نظرية العلاقات الدولية

النظام الإقليمي كمستوى للتحليل في العلاقات الدولية

تمهيد

تعد إسهامات كل من باري بوا زن و أولي وايفر Buzan et Waever     في دراستهما التي جاءت تحت عنوان “الأقاليم و القوى” ، من أهم الإسهامات المقدمة في حقل الدراسات الأمنية بصفة عامة و في الدراسات الأمنية بشكل خاص، مع الإشارة إلى أنهما لم يحتكرا لوحدهما مسألة تطوير هذه النظرية بصفة كلية وإنما هناك مقاربات أخرى ساهمت في تطويرها و توسيعها بشكل كبير على غرار تأثيرات مرحلة ما بعد الحرب الباردة و العلاقات الدولية إلى جانب نظريات التنمية و تشكيل التكتلات الإقليمية. بالنسبة لباري بوازن مفهوم “المركب الأمني الإقليمي” يمنح أداة جيدة لتصور الأمن الإقليمي في إطار العلاقات الدولية المعاصرة، كما انه يمنح مساهمتين هامتين، الأولى انه يركز على أهمية تحليل النظام الإقليمي بالمقابل مع الأنظمة الأخرى (المقصود بها هنا الوطنية و الدولية) ، و مستويات تحليل نظام الأمن الدولي ، هذا دون إغفال المشاكل الناتجة عن صعوبة تحديد حدود الإقليم وهي نفسها التي صادفتها العديد من الدراسات السابقة.و هنا يقترح باري بوازن أن التحليل الإقليمي يصبح هاما و ضروريا بسبب : ” غياب تطوير لمفهوم الإقليم، فإن تحليل الأمن يميل إلى استقطاب مستويات النظام الدولي من جهة، و مستوى الأمن الوطني للوحدات الفرعية من جهة أخرى، و تحليل الأمن يتراوح بين تصاعد الدور المهيمن للقوى الكبرى داخل النظام الدولي، و كذا الديناميكية النشطة الداخلية و توقعات الوحدات الصغيرة.”
ومن هنا ندرس مفهوم الامن على المستوى الاقليمي كالأتي:
أولا:على المستوى الوطني الخاص بدول النظام الإقليمي، فإنها تقوم بعملية م ا رقبة التهديدات على المستوى الداخلي ( إذا كانت الدولة قوية / ضعيفة بسبب استقرار نظامها الداخلي و التوافق الدولة و الأمة، فالتهديد بصفة خاصة بالنسبة للدولة غالبا ما يتم تعريفه حسب طبيعة الأمن المتوفر لديها.
ثانيا: العلاقات بين دولة و أخرى ( تساهم في تشكيل المنطقة)
ثالثا: منطقة التفاعل مع المناطق المجاورة ( هي محصورة نسبيا، و هو ما يجعل المركب معرفا بالنظر إلى حجم التفاعل الداخلي كأهم العوامل. لكن يجب عدم إغفال أن التغييرات الهامة في هندسة الأمن المتبادل ساهم في تشكيل المركبات الأمنية.
ا ربعا:دور القوى العظمى داخل النظام الإقليمي ( التفاعل بين هندسة الأمن الدولي و الإقليمي.

  1. المحاضرة الاولى

أولا: تعريف النظام الإقليمي و معايير تحديده.
مصطلح النظام الإقليمي في معناه العلمي، و كمستوى لتحليل العلاقات الدولية، مفهوم حديث لم تشر إليه الدراسات إلا في الستينات و السبعينات، وان كان يمكن إرجاع جذوره في الفكر السياسي المتعلق بالشؤون الدولية إلى زمن بعيد، أين كان مفهوم الإقليمية Regionalism أحد الموضوعات الأساسية في مجال التنظيم الدولي. و دار جدل طويل حول ما سمي بالعالمية في مواجهة الإقليمية Universalism versus Regionalism و أي المنهجين ينبغي إتباعه لتنظيم المجتمع الدولي و حفظ السلم الدولي.

و يمكننا في هذا الاتجاه الاعتماد على ما ذهب إليه ناصيف حتى في تعريفه للنظام الإقليمي بأنه يشمل أي كيان ذي خصوصية في عضويته في مقابل الكيانات المفتوحة العضوية لجميع الدول (أي النظام الدولي). وهنا يمكن ملاحظة أن النظام الإقليمي هو عبرة عن مجال سياسي لتفاعل عدة دول تربطها روابط مميزة عن غيرها. و أحيانا تتقصد تلك الدول جعل ذلك التمايز مقننا في عمليات سياسية محددة عسكرية، أو اقتصادية أو ثقافية، بعضها أو كلها في آن واحد. و بهذا قد يشمل النظام دولا متجاورة، بمعنى أن الإقليمية تساوي منطقة جغرافية محددة. و قد لا يشمل النظام دولا متجاورة، بمعنى أن الإقليمية ترتبط بالتضامن بين الدول لا بالجوار الجغرافي (كالروابط القومية، التاريخية، الاقتصادية، الحضارية…)
إذا تتأسس الإقليمية على فكرة إقامة تنسيق بين عدة دول بقصد ضمانة مصالحها المشتركة، و استثمار مزايا المنطقة السياسية. فإقامة نظام إقليمي يشترط إمكانات بناء ترتيبات محددة و تأسيس علاقات إقليمية مميزة، علاوة على توفر الإرادة السياسية. إن النظرة التي قدمها كل من لويس كنتوري  Louis   Cantori و ستيفن شبيغل Steven Speigel في دراستهما “السياسة الدولية للأقاليم” ، The    International Politics of Regions تسمح لنا بعملية تحليل العلاقات الدولية في إطار إقليم ما من وجهة نظر التفاعلات بين دول الإقليم، إلى جانب عملية المقارنة بين الأقاليم الموجودة بعضها مع الأخر، المعاصرة منها و التاريخية، إلى جانب أنها تبرز لنا مختلف أشكال التغلغل الممارس من طرف القوى الكبرى اتجاه هذه الأقاليم و الأساليب والآليات المستخدمة على جانب مدى التغلغل
إن عملية عرض الفكر المتعلق بتعريف النظم الإقليمية يجعلنا نميز بين ثلاثة اتجاهات حول معيار
تعريف النظام الإقليمي:
الأول: يركز على اعتبارات التقارب الجغرافي ، Geographic Proximity Approach ويجعل من هذه الاعتبارات أساس التمييز بين النظم الإقليمية.
الثاني: يركز على وجود عناصر التماثل بين الدول التي تدخل في نطاق إقليم ما من النواحي الثقافية
. Homogeneity Approach /الاجتماعية / الاقتصادية

الثالث: ينتقد الاتجاهين السابقين، على أساس أن الدول المتجاورة ،المتشابهة لا يشترط بالضرورة أن تكون على علاقات وثيقة بيما بينها ، وأن العامل الحيوي في أي نظام إقليمي هو مدى وجود تفاعلات سياسية و اقتصادية و اجتماعية بين الدول وبعضها البعض .Interaction Approach
يبدو أنه على الرغم من الاختلافات المسجلة حول تعريف النظام الإقليمي و مكوناته، إلا أن هناك
ميلا عاما للاتفاق حول أن أهم عناصر النظام الإقليمي هي:
·عندما يتعلق الأمر بمنطقة جغرافية معينة، حتى أولئك الذين انطلقوا من معيار التفاعل، توصلوا إلى
أن حجم التفاعلات بين الدول المتقاربة جغرافيا عادة ما يكون أكبر و أكثر بين تلك غير المتجاورة ،
وأن الدول التي تقع في قارات متباعدة عادة ما تكون التفاعلات بينها محدودة، إذا ما استثنينا الدول
الكبرى التي قد تتفاعل و بكثافة مع دول ومناطق بعيدة عنها لاعتبارات إستراتيجية عسكرية أو
اقتصادية.
·يشتمل على ثلاث دول على الأقل.
·لا وجود لأي من الدولتين العظميين بين الوحدات المكونة له، ذلك أن وجود إحداهما يربطه بالنظام
الدولي مباشرة، والمقصود هنا أن دول القمة الدولية قد تمارس ضغوطا أو نفوذا على النظام الإقليمي، من خلال شبكة العلاقات والتفاعلات الاقتصادية أو العسكرية مع دوله، و لكنها لا تصبح عضوا فيه أو أحد مكوناته.
·وحدات النظام الإقليمي تدخل في شبكة معقدة من التفاعلات السياسية والاقتصادية و الاجتماعية
الخاصة بالنظام، و التي تمتلك دينامكيتها الذاتية، و قواعد حركتها المنبثقة من هذه التفاعلات
باستقلال عن النظام الدولي، أو حتى نفوذ القوى الكبرى، لا يتضمن هذا بالطبع افت ا رض الاستقلال
الكامل للتفاعلات التي تجري في نظام إقليمي ما، فهذا لا يمكن تصوره في ضرورة الاتصالات و
المواصلات المعاصرة، واعتبارات الإستراتيجية الدولية.

درجة التنافس أو التوافق في السياسات الإقليمية، فكلما زاد التجانس أو التوافق زاد ميل النظام الإقليمي
إلى التشكل ككتلة للتأثير في السياسة الدولية، وعكسه صحيح أيضا، حيث يكون النظام الإقليمي
مجالا لتصريف السياسة الدولية للقوى الكبرى.
في أي نظام إقليمي يوجد نظام للتوازن في الغالب، وتوجد سياسات للتوازن، فإمكانات الدول الإقليمية
مختلفة بالضرورة كنتيجة لتوافر أو عدم توفر الموارد ونوعية القدرة على استثمارها، التجربة التاريخية،
الخصوصية القومية، الأدوار السياسية…، وهو ما يولد أنظمة متعددة لا تخرج عن الأنماط التالية:
.1نظاما إقليميا مركزيا: وهنا يلاحظ أن القيم و الممارسات و علاقات القوة للدول الأخرى تكون محددة، كما أن أدوارها السياسية تكون متوقعة، حيث أن الدول الصغيرة لا يتوقع أن يرتقي دورها الإقليمي إلا إذا ارتبطت بالنظام الدولي بعلاقات تبعية (حماية) بما يضمن لها وجود مظلة حماية النظام الدولي لها. وهو الأمر الذي يلزمها بأداء أدوار و سياسات إقليمية محددة الأبعاد.
.2نظاما إقليميا تتواجد فيه قوتان إقليميتان، وهنا تكون القيادة موزعة نسبيا بين قوتين، وهو الأمر الذي
يجعل الكفة الأخرى لنظام التوازن مستقرة عند وجود أكثر من دور، و من سلوكيات إقليمية متوقعة، وهنا
تتمتع الدول الصغرى بهامش حركة سياسية ملحوظ.
.3نظام إقليمي متعدد القوى، هنا لا وجود لشكل محدد للأدوار السياسية القابلة للتوقع، و هو الأمر الذي
يجعل هذا النمط من النظام الإقليمي غير متجانس و متمايز بشكل واضح في البيئة الدولية، طالما أن
إمكانيات كل أطرافه تكبح إحداها الأخرى، مما يجعلها غير فاعلة للاستخدام خارج المنظومة الإقليمية.
صحيح أن مفهوم النظام الإقليمي نشأ في فترة الستينات و السبعينات، و هنا غالبا ما يتم الإشارة إلى
إسهامين بارزين، وهما:
أولا، الإقليمية كمدرسة نشأت لمواجهة العالمية التي دعت إلى بناء نظام دولي جديد يحفظ السلم والاستقرار،
و هنا اعتبر أصحاب الإقليمية أن عملية بناء التجمعات الإقليمية هي الوسيلة الأفضل و الأكثر عمليا
للحفاظ على الأمن و السلم الدوليين، في حين أن دعاة العالمية قد دعوا إلى إقامة حكومة عالمية تجمع
جميع الدول كأفضل وسيلة لحفظ الاستقرار و منع الحروب.
ثانيا، يمكن إرجاع مفهوم النظام الإقليمي إلى دراسات التكامل لكافة فروعها و خاصة التكامل
الاقتصادي.من جانب أخر يقدم اوران يونغ Oran Young نموذج الانقطاع Discontinuities في النظام الدولي، و هو الذي يفسر المعطيات العملية لقيام النظم الإقليمية .7و يظهر هذا النموذج كيف أن أنماط التأثير الكونية والإقليمية يقسم بعضها بالتطابق و البعض الأخر بالانقطاع.

ثانيا: النظام الإقليمي كمستوى للتحليل في العلاقات الدولية.
الملاحظ أنه بعد نهاية الحرب الباردة و تنامي ظاهرة العولمة طورت مدرسة الإقليمية مناهج تحليلها لتقدم
نموذجا جديدا يقوم على بحث التفاعلات داخل النظام الإقليمي ضمن رقعة جغرافية لها خصائص مشتركة، وهذا ما عرف بـ” الإقليمية الجديدة” التي وضعت أطر جديدة للتعاون الإقليمي و يمثل التعاون الأمني جزءا هاما في هذه الظاهرة الشاملة.
كل من لويس كانتوري Louis J.Cantori و ستيفن شبيغل Steven Speigel رأيا أن هناك ستة
أسباب أدت إلى اعتماد مفهوم النظام الدولي الإقليمي كأداة تحليل في السياسة الدولية، و هي :
.1المفهوم يساهم في عملية تعميق عملية دراسة العلاقات الدولية، من حيث تقديمه مستوى متوسط للتحليل، بين المستوى الدولي و مستوى الوحدات / الأطراف في النظام الدولي.
.2بإمكان المفهوم المساعدة على تصحيح رؤية بعض الباحثين و الدارسين الذين يتعاملون مع مختلف
الأحداث من منظور النظام المهمين ( القوتين العظمتين سابقا) أو النظام الدولي بشكل عام، بحيث يتم
تغييب عوامل عديدة هامة تتعلق بطبيعة و خصوصيات الحدث / الظاهرة السياسية على المستوى
الإقليمي. حيث أن هناك أحداث كثيرة لا يمكن إرجاع أسبابها إلى المستوى الدولي أو مستوى النظام
المهيمن، بل هي نتاج عوامل إقليمية أو عوامل ما دون إقليمية.
3 يساعد مفهوم النظام الإقليمي المتهمين بدراسة الدول على توسيع مجال دراساتهم لتشمل السمات المشتركة بين الدول على المستوى الإقليمي في مناطق تخصصهم، و يساعد إلى جانب ذلك المفهوم المختصين بالشؤون الدولية لزيادة معلوماتهم عن خصوصيات كل منطقة و سماتها الهامة.
.4يساعد في عملية القيام بالدراسات المقارنة لسياسات الدول، على المستوى الدولي و الإقليمي.
.5في عملية المقارنة بين منطقتين مختلفين،يساعد على استخراج سمات التشابه و التمايز بينهما، وفي
الدراسة المقارنة للمنطقة ذاتها في فترتين تاريخيتين مختلفتين لاستنباط الخصائص المميزة للمنطقة
المدروسة.
6 في عملية دراسة التفاعل القائم بين المستويات المختلفة في النظام الدولي، كالتفاعل مثلا بين النظام
المهيمن و نظام إقليمي معين. يمكن الإشارة إلى النظام الإقليمي يقوم بأربعة وظائف أساسية، وهي :
.1وظيفة التكيف:  تتصل هذه الوظيفة بالكفاءة الفنية لمؤسسات النظام الإقليمي و يتوقف أداء هذه الوظيفة على استعداد أطراف النظام بالتنازل عن بعض صفات السيادة في علاقاتهم المتبادلة بهدف السيطرة على الصراعات و المنافسات بينهم.
.2الوظيفة التكاملية: و يقوم بها النظام الإقليمي عن طريق تدعيم الصلات بين أط ا رفه على المستوى
الرسمي و غير الرسمي، بحيث تصبح الموارد التي تتحرك وفقا لقواعد خاصة بكل طرف أو وحدة من
وحدات هذا النظام.
.3الحماية و الأمن: هي موطن علاقات القوة بينه وبين البيئة الدولية، و تتعلق هذه الوظيفة بمجموعة القيم الأساسية الخاصة بالإقليمية، والتي تفترض دفاع أطراف النظام الإقليمي عن بعضها البعض إزاء أي تهديد خارجي، و إلا سيتحول هذا النظام إلى مجرد جماعة ثقافية أو منطقة حضارية لا أكثر.
.4وظيفة تحقيق الأهداف: هي وظيفة يتم من خلالها توحيد أطراف النظام الإقليمي أو تفرقها، ذلك أن
الدول تدخل في ترتيبات إقليمية بإرادتها عندما تتوقع أن تتحقق أهدافها على نحو أفضل من خلال التعاون، وهنا تكمن قدرة النظام على التوفيق، وبناء التراضي بين كل أطرافه، بحيث يرى كل طرف أن له مصلحة مؤكدة في هذا الارتباط، وعلى هذا الأساس، فإن النظام الإقليمي يتطور تبعا لدرجة نضوج عملية بناءالإجماع داخله.
لتحديد النظام الإقليمي لابد من توفر مجموعة من الشروط تتباين من مفكر لآخر، وتتمثل فيما يلي:
§البعض يركز على شرط التقارب الجغرافي النظم Geographic proximity  كأساس لتمييز الإقليمية.
§البعض الآخر يركز على وجود عناصر التماثل Hemogenityبين الدول التي تدخل في نطاق إقليم ما
من النواحي الثقافية ،أو الاجتماعية ،أو الاقتصادية .
§اتجاه آخر يرى أن الدول المتجاورة أو المتشابهة لا يشترط بالضرورة أن تكون على علاقات وثيقة تفاعلية  Interactions فيما بينها فالعمل المحدد في أي نظام إقليمي هو مدى وجود تفاعلات بين الدول وبعضها البعض .
يرى بوا زن Barry Buzan في كتابه” الشعب، الدول و الخوف” People, States and Fear
أن الأنظمة الإقليمية تتكون من عنصرين أساسيين :
.1توزيع القدرات بين الفواعل المركزية.
.2نسيج الصداقة و العداوة : و من خلال هذا النسيج تتراوح التفاعلات بين أعضاء النظام الإقليمي،
أقصى عداوة وأقصى صداقة،وهو ما أسماه كانتوري و شبيغل طيف العلاقات The spectrum of relations كما أن نوع التوازن داخل النظام الإقليمي يحدد طبيعة تفاعلاته الداخلية،والتوازن داخل النظام
الإقليمي يتنوع من سعي لتوازن داخلي ، إلى السعي لتوازن إقليمي، ليمتد إلى توازن القوى الخارجية، إضافة إلى الأنماط التعاونية و الصراعية بين أطراف النظام الإقليمي ، التي تلعب دورا بارزا في تحديد تفاعلاته.
إن تحليل النظم الإقليمية تطور بشكل ملحوظ بعد الحرب الباردة ، خاصة مع تطور ظاهرة الإقليمية
و بروز الإقليمية الجديدة ،وهو ما ساهم في بلورة أطر نظرية متعلقة بجميع القضايا من نزاع و أمن و
تعاون و تفاعلها على المستوى الإقليمي،فلم تعد تقتصر على الجانب الاقتصادي كما كان سائدا في
بدايات ظاهرة الإقليمية، إضافة إلى دراسة التكتلات الإقليمية المتشكلة على مستوى الأقاليم ودورها في تفعيل مثل هذه القضايا و الآليات التي تتبعها في تحقيقها، سواء تعلقت بالعلاقات التعاونية أو بالعلاقات الصراعية ، إذ تشكل التكتلات الإقليمية إطار هام في تفعيل الحوار الإقليمي و مواجهة التحديات التي تتطلب تعاون جماعي لتجاوزها.
أما بالنسبة لكل من “جافن بويد ” Graven Boydو “وارنر فيلد” Werner J.Fieldفقد قدما
تسعة جوانب تحليلية تتمثل في :
الاجتماع السياسي: يتضمن الأنماط القومية للمعتقدات الاجتماعية و القيم، و مدى التماسك و الانقسام، وعمليات التنشئة الاجتماعية.
علم النفس السياسي: يخص دراسة معتقدات النخبة الحاكمة، و القيم و الإجراءات العملية، والمهارات
السياسية في النظام.
الثقافة السياسية السائدة في النظام: مدى تشابهها / اختلافها، مدى فعاليتها و أشكالها السلوكية.
هياكل السلطة و أنماط التأثير التي تغطي العلاقات بين الأحزاب، جماعات الضغط،
علاقات الاجتماع المتبادلة داخل الإقليم و خارجه، والتي تؤثر على السياسات والقضايا.
دراسة المؤسسات الإقليمية، وتتضمن تطورها الذاتي و شرعيتها، و مستويات نموها و مخرجاتها
المختلفة.
دراسة سلوك السياسة الخارجية الإقليمية، مع الاهتمام بمخرجاتها و تطبيقاتها.
دراسة التعاون و الصراع الإقليمي، الناتج عن التفاعل بين سلوكيات السياسة الخارجية لأعضاء النظام الإقليمي.
قضايا التنمية التي تشمل النظام بمعنى النمو و التوسع المؤسساتي.
أما ما تعلق بالمداخل الأساسية لتدخل القوى الأجنبية في شؤون النظم الإقليمية، فقد أورد “ريجنز”
Wriggins ثلاث مداخل هي:
.1لابد من وجود مصالح للقوى الأجنبية، اقتصادية / استراتيجية لها علاقة ارتباط بالإقليم، أو علاقات
خاصة مع أحد أعضائها.
.2التنافس حول مناطق النفوذ، وهذا خاصة أثناء الحرب الباردة.
3 تلبية دعوة إحدى دول النظام الإقليمي لتدخل، من اجل موازنة قوة دولة أخرى في الإقليم.
الملاحظ هو أن هذه المقاربة تأخذ بمقاربة كل من ” كانتوري” و “شبيغل”كأساس لتحليل مختلف
جوانب تفاعلات النظام الإقليمي لجنوب أسيا، ورغم أن ما يعاب على هذه المقاربة هو تميزها بنوع من
الجمود و الافتقاد للمرونة الكافية للتماشي مع حركية العلاقات الإقليمية خاصة في النظام الإقليمي لجنوب أسيا.
ثالثا: باري بوزان و مركب الأمن.
من أجل فهم أفضل لنظرية المركب الأمن الإقليمي سوف يتم التركيز وبشكل كبير على إسهامات كل من
باري بوا زن و أولي وايفر Buzan & Waever في دراستهما التي جاءت تحت عنوان ” الأقاليم و القوى” ، مع الإشارة إلى أنهما لم يحتك ا ر لوحدهما مسألة تطوير هذه النظرية بصفة كلية و إنما هناك مقاربات أخرى ساهمت في تطويرها و توسيعها بشكل كبير على غرار تأثيرات مرحلة ما بعد الحرب البارة و العلاقات الدولية إلى جانب نظريات التنمية و تشكيل التكتلات الإقليمية. فكل من باري بوا زن و وايفر طورا تحليلا عاما للأمن الإقليمي داخل نظام عام و في إطار العلاقات الدولية، كما أنها نظرية تم تطويرها بصفة خاصة لتشكل تحولا جديدا في الدراسات الأكاديمية، فهي تتبع حاضر المركبات الأمنية الإقليمية في النظام الدولي وتضع في الحسبان مختلف العناصر الأخرى التي من شأنها التأثير على بنية المركب الأمني .
قبل التطرق بتفصيل أكثر لمفهوم ونظرية المركب الأمني الإقليمين نحاول تقديم بعض المفاهيم
الأساسية والإضافات التي قدمتها مدرسة كوبنهاغن، وخاصة باري بوان فيما يتعلق بالمفاهيم الأمنية
المتداولة، أين يؤكدبوزان Barry Buzan بأن التطور نحو مفهوم” القوى الكبرى” ينطبق أكثر على الغرب أين يتمتع الأفراد بدرجة أمن أكبر، ومن ناحية النظام الدولي لا يرى باريبوا زن Barry Buzan بأن” إقصاء الفوضى “هو استجابة لمعضلة الأمن ،* Security Dilemmaوحول التمييز الواقعي بين النظام الداخلي
Domestic Order والفوضى الدولية، يتوقع بوزان Barry Buzan بأن النظام الدولي يسير نحو” فوضوية ناضجة ” Mature Anarchyو هو النموذج الأكثر استقرار للفوضى الدولية.
كإطار لتحليل العلاقات الدولية، يبدو مفهوم المركب الأمني هو الآخر معنيا بالصعوبات الموجودة
حول المفاهيم، و لكننا هنا نقبل بوجهة نظر باري بوا زن القائلة :” الأمر يتعلق بتحليل خاطئ و أكبر من
امتلاك تصور نسقي لديناميكية إقليمية للأمن و ليس الحصول على موضع تساؤل حولها”.
فنظرية المركب الأمني الإقليمي هي إجابة ثقافية كبرى للتحولات الحقيقية التي عرفها العالم في منتصف القرن العشرين، فالمعارف الجديدة حول طبيعة العلاقات الدولية تم تناولها من طرف باري بوا زن و
وايفر في دراستهما تحت عنوان ” ،” People, States and Fear سنة 1994 التاريخ يخبرنا أن الإجابة كانت في البيئة الدولية ناتجا عن تفكك الأنظمة اللبيرالية و صعود العديد من الدول الجديدة الأعضاء في النظام الدولي، وهو ما طرح العديد من التساؤلات الجديدة حول قضايا الأمن الوطني و الاقتصاد إلى جانب التنمية. نفس الظروف التاريخية هيأت الإطار من أجل تنمية مفهوم الأمن و إدارة العلاقات بين الدول الاستعمارية و الدول الجديدة.
بالنسبة لباري بوا زن مفهوم “المركب الأمني الإقليمي” يمنح أداة جيدة لتصور الأمن الإقليمي في
إطار العلاقات الدولية المعاصرة، كما انه يمنح مساهمتين هامتين، الأولى انه يركز على أهمية تحليل النظام الإقليمي بالمقابل مع الأنظمة الأخرى ( المقصود بها هنا الوطنية و الدولية) ، و مستويات تحليل نظام الأمن الدولي ، هذا دون إغفال المشاكل الناتجة عن صعوبة تحديد حدود الإقليم وهي نفسها التي صادفتها العديد من الدراسات السابقة . و ها يقترح باري بوا زن أن التحليل الإقليمي يصبح هاما وضروريا بسبب : “
غياب تطوير لمفهوم الإقليم، فإن تحليل الأمن يميل إلى استقطاب مستويات النظام الدولي من جهة، و
مستوى الأمن الوطني للوحدات الفرعية من جهة أخرى، و تحليل الأمن يتراوح بين تصاعد الدور المهيمن للقوى الكبرى داخل النظام الدولي، و كذا الديناميكية النشطة الداخلية و توقعات الوحدات الصغيرة”.
العامل الأخر، هو أن مفهوم “الأمن الإقليمي” يمنح خصائص مركبة ضرورية لتحديد مفهومه الذاتي،
أسباب الأمن عامة و تميزها الطبيعة النسقية لنظام الأمن الدولي. و عليه يكون المركب الأمني الإقليمي
يتكون من : ” مجموعة دول موجودة في التصورات و الاهتمامات الكبرى للأمن المرتبط بكيفية وثيقة
بتصوراتهم للأمن الوطني.
و يرى باري بوزان أن الأمن الإقليمي، متمحور حول تعريف دقيق للفوضى التي تمثل مرآة عاكسة
لصورة النظام الدولي في شكله الكلي، و حدوده يشار إليها من خلال سلسلة منظمة للأمن المتبادل، و من جهة أخرى المركب الأمني الإقليمي هو ظاهرة عصرية، تؤشر على التجزئة و التحرر للتأثيرات الخارجية على الخصائص العامة للأقاليم.و هنا يكون هذا الأمن المتبادل قاد ا ر على إحداث شروط للعداوة أكثر منها للصداقة بالنسبة للفاعلين.
حيث أبرز باري بوزان أهمية خاصية الصداقة والعداوة بين الدول في إحداث تحولات على مستوى
الأمن الإقليمي، فخصائص الصداقة والعداوة بين الدول موجود تداخل بعض المناطق الجغرافية، فالدول
التي يشكل منها الإقليم والتي تحمل في داخلها تلك الخصائص تشكل مركبا أمنيا إقليميا والذي عرفه بوزان بأنه مجموعة من الدول ضمن منطقة جغرافية معينة تكون اهتماماتها وشؤونها الأمنية الأولية والرئيسية مرتبطة مع بعضها البعض بشكل متقارب إلى درجة أن الأمن القومي لكل دولة لا يمكن أن ينفصل واقعيا عن الأمن القومي للدول الأخرى وبالتالي فإن المركب الأمني الإقليمي يدل على وجود تكافؤ شديد واعتماد حاد بين مجموعة من الدول وهو ما يميز هذه المجموعة عن مجموعة الدول الأخرى المجاورة. إن هذا الاعتماد المتبادل يمكن أن يعبر عنه إما بعبارة المنافسة– مثلث الصين-الهند – باكستان -أو عبارة المصالح المشتركة كما في مشروع الأمن في منطقة الشمال ، The Nordic Region كما أن العلاقات ضمن هذا المركب تكون متينة لكنها ليست أبدية، فالمركب الأمني الإقليمي يتغير بتغير أنماط الصداقة والعداوة.
إن الأساس الذي يقوم عليه المركب الأمني الإقليمي هو مجموعة من العلاقات الأمنية التي تبرز
من الإطار العام للعلاقات نظرا لأهميتها النسبية بالنسبة لأنواع العلاقات الأخرى (اقتصادية،ثقافية..)
وخاصيتها الداخلية (الأمن القومي) والضعف النسبي للتفاعلات الخارجية الأمنية مع الدول المجاورة، وعليه فإن حدود المركب القائمة يمكن أن تعين حسب معيار “التعادل النسبي “الإدراكات والتفاعلات
الأمنية. فالتعادل النسبي هو الذي يفسر لماذا تجميع أنواع أو كميات معينة من الأسلحة في الإقليم–أ-يؤثر على الإدراك للتهديد بالنسبة لدول هذا الإقليم ولماذا ينظر إلى الأمر عينه بأقل اهتمام من طرف هذه الدول إذ احدث ذلك في الإقليم–ب-. فمثلا خصائص ديناميكية التسلح في الشرق الأوسط وإفريقيا جنوب الصحراء مختلفة بشكل رئيسي، ومع ذلك ليس هناك تهديد نظر العدم التوازن بين الإقليميين.
كما أن نظرية “المركب الأمني” التي رأت ولادتها مع مدرسة كوبنهاغن، ترى أن المستوى المنهجي
لتحليل الأمن الدولي، الذي يركز على بعض القوى الكبرى لا يكفى في الإطلاع الكامل على المشكلات
الأمنية الملحة والهامة للدول. وفى الواقع فان المشاكل الأمنية لتلك الدول تعتمد أكثر على الدول المجاورة
لها جغرافيا أكثر من اعتمادها على القوى الكبرى البعيدة. و تقوم أهم الافت ا رضات النظرية للمركب الأمني يؤكدون أن الأمن موجود داخل الإقليم الجغرافية و الاجتماعية التي يتم بناؤها، وأن الإشكالات الأمنية تفقد
قيمتها كلها ازدادت تلك الأقاليم بعدا عن بعضها البعض.

فنظرية المركب الأمني مهمة لثلاثة أسباب،الأول إنها تخبرنا ببعض الأمور على مستوى التحليل الخاص بالدراسات الأمنية، و الثاني تستطيع النظرية ترتيب دراسات امبريقية، و الثالثة فإن السيناريوهات المركزة على النظرية تستطيع أن تقوم على قاعدة مشتركة آو تبادلية للحلول المطروحة.
الت ا ربط الأمني يكون أكثر تركي ا ز بين الفاعلين داخل نفس الإقليم أكثر من داخل الأقاليم، و هنا
يعرف باري بوا زن المفهوم على انه مجموعة الوحدات المندمجة كليا في مسار مشترك للأمن و اللاأمن أوالاثنين معا، إلى درجة تكون الإشكاليات الأمنية معقولة و من الصعب تحليلها بمعزل عن الإشكالات
 والعناصر الأخرى. الخاصية الأساسية لأي مركب أمني محلي يتم تشخيصه وفق مجموعة العوامل التاريخية مثل العداء التاريخي ( اليونان و الأتراك، العرب والفرس، ..). ، أو العوامل التاريخية المشتركة ( العرب والثقافات القريبة، الأوروبيين، جنوب أسيا، شمال شرق أسيا، أمريكا الجنوبية). وعليه فان عملية تشكيل المركب الأمني تقوم بشكل هام على التفاعل القائم بين كل جزء من أج ا زء الهندسة الإقليمية و كذا التوازن الناتج عن تفاعل الأجزاء ككل فيما بينها، وهنا يلعب القرب الجغرافي دورا هاما في تسيير التفاعل الأمني بين دول الجوار و الدول المنتمية لنفس الإقليم، وهذه النقطة بالذات سبق لستيفن والت  Walt أن سبق له التطرق إليها. حيث أن الاتصال المباشر والقرب الجغرافي له تأثير كبير على الأمن، بالنظر لكون العديد من التهديدات تنتقل بشكل سهل في المسافات القريبة منها عن تلك البعيدة، فتأثير الجوار الجغرافي على التفاعلات الأمنية يظل كبيرا جدا خاصة إذا ما تعلق بالجانب العسكري و السياسي، و حتى الاجتماعي والبيئي.
كما أن المركب الأمني الإقليمي يظل ليس فقط محاولة استشرافية يمكن تطبيقها على أية مجموعة دول، ولكن يمكن كذلك الادعاء بأن التفسير الصحيح للحدود الخاصة بالمخطط الأمني المتعلق بالترابط و الاختلاف، ولكن في إطار النظرية يمكن وبكل بساطة الاعتماد على النظرية و استخدام مصطلح
“المركب الأمني الإقليمي” لمجموعة من الدول ( حلف وارسو، معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية،
مجلس التعاون لدول الخليج، إفريقيا) ليتم في النهاية ترقيتها إلى مصاف المركبات الأمنية الإقليمية التي
ترقى شواغلها الأمنية لتكون كلا واحدا مشتركا.
في إطار هندسة الفوضى، فإن الهندسة والخصائص الأساسية للمركب الأمني الإقليمي يتم تعريفها
من خلال شكلين أساسيين للعلاقات، الأولى تتمثل في علاقات القوى، والثاني في تفاعلات الصداقة /
العداوة. ففكرة أن النظام يقوم على المستوى الإقليمي من خلال تركيزه على فكرة توازن القوى الإقليمية، و هذا دون إغفال أن كل قوة ليست متصلة بطريق مباشرة و لكن تظل كل منها تحتفظ بمكانتها في شبكة العلاقات الموجودة.
المكون الثاني الأساسي في نظرية المركب الأمني هي أشكال الصداقة و العداوة  ( amity and
enmity) و التي لم تحتل مكانة هامة في نظريات العلاقات الدولية التي احتلها مفهوم السلطة مثلا، و
لكنها حظيت ببعض الاستثناء في كتابات وولفرز  .Wolfersفحتى في النظريات المتشددة لنظرية السلطة على غرار الواقعية و الماركسية) أين قامت بكل بساطة بالتفكير في علاقات السلطة و القوة و بصورة أقل حول طريقة ممارسة السلطة، و لنا هنا العديد من الأمثلة على غ ا رر تناول باري بوا زن  Buzan لفكرة توزيع القوى ، و تحليل ك ا رسنر Krasner للأنماط التقليدية للسلطة، إلى جانب دراسات قوزيني  Guzzini الواقعية حول نفس الموضوع.
بالنسبة لنظرية المركب الأمن الإقليمي فإنها تشكل كذلك إطارا منظما للدراسات الإمبريقية للأمن
الإقليمي، فالنظرية تشير إلى ما يجب البحث فيه من خلال أربعة مستويات للتحليل، وهي:
.1على المستوى الوطني الخاص بدول النظام الإقليمي، فإنها تقوم بعملية م ا رقبة التهديدات على
المستوى الداخلي ( إذا كانت الدولة قوية / ضعيفة بسبب استق ا رر نظامها الداخلي و التوافق الدولة و الأمة،فالتهديد بصفة خاصة بالنسبة للدولة غالبا ما يتم تعريفه حسب طبيعة الأمن المتوفر لديها.)
.2العلاقات بين دولة و أخرى ( تساهم في تشكيل المنطقة).
3 منطقة التفاعل مع المناطق المجاورة ( هي محصورة نسبيا، و هو ما يجعل المركب معرفا بالنظر
إلى حجم التفاعل الداخلي كأهم العوامل. لكن يجب عدم إغفال أن التغييرات الهامة في هندسة الأمن
المتبادل ساهم في تشكيل المركبات الأمنية.
.4دور القوى العظمى داخل النظام الإقليمي ( التفاعل بين هندسة الأمن الدولي و الإقليمي).
كما يتم في إطار هذه النظرية التأسيس لمفهوم المركبات الفرعية على أساس أنها “نصف مستوى”
داخل النظام الإقليمي/ و المركبات الفرعية في أساسها يتم تعريفها بنفس تعريف المركب الأمني الإقليمي،
مع خاصية أخرى تضيفها تلك المركبات الفرعية و هي أنها توفر حوافز متنوعة للأمن المتبادل التي تبدو
قليلة نوعا ما داخل المركبات الأمنية الواسعة التي تشكل المركب الأمني الإقليمي في شكله الكلي.
لتحليل مسألة الأمن الإقليمي Regional Security يقترح باري بوزان Barry Buzan مفهوم
“مركب الأمن” كنموذج لفوضوية مصغرة، ويعرف مركب الأمن بأنه “:مجموعة دول ترتبط همومها أو
هواجسها الأمنية الأساسية ارتباطا وثيقا فيما بينها مما يجعل من غير الممكن النظر واقعيا لأمن دولة
بمعزل عن أمون الدول الأخرى. ويشرعن مركب الأمن على الاعتماد المتبادل في مجال التنافس مثله
مثل المصالح المشتركة. أما العامل الأساسي في تعريف مركب الأمن فهو عادة وجود مستوى عال من
التهديد / الخوف الذي يشعر به بشكل متبادل فيما بين دولتين أساسيتين أو أكثر.
إضافة إلى أن كثافة التفاعلات الأمنية تكون متجهة نحو دول أخرى داخل حدود المركب، فإن مختلف المركبات الأمنية الإقليمية تفصل بينها دول عازلة (حالة أفغانستان وبورما مثلا) كما يمكن أن يشمل
المركب الأمني الإقليمي بعض الدول الصغرى التي تكتسب أهميتها من الانحياز ضمن المركب .كما أن
العلاقات داخل المركب يمكن أن تتميز بغياب كلي للتوازن (الصين في مقابل الهند وباكستان) إما بتغير
توزيع القوة ضمن المركب أو بسبب تدخل القوى الكبرى.

المحور الثاني:

  • المعضلة الأمنية

معضلة الأمنية – Security Dilemma

على اعتبار أنَّ القضایا الأمنیة من أهم التحدیات التي تواجه مختلف الدول فإنَّ تحدید المفاهيم المرتبطة بها هو أهم انجاز یمكن من خلاله تخفیف شدة التوترات التي يشهدها الوضع الدولي اليوم، ويعتبر مفهوم المعضلة الأمنیة من بین المفاهيم الجوهرية التي تم ربطها بظواهر النزاعات مع العلاقات الدولیة، وذلك كون أنًّ العلاقات بين الدول تجري في وسط تغيب عنه سلطة مركزية، وبذلك فإنّ كل دولة تجد نفسها على الدوام معرضة لخطر دولة أو دول أخرى قد تلجأ إلى استخدام القوّة المسلحة ضدّها، بعبارة أخرى، إنَّ العلاقات الدولية تجري في وسط تطبعه حالة التأهب للحرب، وكل دولة يجب أن لا تعتمد إلا على نفسها لتضمن أمنها، وهذا ما يسمى المعضلة الأمنية في العلاقات الدولية.

تعريف المعضلة الأمنية:

إن الشائع هو مفهوم “المأزق الأمني” الذي كثيرا ما برز في الاتجاه الواقعي سواء التقليدي أو الجديد، والمقصود بالمأزق الأمني هو “الوضعية التي تتواجد فيها الحكومات أمام مشاكل تمس بأمنها، أين يكون الخيار بين أمرين متساويين وغير مرغوب فيهما”، فهي حالة يصعب فيها اتحاد القرار بين أمرين كلاهما يلحقان الضرر بالدولة، لأنّ القيام بالاستعدادات العسكرية يخلق شعورا بعدم الاطمئنان لا يمكن انتزاعه في تفكير الدول الأخرى تجاه نوايا هذه الدولة.

يقصد بمعضلة الأمن أنَّ أي دولة في نظام يتميز بالفوضوية كمرادف لحال الحرب في التصور الواقعي، ويحكمه مبدأ “العون الذاتي” لتكون في مأمن من مخاطر هجوم دول أخرى أو أنها تشعر بالتهديد فهي تسعى للحصول على مزيد من القوة، تقيها عدوان محتمل والانفلات من تأثير قوة الآخرين، لكن هذا يجعل الطرف الآخر يشعر بمزيد من اللاأمن، مما يدفعه للتأهب للأسوأ، وبما أنَّه يستحيل أن يشعر طرف بالأمن تماما في عالم يتكون من وحدات متنافسة، كما يتعذر للدول الاطمئنان أو الثقة بنوايا الدول الأخرى فإن السعي للقوة يتواصل، وبالتالي فالصراع من أجل القوة هو سيد الموقف.

كما قدم روبرت جيرفيس – Robert Jervis  تعريفاً آخر للمعضلة الأمنية باعتبارها الحالة التي فيها “العديد من الوسائل التي تسعى الدولة من خلالها زيادة أمنها فتقلل من أمن الآخرين“.

ويعرف جون هرتز – John Hertz المعضلة الأمنية بقوله: “أنها مفهوم بُنيوي تقود فيه محاولات الدول للسهر على متطلباتها الأمنية بدافع الاعتماد على الذات وبصرف النظر عن مقاصد هذه المحاولات، إلى ازدياد تعرض دول أخرى للخطر، حيث أنَّ كل طرف يفسر الإجراءات التي يقوم بها على أنَّها إجراءات دفاعية ويفسر الإجراءات التي يقـوم بها الآخرون على أنها تشكل خطراً محتملا”.

مراحل المعضلة الأمنية:

يمكن تقسيم المعضلة الأمنية إلى مرحلتین تتمثلان في ما يلي:

أولاً: “التفسیر” في سیاق المرحلة الأولى یقولان أنَّ معضلة الأمن تحدث عندما تخلق الاستعدادات العسكریة للدولة ما حالة شك في عقل الدولة الأخرى بشأن ما إذا كانت هذه الإعمال هي لأغراض دفاعیة فقط لتعزيز أمنها، أو ما إذا كانت لأغراض هجومية وذلك لتهديد أمن دول أخرى. 

ثانياً: “الاستجابة” فان المرحلة الثانیة من معضلة الأمن هي مرحلة الاستجابة ورد الفعل من استعدادات الدول الأخرى السياسية الاقتصادية وخاصة العسكرية.

الافتراضات الأساسية للمعضلة الأمنية:

تقوم المعضلة الأمنية على الافتراضات التالية:

– يرتكز هذا المفهوم على فرضية أن الأمن حالة تتنافس الدول على تحقيقها، وفي كنف نظام عالمي فوضوي لا سلطة فيه قادرة على تأمين النظام، يتعين على الدول أن تهتم بجهودها الخاصة التي توفر لها الحماية، وفي إطار مسعاها لتأمين ذلك، نجدها تكتسب قوة أكثر فأكثر لتكون قادرة على تجنب أثر قوة الدول الأخرى،  وهذا بدوره يجعل من الآخرين أقل إحساسا بالأمان، ويدفع بهم لتحضير أنفسهم للأسوأ، وبما أنه ما من دولة باستطاعتها أن تشعر بالأمان الكامل في عالم من الدول المتنافسة، فإن التنافس سيكون حتميا وتكون النتيجة دوامة متصاعدة من انعدام الأمن بين الدول.

– المعضلة الأمنية لا تنشأ بين الدول المتنازعة والمتصارعة فقط بل بين جميع وحدات النظام الدولي الفوضوي.

أسباب حدوث المعضلة الأمنية:

– إن الشكل ثنائي الأقطاب الناشئ للحرب الباردة قد أدى إلى تفاقم المعضلة، حيث أصبحت معضلة الأمن في هذه الفترة أقصى درجة من الشدة

– إنّ الخوف و انعدام الثقة هما من صميم معضلة الأمن و حتى عندما يسود الاعتقاد بأنّ دولة ما تضمر نوايا حسنة يظل هنالك شعور بأنّ هذه النوايا يمكن أن تتبدل.

– لا يقتصر مفهوم المعضلة الأمنية على الجانب العسكري فقط، إنما يتعداه إلى كل الإجراءات الاقتصادية والسياسية التي تتخذها دولة ما وتـصورها الـدول الاخرى على أنها موجهة ضدها بالأساس وتضرب أمنها القومي خصوصا في الحالات التي يكون فيها هناك رصيدا نزاعيا بين دولتين أو أكثر، وتكمن الحيرة في الاختيار ما بين زيادة القوة العسكرية و الانعكاسات السلبية على الاقتصاد من جهة و بين التنمية الاقتصادية و التقليل من التسلح من جهة ثانية، فالاختيار الأول يثير مخاوف الجيران و قد يضعف الاقتصاد، و الثاني قد يقوى من الاقتصاد لكنه يظهر ضعف الدولة للجيران. فتضطر الدولة في الأخير لزيادة قوتها العسكرية  وتحذو غيرها نفس المنهج فتزداد التهديدات الخارجية مما يدفعها لزيادة قوتها من جديد.

– معضلة الأمن تصف ظرفاً تبدو فيه الجهود لتحسين الأمن القومي كما لو أنها أعمال مهددة للدول الأخرى، فتؤدي بالتالي إلى خطوات عسكرية مضادة، وهذا بدوره قد يقود إلى انحدار واضح في الأمن بالنسبة للدول جميعها. 

كيفية الخروج من المعضلة الأمنية:

للخروج من هذه المعضلة انقسمت مواقف وأراء الاتجاه الواقعي إلى شقين تتمثل في ما يلي:

الشق الأول: رأى أن المعضلة الأمنية حالة مزمنة في السياسة الدولية، فاعتبر أنَّ نظام العون الذاتي يُبْرِزْ توازن القوى حتى في غياب سياسة ترمي للحفاظ عليه، كما يُبين أنَّ موازين القوى تنشأ بصرف النظر عن أيَّ نوايا لدولة بعينها.

الاتجاه الثاني: يرى أنَّه يُمكن التخفيف من آثار المعضلة الأمنية ضمن نظام العون الذاتي، من خلال تفعيل آلية ميزان القوى، كما يُوضح أنَّ مفهوم ميزان القوى كان يعتبر طوال فترة نظام الدولة الحديثة من ضرورات حفظ حرية الدول، فميزان القوى هو هدف جوهري للسياسة الخارجية بالنسبة للدول العظمى.

 ومن خلال ما سبق طرحه يمكن القول أن المعضلة الأمنية أن أي دولة في النظام الدولي المتميز بالفوضوية وانعدام سلطة مركزية، تشعر بالتهديد فتسعى هذه الأخيرة للحصول على مزيد من القوة، تقيها عدوان محتمل والانفلات من تأثير قوة الآخرين، لكن هذا يجعل الطرف الآخر يشعر بمزيد من اللاأمن، مما يدفعه للتأهب للأسوأ، وبما أنه يستحيل أن يشعر طرف بالأمن تماما في عالم يتكون من وحدات متنافسة، كما يتعذر للدول الاطمئنان أو الثقة بنوايا الدول الأخرى فإن السعي للقوة يتواصل، وبالتالي فالصراع من أجل القوة هو سيد الموقف.

المحور الثالث

النظام الإقليمي العربي: البنية و التفاعل
يرى وليد عبد الحي بأن التحول التدريجي في المجتمع الدولي من مفهوم الأمن القومي المنطلق من
معنى دفاعي إلى مفهوم شمولي يلم بكافة أبعاد الوجود السياسي،أدى إلى جعل مفهوم” النمو الاقتصادي “
متغيرا رئيسيا في الحركة، إذ تدل العديد من الدراسات على أن التراكمات الناجمة عن فارق معدلات النمو
الاقتصادي هي التفسير الأنسب للحركة صعودا و هبوطا ف يسلم القوى الدولي،و نتيجة لدور هذا المتغير في تحديد اتجاه وسرعة الحركة اندفعت الدول إلى استثمار” نهب “للطبيعة لضمان مكان أفضل لها على سلم القوى.
حسب الباحث عبد النور بن عنتر فإن الروابط الثقافية والعرقية قد تشكل عوامل لتحديد مركبات
الأمن و هذا ما يظهر بالخصوص في الشرق الأوسط حيث تسيطر فكرة” أمة عربية”، و”القوة السياسية
للإسلام العابرة للحدود “في المنطقة الممتدة من المغرب إلى عمان ومن سوريا إلى الصومال.ويعمل هذان
العاملان سويا لإنشاء فضاء إقليمي سياسي فعال.
كما تضعف كل من القومية العربية والإسلام هوية الدول المحلية و يشرعان درجة عالية و غير
معهودة من التداخل والاختراق الأمني، كما يخلقان ميلا لإقامة منظمات إقليمية (الجامعة العربية، مجلس
التعاون الخليجي، الاتحاد المغاربي..).و يلعبان أيضا دورا رئيسيا في تحديد الأنماط الأساسية للصراع في
المنطقة المرتكزة على ثلاث دول غير عربية هي إسرائيل، تركيا و إثيوبيا.و عليه فإن الأنماط الثقافية و
العرقية تساعد في تحديد مركبات الأمن، لكنها تأتي في مركز ثانوي بعد إدراك أنماط الأمن كعامل أساسي في تحديد هذه المركبات .29كما يقر باريبوزان Barry Buzan بوجود مركبات أمن فرعية في الشرق الأوسط
( الخليج، القرن الإفريقي، شرق المتوسط، المغرب العربي) لها ديناميكياتها الأمنية الخاصة بها والمتميزة عن المركب ككل. لكن هناك تجاوز للحدود و تداخل بين الديناميات داخل مركب الشرق الأوسط يكفيان لتبرير نطاق أوسع كوحدة إقليمية أساسية. كما أن التفاعلات العربية – العربية ( التي توفر لها الجامعة العربية منتدى مشرعنا) تميز مركب الشرق الأوسط عن نظرائه في آسيا و أوربا و حتى إفريقيا.
حلل الباحث الكندي بول نوبل Paul Nobleفي دراسته التي حملت عنوان ” النظام الإقليمي
« The Arab System :Pressures,Constraints and “العربي: الضغوط ،العوائق والفرص
» ،Opportunitiesبشكل جيد المقاربة الإقليمية لخصوصية المنطقة العربية، حيث تحدث عن “اختلاف
في الطبيعة” تميز النظام الإقليمي عن باقي النظم الإقليمية في العالم الثالث. و يقول إن هناك اختلاف في الطبيعة تطبع العلاقات بين المجتمعات العربية ومردها عدة عناصر، أهمها :
– الدرجة العالية من التجانس اللغوي، الثقافي والديني للشعوب والنخب العربية والتي ولدت شعوا ر قويا
بالهوية المشتركة ما فوق الهويات الوطنية.
– المستوى العالي من الترابطات والعلاقات بين الدول العربية على مختلف الأصعدة.
– كثافة العلاقات ومختلف التفاعلات العابرة للحدود عربيا.
كل هذه العناصر تجعل الأنظمة السياسية عرضة لمختلف الحركات العابرة للحدود في العالم العربية.

جامعة ابوبكر بلقايد كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم العلوم السياسية

الاستاذ: مولاي بومجوط

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى