دراسات سوسيولوجيةدراسات سياسية

اللاجئون السوريون في الأردن بين الواقع والمأمول د.محمد عبد الرحمن عريف

  بداية يجب التذكير بأن المملكة الأردنية الهاشمية دولة جرداء وفقيرة بالموارد. في الغرب تتاخم الأردن، الذي يتربع على هضبة قاحلة، قطعة من الأراضي الصالحة للزراعة على طول ضفتي نهر الأردن، فيما تتاخمه الصحراء في الشرق والجنوب. وكشاهد على الطبيعة القاسية لمناظره الطبيعية، تعانق الآثار الوحيدة الباقية من الحضارة القديمة وادي الأردن، أو تشكّل هذه الآثار مجرّد مواقع دفاعية مهجورة تعود إلى الحقبة الرومانية. ولأنه لا يتميّز طبيعياً بما يؤهله لأن يكون دولة كبيرة، فقد اعتمد أمن الأردن ورخاؤه إلى حدٍّ كبير على مصالح اللاعبين السياسيين الخارجيين منذ أن تخيّل البريطانيون حدوده لأول مرة في العام 1921.

بالعودة للعلاقات الأردنية السورية نجد لها جذور تاريخية قديمة, فيوجد بين الشعبين الدولتين الجارتين علاقات تاريخية, اجتماعية, ثقافية، وتاريخ مشترك. وترواحت العلاقات الأردنية السورية بين علاقات طبيعية إلى صدام مسلح. كان هناك جهود دائمة لتوحيد الدولتين خلال القرن الماضي. وبعض الأحيان ساد العلاقات الأردنية السورية جو من التوتر في أثناء فترة الانتداب، لدعم الأمير عبد الله بن الحسين الانتفاضات والثورات السورية المسلحة في الأعوام 1936 و1939و 1945.

نعم كان من الطبيعي أن يدعم الأمير عبد الله هذه الثورات السورية انطلاقاً من مبادئه القومية الساعية لتخليص سوريا من الاحتلال الفرنسي وتوحيد البلاد السورية، وبوحي من هذه المبادئ كانت حماية الأمير عبد الله لجماعة حزب الاستقلال بعد اتهامهم بمحاولة اغتيال الجنرال غورو عام 1921م، ثم استضافته للثائر إبراهيم هنانو في العام نفسه. وظل الوضع مضطرباً على الحدود السورية الأردنية بسبب استمرار الغزوات بين القبائل الأردنية والسورية، وعدم تمكن أي من الحكومتين الأردنية والسورية من كبح جماح القبائل التابعة لها، إلى أن تم تشكيل قوة البادية عام 1931م التي استطاعت إعادة السلام إلى منطقة الحدود بين البلدين الشقيقين.

بعد ذلك أخذت العلاقات السورية الأردنية بالتحسن، وتم تشكيل لجنة لترسيم الحدود بين البلدين، واتفق في عام 1932م على أن تبدأ من نقطة تقع إلى الجنوب من بحيرة طبريا، وتنتهي بنقطة قريبة من جبل طنف في الصحراء السورية، وهي النقطة التي تلتقي فيها الحدود الأردنية السورية العراقية. وعند اشتعال الحرب العالمية الثانية، واستسلام فرنسا للجيوش الألمانية عام 1940م وإعلان القوات الفرنسية الموجودة في سوريا ولاءها لحكومة فيشي، بدأت العلاقات الأردنية السورية تتوطد، إلى أن بدأت تأخذ مسارها الصحيح في عهد الاستقلال. وفي عام 1976م وقع الزعيمان العربيان الحسين بن طلال وحافظ الأسد على بروتوكول وحدة بين الأردن وسوريا اتخذت إجراءات رسمية لتسهيل عملية العبور بين القطرين ما زالت جارية حتى يومنا. كما قامت بين البلدين كثير من المشاريع الاقتصادية والإنمائية.

سبق وأعلنت الحكومة الأردنية بتاريخ 31 كانون الأول/ ديسمبر 2009 أنه سيتم إلغاء ضريبة المغادرة والرسوم المفروضة على الأردنيين والمركبات والشاحنات والحافلات عند مغادرتها الحدود بين البلدين سوريا والأردن. وجاء هذا القرار تنفيذًا لمذكرة التفاهم الأردنية السورية الموقعة بين البلدين خلال اجتماع اللجنة الوزارية السورية الأردنية المنبثقة عن اللجنة العليا برئاسة رئيسي وزراء البلدين التي عقدت في دمشق, وكان الجانب السوري استبق الموعد الرسمي لتنفيذ هذه المذكرة وبدأ بالتطبيق.

  بعد الثورة السورية 2011، شكّل تدفّق السوريين مشكلة سياسية للأردن، إذ يتركّز السوريون بدرجة كبيرة في المجتمعات المحلية الأكثر انكشافاً في الأردن، حيث بدأت المظالم التي يبرزها اللاجئون السوريون تستنفر الأردنيين المهمّشين. ومع تنامي مشاعر الإحباط العام، يتم تأطير الصراع السياسي أكثر فأكثر باعتباره صراعاً ضدّ الحرمان من الحقوق.

  لاريب أن هذا يتناقض مع الصراعات السياسية التاريخية في الأردن، والتي تميّزت في الأصل بكونها صراعات بين النظام الملكي وبين جماعات مصالح النخبة (مثل الإسلاميين والفلسطينيين)، وقد عجّل التضخمُ السريع في أعداد اللاجئين السوريين ظهورَ سرديّة عن المهمّشين في المجال السياسي، لها القدرة على تهديد استقرار الهيكل السياسي الحالي في الأردن.

 الواقع أن النمو السكاني الهائل يرهق قدرات المجتمع المضيف، فقد ألقى وجود اللاجئين السوريين الضوء على بعض أكبر التحدّيات المعاصرة في الأردن. إذ يشير عدد واسع من التقارير إلى تأثير اللاجئين السوريين على موارد الأردن المستنفَدة، وزيادة المنافسة على فرص العمل، وتحميل البنية التحتية فوق طاقتها، وإرهاق الخدمات الاجتماعية، مثل الرعاية الصحية والتعليم. وتجدر الإشارة إلى أن كل التحدّيات التي أبرزها اللاجئون لها جذورٌ عميقة في النسيج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في الأردن. والواقع أن عدد اللاجئين السوريين لم يسهم إلا في تفاقم تحدّيات مزمنة كانت موجودة مسبقاً، وقد تكون إرهاصات لعدم الاستقرار في المستقبل.

  قد يحدّ الشعور العام السلبي تجاه اللاجئين السوريين من قدرة الحكومة الأردنية على الاستجابة للأزمة. ومع ارتفاع حدّة التوتّر في المجتمع المضيف، دعا المواطنون الأردنيون الحكومة إلى الحدّ من منافسة اللاجئين السوريين لهم. ومنذ العام 2014، استجابت الحكومة الأردنية للإحباط العام الصريح والواضح أكثر فأكثر ولتزايد المخاطر الأمنية الإقليمية عن طريق الحدّ من حفاوتها تجاه اللاجئين السوريين.

 لقد توتّرت العلاقة التي اتّسمت في السابق بالتعاون بين مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبين المملكة الأردنية الهاشمية، عندما فرض الأردن قيوداً على عدد السوريين الذين يمكنهم أن يدخلوا البلاد، وأغلق المعابر الحدودية التي يمكن الوصول إليها، وحاول حشر المزيد من اللاجئين في المخيمات. وبعبارة أخرى، يبدو أن المسؤولين الأردنيين استنتجوا أن الفوائد السياسية الأولية لاستضافة اللاجئين السوريين قد تضاءلت، وأن الوجود السوري المتزايد في المملكة قد يهدّد الاستقرار الوطني، لأن القلق الأردني يركّز على الضغوط التي يُفرزها اللاجئون السوريون على المجتمعات المضيفة.

مع ذلك، فإن المحاولة الأردنية الرامية إلى تهدئة الاستياء العام، من خلال تضييق نطاق حماية السوريين، تشكّل سياسة مخطئة. ذلك أن احتواء أزمة اللاجئين السوريين لايُعالج القضايا الهيكلية الكبيرة في الأردن التي هي في قلب التحدّيات التي يواجهها، وينكر الفوائد المترتّبة على استضافة اللاجئين السوريين، ويتجاهل الضرورة الأخلاقية لتوفير ملاذ آمن لضحايا إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في هذا الجيل. ولعل مايُثير القلق أكثر هو أن الاستجابة التي تدفع اللاجئين السوريين إلى المزيد من الفاقة واليأس، تزيد من مخاطر أزمة اللاجئين وتكاليفها بالنسبة إلى الأردن والمجتمع الدولي على المدى الطويل. 

 نعم يجب أن يستمر الأردن في الاستفادة من أزمة اللاجئين السوريين باعتبارها فرصة لمعالجة المشاكل التي تسبق الصراع. ذلك أن تدفق اللاجئين يوفّر للأردن المكانة الدولية الرفيعة اللازمة للفت انتباه الجهات المانحة الدولية إلى التحدّيات الوطنية المنتشرة وعميقة الجذور في المملكة. ومع ذلك، فإن هذا يتطلّب الحصول على دعم المجتمع الدولي. ولذا يتعيّن على الأردن والجهات المانحة الدولية العمل على استغلال الفرص الكامنة في تدفّق اللاجئين السوريين إلى المملكة، لتعزيز التنمية الوطنية في الأردن والنهوض بأعباء السوريين الذين شرّدتهم أكثر الحروب الأهلية تدميراً في العقد الماضي.

 في نهاية المطاف، يواجه الأردن مشكلة سياسية في الاستجابة إلى أزمة اللاجئين. المفاهيم السلبية عن اللاجئين السوريين أجبرت الإرادة الأردنية الرسمية على الاستجابة لتدفّق اللاجئين بوسائل مثمرة يمكن أن تقلّل في نهاية المطاف من التأثير السلبي لأزمة اللاجئين السوريين، مثل إضفاء الطابع الرسمي على العمالة السورية. وقد اختار الأردن في أحيان كثيرة تخفيف التوتّرات في المجتمع المضيف على المدى القصير، بدلاً من التوصّل إلى الاستجابات السليمة للسياسات التي من شأنها تهدئة التحدّيات المتوطّنة التي تواجه البلاد على المدى الطويل. 

في ظل تزايد الإحباط العام، اجتازت الحكومة عقبة التوتر المتصاعد عن طريق الحدّ من توفير الخدمات وتقييد وصول اللاجئين السوريين إلى الأراضي الأردنية. مع ذلك، فإن التلاعب بسياسات اللجوء لن يفعل شيئاً يُذكر لتهدئة التحدّيات التي كان الأردن يعاني منها قبل وقت طويل من وصول اللاجئين السوريين، مايؤكّد الطبيعة المسيّسة للسياسة المتبعة تجاه اللاجئين. كما أن تهميش اللاجئين أكثر سيدفع السوريين إلى المزيد من العوز وسيؤدّي، في الواقع، إلى تفاقم مشاكل الأردن على المدى الطويل .

ومع ذلك، من دون الدعم المستمر من المجتمع الدولي، ليس ثمّة حافز لدى الأردن للنهوض بأعباء اللاجئين السوريين، في حين يواجه تحدّيات وطنية خاصة به. وبما أن المجتمع الدولي يقلّص باستمرار تمويل الاحتياجات الناجمة عن تدفّق اللاجئين، فقد شهد اللاجئون السوريون تقييداً مماثلاً لنطاق الحماية في الأردن. وعلى الرغم من أن هذا الأخير شهد في الواقع زيادة صافية في المساعدات الدولية، فإن شعور المانحين بالإعياء يثير المخاوف من أن يصبحوا مسؤولين عن مجموعة أخرى من اللاجئين على المدى الطويل. وهكذا، إذا زاد التوتر في المجتمع المضيف، بالتزامن مع إعياء المانحين، فمن المرجّح أن يستمر الأردن في قضم نطاق حماية اللاجئين السوريين. 

هذه لحظة حاسمة في أزمة اللاجئين السوريين. ولذا يتعيّن على الأردن والمجتمع الدولي أن يتحوّلا نحو نهج مستدام طويل الأجل للنهوض بأعباء السوريين النازحين والمجتمعات المضيفة. يستحق الأردن الحصول دعم الدول المانحة لمواجهة تحدياته الأكثر انتشاراً على صعيد الموارد والاقتصاد والحوكمة، مع الحفاظ في الوقت نفسه على نطاق الحماية الإنسانية الأساسية للاجئين السوريين.

  نعم يتعيّن على المجتمع الدولي أن يعمل بصورة وثيقة مع الأردن لضمان معالجة التحدّيات الوطنية المتوطّنة في المملكة، واستمرار الحفاظ على نطاق حماية اللاجئين في إطار واحد. وفيما يواصل المجتمع الإنساني تشجيع الأردن على إبقاء حدوده مفتوحة، يجب على المانحين الدوليين كذلك الاستمرار في مساعدة الأردن في التعامل مع الشعب السوري وتوفير مساعدات للمجتمعات الأردنية المضيفة والسخية. 

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى