دراسات سياسية

المعارك الوهمية وعجز الأداء الوظيفي

إحدى الملاحظات البارزة التي جذبت انتباهي خلال مشاركتي في المؤتمر الدولي حول “تركيا والقضية الفلسطينية” يومي 20 و21 أكتوبر 2017 بمدينة قونيا التركية، المنظم من قبل جامعة نجم الدين أربكان الحكومية، هي تمسك الأتراك غير المسبوق بلغتهم الوطنية، في شكل يحاكي شعوب القوى العظمى مثل أمريكا، الصين، فرنسا، وألمانيا؛ ولا تلمس أن لدى الأتراك شعور بالنقص إزاء ذلك، سواء كانوا مواطنين عاديين أو مسئولين رسميين.
الملاحظة الثانية أن تمسك الأتراك بلغتهم لم يمنع إقبال العالم عليهم ولم يعزلهم عن العالم، بل تلاحظ اندفاع حركة الانتقال نحوهم من خلال وجود ماركات الشركات العالمية، ووجود طوابير الطائرات للإقلاع أو الهبوط في مطار أتاتورك الدولي؛ مما يعني بطريقة أخرى أن اللغة لم تكن عائقا في جعل العالم يقبل عليهم، طالما أن هناك أداءً وظيفيا عاليا في الاقتصاد، الخدمات، السياسة، الاتصال والمواصلات، والربح الاقتصادي، وحركة سريعة للتجارة في كل الاتجاهات.
صحيح أن الأتراك يشعرون بأن التمسك الزائد عن الحاجة بلغتهم الوطنية لا يمكّنهم من جذب مزيد من ملايين المسافرين ورجال الأعمال إلى بلادهم، ظهر ذلك من خلال خطاب أردوغان أمام الشباب، عندما دعاهم إلى تعلم لغات العالم، لأن أجدادهم العثمانيين الزعماء كانوا يعرفون لغات العالم بالإضافة إلى الرياضيات والفلسفة؛ لكن دون أن يضعف ذلك أو يكون على حساب لغتهم الوطنية كلغة لمجتمع عريق حضاريا.
عندما تقارن وضعية اللغة التركية بوضعية اللغة العربية كلغة وطنية أولى في الجزائر، تشعر أن لدى المسئولين عن البلاد عقدة نقص في مخاطبة مواطنيهم بها، وأن المسئولين عن التعليم التربوي ينظرون إلى اللغة العربية على أنها نقيصة أو بالأحرى أنها “عائق أمام تقدم التعليم” في البلاد؛ وهي الكلمات التي سمعناها منذ أن كنا ندرس في الثانوية ولازالت تُردد إلى اليوم.
استخدمت هذه المحاججة ولازالت من أجل إشعال معارك وهمية لإشغال أولياء التلاميذ عن المشكلة الكبرى التي يواجهها أولادهم في المدرسة، وهي تدني مستوى التعليم، والإدارة السيئة والمسيسة للعملية التربوية (مأساة البكالوريا لسنتين متتاليتين مثلا). فبدلا من تركيز الانتباه على المشاكل الحقيقية للتعليم: الاكتظاظ في الأقسام، الغش في الامتحانات المصيرية، انتشار دروس الدعم على حساب التعليم الرسمي، تدني أجور الأساتذة، والظروف الاجتماعية الاقتصادية السيئة للأسرة التربوية؛ تركز وزيرة التربية دائما جهدها على فتح معارك ثقافية/لغوية مضللة للفت انتباه الأولياء عن مشكلتها الحقيقية وهي عجز الأداء الوظيفي؛ وكان الأولى أن تقدم استقالتها بدل أن تغرق المجتمع في المشاكل الهامشية.
في النهاية، يريد المجتمع تلميذا متعلما وقادرا على العمل بالاعتماد على نفسه، وليس صراعا ثقافيا أو لغويا أو حتى دينيا؛ لأن في ما وراء تلك الغايات الحقيقية والملموسة هو مجرد معارك وهمية للتضليل عن عجز الأداء الوظيفي.

عامر مصباح
جامعة الجزائر 3

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى