تجري على أساس الاتفاقيات بدلاً من القواعد. واستناداً إلى هذا النمط من العمل، تبين بأن أعمال مجلس الوزراء تكون مختلفة في ظل رؤساء الوزارات المختلفة، وأنه من الصعب لأشخاص خارج النظام البريطاني أن يحصل على معلومات موثوقة حول كيف وأين يتم اتخاذ قرارات محددة بشأن السياسات الخارجية البريطانية.

من ناحية أخرى وبغض النظر عن هذا التحليل عن كيفية نوع عمل رئيس الوزراء يتوقع من أعضاء مجلس الوزراء بالإجماع أن يظهر أمام العالم الخارجي كجبهة موحدة في القرار السياسي. وفي العادة تقوم بعض أطراف الحكومة بمحاولة التوفيق بين الانقسامات الداخلية من خلال إجراءات دبلوماسية وقائية، قبل إقرار قضية أو مشروع مثل التهديد بالاستقالة من قبل احد الوزراء أو النواب في مجلس النواب البريطاني قد تكون ضارة للغاية مثل ما حصلت حين استقالت كلير شوت (وزيرة الدولة لشؤون التنمية الدولية للفترة 1997-2003 ونائبة في حزب العمال البريطاني) في عهد توني بلير ضد الحرب على العراق [26].

فضلاً عن ذلك فإن المخابرات البريطانية تحتل دائماً موقعاً مهماً في صياغة عملية السياسة الخارجية في المملكة المتحدة، وتحدد المجال بالسرية داخل المجال المسموح به للعمل، كما وان مبلغ الميزانية العامة للهيئات الاستخباراتية البريطانية هي أكثر بكثير من ميزانية وزارة الخارجية البريطانية. كما وان الإستراتيجية الجديدة في وايت هول البريطاني تأثر بعد أحداث 11 سبتمبر والاستخبارات تتمتع بدور أكبر منذ ذلك الحين، وأدى إلى تأسيس مؤسسات جديدة مثل لجنة للإرهاب الدولي في مجلس الوزراء البريطاني، كما وتعمل هذه اللجنة مع مكتب رئيس الوزراء ومكاتب الوزراء، وهذه اللجنة عبرت عن رغبتها أن تلعب دورها المباشر في العمليات [27].

فمثلاً في الأشهر التي سبقت غزو العراق، تبين مركز المخابرات العامة وMI6 وJIC ودورها الرئيس في إقرار الحرب ضد العراق والإقرار حينها بأنها بمثابة حرب “وقائية[28].

ومع ذلك، فبدون شك أن رئاسة الوزراء البريطاني في (10 Downing Street) ركزت نشاطاتها على المعلومات الاستخباراتية حول العراق وأحاطتها في جدول أعمال لجنة الاستخبارات المشتركة، والتي شملت أيضاً معلومات استخباراتية حول التطورات المهمة في العراق في تقرير ما يسمى (تقرير بتلر) [29].

إن الموقف البريطاني تجاه العراق أشار بان الحكومة البريطانية أخذت قراراتها استناداً إلى التهديد الذي شكلته أحداث 11 سبتمبر والحاجة الماسة للملكة المتحدة أن تقف جنباً إلى الجنب مع إدارة الرئيس جورج بوش وهذا من أجل الوقاية من المخاطر المحتملة. في هذه الحقبة خرجت لجنة المخابرات البريطانية JIC من دورها التقليدي وبلير كان يريد أن يسمع أكثر من ما هو بحاجة إلى دراسة الوضع [30].

ثالثاً: الإستراتيجية البريطانية في عهد جوردن براون 2007-2010

استلم جوردن براون منصب رئيس الوزراء للمدة من 2007-2010 وكان رئيساً لحزب العمال في بريطانيا، إذ راقب الشعب البريطاني والسياسيين حكومة براون متوقعاً تغيراً جذرياً في السياسة الخارجية لبريطانيا بعد حرب العراق، لأن معظم الشعب البريطاني كان ولا يزال يتذكر النواحي السلبية للتدخل البريطاني في العراق والتكلفة المادية والمعنوية والخسائر البشرية التي سببها ذلك التدخل.

فضلاً عن الجدل حول أسباب ومبررات تلك الحرب والتي لا تزال حادة، وكان من المتوقع أن يرى المراقبين السياسيين تغيراً في علاقة المملكة المتحدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن تبين بأن هناك تغيرا ضئيلاً في الاتجاهات الرئيسة في السياسات الخارجية البريطانية مقارنة مع عهد بلير. فعلى سبيل المثال وبالرغم من محاولات الهيئات الإدارية بإعداد مذكرات وتعليمات إلى الامتناع عن استخدام عبارة “الحرب على الإرهاب” ولكن ضلت هذه العبارة تستخدم من قبل حكومة جوردن براون، وكذلك جوهر السياسة الخارجية لبريطانيا في الشرق الأوسط من ناحية وعلاقة بريطانيا مع أوروبا والتعهد للاتحاد الأوروبي، وكذلك بقاء الحضور العسكري في أفغانستان من ناحية أخرى لم يتغير [31].

وظل براون ملتزماً بحرب العراق بعد استلامه منصب رئاسة الوزراء وصرح مؤيداً حرب العراق، وقال “نتعلم من الدروس، ومن الأخطاء التي ارتكبت في العراق “. وكذلك ذكر براون في رسالة نشرت في 17 آذار 2008 أن المملكة المتحدة سوف تشكل لجنة تحقيقية للنظر في الحرب على العراق، وتم الإعلان عن تحقيق رسمي في حرب العراق بتاريخ 15 تموز 2009.

إذ شكلت لجنة برئاسة السير جون تشيلكوت، وسميت هذه اللجنة بلجنة تشيلكوت، وذلك للتحقيق بمشاركة بريطانيا في حرب العراق، للمدة ما بين منتصف عام 2001 وتموز 2009. وهو يغطي المدة التي سبقت العمل العسكري لغرض التأسيس لمعرفة الطريقة التي تم بها اتخاذ قرار الحرب، وتحديد ما حدث والضمان بأخذ الدروس والعبر في حالات مماثلة في المستقبل, وانتهت أعمال اللجنة في 2 شباط 2011.

وفي سنة 2012 رفضت الحكومة البريطانية الكشف عن الوثائق التحقيقية للجنة تشيلكوت، التي تشير إلى محاضر واجتماعات مجلس الوزراء في الأيام التي سبقت غزو العراق في عام 2003. وفي الوقت نفسه نجحت وزارة الخارجية البريطانية بالحصول على قرار الحكم الذي يمنح الموافقة على كشف المحادثة التي جرت بين جورج دبليو بوش و توني بلير قبل أيام من الغزو. وذكرت الحكومة البريطانية أن الكشف عن اتصال هاتفي بين بوش وبلير قبل أيام من الغزو سوف يشكل تهديداً للعلاقات البريطانية الأمريكية، وتفاصيل تحقيقات لجنة تشيلكوت المتكون من مليون كلمة كان من المقرر أن يعلن للجمهور عام 2014. أما بالنسبة للمعلومات التي تخص الولايات المتحدة الأمريكية في تحقيقات لجنة تشيلكوت بخصوص الإعلان عن التقرير النهائي، فتجري حاليا مفاوضات مكثفة وصعبة مع الولايات المتحدة الأمريكية حول نشر هذه الوثائق. أما بخصوص رأي جوردن براون بالحرب على العراق فقد ذكر أمام لجنة التحقيق الذي حضره في جلسة استغرقت أربع ساعات بأنه يعتقد أن الحرب كان لابد منها استناداً إلى المعلومات الاستخبارية التي قدمت للمخابرات البريطانية بأن العراق كان يشكل تهديداً [32].

وفي 22 مايس 2011 غادرت القوات البريطانية المتبقية في العراق كلها، ونقلت إلى الكويت بعد أن رفضت الحكومة العراقية طلب بريطانيا للبقاء في العراق وتمديد مهمتهم.

وهكذا نرى أن المملكة المتحدة وعلى الرغم من إمكانية استشعار رؤية مثالية لعملية صنع القرار, فإن المؤسسات والجهات الفاعلة في رسم السياسة الخارجية للمملكة المتحدة تختلف حسب القضية المطروحة.

إن تعدد الجهات المعنية والمؤسسات ذات العلاقة تجعل من الصعوبة تنسيق السياسات الخارجية المتبناة، وهذا ما جاء في تصريحات رئيس حزب العمال جوردن براون. والذي يساعد على تفسير المحاولات المتكررة من قبل حزب العمال على تجاوز النهج التقليدي للسياسة الخارجية في المملكة المتحدة، ووضع إطار من شأنه أن يسمح بإتباع نهج أكثر مبدئية وأكثر تكاملا, وكان الحزب مقتنعاً أيضاً بأن مثل هذا النهج من شأنه أن يثبت شعبيته بين الناخبين. ومن مختلف الشعارات والمبادرات التي ظهرت منذ عام 1997, البعض أثبتت أكثر نجاحاً وديمومة من غيرها [33].

رابعاً: أولويات السياسة الخارجية البريطانية في عهد ديفيد كاميرون

منذ العام 2010 استلم حزب المحافظين الحكم في بريطانيا، وألقى وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ خطاب سياسة المملكة المتحدة في مبنى وزارة الخارجية بعد مدة وجيزة من استلامه مسؤولية وزارة الخارجية البريطانية في أيار 2010، رسم فيه معالم رؤية جديدة للخارجية البريطانية ودورها في تعزيز مكانة بريطانيا الدولية وحماية مصالحها الاقتصادية والسياسية في العالم ورسم الخطوط العريضة للسياسة الخارجية للحكومة الحالية [34].

ودعا السيد هيغ إلى مواجهة تلك التحديات بإعادة النظر في أولويات السياسة الخارجية البريطانية لتنسجم مع ما يشهده العالم من تحولات في مجالات متعددة وتنشيط الدبلوماسية البريطانية لترجمة تلك النظرة الجديدة، ويرى السيد هيغ أن هناك حاجة لتنشيط الدبلوماسية البريطانية باتجاه تعزيز العلاقات الثنائية مع الدول المهمة والمحورية في العالم، تلك التي يترتب على تعزيز العلاقات معها اكتساب فرص ودرء مخاطر وتحقيق مصالح اقتصادية وبسط نفوذ بريطاني اكبر في الساحة الدولية، كالولايات المتحدة التي تشترك مع بريطانيا بالمصالح والثقافة واللغة ودول الاتحاد الأوروبي (سواءً الكبرى منها أو الأقل حجماً) الذي يشكل الميدان الجيوستراتيجي الطبيعي والأقرب لبريطانيا وكذلك الدول ذات الاقتصاد المتنامي كالصين والبرازيل والهند وروسيا ودول جنوب شرق آسيا ودول الخليج العربي [35].

والأولوية الثاني للسياسة الخارجية البريطانية هي توسيع دائرة نشاط واتصالات الدبلوماسية البريطانية لكي لا تقتصر فقط على القنوات الرسمية مع الدول الأخرى، بل لتتجاوز ذلك إلى قاعدة أوسع، تشمل منظمات المجتمع المدني، ومنظمات حقوق الإنسان، وجماعات الضغط، ورجال الأعمال، والأفراد العاديين، من خلال الترويج للغة الانكليزية والقيم والثقافة البريطانية، والإفادة من المكانة المرموقة للمراكز الثقافية والجامعات البريطانية التي يؤمها الآلاف من الطلاب والباحثين من كل أنحاء العالم، وأيضاً من خلال التركيز على تشجيع احترام حقوق الإنسان، وجعل ذلك في صميم أهداف السياسة البريطانية لكي يضمن لها سلطة أخلاقية تضفي شرعية على تحركاتها ومواقفها على الصعيد الدولي.

واعترف هيغ بأن الحكومة البريطانية غير مهيأة في الوقت الراهن لتنفيذ هذه الإستراتيجية الطموحة، وإنها غير مستعدة لاستغلال الفرص المتاحة للعمل في هذا المجال كما يجب، إذ ينقصها التنظيم المناسب للقيام بتلك المهمة على أكمل وجه، واقترح الوزير خطوات معينة لتنفيذ تلك الإستراتيجية كالآتي:

  • ضرورة إنشاء آلية فعالة لاتخاذ قرارات إستراتيجية، وتنسيق الجهود في مجالات العلاقات الخارجية والأمن والدفاع والتنمية، وكخطوة على هذا الطريق تم إنشاء (مجلس الأمن الوطني) كتشكيل حكومي ذو وزن ثقيل لتنسيق الجهود بين دوائر الحكومة المختلفة في مجال الأمن الوطني.
  • التركيز على زيادة التعاون والتنسيق بين وزارة الخارجية وزارات الحكومة الأخرى في تنسيق الجهود الدبلوماسية وتلك ذات الطابع الاقتصادي في إطار العلاقات الثنائية لبريطانيا مع دول العالم لتعزيز تلك العلاقات سيما في مجالات التعليم والصحة وشؤون المجتمع المدني والتجارة والأمن والدفاع.
  • التركيز على الإفادة القصوى من نقاط قوة بريطانيا لتحكيم العلاقات الثنائية مع الدول الأخرى، من قبيل الاحترام الواسع الذي يحظى به نظام التعليم البريطاني عالمياً، أو مواقف القوات البريطانية المسلحة، والدبلوماسية الدفاعية، أو القدرات الاستخباراتية المميزة لبريطانيا.
  • رفع كفاءة موظفي وزارة الخارجية البريطانية ليقدموا أداءً ينسجم مع الأهداف الإستراتيجية لوزارة الخارجية البريطانية، والسعي لاجتذاب المواهب والخبرات المتميزة للعمل في دوائر الوزارة [36].

خامساً: توجهات السياسة البريطانية إزاء العراق بعد العام 2003

وصلت العلاقات السياسية بين الدولتين إلى أسوأ درجاتها بعد أحداث الكويت في عام 1990، واستمرت العلاقات الدبلوماسية بينهما على مستوى “شعبة رعاية المصالح” رغم قطع النظام السابق في العراق لهذه العلاقات مع بريطانيا في كانون الثاني 1991.

قطعت بريطانيا جميع علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السابق، وعدّت عدداً من الدبلوماسيين العراقيين أشخاصاً غير مرغوب بهم فوق أراضيها، مع اشتداد حملة الإعداد للحرب ضد نظام صدام حسين عام 2003، واستمر هذا الحال حتى اتفقت الحكومتان العراقية والبريطانية بعد التغيير في العراق على إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما في 28 حزيران 2004 على مستوى السفراء.

وقد شهدت العلاقات بين البلدين تطورات مهمة خلال السنوات القليلة الماضية فبعد انتهاء العمليات العسكرية البريطانية في العراق في نيسان 2009، وانسحاب القوات البريطانية المقاتلة مع نهاية تموز 2009، وبعد وصول حكومة ائتلافية جديدة في بريطانيا عام 2010 خلفا لحكومة حزب العمال السابقة، تسعى الحكومة البريطانية الحالية إلى إقامة علاقات ثنائية قوية بمختلف المجالات مع العراق، مركِّزة على الروابط الثقافية والتعليمية والتجارية والتنموية، إذ تنظر الحكومة البريطانية إلى العراق الجديد على أنه حجر أساس للاستقرار في منطقة الخليج العربي.

وعبرت الحكومة البريطانية عن رغبتها في دعم العراق على تطوير قدراته الذاتية كونه شريك أساسي في معالجة التحديات العالمية التي تواجه البلدين، المتمثلة بالقدرة على توفير الاستقرار والأمن والرخاء المستدام، وتعد الحكومة البريطانية أن استقرار العراق ونجاحه في ترسيخ الديمقراطية في الوقت الحاضر ذو أهمية كبيرة بالنسبة للمصالح البريطانية داخل المنطقة وخارجها، وترى الحكومة البريطانية بأن بإمكان العراق أن يمارس دوراً فاعلاً في حفظ التوازن الإقليمي، ولاسيما مع إيران، وذلك من خلال موقعه الجيوستراتيجي، وعلاقاته مع دول الجوار العربية، فضلاً عن الاحتياطي النفطي الهائل، وموارده البشرية [37].

لقد وجدت بريطانيا نفسها مرة أخرى في العراق بعد الحرب في عام 2003 وأُسندت للقوات البريطانية مهامها العسكرية في مدينة البصرة، ولكن بعد تسليم البصرة للقوات العراقية، أكد كل من العراق وبريطانيا على ضرورة تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين، هذا ما أكده وزير الخارجية البريطاني، ديفيد ميليباند، خلال زيارته إلى العراق بمناسبة تسليم قوات بلاده مقاليد الأمن في البصرة للقوات العراقية، إذ قال: ” بحلول ربيع عام 2008 سيقلّص الوجود العسكري في البصرة إلى 2500 جندي، ونود الآن أن نركز على آفاق جديدة للتعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وكانت قواتنا العسكرية بقيادة الجنرال موهان قادرة على بناء علاقات وثيقة مع نظرائهم العراقيين”.

وفي بيان صادر عن رئاسة مجلس الوزراء نقلاً عن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي أكد فيه حرص حكومته على إقامة أفضل العلاقات مع بريطانيا، وفتح آفاق التعاون المشترك في المجالات كافة، مؤكدا أن المرحلة المقبلة ستشهد إنشاء مشاريع متعددة لإعادة إعمار البصرة وجميع المحافظات الأخرى، داعيا الحكومة البريطانية للمساهمة بنشاط في هذه المشاريع والمساعدة لدعم وتطوير الاقتصاد العراقي [38].

كما تم التوقيع على اتفاقية الشراكة بين جمهورية العراق والمملكة المتحدة بتاريخ 30 نيسان 2009، إذ وقع الاتفاقية عن الجانب العراقي رئيس الوزراء نوري المالكي وعن الجانب البريطاني رئيس الوزراء غوردن براون، وتم توقيع الاتفاقية على هامش مؤتمر الاستثمار في العراق، الذي عقد في لندن تحت شعار ” الاستثمار في العراق: لندن 2009 “، الذي نظمته وزارة التنمية البريطانية. وتعد هذه الاتفاقية ذات شراكة إستراتيجية، وتأسيساً على هذه الاتفاقية، تم التعاون الثنائي المثمر بين البلدين في قطاع الزراعة والمياه والأمن الغذائي، والتعليم، والطاقة، والصحة، والعلوم والتكنولوجيا [39].

سادساً: سياسة بريطانيا الاقتصادية إزاء العراق.

إن هيئة التجارة والاستثمار البريطانية في العراق هي هيئة تتكون حاليا من فريق صغير متخصص من المهنيين العاملين والناشطين مع شركائهم ونظرائهم في الهيئات المهنية الأخرى، ويعملون من أجل مساعدة الشركات العراقية والبريطانية للوصول إلى تجارة ناجحة في العراق والمملكة المتحدة، كما وتساعد الشركات البريطانية للتعرف على الفرص المتاحة لانجاز الأعمال التجارية في البلاد، ودعمها للوصول إلى السوق. كما أنهم يعملون أيضا مع الحكومة العراقية لتحديد وللتغلب على العقبات التي تحول دون ممارسة الأعمال التجارية في العراق، بما في ذلك عن طريق مجلس التجارة الوزاري المشترك للعراق والمملكة المتحدة. وهيئة التجارة والاستثمار والموظفين التجاريين في السفارة البريطانية في بغداد، تغطي قطاع التجارة في وسط وجنوب البلاد بما في ذلك البصرة، وفي القنصلية البريطانية في أربيل، وتغطي التجارة في إقليم كردستان [40].

وأنشأت بريطانيا بوابة العراق التجارية: وهي شركة أعمال تجارية ومقرها المملكة المتحدة، وأنشئت لتسهيل المعاملات ما بين الشركات من خلال توفير الشركات العراقية للوصول إلى الشركات البريطانية الموثوق بها في السوق البريطاني والصناعي، وشركات الصادرات، فضلا عن التقرب من الشركات التي أنشئت لتعزيز إمكانات غير مستغلة إلى حد كبير للتعاون العراقي- البريطاني.

فضلاً عن ذلك، تتوفر للشركات البريطانية بوابة لاستكشاف فرص تجارية جديدة وتوسيع أسواقها دوليا. والعراق لديه كل مكونات النجاح والإرادة الوطنية وان تقر لتصبح واحدة من أغنى وأنجح الاقتصاديات نموا في العالم. هذه الشركة تعمل مع الدولتين للتغلب على التحديات التي تقع وتوجد أمام تشجيع ومشاركة أكبر عدد من رجال الأعمال البريطانية في الاقتصاد العراقي سريع النمو.

وهذه الشركة التجارية تتكون حالياً من فريق صغير متخصص من المهنيين العاملين في بنشاط التجارة مع المهن الأخرى، وبإمكانهم مساعدة الشركات العراقية والبريطانية لتوجيههم نحو الطريق الصحيح إلى تجارة الناجحة في العراق والمملكة المتحدة [41].

ويعد الأمن أحد أهم العوائق الرئيسة أمام الشركات التي تتطلع للعمل في العراق، وينصح الزوار من قبل وزارة الخارجية البريطانية وبشدة لاستشارة شركات خاصة وظيفتها إعطاء نصائح حول السفر للعراق قبل السفر إليه. وينبغي على رجال الأعمال الزائرين إلى العراق أيضا التفكير في استخدام أجهزة أمنية خاصة عند التخطيط لرحلتهم.

وأكدت الحكومة الائتلافية الجديدة في بريطانيا على أهمية احترام سيادة العراق ووحدة أراضيه وعدم التدخل في شؤونه، وتقديم الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري لحكومة الوحدة الوطنية العراقية، والتي نشأت من جراء عملية ديمقراطية شارك بها غالبية الشعب العراقي، استنادا إلى تصريحات رئيس الوزراء ووزير الخارجية البريطانية. كما تساند بريطانيا العراق في شتى المحافل الدولية ليتمكن من تبوء المكانة والموقع المناسب له على المستويين الإقليمي والعالمي. ويأمل البريطانيون بتحسن الوضع الأمني في العراق، في سبيل زيادة التبادل التجاري وإقامة المشاريع الاقتصادية ذات المردود الاقتصادي الكبير، وتدين كافة أعمال الإرهاب الجارية في العراق وتعلن وقوفها مع العراق في الحرب ضد الإرهاب التي يقودها تنظيم القاعدة، والتي لا تميز بين دين أو قومية أو ثقافة. وتحث جميع الأطراف السياسية في العراق على المساهمة الجادة في العملية السياسية ونبذ العنف والاعتراف بالعراق الجديد الذي يقوم على المبادئ الديمقراطية ويتخذ من الفيدرالية نظاماً للإدارة [42].

شهدت العلاقات العراقية البريطانية ومنذ 2003، تطوراً لافتاً في اهتمام الجهات البريطانية بالاستثمار في العراق، وقد عقدت عدة مؤتمرات وملتقيات اقتصادية تناولت قضايا الاستثمار بشكل عام، وفي قطاع الطاقة بشكل خاص، وقد حضرت وفود عراقية على مستوى رفيع، وقدمت تلك الوفود صورة عن الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني في العراق، فضلاً عن شرح لما تقدمه الحكومة العراقية من تسهيلات للمستثمرين الأجانب، وحازت تلك المؤتمرات على اهتمام الشركات البريطانية الكبرى والمتوسطة العاملة في العراق، أو التي تتطلع إلى فرص استثمارية فيه وقد شاركت بوفود من مدراء ومتخصصين في تلك المجالات.

وتسعى الحكومتان العراقية والبريطانية إلى بناء أسس سليمة للعلاقات الثنائية بينهما، تسمح بالديمومة والاستمرار، وتقوم على الاحترام المتبادل بعد سنوات من الشك والريبة التي فرضتها سنوات العزلة التي عاشها العراق جراء سياسات النظام السابق.

وتشعر الحكومتان العراقية والبريطانية أن ساحة الالتقاء بينهما بدأت بالاتساع شيئاً فشيئاً مع التغيرات المتعاقبة التي مرت بالعراق بعد عام 2003، والتي ساعدت في بروز مصالح مشتركة لا يمكن إغفالها. وتتلخص هذه المصالح في ما يأتي[43]:

1- الحرب على الإرهاب: ترى كل من الحكومة العراقية ونظيرتها البريطانية أن المنظمات الإرهابية كالقاعدة والتنظيمات المتشددة الأخرى تستهدف استقرار البلدين في نظامهما السياسي وبنيتهما الاجتماعية المتنوعة عرقيا ودينيا، وبالتالي فان الحكومة البريطانية تدعم العراق في معركته ضد الإرهاب، وترى أنه إذا فشلت القوات العراقية في هذه المعركة، فإن تنظيم القاعدة سيكسب مركز انطلاق يمكن أن يتحرك منه لنقل نشاطاته صوب الساحتين الإقليمية والعالمية، ويستطيع به تهديد مصالح القوى الغربية في العالم العربي.

2- الاستقرار في العراق: تشعر بريطانيا بوجود واجب أخلاقي وسياسي لدعم جهود الاستقرار في العراق وهذا متأتي من الدور الذي لعبته لندن في الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003. وتبذل بريطانيا محاولات جادة لتهيئة الظروف السياسية والاقتصادية والعسكرية الملائمة للحكومة العراقية لكي تفرض القانون وتوفر مستلزمات الأمن للمواطنين إدراكاً منها أن استقرار العراق يعني استقرار منطقة الشرق الأوسط وعدم الاستقرار فيه سينعكس سلباً على كامل المنطقة وقد يمتد بتأثيراته السلبية على العالم بأسره لما تصدره هذه المنطقة من النفط والغاز.

3- نشر الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان: تتضافر جهود الحكومتين البريطانية والعراقية من أجل دعم الديمقراطية الوليدة في هذه الأخيرة والتي قامت على مبادئ احترام حقوق الإنسان والتداول السلمي للسلطة ومراقبة الشعب لأداء الحكومة عبر السلطة التشريعية المنتخبة. وتطرح بريطانيا وجهة النظر القائلة بأن العراق يمكن أن يكون أنموذجاً للديمقراطية وقيم التسامح في المنطقة العربية وأن تحركات البعض لوأد هذا النموذج إنما تصب في خانة الإبقاء على حالة التخلف السياسي الذي فرضته بعض الحكومات العربية على شعوبها منذ عقود.

4- المصالح الاقتصادية المشتركة: تهدف الحكومتان العراقية والبريطانية إلى زيادة التعاون التجاري والاقتصادي في المجالات كافة. إذ تنظر الحكومة البريطانية بجدية كبيرة إلى ما يمكن أن يتحقق من معدلات عالية من التبادل التجاري بين البلدين في المستقبل، وذلك في إطار نظرة الحكومة البريطانية الائتلافية لعلاقات بريطانيا التجارية مع العالم، ومحاولاتها لتطوير تلك العلاقات لتصب في خطط الحكومة لإصلاح الاقتصاد البريطاني، لاسيما في ظل الأزمة المالية العالمية، والتي ولّدت الكثير من الضغوط على اقتصاد المملكة المتحدة، وحقيقة أن العراق مصدر أساسي للنفط، وما يحققه ذلك من موارد مالية ضخمة، يمكن أن تدفع بعجلة إعادة الإعمار إلى الأمام هيأت أرضية صالحة لنسج علاقات اقتصادية ناجحة وملبية للمتطلبات الاقتصادية لكلا البلدين.

5- فضلاً عن ذلك فقد سعت المملكة المتحدة لتوسيع علاقتها مع العراق من خلال افتتاح المركز الجديد لتقديم طلبات التأشيرة البريطانية في بغداد بتاريخ 24 كانون الثاني 2013 من قبل وزير للتجارة والاستثمار البريطاني اللورد كرين رسميا، وذلك بحضور وزير الخارجية العراقية هوشيار زيباري للمرة الأولى. وبذلك أصبح المواطن العراقي قادرا على التقديم لطلب الحصول على تأشيرات المملكة المتحدة من بغداد. وفي تصريح” أدلى به في حفل الافتتاح، اللورد كرين، وقال: “لفترة طويلة جدا لم تكن بريطانيا قادرة على تقديم مجموعة من الخدمات للمواطنين العراقيين وذلك للحصول على تأشيرة السمة السياحية لزيارة المملكة المتحدة، وزيارة الأصدقاء والأقرباء في بريطانيا، وكان من الضروري أن يسافر المواطن العراقي إلى عمان أو أي مكان آخر للحصول على تأشيرة بريطانية. وهذه العملية كانت مضيعة للوقت ومكلفة، ولذلك قررت الحكومة البريطانية افتتاح مركز لاستلام المعاملات من العراق وتسهيل منح السمة”.

وفتحت قنصلية في أربيل في شهر أب 2013، وباستطاعة المواطنين من خلاله تقديم المعاملات للحصول على سمة الدخول مقابل رسوم مالية مرتفعة إلى حد ما. كما وانتهز لورد كرين وزير التجارة والاستثمار هذه الزيارة وقام بزيارة مدينة البصرة والتقى بمجموعة من المسؤولين في البصرة، كما والتقى بمجموعة رجال الأعمال وذلك لتشجيع توسيع الأعمال التجارية بين العراق وبريطانيا. وتعهدت وزارة الخارجية البريطاني بفتح قنصلية جديدة في البصرة لاستقبال المعاملات للتأشيرة لاحقا”.

6- كما تحاول الدولتان توطيد علاقاتهما التجارية من خلال تشكيل اللجنة الوزارية العراقية البريطانية التي تم الاتفاق عليها في بغداد في شهر أيلول 2012، بحضور وزير الخارجية العراقي ووزير الخارجية البريطانية وليم هيغ، وشكلت اللجنة الوزارية العراقية – البريطانية المشتركة، وعقد أول اجتماع لها في بغداد، وعقد الاجتماع الثاني للجنة الوزارية بتاريخ 25 تشرين الثاني 2013، في لانكستر هاوس التابع لوزارة الخارجية البريطانية في لندن. وترأس الاجتماع وزير الخارجية هوشيار زيباري والوفد المرافق له كل من ووكلاء وزارات الخارجية والنفط والمالية والداخلية وممثلي الأمانة العامة لمجلس الوزراء والبنك المركزي العراقي ووزارة التجارة ومجلس رجال الأعمال العراقي وسفير العراق في المملكة المتحدة. وبحضور وزير الدولة لشؤون الخارجية البريطاني، وعضو في البرلمان البريطاني هيو روبرتسون ووزير التجارة والاستثمار لورد غرين، وممثلي الوزارات البريطانية المعنية وممثلي كبار الشركات البريطانية المصرفية وقطاع البنوك والدفاع والطاقة وممثلي رجال الأعمال البريطانيين والعراقيين. وخلال الاجتماع تم بحث أهم معوقات ومقترحات لتطوير عمل المجلس الوزاري المشترك لتوطيد العلاقات الاقتصادية الثنائية، منها موضوع منح السمات، الضرائب، الدفاع، الرحلات الجوية المباشرة، نظام تسجيل الشركات في العراق، المناقصات والبنوك العراقية.

واصلت المملكة المتحدة تشجيع رجال الأعمال البريطانيين للعمل في العراق وذلك بالتنسيق مع مجلس الأعمال البريطاني العراقي، وذلك عن طريق زيارات متكررة إلى بغداد والبصرة وإقليم كردستان. وكذلك بدعم من الخارجية البريطانية لتنظيم مؤتمرات عدة في العراق ولندن خلال 2013، إذ زار 52 رجل أعمال بريطاني من كافة المجالات التربوية والصناعية والتجارية بغداد في شهر تشرين الثاني 2013، برئاسة ممثلين من وزارة التنمية الدولية وهيئة الاستثمار البريطاني والمجلس التجاري العراقي البريطاني. وتسعى بريطانيا إلى توطيد علاقاتها مع إقليم كردستان وتسعى إلى تشجيع المستثمرين العراقيين المغتربين في لندن والبريطانيين إلى العمل في إقليم كردستان، وعقد مؤتمر التجارة في أربيل في شهر مايس 2013، وحضرته 50 شركة بريطانية بإشراف مكتب إقليم كردستان في لندن. كما عقد مؤتمر تجاري في شهر حزيران 2013، في إقليم كردستان بإشراف مجلس الأعمال العراقي والبريطاني الذي حضره مائة من رجال الأعمال في بريطانيا.

كما زار اللورد كرين وزير التجارة والاستثمار البريطاني في شهر كانون الثاني 2013 محافظة البصرة، والتقى مع رئيس غرفة التجارة في البصرة والمسؤولين المحليين في المحافظة لإيجاد فرص عمل للاستثمار لرجال أعمال بريطانيين.

كما وشهدت العلاقات التجارية والاقتصادية بين المملكة المتحدة والعراق نموا واضحا أنعكس إيجابيا على حركة التجارة بين البلدين، إذ بلغت قيمة واردات بريطانيا من العراق للمدة (كانون الثاني 2013- كانون أول 2013) 2،938،758 مليون جنيه إسترليني. بما يمثل زيادة قيمتها 32% من مجموع الكلي للواردات البريطانية من العراق، وهذه النسبة تشكل 23% في العام 2012. حسب إحصائيات وزارة التجارة البريطانية. وفي حين بلغت قيمة صادرات بريطانيا إلى العراق للمدة (كانون الثاني 2013– كانون أول 2013) مبلغ 376،091،559 جنيه إسترليني [44].

سابعاً: سياسة بريطانيا في مجال العلاقات الثقافية مع العراق

من أبرز العلاقات الثقافية بين العراق وبريطانيا هو تأسيس المجلس الثقافي البريطاني في العراق سنة1940، الذي يسعى إلى تعزيز العلاقات الثقافية بين العراق وبريطانيا وتوفير الفرص التعليمية للعراقيين. ولقد ركزّ أعمال المجلس الثقافي البريطاني بشكل رئيس على تطوير التعليم منذ إعادة فتح مكاتبه في بغداد عام 2003 وفي أربيل عام 2008. ومنذ ذلك الوقت ساعد المجلس الثقافي البريطاني أكثر من 30 جامعة وكلية ومدرسة عراقية في إقامة علاقات مع الجامعات والمدارس في المملكة المتحدة، وبالتالي مكّن العاملين في المجال التعليمي والطلاّب من تبادل المعرفة والأفكار؛ كما أسس المجلس ستة مراكز لتكنولوجيا المعلومات في جامعات بغداد وأربيل والبصرة وبابل، فضلاً عن ذلك فقد ساهم في توفير المزيد من أجهزة الكمبيوتر والاتصال بشبكة الانترنت؛ وقدم المجلس برامج تدريبية لأكثر من 40 مشرفا من كوادر وزارة التعليم العراقية لإطلاعهم على آخر ما تم التوصل إليه من تطورات في مجال تدريس اللغة الإنجليزية.

وبذل المجلس الثقافي البريطاني جهودا مع المؤسسات الثقافية والتعليمية العراقية وعمل على إعادة ربط العراق بالمجتمع التعليمي الدولي، وتعزيزه بخبرات المملكة المتحدة في الميدان الثقافي والتعليمي، وكذلك تقديم المساعدات والخبرات المطلوبة لوضع حلول للتحديات التي يواجهها قطاع التعليم في العراق. وكان المجلس الثقافي البريطاني قد أطلق برنامج الشراكات التنموية في التعليم العالي في العراق [45].

الخاتمة:

إن السياسات الداخلية للأحزاب الحاكمة في الحكومة البريطانية تختلف مع الأوضاع في الداخل وتتأقلم مع احتياجات المجتمع البريطاني، ولكن السياسات الخارجية لكافة الأحزاب البريطانية هي سياسات ثابتة وليست قابلة للتغيير، إذ تستند إلى مصالحها الوطنية، وتطبيق حقوق الإنسان والديمقراطية في بريطانيا وكافة الدول العالم. كما وتدعم قرارات المجتمع الدولي على أساس تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام القوانين الدولية، كما وتواكب الدول الأربعة الدائمة في مجلس الأمن في قراراتها، وبريطانيا هي الدولة التي تتمتع بنفوذ كبير بين الأعضاء، فضلاً عن حفاظها على مصالح دول الاتحاد الأوروبي.

تعد سياسة حزب العمال إزاء العراق للمدة من 2003 -2010، ومن ثم حزب المحافظين للمدة 2010-2014، سياسة مبنية على المصالح البريطانية أولاً، ومن ثم فإنها تدعم عراق حر وديمقراطي ويتمتع بالسلام ويحترم حقوق الأقليات وحقوق الإنسان وترعى دور المرأة في المجتمع والسلطة، وتدعم السوق الحر، وان يكون العراق دولة منفتحة للتجارة الحرة، كما وتسعى المملكة المتحدة أن يكون العراق آمن للجميع.

لقد رغبت بريطانيا بالمساهمة في التنمية العراقية من رؤية إستراتيجية لقطاع الطاقة، وحاولت تشجيع الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان لتمرير وتنفيذ التشريعات الجديدة الخاصة بالنفط والغاز وتقاسم العائدات. وتشجيع الحكومة العراقية للعب دور مسؤول في منظمة أوبك وغيرها من المؤسسات الدولية للطاقة.

وعملت بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي حول شراكة إستراتيجية مع العراق، بما في ذلك صادرات الغاز مشجعين بذلك الاتحاد الأوروبي. وحاولت دعم الشركات البريطانية للفوز بعقود ذات قيمة عالية في العراق، من خلال تشجيع ودعم الحكومة العراقية من أجل حل المشاكل التي تحظر الأعمال، وتشجيع الاستثمار الداخلي، فضلاً عن دعم وزيادة نمو القطاع الخاص في العراق، والذي يؤدي إلى خلق فرص العمل.

كما سعت لبناء الشراكة الثقافية بين المملكة المتحدة والكليات والجامعات العراقية لدعم وتحسين التعلم وتطوير المهارات المهنية والأكاديمية والمهنية، وتحسين وتوفير التعليم والتدريب في القطاع الحكومي، وتشجيع المنح الدراسية الممولة من العراق إلى المملكة المتحدة.

 

[1] حول تفاصيل دور المستر ريج في العراق ينظر: كلوديس جيمس ريج، رحلة ريج المقيم البريطاني في العراق عام 1820 إلى بغداد – كردستان – إيران، ترجمة بهاء الدين نوري، الدار العربية للموسوعات، بيروت، 2008.

[2] حنا بطاطو، الكتاب الأول العراق الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني وحتى قيام الجمهورية، ترجمة عفيف البزاز، مؤسسة الأبحاث العربية، ط2، بيروت، 1995، ص 272.

[3] علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج1، الطبعة الأولى، المطبعة الحيدرية، 1996، ص 241.

[4] جعفر عباس حميدي وآخرون، تاريخ العراق المعاصر، الموصل، 1986، ص 33.

[5] عبد الرزاق الحسني، تاريخ العراق السياسي الحديث، ج 1، ط 7، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1989، ص 59-69.

[6] حول ثورة العشرين وأسبابها وتطوراتها ينظر: عبد الرزاق الحسني، الثورة العراقية الكبرى، ط 6، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1992 ؛ وميض جمال عمر نظمي، ثورة العشرين الجذور السياسية والفكرية والاجتماعية للحركة القومية العربية ” الاستقلالية ” في العراق، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 2، بغداد، 1985.

[7] أحمد رفيق البرقاوي، المصدر السابق، ص 132.

[8] حول ثورة مايس ينظر: وليد محمد سعيد الأعظمي انتفاضة رشيد عالي الكيلاني والحرب العراقية البريطانية 1941، دار واسط، بغداد، 1986. وحول دور الجيش في الحياة السياسية ينظر: محمد طربوش، دور العسكر في السياسة، ترجمة محمود أحمد عزت البياتي، بيت الحكمة، بغداد، 2012.

[9] علاء جاسم محمد الحربي، العلاقات العراقية البريطانية 1945-1958، بيت الحكمة، بغداد، ص 234-235.

[10] نصير محمود شكر الجبوري، السياسة الخارجية للجمهورية العراقية 1958-1963 دراسة في ضوء مقررات مجلس الوزراء، دار ضفاف للطباعة والنشر، بغداد، 2012، ص 163.

[11] قحطان أحمد سليمان، السياسة الخارجية العراقية من 14 تموز 1958 إلى 8 شباط 1963، مكتبة مدبولي، القاهرة، 2008، ص 374.

[12] دانيال كولار، العلاقات الدولية، ترجمة خضر خضر، دار الطليعة، بيروت، 1987، ص 65.

[13] Iain Byrne and Stuart Weir, ‘Democratic audit: executive democracy in war and peace’, Parliamentary Affairs 57: 2, 2004, p. 456.

[14] Michael Clarke, British external policy-making in the 1990s (London: Macmillan, 1992), pp. 44–52.

[15] Ibid.

[16] Colin Hay, The political economy of New Labour (Manchester: Manchester University Press, 1999); John Gray, ‘Blair’s project in retrospect’, International Affairs 80: 1, 2004, pp. 39–48.

[17] William Wallace, The foreign policy process in Britain (London: RIIA, 1975), p. 36.

[18] Donna Lee, ‘The growing influence of business in UK diplomacy’, International Studies Perspectives 5:1,2004, pp. 50-54

[19] Anthony Sampson, Who runs this place? The anatomy of Britain in the 21st century (London: John Murray,2004), p. 301.

[20] FCO, UK international priorities: a strategy for the FCO, Cm 6052, Dec. 2003.

[21] For example: Brian White, ‘The European challenge to foreign policy analysis’, European Journal of International Relations 5: 1, 1999, pp. 37–66.

[22] See: Brian White, Understanding European foreign policy (Basingstoke: Palgrave, 2001), ch. 6

[23] Anthony Seldon, Blair (London: Free Press, 2004), p. 692.

[24] تقرير تشاتهام هاوس المركز الملكي للدراسات الإستراتيجية في لندن، 2004، ص 499.

[25] المصدر نفسه، ص 580.

[26] Pual William, who is making foreign policy 2004, p.917.

[27] This new post has been criticized on the grounds that while it provides a fast track to the prime minister on security and intelligence matters it simultaneously encourages the bypassing of cabinet on these important issues: Review of intelligence, p. 607

[28] تقرير تشاتهام هاوس المركز الملكي للدراسات الإستراتيجية في لندن، سنة 2004، ص 48.

[29] Review of intelligence, p. 427.

[30] Ibid 463.

[31] Brown, Gordon (2007). Britain’s Everyday HeroesMainstream PublishingISBN 978-1-84596-307-1

[32] Siddique, Haroon (22 June 2009). “Public Iraq war inquiry ‘essential’, says chairman”. London: The Guardian. Retrieved 24 November 2009.

[33] والاس، السياسة الخارجية، د.م، 2010، ص 21.

[34] ينظر: الموقع الرسمي لوزارة الخارجية البريطانية.

 https://www.gov.uk/government/organisations/foreign-commonwealth-office

[35] تصريح وليم هيغ وزير الخارجية البريطانية بمناسبة استلامه المنصب في 2010 الموقع الرسمي لوزارة الخارجية البريطانية سنة 2010 الصفحة 2.

[36] المصدر نفسه.

[37] التقرير السنوي للسفارة العراقية في لندن لعام 2012.

[38] هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي آذار 2008.

[39] تقرير وزارة الخارجية العراقية دائرة التخطيط السياسي 2009.

[40] وزارة التجارة والاستثمار البريطاني، مكتب العراق، إرشادات العمل مع العراق، لندن، 2012، ص 30.

[41] وزارة التجارة مكتب الشرق الأوسط /العراق، تعليمات العمل، سنة 2012.

[42] تقرير حقوق الإنسان 2012 الصادر من وزارة الخارجية البريطانية لسنة 2012، ص 23.

[43] تقرير السفارة العراقية في لندن تشرين الثاني 2013.

[44] تقرير السفارة العراقية لندن تشرين الثاني 2013.

[45] ينظر موقع المجلس الثقافي البريطاني (British Council):

http://iraq.britishcouncil.org/

أ.د. ستار جبار الجابري

مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية/ جامعة بغداد

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button