القاموس القانونيدراسات قانونيةرسائل و أطروحات قانونية

التحكيم كطريق بديل لحل النزاعات الداخلية

ملخص:
إتفاقيات التحكيم و هي التسمية الجديدة التي أتى بها قانون 08 – 09 و التي تناولها القانون الجديد و التي لها مدلول قانون أوسع من غيره و قد تناول القانون الجديد إتفاقيات التحكيم بنوع من التوسع و بأحكام جديدة لم يكن قد تناولها القانون القديم و أضاف أحكام لم تكن موجودة في التحكيم الداخلي مع بعض الخصوصية لبعض القطاعات 

إن من أهم وظائف الدولة الحديثة إقامة العدل بين الناس والفصل في المنازعات التي تنشأ بينهم عن طريق أجهزتها القضائية المختلفة، وتشكل السلطة القضائية إحدى الدعائم الثلاث التي يقوم عليها الحكم في أي مجتمع. وكرست معظم دساتير العالم الحق الحصري للدولة في حل النزاعات، فالقضاء الذي تشرف عليه الدولة عن طريق الجهات القضائية المختلفة هو الطريق العادي لحل المنازعات، والدولة هي التي تحدد جهات القضاء واختصاصاتها وتختار قضاتها وتحدد الإجراءات الواجبة الإتباع أمامها وتضع القوانين الموضوعية والإجرائية المختلفة لحل المنازعات التي تقع في كافة المعاملات. وعليه فالدولة ومن خلال النظام القضائي الذي تنشئه تتولى وظيفة أساسية تتمثل في تحقيق العدالة بين أفراد المجتمع.

وإذا كان الفصل في المنازعات وإقامة العدل بين الناس حكرا على الدولة عن طريق جهات القضاء المختلفة إلا أن هذا لا يمنع الدولة من الخروج على هذا المبدأ والسماح للأفراد أو الهيئات بالقيام بنفس المهام التي يقوم بها القضاء وهي الفصل في المنازعات، ولكن هذا الاستثناء ليس على مطلقه فالدولة هي التي تشرف أصلا على القضاء واستثناءا وفي بعض المنازعات تجيز للأفراد أو الهيئات النظر والفصل فيها عن طريق الوسائل البديلة لحل المنازعات وهي الطرق غير القضائية لحل النزاع، والتي يتم عن طريقها رفع النزاع والفصل فيه خارج المحكمة وتشمل هذه الوسائل الصلح والوساطة والتحكيم الذي يمثل النموذج الرئيسي لهذا الاستثناء إذ تعترف القوانين للمحكم بسلطة الفصل في المنازعات بأحكام لها نفس مواصفات أحكام القضاء، وهو بذلك يعتبر نظاما خاصا للفصل في المنازعات. وعند الإتفاق على اللجوء للوسائل البديلة لفض النزاع يفقد الطرفين حقهما في اللجوء للقضاء ما لم تخفق هذه الوسائل في حل النزاع، وتتصف هذه الوسائل البديلة بالمرونة والحيادية والشفافية واحترام القانون.

وباعتباره نظاما خاصا لحل المنازعات فالتحكيم ليس نظاما حديثا بل قديم النشأة، فلقد عرفته الأنظمة المختلفة على مر العصور نظرا لما يوفره من مزايا ويتسم به من خصائص لا تتوفر في القضاء الذي تشرف عليه الدولة، فهو نظام معروف منذ القدم لحل مختلف المنازعات مهما كانت طبيعتها، فقد عرف بصفة خاصة لدى قدماء الإغريق على شكل مجلس دائم لحسم الخلافات التي كانت تحدث بين دويلات المدن اليونانية، أما الروم فقد عرفوا التحكيم في القانون الخاص والذي استقر في أذهان الناس واعتادوا اللجوء إليه حتى أصبح عادة أصيلة في نفوسهم، وفي القرون الوسطى كانت الدولة الأوربية المسيحية تحتكم إلى البابا في حسم منازعاتها، وعند قدماء المصريين والفراعنة كان الملك هو الحكم الذي يحسم المنازعات بحكم نهائي لا يقبل الطعن فيه. وكان التحكيم شائعا عند عرب الجاهلية، وكان شيخ القبيلة من يتولى عادة مهمة حسم المنازعات التي كانت تحدث ضمن القبيلة، كما عرفت الشريعة السمحاء التحكيم، واستمد مشروعيته من القرآن الكريم.(1)

وتطور التحكيم في الوقت الراهن على الصعيد الداخلي ليصبح وسيلة بديلة لحسم النزاعات الوطنية إذا اختار الطرفان ذلك، والتحكيم التجاري الدولي تطور أيضا مع تطور التجارة الدولية وأصبح حاليا الطريقة الشائعة لحسم المنازعات، بحيث يندر أن نجد عقدا تجاريا لا يتضمن شرط الإحالة على التحكيم في حال نشوب خلاف بين الطرفين بعد أن كرست معظم الدول في قوانينها نظام التحكيم.

وهذا التطور الهائل الذي يعرفه التحكيم في كافة مجالات المعاملات الدولية والداخلية أدى إلى إرساء قواعده وتحديد مبادئه التي تختلف عن تلك التي يقوم عليها قضاء الدولة تيسيرا لأداء مهمته والقيام بدوره كوسيلة مهمة لحل المنازعات في جو يسوده اليسر والمرونة ويبعث على الاطمئنان. وهذه الأهمية الكبرى للتحكيم جعلت النظم القانونية تعتني به بوضع أحكامه التي تتناول الإتفاق على اللجوء إليه وتحديد المنازعات التي يمكن طرحها أمامه، وتحديد كيفية إختيار القواعد الإجرائية والموضوعية المطبقة على النزاع.

والتحكيم سواء كان دوليا أو وطنيا فهو يعتمد أساسا على أطراف النزاع، فهم من يختار اللجوء إليه بإرادتهم الحرة، فهذه الإرادة هي التي تخلق التحكيم وهي أساس وجوده، رغم أن هناك التحكيم الإجباري  كالتحكيم في منازعات العمل الجماعية، إلا أن هذا النوع من التحكيم يخرج عن مجال الدراسة لأن أساسه ليس إرادة الأطراف وإنما نص القانون. و إتفاق التحكيم يمكنه تحديد جميع المراحل التي تمر بها عملية التحكيم بما للإرادة من سلطة في اللجوء إليه وتحديد نطاقه.

وللموضوع أهمية بالغة كون التعاقد بشأن التحكيم هو أساس عملية التحكيم، ومن أجل فهم التحكيم الداخلي لابد من فهم التعاقد بشأنه خاصة أن قانون الإجراءات المدنية والإدارية يمنح للأطراف الحرية الكاملة في الإتفاق على جميع المسائل المتعلقة بالتحكيم، وجاءت نصوصه غالبا مكملة لإرادة الأطراف.

وستتم دراسة إتفاق التحكيم الداخلي واستبعاد الدولي من الدراسة طبقا لأحكام قانون الإجراءات المدنية

والإدارية وكذا الأحكام العامة الموجودة في القانون المدني ونظرية العقود. انطلاقا من الإشكالية العامة التي يثيرها والمتعلقة بالخصائص والمميزات التي ينفرد بها إتفاق التحكيم عن بقية العقود؟، ويطرح هذا الموضوع عدة تساؤلات تتعلق بمكانة إتفاق التحكيم بين باقي العقود، والموضوع الذي يتناوله والصور التي يمكن أن يبرم بها؟ كما يثير مسألة مدى حرية الأطراف في اللجوء إلى إتفاق التحكيم من جهة والأهلية المطلوبة لتكوينه من جهة أخرى، ويثير كذلك مسألة الآثار التي يرتبها والقوة الملزمة التي يتمتع بها عند قيامه صحيحا،وطبيعة الدفع الذي يمكن لأحد الأطراف التمسك به في مواجهة الطرف الآخر عند الإخلال به واللجوء إلى القضاء؟. وانطلاقا مما سبق بيانه فستقتصر الدراسة على إتفاق التحكيم في المنازعات الداخلية لما له من خصائص وميزات ينفرد بها عن إتفاق التحكيم في المنازعات الدولية.

أما بالنسبة للتطور التشريعي للتحكيم في الجزائر، فقد سادت فكرة أن الجزائر ترفض التحكيم ولكن هذه الفكرة غير صحيحة، حيث كرست الجزائر قبل استقلالها ومنذ إبرام اتفاقية إيفيان في مارس 1962 مبدأ اللجوء إلى التحكيم في العلاقات التجارية مع الشركات النفطية الفرنسية. وعلى إثر هذا الإلتزام الدولي أبرمت مع هذه الدولة اتفاقيات ثنائية في 1963 التي تكرس هذا الإلتزام الدولي،وقد أكدت ذلك معاهدة الإطار لسنة 1965 على صعيد القانون الداخلي، ولقد نص القانون الجزائري على التحكيم الداخلي في قانون الإجراءات المدنية في الأمر رقم 66/154 الصادر بتاريخ 08/06/1966 المعدل والمتمم بالأمر رقم 71/80 الصادر بتاريخ 29/12/1971 المعدل والمتمم بالمرسوم التشريعي 93/09 الصادر بتاريخ 25/04/1993 الذي نص على التحكيم التجاري الدولي،ونص عليه حاليا في القانون رقم 08/09 الصادر بتاريخ 25/02/2008 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

وستتم دراسة الموضوع بالتركيز على خصوصية إتفاق التحكيم والميزات التي ينفرد بها عن بقية العقود طبقا للخطة التالية:

 خطة البحث :

الفصل الأول:مفهوم إتفاق التحكيم الداخلي.

المبحث الأول: التعريف باتفاق التحكيم الداخلي.

المطلب الأول: تعريفه ومقارنته بالأنظمة الأخرى.

المطلب الثاني: أنواع إتفاق التحكيم.

المبحث الثاني:انعقاد اتفاق التحكيم.

المطلب الأول:الأطراف المتعاقدة في إتفاق التحكيم.

المطلب الثاني:وجود التراضي في إتفاق التحكيم وصحته.

الفصل الثاني:آثار الإتفاق على التحكيم.

المبحث الأول:الآثار الشخصية لاتفاق التحكيم.

المطلب الأول:آثار إتفاق التحكيم على الأطراف المتعاقدة.

المطلب الثاني:آثار إتفاق التحكيم على الأطراف الحكمية.

المبحث الثاني:الآثار الموضوعية لاتفاق التحكيم (حلول التحكيم محل قضاء الدولة).

المطلب الأول:الحرمان من الإلتجاء إلى القضاء.

المطلب الثاني:اللجوء إلى هيئة التحكيم.

التحميل :

لتحميل المذكرة اضغط على الرابط التالي : من هنا 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى