يُعد مفهوم الريع من مفاهيم علم الاقتصاد السياسي التي ظهرت مع المفكرين الاقتصاديين من أمثال آدم سميث – Adam Smith ودافيد ريكاردو – David Ricardo وغيرهم، لذا تشبع المفهوم بمبادئ اقتصادية أكثر منها سياسية، وارتبط بفكرة الريع الزراعي في الدول الأوروبية، وقد حاول الكثير من العلماء توضيح المعنى الدقيق لمفهوم الريع، وهذا ما نحاول توضيحه في مقالنا هذا.
مفهوم الريع:
تعود أصل كلمة الريع في اللغة العربية إلى رَيَعَ رَاْعَ ويقال رَعَّ تجارته أي أنماها وزاد فيها، وفي الاقتصاد السياسي لُغة يقال الرَيْعُ: ويقصد به الجزء الذي يؤدِّيه المستأجر إلى المالك من غلَّة الأرض مقابل استغلال قُواها الطبيعية التي لا تقبل الهلاك. وقد فسرتها بعض المعاجم “بالنماء والزيادة والخصوبة”، أمَّا المعنى الاقتصادي التقليدي فيعني ” دخل مالك الأرض” أو أجر استخدام الأرض من غير مالكها”.
ولعلَّ أول من استعمل هذا المصطلح باعتباره شكلاً من أشكال المردود المالي هو آدم سميث – Adam Smith في كتابه ثروة الأمم – The Wealth of Nations إلا أنَّ أول من استعمله كنمط اقتصادي كان كارل ماركس – Karl Marx في كتابه رأس المال – Capital.
ومن جهة أُخرى تعددت تعاريف الريع من باحث لأخر وقد لقي هذه المفهوم أهمية واسعة لدى الباحثين الاقتصاديين من أهمهم:
تعريف دافيد ريكاردو – David Ricardo: حيث اعتمدت نظرية ريكاردو في تفسير ظاهرة الريع على الندرة وفكرة التفاوت بين الأراضي الزراعية من حيث الجودة، فزيادة الطلب على المنتجات الزراعية يساهم في زيادة الأراضي الزراعية فينشأ لنا بذلك ريع الندرة كما أشار إلى الريع التفاضلي ويقصد بيه أنَّ الأفراد يفضلون الأراضي الزراعية الأكثر جودة، وهذا يسبب تنافس على هذا النوع من الأراضي وبتالي يصبح الريع من الندرة، ويتلخص مفهوم الريع لدى دافيد ريكاردو أن الريع هو العائد من الأرض وبالتالي هو مرتبط ارتباطا كليا بالأرض لا غير.
فيما وصف مؤسس علم الاقتصاد آدم سميث – Adam Smith في القرن الثامن عشر، أن الريع هو الدخل الذي يحصل عليه الشخص دون أن يزرع ‘حصدا دون أن يزرع’، وهنا يعتقد أن الدخل ناجم دون بذل أي جهد أو عمل.
وقد ساد هذا المفهوم طيلة سيادة المدرسة الاقتصادية الكلاسيكية، أي حتى منتصف القرن العشرين، إلى أن جاء الاقتصادي الانجليزي الفريد مارشال – Alfred Marshall الذي برهن أن الريع أوسع بكثير من دخل مالك الأرض، حيث عرَّفه بأنَّه: ”الفائض الاقتصادي الذي يعطيه كل عنصر انتاج حينما يكون عرضه عديم المرونة بالنسبة للطلب عليه خلال فترة الأجل القصير.“
يتضح من خلال تعريف الفريد مارشال – Alfred Marshall للريع أنَّه عامل من عامل الانتاج يكون عرضه ذابتاً، أي غير مرن على الاطلاق خلال فترة زمنية قصيرة.
في حين جمع المفكر كارل ماركس بين تعرفين مُنطلقاً في تعريفه للريع من واقع الانتاج الرأسمالي حيث اعتبر الريع أنَّه: ”كل ريع عقاري هو جزء من فائض القيمة، والريع بشكل خاص هو فائض القيمة المنتزع من عمل العمال المنتجين، بمعنى هو ذلك الجزء من قيمة السلعة الذي يتمثل في فائض القيمة، وملكية القوة الطبيعية، ليست لها علاقة بإنتاج ذلك الجزء من فائض القيمة، وبالتالي من سعر السلعة المنتجة بفضل هذه المصادر الطبيعية“.
النشأة التاريخية لظاهرة الريعية:
يتضح لنا من خلال التعاريف السالفة الذكر أنَّ مفهوم الريع قد تعرَّض للعديد من المراحل التاريخية التي ساهمت بدورها في تطوير مطلح الريع من مفهومه الضيق الذي ارتبط بالمفهوم الاقتصادي مع المفكر دافيد ريكاردو إلى أن شمل هذا المفهوم العديد من المتغيرات والعوامل الي وسعت في مفهومه.
تاريخياً ارتبط مفهوم الريع بالملكية العقارية ففي المفهوم البدائي للريع أنَّه الدخل الذي يحصل عليه مالك الأرض نتيجة وضع ملكيته بتصرف الآخرين مقابل عائد معين عينياً كان أم نقدياً. ولكن فيما بعد توسع مفهوم الريع ليشمل العوائد التي تدرها التوظيفات في القروض العامة التي تعقدها الحكومات. وفي مرحلة متقدمة طبقت في أوربا أشكال أخرى للريع، مثل الريع مدى الحياة وهو عبارة عن دفعات دورية منتظمة يقوم بتأديتها منتفع من مال خصص به من قبل متنازل عن هذا المال (عقار مبني أو أرض زراعية وغير ذلك). ويستمر المنتفع بتأدية هذه الدفعات حتى وفاة الشخص المتنازل له، وتكون ملكية المنتفع بالمال مشروطة بتأدية الدفعات في مواعيدها على نحو منتظم.
كما عـــرف التاريخ الاقتصادي للدول الصناعية ما يعرف بالريع الأبدي، وكان عبارة عن قرض تحصل عليه الحكومات لمدة غير محددة تؤدي عنه دفعات منتظمة حتى تاريخ إطفاء القرض (إعادة شراء القرض في سوق الأوراق المالية).
وإلى هذه الأنواع من الريوع تصنف النظرية الاقتصادية ضمن مفهوم الريع أي دخل إضافي يعطيه عامل إنتاج بسبب عدم مرونة عرضه الناتجة من عدم إمكانية تجديد إنتاجه أو الحاجة إلى مدة طويلة حتى يتم تكيف العرض مع الطلب، كما يكون في إطار الدخول الريعية كل دخل ناتج من موقع أكثر ملاءمة مثل إطلالة البناء على الشارع العام أو قربه من خطوط المواصلات الرئيسة. وكذلك يحسب في عداد الريوع الدخل الذي يحصل عليه بعض العاملين في مواقع معينة والذي يزيد على دخل أقرانهم العاملين في المواقع الأخرى.
مصادر الريع:
أدى اختلاف التعاريف حول مفهوم الريع إلى تعدد أنواعه وبناءاً على ذلك تم تقسيم الريع إلى نوعان هما:
أولا: الريع الخارجي: والذي بدوره بنقسم إلى:
1- ريع النفط والغاز: وهو الدخل الناج عن بيع الغاز والنفط بسبب وجود فرق واضح بين تكلفة الحصول عليهما وسعر بيعهما، وهذا الفرق لا يعكس طبيعة المجهود الخاص للشركات في استخراجهما، ويُبرر هذا الفرق بأنَّ الغاز والنفط من الثروات الناضبة؛ أي غير القابلة للتجدد؛ لذلك يجب دفع بدل ماليّ لعدم تجدد مصدرها.
2- ريع المعادن: وهو الدخل المعتمد على بيع المعادن، ويعد أقل حجماً نسبياً من ريع الغاز والنفط، ويظهر الفرق بينهما في طبيعة العمليات المخصصة لاستخراج كلٍّ منهم، ويعد ريع المعادن من أنواع الريع التي ظهرت نتيجةً لارتفاع أسعارها مقارنةً بالتكلفة المترتبة على إنتاجها.
3-ريع خطوط النقل الاستراتيجية: هو الدخل الناتج عن قنوات وممرات النقل، مثل قنوات النقل البحرية، وخطوط نقل الغاز والنفط عبر أراضي الدول، والنقل المعتمد على السكك الحديديّة والطُرق البرية، ويعدّ المرور من خلال هذه الممرات إجباريا؛ مما يساهم في تحويلها لخدمات خاصة بالدول الموجودة فيها؛ لذلك تعدّ جزءاً من الدخل الريعي.
4- ريع السياحة: وهو الدخل الذي يشكل عوائد ماليّة للدول مقابل الخدمات الخاصة بقطاع السياحة؛ إذ تساهم الخدمات السياحيّة في توفير دخل ريعيّ مرتفع للدول، وأيضاً تدرُّ المرافق السياحيّة دخلاً مرتفعاً يتجاوز قيمة الجهد والاستثمارات الخاصة بها، كما تشكل الإيرادات الناتجة عن قطاع السياحة جزءاً مهماً من الناتج القومي للعديد من دول العالم.
5- ريع التحويلات المالية الخارجية: وهو الدخل الريعي الناتج عن التحويلات الخارجية التي تشكل جزءاً من التدفقات الماليّة المهمة للدول، إذ لا تبذل الدول المستقبلة لهذه التحويلات أيّ جهود مالية.
6- ريع المساعدات الخارجية: وهو الدخل الناتج عن تلقي الدول للمساعدات بشكل منتظم، وتشكل هذه المساعدات الخارجيّة جزءاً أساسياً من الموازنات المالية للدول المستفيدة منها؛ لذلك تُصنّف هذه المساعدات بصفتها نوعاً من أنواع الريع الاقتصادي، بسبب غياب الجهود في الحصول عليها، أو قد تعتبر مكافآت مالية نتيجة لمواقف سياسية أو استراتيجية.
ثانيا: الريع الداخلي : فأما الريع الداخلي فهو ريع يكون في الأغلب معتمداً على خدمات تقدمها الدولة لخدمة قطاعات أخرى بها، حيث أنَّه وكنتيجة لاقتصاد الريع فقد تحول هذا القطاع كمقدم خدمة للقطاعات الأخرى إلى أن أصبح قطاعاً مُستقلاً بذاته بل أنه اصبح المورد الأكثر إدراراً لخزانة الدولة من غيره وفي بعض الأحيان أصبح هو المورد الوحيد لخزينتها وبالتالي لأفراد الدولة.
ويتمثل هذا الاخير في:
– ريع الخدمات الخاصة بنشاطات الدول: هو الريع الناتج عن التدخل الاقتصاديّ في الدورة الاقتصاديّة الخاصة بالدول الناميّة.
– ريع المضاربات الماليّة: هو الريع الخاص بالأنظمة الاقتصاديّة المُعاصرة؛ إذ يظهر بشكل واضح في المضاربات الماليّة.
– ريع المضاربات العقارية: هو الدخل الريعي الناتج عن المضاربات العقاريّة، ويحدث نتيجةً لزيادة أسعار العقارات، وارتفاع قيمة الإيجارات، وقد تنتج عن هذا النوع من المضاربات أزمات قاتلة للاستثمار الإنتاجي.
– ريع الخدمات: هو الريع الناتج عن القطاعات الاقتصاديّة المتنوعة، وتقسم إلى ثلاثة قطاعات هي: الخدمات، والصناعة، والزراعة، وأصبح قطاع الخدمات قطاعاً مستقلاً نتيجةً للتطورات الاقتصادية.
الريع والمفاهيم ذات الصلة:
عرف مفهوم الاقتصاد الريعي على عكس مفهوم الريع الاقتصادي اهتماما لدى الباحثين العرب، لكونه أعم من الريع ويختص بالجانب الاقتصادي لا سميا أنَّه صفة الاقتصاديات العربية بصفة عامة. فقد عرف الاقتصاد الريعي حسب الخبير الاقتصادي صبري زاي السعدي بأنه: ”الاقتصاد الذي يتولد من الريع الاقتصادي المتولد من إنتاج النفط والغاز المملوك كلياً (الانتاجية والاحتياطيات) للدولة. وتتلخص درجة اعتماد الاقتصاد الوطني على هذا الريع بمعايير اسهام قطاع النفط بنسبة أكبر من قطاعات الزراعة والصناعة في الناتج المحلي الإجمالي، وأن الإرادات النفطية تمول النسبة العظمى من الاستثمار العام الذي يشكل نسبة تزيد على 50% من مجموع الاستثمار الكلي وأكثر من 50% من الانفاق الحكومي الجاري( الميزانية السنوية الاعتيادية)، وأنَّ قيمة الصادرات النفطية (العملات الاجنبية) تسهم بأكثر من50% من مجموع الصادرات.”
يتضح من التعريف ان الاقتصاد الريعي هو ذلك الاقتصاد الذي تكون نسبة الكبر لمداخيله من خلال ما تستفيد منه دولة ما من قطاع النفط على غرار القطاعات الأخرى، وعلى حساب هذا التوجه فقد ذهب الكثير من الخبراء الاقتصاديين في تعريف الاقتصاد الريعي باختصار هو: ” أنه في حالة تجاوزت القطاعات غير الانتاجية أو الريعية 50%من الناتج المحلي الإجمالي لدولة ما ينظر إلى الاقتصاد بوصفه اقتصادا ريعيا.“
كما ذهب خالد عبد الفتاح في دراسته المقارنة بين كل من الاقتصاد الريعي والاقتصاد الانتاجي حيث اعتبر أن الاقتصاد الريعي هو: يعتمد على منتَج منتهٍ؛ حتى لو بعد أزمان طويلة، كما يعزز ثقافة الاتكال على الأرض أكثر من الاتكال على اليد والعمل، وعلى ذلك كانت إشكاليات الاقتصاد الخارجي نافعة في العصور القديمة، كونها تؤخذ من نتاج الآخر أيا كان هذا الآخر، لكنها ليست نافعة في العصر الحديث إلا مرحليا.
أما في ما يخص مفهوم الدولة الريعة:
تعود البدايات الأولى لمصطلح الدولة الريعية لدراسة المفكر الايراني حسن مهداوي في بحثه “نمط ومشاكل التنمية الاقتصادية في لدول الريعية – حالة ايران – في سنة 1970م وقد عرَّف الدولة الريعية حينها أنَّها التي تحصل على جزء كبير في عوائدها من دخل ريعي يأتي من مادة أولية، فالدولة في هذه الحالة تعتمد اعتمادا كلياً على دخل واحد يمتاز باستدامته ويأتيها من الخارج ولا يشارك لاقتصاد المحلي في انتاج النفط وتصفيته، وأبرز المهداوي ثلاث صفات للدولة الريعية وهي:
1- الميل للتضخم فيحجم الدولة.
2- تضخم في قوات الأمنية المسلحة.
3- ميل الدولة إلى الديكتاتورية.
حيث تصب معظم المعارف المقدمة حول مفهوم الدولة الريعية في نفس معنى الذي قدمه حسن مهداوي فهي في ابسط معانيها هي تلك الدول التي تعتمد في ايراداتها المالية على الموارد الطبيعية وعلى ما يخرج من الأرض أو تعتمد عليها بنسبة كبيرة، بمعنى النشاط الاقتصاد لا يوجد فيه، أو يوجد بشكل هامشي عمليات اقتصادية انتاجية، والموارد التي تغذي حياة لدول والمجتمع لا تعتمد على الضرائب إنَّما على إيرادات الريع.
والدولة الريعية تعتمد بصورة مطلقة على الاستيراد لتوفير الحاجيات الأساسية لسكانها من غذاء وملبس وأدوية إضافة إلى استيراد السيارات والسلاح…الخ. فهي لا تركز على الاستثمار في القطاع الإنتاجي بل توظف أموال الريع في القطاع الخدماتي غير المنتج للثروة.
في النهاية يمكن القول أنَّ مفهوم الدول الريعية يطلق على الدول ذات الاقتصاد الريعي والذي سبق التطرق إليه، ومنها يتضح أنَّ كلاً من مصطلح الاقتصاد الريعي والدولة الريعية هي مفاهيم ذات الصلة بالمفهوم العام للريع، ويُعَد الاقتصاد الريعي أحد أنواع الريع. وبتالي يعتبر كل من الاقتصاد الريعي والدولة الريعية، لها علاقة تكاملية مع مفهوم الريع اذ تعتبر مفاهيم ناتجة عن توسع مفهوم الريع.
المصادر والمراجع:
عبد الوهاب، الكيالي. موسوعة السياسة، ج، 3، ط،2. عمان: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1993م.
محمد نبيل الشيمي، ‘ الاقتصاد الريعي، المفهوم والاشكالية’، المركز الديمقراطي العربي، ( 6 جانفي 2016م)، موقع الكتروني، تم الاطلاع يوم: 31 جانفي 2018م، 22:23
عبد السلام أديب، ‘تاريخ اقتصاد الريع في المغرب’، الحوار المتمدن، العدد، 3911.
مطانيوس حبيب،’ الاقتصاد السياسي’، الموسوعة السياسية ، المجلد: 10، جامعة دمشق، 1990-1991.
صالح، ياسر. النظام الريعي وبناء الديمقراطية: الثنائية المستحيلة حالة العراق . العراق: مؤسسة فريدريش إيبرت، 2013م.
محمد مروان، ‘ماهو اقتصاد الريع’، موضوع، (3ماي 2017م، 8:39) موقع الكتروني تم الاطلاع يوم 6فيفري 2018م ،14:51.
أعياد عبد الرضا أعدال. وعدنان كاظم جبار الشيباني، ‘ الاقتصاد الريعي وأثره في بناء دولة العراق’، مجلة مركز المستنصرية لدراسات العربية والدولية، المجلد،56(2017): 275.
سلام جبار شهاب، ‘ الدول الريعية وصياغة النظم الاقليمية ( دول الخليج نموذجا)’،مجلة السياسية والدولية، الاصدار: 21(2012): 4.
لقرح بن علي ، ‘السلم الاجتماعي بين دولة الرفاه ودولة الريع النفطي ( الجزائر انموذجا)’، المركز الديمقراطي العربي ( 09جانفي 2017)
David, ricardo. The prancbeles of political ecomomy and taxatio. Conada : batoche books.1821.