أخبار ومعلومات

الجزائر تدخل دائرة الحياد الإيجابي

انخرطت الجزائر في المسار الدبلوماسي والسياسي الموازي للمسار الحربي في أوكرانيا، عبر بوابة أول مبادرة عربية في إطار مجموعة الاتصال لجامعة الدول العربية التي زارت موسكو ووارسو، والتقت وزراء الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأوكراني لـ”تقريب وجهات النظر والاستماع إلى انشغالات الطرفين وإجراء محادثات موسّعة حول آفاق إنهاء الأزمة والحد من انعكاساتها الأمنية والسياسية والإنسانية والاقتصادية”.

وبمشاركة وزير الخارجية رمطان لعمامرة في هذا المسعى العربي، لتهدئة واحد من أكبر التوترات المسلحة منذ الحرب العالمية الثانية، تكون الجزائر قد خرجت من منطقة الحياد السلبي إلى الحياد الإيجابي، وتحاول تقديم قيمة مضافة في الوساطات والمحادثات الجارية بالموازاة مع صوت المدفعية والقنابل في الميدان، بالرغم من أن مراقبين “لا يتوقعون شيء كبير” من هذه المبادرة العربية، على أساس أن جامعة الدول العربية أخفقت في تسوية أزمات إقليمية عربية، وبالتالي كيف يمكنها التأثير في أزمة دولية مركّبة ومعقّدة، خصوصا مع التحاق الغرب بطريقة غير مباشرة في المعترك؟

وأظهرت صور نشرتها وزارة الشؤون الخارجية، لقاءات ونشاطات جمعت مجموعة الاتصال العربية التي ترأسها رمطان لعمامرة وعضوية الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط ووزراء خارجية مصر والعراق والأردن والسودان وممثل عن دولة الإمارات، مع وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو والأوكراني ديمتري كوليبا في العاصمة البولندية وارسو.

وأفاد بيان للخارجية، أن المجموعة العربية أجرت محادثات موسعة مع الجانب الأوكراني حول “آفاق إنهاء الأزمة والحد من انعكاساتها الأمنية والسياسية والإنسانية والاقتصادية، معربة عن قلقها من تبعات الأزمة وخطورة استمرارها”.

وعبّر الوفد العربي عن استعداده للقيام بالجهود “اللازمة لدعم مسار المفاوضات، بهدف التوصل إلى وقف العمليات العسكرية، تمهيدا لحل سياسي مستدام للأزمة، يقوم على أساس القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ومبادئ حسن الجوار وسيادة الدول وسلامتها الإقليمية بما يضمن المصالح المشروعة لجميع الأطراف”.

وفي أعقاب الاجتماع، أكد لعمامرة خلال مؤتمر صحفي نشّطه مع نظيره الأوكراني، أن اللقاءات مع الجانبين الروسي والأوكراني، “مكَّنت مجموعة الاتصال العربية من الإلمام بشكل دقيق بتطور الأوضاع والإطلاع بوضوح على مواقف وآراء طرفي النزاع، كما رسّخت قناعة أنه لا بديل عن الحل السياسي للأزمة”.

من جانبه، أثنى الوزير الأوكراني، على جهود نظيره الجزائري المبذولة في إطار مجموعة الاتصال العربية الرامية إلى المساهمة في حل الأزمة، معربا عن أمله أن تنتهي الحرب قريبا.

وفي قراءة للمبادرة من قبل الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3، الأستاذ محفوظي شاكر عبد الرزاق، فإن المبادرة العربية مبدئيا خطوة إيجابية، باعتبار أن الدول العربية من بين المتضررين بالحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، على خلفية اختلالات نشاط استيراد المواد الغذائية والقمح، وكذا فيما يتعلق بآثار العقوبات الغربية المسلطة على موسكو والتي تستهدف أنشطتها المالية والاقتصادية بشكل عميق.

وقال الأكاديمي في اتصال مع “الخبر”، أمس، إن المبادرة تعدّ أول تحرك عربي جماعي للمشاركة في حل أزمة دولية، غير أنها بقدر ما تكون مهمة وقد تحمل بعض عناصر تأثير، بقدر ما تُثير التساؤل حول مدى فاعلية الجامعة العربية في أزمة دولية معقدة، في حين عجزت عن التأثير في أزمات عربية عربية، على غرار الأزمة السورية والعلاقات المقطوعة بين عدة دول وقضية الصحراء الغربية.

ومهما يكن الدور العربي الحالي وقبله التركي والصهيوني، لا يمكن، في نظر الجامعي، بلورة حل للأزمة دون وجود توافق روسي أمريكي بالدرجة الأولى، بعيدا حتى عن الدور الأوروبي الهامشي، على حد وصف المتحدث.

وبالنسبة لاختيار الجزائر لتترأس المبادرة في وارسو، أفاد المحلل أن ثمة عوامل عديدة رشحت الجزائر لتكون ضمن مجموعة الاتصال العربية ومنحتها الأفضلية، من بينها وزنها في القارة الذي يؤهلها لتقود مبادرات وساطة ورئاستها الدورية لجامعة الدول العربية وعلاقاتها التاريخية والاستراتيجية مع روسيا، دون توترات وفتور على مدار عقود، وفي نفس الوقت علاقات جيدة مع أوكرانيا، إلى جانب لا تصطف خلف جهة محددة ووقوفها على مسافة متساوية مع نفس الأطراف، بالرغم من أنه يُنظر لها كبديل محتمل للغاز الروسي الموجّه إلى أوروبا.

وتتعامل الجزائر مع الأزمة بحياد، بدليل أن سفيري البلدين المتنازعين المعتمدان بالجزائر، الأوكراني مكسيم صبح والروسي إيغور بلياييف، أشادا بموقف الجزائر ووصفاه بـ”المتزن”، ولم يستبعدا، خلال تنشيطهما آخر ندوات صحفية، أن تلعب الجزائر “دور ما” في الأزمة، سواء في إطار جامعة الدول العربية أو منفردة.

وتكتسب المبادرة العربية الأفضلية قياسا بالمبادرات الأخرى، بالنظر إلى أن جل بلدان العالم اتخذت موقفا واضحا ومنحازا خلال الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، باستثناء بعض الدول التي اختارت الامتناع عن التصويت وعدم إبداء موقف منحاز ومن بينها الجزائر، وهو الحياد الذي قد يؤهل الجزائر للعب دور ولو محدود في الحرب الدائرة على الأراضي الأوكرانية، خصوصا إذا ما استبعدنا “الحرب الموازية” التي بدأت ترتسم على الغاز.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى