دراسات سياسية

المراوغات في الخطاب السياسي بين الكذب و السفاهة

اعداد طالب تواتي طليبة ياسر
المراوغات في الخطاب السياسي بين الكذب و السفاهة

التلاعب بالخطاب لدى السياسيين ظاهرة قديمة يعتمدها رجال الخطابات والتجمعات السياسية تهدف الى المراوغة بنتائج معينة مثل الانتاج او نسب النمو او الانجازات أو حتى وعود غير ممكنة التجسيد على ارض الواقع وطرحها في مقابلاتهم او خطبهم مع العامة من الناس ، إما لتطمينهم او لتخويفهم أو لكسب تأييدهم ،حسب حاجة المخاطب من ذلك ، الهدف المهم منها ان تكون مقنعة لعامة الناس عند طرحها لكسب الراي العام و التأييد الأعمى لمقترحاتهم او برامجهم ، هذا الجانب عادي و بسيط يظهر حب الناس لتملك و التسلط بصفتهم الانسانية

لكن الغريب هو ما يتميز به بعض الفئات من الخطابيين السياسين اتخذو مسار جديد تماما يسميه الفيلسوف ” فرانكفورت” بـ (bullshit) او (السياسي السفيه) وهو نوع جديد تميزه “عدم تكليف المخاطب السياسي نفسه عناء لاخفاء الحقائق التي لا يريد اطلاعها على العامة​

يضع لنا “اتش بي غريس” في كتابه ” المنطق و المحادثة” انه لكي نعرف إذا ما كان المتحدث يتلاعب بنا أم لا، علينا ان نخضع حديثه الى اربعة مبادئ هي :

· كم عدد المعلومات التي يُسمعنا إياها ؟”الكم”

· وهل كل هذه المعلومات صحيحة ومبرهنة ؟”الكيف”

· وهل جميعها مرتبط بالموضوع الذي يتحدث فيه، أم يستطرد في أمور أخرى “عدم التعلقها ببعضها البعض”

· وهل هذه المعلومات واضحة ومرتبة أو غامضة ومشتتة ؟​

طبعاهذه المبادئ يمكن استخدامها لكشف المتلاعب من رجال الخطاب السياسي ذي النشاط الواسع المجال والقابل للقياس لتعدد التخصصات المتناولة في الخطاب ، و هذا من الصعوبة اصطياده و هو يتلاعب بالراي العام .​

كل هذه التعاريف و هذه المعايير و المبادئ ليس لها علاقة أو فعل تطبيقي داخل دائرة العلاقات العامة الخاصة بنا كأشخاص عاديين

الامر الذي يجعلني اوجه اسقاطا على فئة اقل او صغيرة تتميز بممارسة الخطاب السياسي في مجال جغرافي محدود ، مما يسهل معرفة مجال قدراتها و مدى تأثيرها الحقيقي وهذا بسبب المعرفة المسبقة بالاشخاص ، فإنه ليس هناك حاجة الى المرور على كل هذه المعايير واستهلاك الوقت و الجهد حتى يتم اكتشاف التلاعب من خلال خطابها

عند هذه النقطة التي ارى من الواجب اسقاطها على حياتنا القريبة او اقرب دائرة سلطوية تخصنا و أعني بذلك البلديات و ممارسة الخطابات السياسية في هذا الوقت بالذات مع بداية الحملات الانتخابية أتسأل:

هل يمكن ان اطلق صفة ” الكذب ” على الشخصية المتلاعبة في خطاباتها السياسية ؟

حسب “ستيفن مكروناك “،فان الكذب خيار عملي و ليس صفة شخصية ، تفرضه الضروف العملية السياسية على الشخصية للمخاطب السياسي ، لانعدام انجازاته او عدم قدرته على تغطية الضعف المرتبط به و اهليته في حق كسب الراي العام .

و عليه لا يجوز ان نطلق عليه وصف ” الكاذب ” وانما يمكن ان ننعت هذا الفرد بـ” انعدام الامانه” و ” غير الموثوق به “​

اي الضررين اخف الكذاب أم السفيه( bullshit ) في السياسة ؟

لا يختلف اثنان على ان الصفتين الكذب و السفه سلبياتان في حيااة الافراد و يدل استعمالهما الا على ضعف او عجز و تهرب من حقيقة

لكن من خلال تناولي لهذا التساءل اهدف الى تمييز بين الصفتين في العمل السياسي و تركيز على اي واحدة فيهما اكثر سلبية من الأخرى

اذا كان الكذب هو زيف يُضطر إليه ، فإن “السفاهة” ليست كذلك، “السفاهة” هي مسألة إخفاء الناس افتقارهم إلى الالتزام بالحقيقة. السفهاء يتجاهلون الحقيقة بدلاً من الاعتراف بها أو تخريبها باتباع إستراتيجيات الخداع، إنهم أعداء للحقيقة أكثر من الكذابين لان السفيه يزيف الحقيقة و يتجاهلها، و يعلم ان الجميع يعلم بأنه يزيفها و الجميع يعلم انه يعلم بأنهم يعلمون أنه يزيف هذه الحقائق” أو بعبارة ابسط كما يعرف “الفيلسوف فرانكفورت” الـ”Bullshit” بأنه تجاوز لمرحلة الكذب، إنه اللا اهتمام بالحقيقة من الأساس، “فالسياسي السفيه” يعرف أنه يكذب، ويعرف أن الناس تعرف أنه يكذب، ولا يبذل مجهوداً باتباع إستراتيجيات الخداع ، ولكنه يتفنن في استعراض كذبه ليثير الجمهور لا ليقنعهم بكذبه!!​

و عليه وجب عدم تضييع الوقت في سماعهم او اتخاذ موقف من ارائهم و برامجهم ، لانعدام الامانه و الموثوقية من مجمل كلامهم

إن ما يقلق في الوقت الراهن ، هو وصول هذه الفئة من الاشخاص الى مناصب عليا من السلطة و غالبا ما ينجحون
وليس لهم في ذلك الا الفضل من مجموع الناس الذين يأييدون وصولهم الى تلك المرتبة من هرم السلطة رغم معرفتهم بمجمل الحقائق و قدرات هذه الفئة

فهل تغيرت معايير الكفاءة الخطابية ، حتى تسمح بتولي “السياسي السفيه” مقاليد الأمور ؟
او مالذي تغير في أمزجة الناس و مواقفها ؟

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى