القاموس السياسيدراسات استراتيجية

الإستراتيجية الدولية – International Strategy

حظى الإستراتيجية، كموضوع باهتمام واسع النطاق لدى المفكرين والمثقفين والأكاديميين، فضلاً عن اهتمام النخب القيادية والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية لما لها من علاقة وثيقة بالعديد من مجريات السياسة الدولية، وهذه الجاذبية التي تتحلى بها الإستراتيجية جعلت منها مفرد متقرن بجملة أفعال لا حصر لها، وعليه فمصطلح الإستراتيجية يستخدم اليوم في مختلف ميادين الحياة، وفي أنشطة عديدة حتى أصبح من الصعوبة تحديد ما المقصود بها على وجه الخصوص، وعليه سنتناول في هذه المقالة مصطلح الإستراتيجية وتحديد ماهيتها.

مفهوم الإستراتيجية الدولية:

نجد أن مفهوم أو مصطلح الإستراتيجية يوجد في مختلف اللغات الأوربية أو اللغات الإغريقية، ففي الألمانية نجد  strategie، وفي الروسية  strategija ، وعندما نقول(stratos agein) فهو مصطلح الإستراتيجية ذاته مقسم إلى جزئين ويعني “الجيش الذي ندفع به إلى الأمام”. وبوصل طرفي المصطلح stratos و agein نحصل على strategos وهذا يعني “الجنرال”، وفعل strategô يعني قاد أو أمر، أما الصفة  strategikos  والتي تجمع strategika فهي تعني وظائف وأعمال الجنرال بالمفهوم العسكري للكلمة، وتعني الصفات التي يمتلكها الجنرال، الإستراتيجية إذا هي فن القيادة للجيش أو بشكل أشمل هي فن القيادة.

و تعبير الإستراتيجية مشتق أصلا من الكلمة اليونانية strato بمعنى جيش أو حشد، و من مشتقات هذه الكلمة stratego والتي تعني فن القيادة، كما من مشتقاتها أيضا strategem والتي تعني الخدعة الحربية التي تستخدم في مواجهة العدو.

تعريف مصطلح الإستراتيجية:

عرَّف كلاوز فيتز Carl von Clausewitz الإستراتيجية بأنها “نظرية استخدام الاشتباك للوصول إلى هدف الحرب”.

أما فوندر جولتز Colmar Freiherr von der Goltz فقد عرَّف الإستراتيجية بأنها “اتخاذ الإجراءات ذات الطبيعة العامة بالنسبة لمسرح الحرب ككل”.

كما عرَّفها ليدل هارت B. H. Liddell Hart بكونها “طرق استخدام القوة العسكرية لتحقيق الأهداف السياسية”.

و قد عرفها مولتكه Helmuth von Moltke the Elder بأنها “عملية الموائمة الصحيحة للوسائط الموضوعية تحت تصرف القائد لتحقيق الأهداف”.

فيما عرفها ريمون آرون Raymond Aron بأنها “قيادة مجمل العمليات العسكرية”.

وجاء في قاموس أكسفورد  Oxford بأن الإستراتيجية “فن عرض وتوجيه العمليات العسكرية الكبيرة والعمليات الخاصة بالحملة”.أما الموسوعة البريطانية تشير بأنها علم وفن استخدام جميع موارد الدولة للوصول إلى هدف الحرب.

يؤخذ على هذه التعاريف، أنها تضيق من نطاق مفهوم الإستراتيجية وتربطه بالمعارك والحروب، ومن ثم تبدو الحرب أنها الوسيلة الوحيدة لتحقيق أهداف الدولة، بمعنى آخر تربط هذه المفاهيم الإستراتيجية بالجانب العسكري فقط، ولتجاوز هذا القصور فكرَّ مفكروا الإستراتيجية بتعاريف أخرى و من أبرز هؤلاء المفكرين أندريه بوفر André Beaufre. فقد عرَّف أندريه بوفر André Beaufre الإستراتيجية بأنها “فن استخدام القوة للوصول إلى السياسة”، و هذا التعريف كما نلاحظ لم يحدد تحقيق الأهداف بالقوة العسكرية فقط بل ذكر القوة ربما تكون اقتصادية، سياسية أو عسكرية.

الإستراتيجية إذن هي أداة للوصول إلى تحقيق الأهداف الموضوعية، وهي بهذا المعنى تركز على الأساليب والأدوات وصولاً إلى تلك الأهداف، وفي ضوء هذا التصور الشمولي لما تعنيه الإستراتيجية يمكن تعريفها بالقول، أن الإستراتيجية هي “علم و فن استخدام الوسائل والقدرات المتاحة، وفي إطار عملية متكاملة يتم إعدادها والتخطيط لها، بهدف خلق هامش من حرية العمل يعين صناع القرار على تحقيق أهداف سياستهم العليا في أوقات السلم و الحرب”.

الفرق بين الإستراتيجية وبعض المصطلحات ذات الصلة:

1- الفرق بين الإستراتيجية و التكتيك

الإستراتيجية فن القيادة العامة في الحرب بأجمعها، إنما التكتيك فن القيادة في ميدان المعركة والتي اشتقت من ”تاسين“ اليونانية وهي فعل معناه يهيئ للحرب. والإستراتيجية في الأعمال الحربية هي الخطة العامة التي توضع لإحراز هدف. وصفها  كلاوسيفتز – Carl von Clausewitz أنها التصميم أو الخطة العامة لحملة عسكرية كاملة، أما التكتيك فهو تصميم خطة معركة واحدة.

2- الفرق بين الإستراتيجية و الجيو إستراتيجية:

“الجيوستراتيجية تبحث في المركز الإستراتيجي للدولة أو الوحدة السياسية، سواء في الحرب أو السلم، فتتناوله بالتحليل إلى عناصره أو عوامله الجغرافية العشرة، وهي : الموقع، والحجم، والشكل، والاتصال بالبحر، والحدود، والعلاقة بالمحيط، والطبوغرافيا، والمناخ، والموارد، والسكان” . و يمكن تعريف الجيواستراتيجية أيضا بأنها “دراسة الموقع الإستراتيجي للدولة أو المنطقة الإقليمية، ومدى تأثير هذا الموقع في العلاقات السلمية والحربية”.

3- الفرق بين الإستراتيجية و التخطيط:

وعلى غير الشائع فإن الإستراتيجية ليست هي الخطة! إن التخطيط عملية إداريةٌ داخليّة تنحو في الغالب إلى التصميم وتنظيم الأشياء وترتيبها وإدارة الموارد وغيرها، بينما الإستراتيجية خارجيّةٌ تتوجه بالملاحظة والاستقراء والتوقّع أثناء التقدّم،كما أن التخطيط يعمل في البيئات المسيطر عليها، لذا يُرى ضرورياً عند وضع الخطط أن تحدّد الموازنات سلفاً والأشخاص في المواقع الوظيفية والهياكل وغير ذلك، بينما مجال عمل الإستراتيجية هو البيئات غير المتوقعة التي لا تحكمها قواعد ثابتة، حيث تنشأ فرص تتطلب مواردَ غير ما رُصد من قبل، أو ينشأ تهديد يتطلب تلافيه تدابير لم توضع في الحسبان.

التطور التاريخي للإستراتيجية:

لقد ظهرت في أثينا منذ القرن الخامس قبل الميلاد وظيفة ما يمكن أن نسميه المخطط الإستراتيجي أولحربي stratège. حيث “القبائل” تختار عشر “استراتيجيين” أو مخططين. يؤسسون مدرسة يستطيع أحد من داخلها أن يفرض نفسه على الآخرين المتبقين. لكن جميع الأعضاء في هذه المدرسة لديهم الإمكانية في قيادة الجيش أو جزءا منه، فاستراتيجي من بينهم يقود الجنود المسلحين في المناطق الريفية، وآخر مكلَّف بالدفاع عن الإقليم أو الدولة و …، إن كلمة strategema ظهرت في الربع الثاني من القرن السادس قبل الميلاد، ولكنها وجدت ولأول ولمرة  عند زينوفن – Xénophon ،  أما تعريفها الحقيقي أتي فيما بعد على يد الحكيم المسيحي كليمنت أليكساندري – Clément Alexandrie في القرن الثاني قبل الميلاد. وتقريبا في نفس العصر ظهرت كلمة  strategika على يد ديميترويز دي فالير – Demetrois de Phalère، و كانت تعني الحيلة والخداع، أما عند الرومان و بالتحديد شيشرون – Cicero فقد استخدم كلمة strategema و التي تعني علم الأشياء العسكرية.

وهكذا نلاحظ أن مصطلح الإستراتيجية يتغير مفهومه و معناه من مفكر إلى آخر و من زمن لآخر.

مستويات الإستراتيجية:

بالنسبة إلى مستويات الإستراتيجية، فإن المتخصصين في الدراسات الإستراتيجية يميزون بين ثلاثة مستويات أساسية للإستراتيجية تتمثل في:

1- المستوى الإستراتيجي:

أو ما يسمى بالمستوى السياسي العسكري وهو المستوى الأعلى لحوار الإرادات العليا السياسية والعسكرية والدبلوماسية للدولة من أجل الإدارة الإستراتيجية الكبرى للمصالح الوطنية في بنية دولية تتميز بعدم اليقين في وجهة التحولات الجيوسياسية والجيوستراتيجية لوحداتها الدولية. فالمسألة تستند هنا على ما إذا كانت الإستراتيجية الكبرى لها القدرة على التنبؤ بمسار التفاعلات الدولية والقدرة على تحديد المصالح الوطنية وتحقيقها.

2- المستوى التكتيكي:

 تنحصر الإستراتيجية على هذا المستوى في الاتصالات بين القيادة العليا العسكرية والقيادة المباشرة للعمليات العسكرية على جبهات القتال، وهو مستوى عسكري أثناء الإدارة المباشرة للحروب. ويمكن تلمسه كذلك في الميادين الأخرى عندما يتعلق بالإستراتيجيات الصغرى ذات الأهداف الثانوية والمرتبطة بفترة زمنية قصيرة أو مؤقتة.

3- المستوى العملي:

وفيه يتم تحديد المتغيرات المكانية والزمانية بدقة، وتحديد حجم الإمكانيات والوسائل اللازمة لتحقيق أهداف الإستراتيجية أي تحويل التصور النظري إلى تطبيق عملي.

وسائل بناء الإستراتيجية:

لا يمكن الحديث عن الإستراتيجية الفعالة والناجحة مهما كانت درجة تماسكها المعرفي وواقعية طرحها النظري ومثالية تصورها الفكري إذا لم تسندها الوسائل والإمكانيات اللازمة لنقلها من الأفكار المجردة إلى التطبيقات العملية، وتتمثل هذه الوسائل في مادية ومعنوية نشرحها في ما يلي:

1- الوسائل المادية: 

يقصد بها جميع الوسائل الاقتصادية من موارد طبيعية وحجم الإنتاج والحالة المالية والتجارية، والوسائل العسكرية ،كل هذه الوسائل مجتمعة إذا ما توفرت بشكل كبير فإنها تمنح للدولة حرية المناورة وقوة دعم هائلة ودافعية لإنجاز الأهداف السياسية والقومية وتحقيقها والدفاع عنها أمام التهديدات التي تواجهها.

2- الوسائل المعنوية:

تنطوي الوسائل المعنوية على منظومة الأفكار الإيديولوجية والحضارية ودرجة التعبئة السياسية الداخلية ووضوح الرؤية في المسائل الخارجية التي تشكل جنبا إلى جنب مع الوسائل المادية مصفوفة حضارية متكاملة تشكل عناصر دفع للدولة لممارسة نفوذها الخارجي وتحقيق تماسكها الداخلي وتنفيذ إستراتيجيتها لتحقيق مكاسبها الوطنية وحماية مصالحها الوطنية. فالسياسة الخارجية التي تنطوي على سلوك دولة ما حيال محيطها الخارجي تقوم عادة على وسائل الإقناع والدبلوماسية والتحالفات. وهي في جملتها وسائل معنوية تعتمد على المهارة ومنظومة القيم المغرية للأطراف الأخرى والقادرة على استقطاب الحلفاء وعزل المناوئين ودحر الأعداء.

العلاقة بين الإستراتيجية والعلاقات الدولية:

الإستراتيجية قد ظهرت قبل العلاقات الدولية بأشواط طويلة، ودخلت المجالات التطبيقية في الحياة السياسية والعسكرية قبل العلاقات الدولية، على الرغم من أن مفهوم الإستراتيجية قد ظهر ملازماً للمعارك والحروب وإدارة وقيادة الجيوش في المعارك، وعلى هذا الأساس إذا ما أردنا أن نضع مقاربة في مجالات العمل والتطبيق والشمول فنجد أن الإستراتيجية تعمل في المجالات كافة منها الداخلية والخارجية والتي تشتمل على الأمور السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثفافية … الخ ، بحيث أصبح هناك إستراتيجية عسكرية وإستراتيجية سياسية وإستراتيجية اقتصادية وإستراتيجية اجتماعية وثقافية اضافة إلى الإستراتيجية العليا الشاملة للدول، بينما تعمل العلاقات الدولية في الخارج فقط، على الرغم من إن العلاقات الدولية هي نتاج للشؤون الداخلية ونابعة من الداخل ولكن هي تختص في العلاقات الخارجية ما بين الدول فقط، على عكس الإستراتيجية التي تعمل في الداخل والخارج وتشمل كل شي.
وهناك نقطة جدا مهمة يجب ذكرها أن العلاقات الدولية لم تنشأ إلا بعد نشوء الدول القومية، بمعنى أن ظهور الدول القومية في منتصف القرن السابع عشر، صاحب معه ظهور العلاقات بين الدول وهذه العلاقات تطورت مع تطور الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدول مما أدى إلى ظهور مصطلح العلاقات الدولية على أسس قانونية نظمتها الشرائع التي ولدت بعد معاهدة وستفاليا، وهذا الكلام يثبت أن العلاقات الدولية تعد حقلاً حديثاً بالمقارنة مع مصطلح الإستراتيجية الذي يعد تاريخ نشأته تتجاوز العشرين قرن من الآن.

و في النهاية يمكن القول أن الإستراتيجية في أبسط معانيها تعني الوسيلة أو الطريقة التي تؤدي بنا إلى تحقيق أهدافنا المتعلقة بالدرجة الأولى بالدولة ولذلك نجد أنها تحتل مكانة كبيرة في حقل العلاقات الدولية في أحد فروعه، كما تجدر الإشارة إلى أن مصطلح الإستراتيجية غير مرتبط بالحرب فقط، فنجد إستراتيجية اقتصادية، سياسية، اجتماعية…

المصادر والمراجع:

محمد جبر، دينا. الإستراتيجية بين الأصل العسكري و الضرورة السياسية و تأثيرها على توازن القوى الدولي. بغداد: كلية العلوم السياسية.

صلاح نيوف، مدخل إلى الفكر الإستراتيجي. الدنمارك: الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك.

عبد القادر فهمي, المدخل إلى دراسة الإستراتيجية. (عمان: دار مجدلاوي للنشر و التوزيع)،2010.

لزهر وناسي، “الإستراتيجية الأمريكية في آسيا الوسطى و انعكاساتها الإقليمية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001”.  مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، فرع العلاقات الدولية و الدراسات الإستراتيجية، جامعة الحاج لخضر باتنة، كلية الحقوق، قسم العلوم السياسية،2009.

بكر إغوان، علي بشار. جدلية العلاقة بين الاستراتيجية والعلاقات الدولية (مقاربة تاريخية).

حسن عاصم بن محمد. مابين الإستراتيجية و التخطيط.

سعود عابد، الفرق بين الإستراتيجة و الجيو استراتيجية.

المصدر: الموسوعة السياسية

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى