فؤاد الصباغ – كاتب تونسي و باحث اقتصادي دولي.
إن التجارة العالمية تعتبر اليوم الشريان الحيوي للاقتصاديات الوطنية بمختلف دول العالم المتقدمة أو السائرة في طريق النمو و أيضا للتجار الصغار و الكبار أو لأصحاب الشركات التي تحتاج بدورها إلي مسوق تجاري لمنتجاتهم. فمما لا شك فيه أخذت تلك التجارة علي مر السنين طابع متحول و متغير جذري علي مستوي نمط البيع و الشراء بحيث ظهرت مع مطلع العشرية السابقة نوعية التجارة الإلكترونية علي شبكة الإنترنت و التجارة بالتجزئة في الفضاءات التجارية الضخمة و غيرها و التي تعتبر أنواعا من التجارة التي تختلف جوهريا عن التجارة التقليدية. فبالتأكيد يعد ذلك القطاع التجاري مربحا جدا و طريق للثراء الحقيقي في وقت وجيز جدا نظرا للأرباح التي يجنيها التاجر من خلال بيع تلك المنتجات يوميا لمختلف الشركات العالمية. ففي هذا الإطار يمكن التطرق إلي نوع جديد من أنواع التجارة و المعروف حاليا بالبيع المباشر DirectSelling و هي بالأساس نوعية من تجارة تحظي بإقبال كثيف بالدول المتقدمة منها الولايات المتحدة الأمريكية, أستراليا و دول الإتحاد الأوروبي. أما نوعية تلك المنتجات العالمية التي يقع الترويج التجاري لها عبر البيع المباشر فهي تختص بالأساس في مواد التجميل للنساء, الأدوية البيوطبيعية و الإلكترونيات. إجمالا تلك النوعية من التجارة تتمثل في إلتقاء طرفين و هما البائع و الشارئ مباشرة وجها لوجها بحيث يقع تقديم درس من قبل التاجر لمحتوي ذلك المنتج بالتفصيل و التي لا تتوفر تلك الإمكانية في نوعية التجارة التقليدية أو الإلكترونية. إذ هنا يكمن مربط الفرس بحيث تتحول تلك التجارة إلي نوعية جديدة من الترويج المباشر لمنتجات الشركات العالمية ليصبح التاجر هو وكيل تجاري أو بالأحرى مدير تلك الشركة بعد الترقيات التي يمر بها ليكون بدوره شبكة كبيرة من المروجين بالعمولة لتلك المنتجات. لكن هنا تبرز الفوارق واضحة بين واقعية ذلك البيع المباشر من خلال الدفع و الإستلام و بين تخصيص مبلغ نسبة مئوية علي كل بيع لمنتج معين داخل تلك الشبكة الهرمية بحيث تكثر في صلبها عمليات النصب و الإحتيال أو بما يعرف بالسكام Scam. عموما بعض الأشخاص مازالوا ملتزمون بقواعد عمليات تلك النوعية من البيع المباشر و ذلك من خلال إحترامهم لتسديد المنحة لكل مستهلك و حريف جديد لمنتج معين و الذي يتحول بدوره إلي مروج لذلك المنتج.
نصب و إحتيال
في كل دولة من دول العالم يوجد الصالح و الطالح و لا يمكن بأي حال من الأحوال جمع الجميع في سلة واحدة و توجيه لهم تهمة ملفقة مسبقا. فالنصب و الإحتيال موجود في شتي المجالات و القطاعات و حتي في التجارة التقليدية أو في دواليب الحكومات الفاسدة بطبعها بحيث تكثر داخلها عمليات نهب ثروات الشعب و تحويل تلك الأموال إلي البنوك الأجنبية. بالطبع هنا تكمن الفوارق واضحة بين سياسي فاسد لا يلاحقه القضاء أثناء مهامه أو تجار فاسد متهم مسبقا قبل بدء العمل نظرا لغياب المصداقية و الشفافية من خلال تلك الشائعات أو الحقائق المتداولة في الأسواق التجارية. فعمليات تلك النصب و الإحتيال من قبل بعض التجار الفاسدين تتلخص بالأساس في سرقة أموال النسب المئوية داخل شبكته الخاصة أو الترويج للوهم بالثراء السريع دون الإهتمام بالمنتج و الإلتزام بذكر منافعه و فوائده علي المستهلك. فهنا يمكن ذكر بعض الشركات التي تكثر في صلبها عمليات النصب و الإحتيال وفقا لمنظمة مراقبة التجارة عبر البيع المباشر و هي بالتحديد شركة “ACN” لبيع الهواتف الجوالة و الإلكترونيات و شركة “Herbalife” لبيع المواد الطبية البيوطبيعية. إن عمليات النصب و الإحتيال لا تكمن خطورتها في بيع المنتج مباشرة وجها لوجه بين الجانبين بل تكمن في تكوين تلك الشبكة الهرمية بحيث لا يقع تسديد النسبة المتراكمة عبر جمع النقاط مما يفقد تلك التجارة مصداقيتها و يحولها برمتها إلي مجرد بيع وهم إلي الحرفاء بدون التركيز علي الغرض الجوهري لبيع و تقديم تلك المنتجات للشركات العالمية إلي المستهلكين. فللبحث عن مصدر ذلك الإحتيال يجب التركيز علي عملية البيع الأولي بحيث علي البائع الإلتزام بقواعد البيع المباشر من خلال التقديم و الإقناع بجودة ذلك المنتج و فوائده علي المستهلك. أما في المقابل علي الشارئ أن يلتزم بمعرفة نوعية تلك المنتجات و تلك التجارة و الذي يعتبر غرضها ليس الثراء و الربح بل في تقديم أولوية الإستهلاك للمستهلك ثم التحول إلي الترويج للمروج لتلك المنتجات وسط شبكة يقودها البائع الأول و الذي يصبح بدوره مديرا لتلك المجموعة التجارية.
بيع و إقبال
إن عمليات البيع المباشر يشهد إقبالا متزايدا وفقا لتقارير منظمات البيع المباشر العالمية Direct Selling Organization مما يجعلها واقعا تجاريا ملموسا. كما أصبحت تلك النوعية من التجارة أكثر تنظيما بحيث برزت في هذا السياق العديد من العيادات “البيوطبيعية المختصة” لتقديم فحص طبي مباشر للمرضي مما يجعل من ذلك التاجر لتلك المنتجات “طبيبا حقيقيا” بدون تخصص جامعي. فتلك المنتجات تكمن فوائدها خاصة من خلال البيع المباشر لتلك الأدوية “الطبيعية” المقدمة للمرضي منها أمراض الروماتيزم, السكر, الضعف الجنسي, الدم, الأرق و الإرهاق و غيرها. كما إنتشرت معها في هذا السياق بصفة ملحوظة العديد من “الصيدليات البيوطبيعية” و التي أضحت تبيع تلك المنتجات مباشرة للمرضي مع تقديم درسا كاملا و شاملا لكيفية الإستخدام و الإستهلاك ثم بعد ذلك التحول إلي بائع مباشر داخل تلك الشبكة. إجمالا هنا تتضح مصداقية تلك التجارة عبر البيع المباشر علي أرض الميدان بحيث أصبحت تعتبر مستقبل التجارة الصاعدة و الواعدة و التي أصبحت تحظى بإقبال متصاعد و متزايد.