دراسات اقليميةدراسات سياسية

المنظمات الإقليمية في بلدان العالم الثالث وأثرها في الإصلاحات السياسية والاقتصادية

لقد ساهمت التطورات العالمية المتمثلة بانتهاء الحرب الباردة وانهيار الإتحاد السوفييتي في عام 1991م، وانهيار نظام القطبية الثنائية ، وظهور مؤشرات النظام الدولي الجديد والتي هي تقوم في شقها السياسي على النموذج الغربي للديمقراطية في التعددية السياسية والحزبية واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وفي شقها الاقتصادي في الانتقال إلى اقتصاد السوق وترك الاقتصاد المركزي القائم على تدخل الدولة في رسم الحياة الاقتصادية . وعلى الصعيد الاجتماعي القائم على المنفعة الفردية والخاصة ، وعلى المستوى الثقافي القائم على النزعة المادية وتغليب الذات .
وعليه ، فقد ساهمت هذه المؤشرات في تفرد الولايات المتحدة الأمريكية من خلال سيطرتها على النظام الدولي الجديد . وبالتالي سيطرتها على مختلف مناطق العالم، بواسطة إستراتيجيتها الدولية والوسائل التي استعملتها في تحقيق أهدافها. وأهم هذه الوسائل هي ( السياسية ، الاقتصادية ، العسكرية ) .
ومن المعروف ، أن بلدان العالم الثالث ، لم تكن بمنأى عن هذه السياسات ، لاسيما وأن واشنطن أصبحت تعتمد على سياسة الترهيب والتهديد لتغيير حركة الدول والأنظمة السياسية وتأمين انسياقها وراء السياسة الأمريكية ، وبما يؤمن قدرا كبيرا من المصالح التي تسعى إلى تحقيقها والتي لم تكن بمعزل عن الغاية النهائية للإستراتيجية الأمريكية الكونية ((أي السيطرة على العالم)) .
لقد شهدت بلدان العالم الثالث ، لاسيما قارة أسيا وأفريقيا تحديات كبيرة وخطيرة . منذ حصولها على الاستقلال إلى يومنا هذا ، وهذه تمثلت ، في مشاكل على صعيد البنية الداخلية والخارجية .
فعلى الصعيد الداخلي ، كانت هذه المشاكل هي (( مشاكل سياسية )) ناتجة عن ضعف الوحدة الوطنية وضعف الولاء الوطني وسيادة الو لاءات القبلية العرقية ، ودخولها في صراعات وحروب أهلية طاحنة لاسيما القارة الأفريقية ، إذ شهدت العديد من دولها حروب ونزاعات أهلية عنيفة أودت بحياة آلاف الضحايا ، في الصومال ونيجيريا وليبريا وروا ندا والكونغو . وكينيا ، بالإضافة إلى ظاهرة عدم الاستقرار السياسي وكثرة الانقلابات
العسكرية ، كما في موريتانيا وغيرها .
((مشاكل اقتصادية)) وهذه متمثلة بصورة تحقيق مشاريع التنمية السريعة والشاملة ، وعدم استطاعة وقدرة معظم بلدان العالم الثالث على استثمار مواردها الطبيعية بشكل صحيح دفعها ذلك للجوء إلى الدول الكبرى مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة ، لمساعدتها في استثمار هذه الموارد، الأمر الذي أوقعها في الاعتمادية على الغرب ومن ثم وقوعها في شرك التبعية الاقتصادية .
وعلى صعيد أخر، لجأت معظم دول العالم الثالث ، إلى المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، الأمر الذي أوقعها في مشكلة المديونية ، وكذلك اضطرارها بهدف الحصول على المساعدات الخارجية التي كانت مشروطة بضرورة تطبيق آليات السوق، وترشيد دور الدولة وتشجيع القطاع الخاص ، مما زاد الطين بله .
أما المشكلات الاجتماعية ، فقد وقعت أغلبها في مشكلة عدم الاندماج الوطني وعدم وجود ارضية اجتماعية ونسيج اجتماعي متماسك ، وانتشار الأمراض كالايدز والملا ريا والكوليرا . لاسيما في آسيا وأفريقيا مثل رواندا ، والكونغو ، والصومال.
و الحقيقة أن ضعف الرعاية الصحية وانتشار الأمية وانعدام الثقافة الوطنية وسيادة الثقافات العرقية أو الدينية والطائفية، من أهم المشاكل الاجتماعية التي عصفت في بلدان العالم الثالث على حد سواء.
أما على صعيد البيئة الخارجية :- فقد واجهت دول العالم الثالث تحديات دولية كبيرة أفرزها النظام الدولي الجديد بعد انهيار المعسكر الشيوعي وتفرد النموذج الغربي الليبرالي، وبالتالي كان هذا عاملا في انهيار معظم أنظمة الحكم ذات الحزب الواحد واللجوء إلى النظام ألتعددي القائم وفقا للفكر الليبرالي ألتعددي الغربي ، وساهم ذلك في حدوث انتفاضات جماهيرية وضغوط شعبيه مطالبة بالديمقراطية لضمان حقوق الإنسان وحرياته
الأساسية .
وعلى أساس ذلك جاءت وتشكلت في بلدان العالم الثالث، منظمات إقليمية تهدف بشكل أو بأخر إلى مواجهة التكتلات الغربية والى تحقيق التعاون على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي ضمن البقعة الإقليمية التي تمثلها ، بهدف المحافظة قدر الإمكان على هويتها الوطنية والإقليمية في مواجهة العولمة وتأثيراتها السياسية والاقتصادية والثقافية ومن أهم هذه المنظمات (( منظمة الآسيان )) التي ظهرت في جنوب شرق آسيا
(( ومنظمة الاتحاد الأفريقي )) وجامعة الدول العربية .
فرضية البحث:- تحاول الدراسة الإجابة والبرهنة على بعض التساؤلات وهي:
1.ما هو تأثير هذه المنظمات على الإصلاحات السياسية في بلدانها ، وهل أنعكس نشاطها على تحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية .
2.ما مدى فاعلية هذه المنظمات في ظل الوضع الدولي الراهن.

هيكلية الدراسة:- ستكون هذه الدراسة مقسمة إلى أربعة فصول هي الفصل الأول ((منظمة الآسيان))، والفصل الثاني (( الاتحاد الأفريقي )) ، والفصل الثالث (( جامعة الدول العربية)) ، الفصل الرابع (( تقييم دور المنظمات )).

منظمة الآسيان : تأسست رابطة دول جنوب شرق آسيا في عام 1967م .. بموجب إعلان بانكوك الذي وقعت عليه آنذاك كل من اندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلنديا ومن ثم تلاها دول أخرى أنظمت مثل بروناي في عام 1984م .
وفيتنام في عام 1985م ((1)) وكذلك كمبوديا في نيسان عام 1999م ((2)) ، وبذلك أصبحت الآسيان تظم عشرة دول هي كمبوديا وماليزيا واندونيسيا ولاوس وسنغافورة وتايلندا والفلبين وماينمار وبر وناي وفيتنام .
كانت الرابطة تهدف إلى أعادة نوع من الثقة بين الدول المجاورة في تلك البقعة من العالم، وكذلك النهوض بالتنمية الاقتصادية الإقليمية لتلك الدول ، عن طريق تعاونها في المجالات الاستثمارية والتجاريه ، وتطورت العلاقات بين دول الرابطة واتخذت عدة مجالات، حيث أقامت اندونيسيا في ظل حكومة ( سوهارتو )علاقات وثيقة مع الدول الأخرى، في الرابطة كماليزيا والفلبين وسلطنة بروناي وسنغافورة وتايلند، ولقد حققت دول الرابطة انجازات مهمة ومن أبرزها (3) .
1.تزايد التعاون والتضامن فيما بين بلدان المنظمة.
2.تعزيز التعاون السياسي في بعض القضايا .
3.تزايد التعاون المشترك في المجالات التي تتضمن الاتصالات والطاقة .
وعلى أساس ذلك ، فقد قاد نجاح الرابطة إلى قيام رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد السابق ، عام 1991م ، بطرح فكرة تأسيس تجمع اقتصادي لدول شرق آسيا ، مع تعثر محادثات التجارة العالمية ، إذ عارضت آنذاك الولايات المتحدة الأمريكية ولادة هذا التجمع ، خوفا من أن يؤدي ذلك إلى ولادة تكتل تجاري ينافس الإتحاد الأوربي وأمريكا الشمالية والتي كانت في ذلك الوقت تقيم منطقة تجارة حرة (4) .
وعلى صعيد ، انعقاد قمم الآسيان ، نلاحظ أن رابطة الآسيان خلال مسيرتها الطويلة عقدت عشرة قمم خلال مسيرة (38) عاما أي بمعدل انعقاد قمة كل أربعة سنوات ، وخلال هذه القمم تطرح الدول الأعضاء مشاكلها، ألا أن القضايا الاقتصادية ظلت تشغل الموقع الأول في مناقشات تلك القمم ، ففي القمة الثالثة للرابطه في كانون الأول ، ديسمبر عام 1987م في (( مانيلا )) سادت المسائل التجارية على مناقشات القمة .
أما القمة الثامنة التي عقدت في عاصمة كمبوديا ، (فنوم تيه ) تشرين الثاني ،2..2م ، فأنها ركزت على قضية تعزيز تشريع خطوات التعاون الاقتصادي الإقليمي والتكامل والقضايا الأخرى ذات الاهتمام المشترك .
أما القمة الأخيرة … التي عقدت في كانون الأول، عام 2..5م تناولت إعلان القمة أجراء محادثات سنوية لمناقشة المسائل الهامة ذات البعد الإقليمي والإستراتيجي مثل المخاوف الصحية التي تتعلق بمرض ( أنفلونزا الطيور والتجارة والأمن والطاقة والقضاء على الفقر((5)) .
وعند دراسة نشاط منظمة الآسيان ودورها في التنمية والتحولات الديمقراطية… نلاحظ ما يلي :-
أولا :- على (( صعيد التنمية ))
شرعت دول جنوب شرق آسيا منذ الستينات إلى أتباع برامج تنموية مختلفة وفاعلة وسريعة، إذ حققت قفزات تنموية هائلة تم وصفها بالمعجزة الآسيوية في بعض الكتابات وعلى رأسها المؤلف المهم الصادر عن البنك الدولي عام 1993م، وقد أقيمت التنمية التي أتبعتها دول الآسيان على عدة عوامل مهمة لعل من أبرزها ما يلي (6) :-
1.التعاون والدعم المشترك والمتبادل بين دول الآسيان خلال عمليات النمو والتنمية .
2.العمل على زيادة عمليات التراكم المالي والمصرفي .
3.الاستثمارات الوطنية ( للموارد الأولية ) عن طريق الأخذ بسياسات تشجيع وتنمية الصادرات .
4.أقامة معامل ومصانع تعمل على التطوير التقني، والعمل على زيادة الإنتاجية في كل القطاعات الصناعية والزراعية.
5.تقوية العلاقة لدول الآسيان ، بصعيدها الإقليمي والانفتاح والتعاون على الأسواق العالمية .
وكان من نتائج الأخذ بهذا الأسلوب لدول الآسيان ، لاسيما في (( ماليزيا )) وتايلندا وسنغافورة ، إذ حدث تطور هائل في مستويات الناتج القومي الإجمالي ومتوسط دخل الفرد الناتج القومي ، فضلا عن أتباع سياسة منفتحة على العالم الخارجي مع الحفاظ على درجة كبيرة من هامش الوطنية الاقتصادية ، بالإضافة إلى زيادة تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية الوافدة المستثمرة في تلك الدول ، إذ لعبت تلك التدفقات دورا جوهريا في تمويل جانب كبير من التمويل الرأسمالي لسد الفجوة بين الدخل القومي وحجم الاستثمارات الكلية (7).

تحميل الدراسة

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى