الثورة المخملية في تشيكوسلوفاكيا

الثورة المخملية أو كما يُطلق عليها أحيانًا الثورة الناعمة في جمهورية تشيكوسلوفاكيا سابقًا، وهي عبارة عن ثورة أو احتجاجات أو مظاهرات سليمة اندلعت في أواخر الثمانينات من القرن العشرين في جمهورية تشيكوسلوفاكيا ضدَّ الحكومة الشيوعية ذات الحزب الواحد والتي كانت تحكم البلاد منذ عام 1948م بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وقد سمِّيَت تلك الثورة بالناعمة أو المخملية لأنَّها كانت سليمة ولم يستخدم فيها المحتجون السلاح وذلك من قبل المترجمة الإنجليزية ريتا كليموفا والتي أصبحت سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لاحقًا من قبل الحكومة الجديدة، واستُخدم ذلك الوصف للثورة على مستوى عالمي، لكن بعد الانفصال استخدمت سلوفاكيا اسم الثورة الرقيقة بينما استخدمت التشيك اسم الثورة المخملية، كما يطلق عليها أيضًا الطلاق المخملي لأنَّها أدَّت في نهاية الأمر إلى تفكك تشيكوسلوفاكيا إلى جمهوريتين مستقلتين هما: جمهورية سلوفاكيا وجمهورية التشيك، وفي هذا المقال سيتمُّ تسليط الضوء على تاريخ الثورة المخملية وتفكك تشيكوسلوفاكيا وأسبابها وأطرافها ونتائجها. تاريخ الثورة المخملية وتفكك تشيكوسلوفاكيا ما هو دور الحزب الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا؟

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وخروج الاتحاد السوفيتي منتصرًا من الحرب بدأ المدُّ الشيوعي باجتياح الكثير من البلدان حول العالم، وفي الخامس والعشرين من شهر شباط من عام 1948م استولى الحزب الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا على السلطة، ومنذ ذلك التاريخ كانت الأحزاب المعارضة الرسمية مجرَّدة من كل نشاط في الدولة، فقد قام بعض المعارضين وخصوصًا أصحاب ميثاق 77 والمنتدى المدني بتأسيس نوادٍ للموسيقى وفق أسس محدودة من قبل السلطة حيثُ رُخِّصت المنظمات غير الحكومية فقط، لكنَّ الحكومة قمعت ميثاق 77 ولوحقَ أعضاؤه على طول فترة الحكم الشيوعي في البلاد، وقد مارست السلطة مختلف أنواع القمع والاضطهاد، وذلك عن طريق الشرطة السرية، وقد كان المعارضون يعانون من عدم تأييد الناس لهم خوفًا من رد فعل الحكومة واضطهادها وملاحقتها للمعارضين أو من يقف إلى جانبهم، وكان الكتاب والفنانون ومخرجو الأفلام عرضةً لأن تمنعَ أعمالهم ويلاحقوا بسبب موقف سلبي تجاه النظام الشيوعي. كما لم يكن مسموحًا للسكان بالسفر إلى الدول ذات الأنظمة غير الشيوعية، وقد شملت القائمة السوداء التي اضطُهِد أصحابها أبناء رجال أعمال وسياسيين سابقين غير شيوعيين أو من يعيش من أبناء أسرهم في دول الغرب، ومن دعمَ ألكسندر دوبتشيك خلال ثورة ربيع براغ عام 1968م لأنَّ الحديث عن ذلك الربيع كان محرمًا بالمطلق، بالإضافة إلى من يعارض الاحتلال السوفيتي العسكري، ومن ينشر الأفكار الدينية ويقاطع الانتخابات المزورة للبرلمان، بالإضافة إلى كثير من القوانين التي تضيِّق الخناق على الناس وتجبرهم على الخضوع لسلطة الحزب الشيوعي الحاكم، وكان من السهل ممارسة تلك القوانين نظرًا لسيطرة الحكومة على جميع المؤسسات من مدارس وأعمال تجارية ووسائل إعلام وغيرها. وتغيّرت تلك القائمة السوداء حسب مستجدات الأحداث، وحسب سياسة ميخائيل غورباتشوف فيما يخصُّ الانفتاح وإعادة الهيكلة منذ عام 1985م، لكنَّ إعادة الهيكلة لم تُدعم من قبل الحكومة إلا بالكلام، وفي عام 1988م وقعت أول المظاهرات ضدَّ الحكومة من أشهرها مظاهرة الشمع، لكنَّها كانت مظاهرات متفرقة قامت الشرطة بقمعها وملاحقة المشاركين فيها، لكن في عام 1989م كانت الأمور قد بلغت درجةً كبيرة من السخط وبدأ المواطنون بالوقوف في وجه السلطة وتحدِّي النظام الشيوعي علانيةً دون خوف أو تردُّد، وصار الناس في تشيكوسلوفاكيا مستعدين للتعبير عن سخطهم دون مبالاة من ردة فعل النظام الحاكم، وقد وقَّع عدد كبير من المواطنين بالإضافة إلى شخصيات مرموقة على عرائض تدعم فاتسلاف هافيل الذي كان سجينًا في تلك الفترة.

كما ظهرت مواقف إصلاحية كثيرة من خلال توقيع العديد من الأفراد على عريضة تدعو لأنهاء الرقابة والعمل على إصلاح سياسي شامل في البلاد، وهذا ما دفع في نهاية المطاف إلى قيام الثورة المخملية في 17 من شهر نوفمبر عام 1989م وذلك بعد عدّة أيام من انهيار جدار برلين وبعد أن شاهد أهالي تشيكوسلوفاكيا الشعوب المجاورة تتخلص من أنظمة الحكم الاستبدادية، وبحلول 20 من نفس الشهر كانت شوارع براغ تغصُّ بالمتظاهرين، ورغم محاولات الحكومة بتفريق المتظاهرين والقضاء على الثورة إلا أنَّ محولاتها لم تنفع في تدفق المزيد من المتظاهرين وازدياد الضغط على الحكومة، واستمرت الثورة مع ازدياد أعداد المتظاهرين والقيام بالعديد من الإضرابات على مستوى الدولة لمدة شهر و11 يومًا حيثُ انتهت في 29 من شهر كانون الأول من عام 1989م بعد سقوط الحكم الشيوعي بالكامل في البلاد. أسباب الثورة المخملية وتفكك تشيكوسلوفاكيا لم تكن الثورة المخملية التي أدَّت في النهاية إلى سقوط الحزب الشيوعي وتفكك تشيكوسلوفاكيا وليدة أحداث آنية، فقد كان لها أسباب بعيدة منذ استيلاء الحزب الشيوعي على الحكم وتولِّيه شؤون السلطة جميعها وإقصاء بقية الأحزاب المعارضة وتجريدها من جميع النشاطات، فرغم قِصَر الفترة التي استغرقتها الثورة لتحقيق أهدافها إلا أنها كانت منذ عقود طويلة تتشكل لتشتعل في الوقت المناسب، ولكن بشكل عام يوجد عدَّة أسباب أدت إلى قيامها، وفيما يأتي سيتمُّ ذكر أسباب الثورة المخملية وتفكك تشيكوسلوفاكيا: استيلاء الحزب الشيوعي على السلطة منذ عام 1948م. إقصاء كافة الأحزاب المعارضة من العمل السياسي وتجميدها ليصبح وجودها شكليًّا أو يجب أن تكون مؤيدة للحزب الحاكم. اتباع سياسة القمع التي انتهجتها حكومة الحزب الشيوعي في معاقبة كل من ينتقد سياسة الحزب أو مواقفه السياسة أو أي من أفكاره. الاضطهاد الفظيع التي كانت تمارسه الشرطة السرية على الشعب في البلاد تدنِّي مستوى المعيشة كثيرًا في الثمانينات من القرن العشرين وازدياد سخط الناس على تلك المستويات. عجز الدولة عن دعم الناس اقتصاديًّا بسبب الانهيار الاقتصادي غير المباشر الذي كانت تعاني منه. انهيار الحكومات ذات الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية في الدول المجاورة وتأثرُ المواطنين في تشيكوسلوفاكيا بطوفان الحرية الذي رأوه يجتاح البلدان على شاشات التلفاز، مثل انهيار جدار برلين وغير ذلك. أطراف الثورة المخملية وتفكك تشيكوسلوفاكيا مَن أشعلَ فتيل الثورة؟ في الحديث عن أطراف الثورة المخملية وتفكك تشيكوسلوفاكيا يجب الإشارة إلى الطرف الذي بدأ بالثورة أوَّل الأمر، حيثُ بدأت الثورة المخملية في تشيكوسلوفاكيا في 17 تشرين الثاني من عام 1989م عندما نزلَ الطلاب إلى شوارع براغ بالآلاف بعد عام على الاحتجاجات التي فرقتها الشرطة في بداية عام 1989م، فقد كانت مشاعر التطلُّع إلى الحرية تثير نفوسهم بعد انهيار جدار برلين، فقاموا بتنظيم أنفسهم للخروج باحتجاج في 17 تشرين الأول وهي الذكرى الخمسين لمقتل طلاب مدينة براغ على يد القوات النازية في عام 1939م خلال الحرب العالمية الثانية،.

ورغم محاولات الشرطة بضرب الطلاب وتفريقهم لكنَّهم لم يكترثوا لذلك وتابعوا تظاهراتهم السلمية لينضمَّ إليهم بعد عدَّة أيام عدد كبير من المواطنين من مختلف الأعمار ضدَّ الحزب الشيوعي والحكومة التابعة له، فبعد ثلاثة أيام كان أكثر من 500 ألف شخص من مواطني تشيكوسلوفاكيا يحتلون ساحة فاتسلاف في براغ، فكانت أطراف الثورة هي الشعب بمختلف أطيافه وفئاته في مواجهة الحزب الشيوعي والحكومة المتمثِّل بها. نتائج الثورة المخملية وتفكك تشيكوسلوفاكيا ما هو تاريخ انتهاء الثورة المخملية؟ انتهت الثورة المخملية في تشيكوسلوفاكيا في 29 من شهر كانون الأول عام 1989م بعد أن حقَّقت أهدافها المرجوَّة في الحرية والتخلُّص من حكم الحزب الواحد وحصدت عددًا من النتائج الهامَّة التي كان لها تأثير كبير في تاريخ تشيكوسلوفاكيا وطبيعتها السياسية والجغرافية والاجتماعية، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج نتائج الثورة المخملية في تشيكوسلوفاكيا:

  • انكسار حاجز الخوف والرهبة من السلطة وتحدِّي الحكومة علنًا في شوارع البلاد من قبل المواطنين وكان ذلك أولى النتائج التي حصدتها الثورة.
  • استقالة جميع قادة الحزب الشيوعي في البلاد مع بداية الثورة.
  • تفاوض السلطة الشيوعية مع المواطنين وتشكيل حكومة غير شيوعية إلى حد كبير لأول مرة منذ عام 1948م.
  • استقالة رئيس البلاد هوساك وانتخاب أول رئيس غير شيوعي منذ أكثر من 40 سنة في البلاد.
  • تحوُّل تشيكوسلوفاكيا من نظام الحكم الواحد إلى الديمقراطية كخصخصة الشركات وتعديل السياسة الخارجية بالكامل وكتابة دستور جديد وغير ذلك انسحاب القوات السوفيتية من البلاد وانفصال تشيكوسلوفاكيا عن الاتحاد السوفيتي بالكامل بحلول عام 1991م.
  • وقوع خلافات وتوترات حول سياسة الحكم في الدولة بين الأحزاب المتعددة، ووجود عوائق في الحكم الفيدرالي ما زاد الهوَّة بين التشيك والسلوفاك وأظهر الاتحاد التشيكوسلوفاكي هشًّا للغاية.
  • حلُّ الاتحاد التشيكوسلوفاكي في 31 من كانون الأول عام 1992م رسميًّا وتعطيل العمل بدستور مشترك، والإعلان في الأول من كانون الثاني عام 1993م عن البلدان المستقلة وهي سلوفاكيا وجمهورية التشيك وهو ما سمِّيَ بالطلاق المخملي.
  • إحياء الخلايا النائمة أو الجيوب اليهودية في التشيك وعودة العلاقات بين إسرائيل والتشيك وسلوفاكيا وإسرائيل من جديد.

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

أحمل شهادة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى شهادة الماستر في دراسات الأمنية الدولية من جامعة الجزائر و خلال دراستي، اكتسبت فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الرئيسية، ونظريات العلاقات الدولية، ودراسات الأمن والاستراتيجية، بالإضافة إلى الأدوات وأساليب البحث المستخدمة في هذا التخصص.

المقالات: 14918

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *