تصريح العثماني تبرير للسقطات الدبلوماسية لنظام المخزن

يرى المحلل السياسي، رشيد علوش، أن المغرب سيعزز تهربه من مسؤوليتها إزاء الملفات التي أوصلت الأمور إلى قطع العلاقات بين الجزائر والمملكة، وفي مقدمتها دعمه لما سمي باستقلال منطقة القبائل، معتبرا في حوار مع ”الخبر”، أن الباب لا يزال مفتوحا لنظام المخزن للتراجع عن سقطاته الدبلوماسية وتقديم اعتذار رسمي وفك ارتباطاته مع الحركات الإرهابية المهددة للأمن الوطني الجزائري.

كيف تفسر تنصل رئيس الحكومة المغربية من تحركات سفير المملكة في الأمم المتحدة بعد قرار الجزائر قطع العلاقات؟

تصريح رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، يدخل في سياق تبرير السقطات الدبلوماسية لنظام المخزن، ويظهر ذلك من خلال قوله إن ما قام به السفير المغربي في الأمم المتحدة هو فقط “رد حجاجي” وليس “موقفا سياسيا للدولة المغربية”، على الرغم من أن الجزائر طلبت توضيحا عبر القنوات الدبلوماسية ومنحت مهلة شهر لتقديم التوضيح الرسمي قبل الوصول إلى مرحلة قطع العلاقات الدبلوماسية مرورا بمجموعة من الخطوات التي حددها القانون الدولي في هذا السياق.

لذلك، فإن تصريح العثماني يدخل فقط في سياسة الهروب إلى الأمام المنتهجة من طرف نظام المخزن، ومن ناحية أخرى هو سياسة تسويقية في إطار الحملة الانتخابية التي تشهدها المملكة المغربية، فهذا التصريح لا يخرج من صفته الإعلامية ولا علاقة له بسياق قرار الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية الذي ارتبط بقضايا وملفات سيادية تستوجب تقديم النظام المغربي اعتذارا رسميا باعتبار أن سياسة حافة الهاوية التي ينتهجها نظام المخزن وأخطرها سقطة سفيره في نيويورك لم تقم على مجرد تصريح إعلامي استفزازي وإنما اقترن بتقديم مذكرة رسمية لدول مجموعة عدم الانحياز وإرفاقها بخريطة مبتورة منها إحدى مناطق الجزائر، الأمر الذي يحتم على مسؤولي النظام المغربي اتباع الطرق التي حددها القانون الدولي في هذا المجال بغية إعادة ترميم العلاقات الدبلوماسية، ومن ناحية أخرى التحلل من الارتباطات التي أقامها مع الحركات الإرهابية دعما وتمويلا لاستهداف الأمن الوطني الجزائري في مختلف أبعاده وكافة دوائره الجيوسياسية.

إذا، كيف تتوقع أن تكون تحركات المملكة خلال المرحلة القادمة؟

تحركات المغرب سترتكز أساسا على التهرب من مسؤوليتها إزاء الملفات التي أوصلت الأمور إلى حافة الهاوية، وخلق تبريرات لا سند لها لمواجهة الضغوط الدولية التي ستوجه للمغرب جراء سياسته التصعيدية في المنطقة منذ 13 نوفمبر الفارط، حيث تم خرق وقف إطلاق النار مع جبهة البوليساريو، وهو ما تم التعبير عنه من طرف الخارجية المغربية التي انسجم ردها مع موقف الكيان الصهيوني عبر أحد مسؤوليه في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية بالقول إن “القرار الجزائري لا أساس له”، في محاولة للهروب إلى الأمام وتوجيه رسائل للداخل المغربي الرافض لحالة الانغماس الخطير مع سياسة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة مع مسار التطبيع والالتفاف أو التغطية على موقف نظام المخزن من مسألة قبول “إسرائيل” عضو مراقب في الاتحاد الإفريقي والذي خرجت فيه المملكة المغربية عن إجماع دول شمال إفريقيا الرافضة لقرار مفوضية الاتحاد الإفريقي.

في ظل الضغوط الإقليمية والدولية، هل تتوقع وجود وساطة لحل النزاع بين الجارتين؟

يجب التذكير أولا أن قرار الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، ارتكز على القانون الدولي في بعده الدبلوماسي والذي حددته اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية والدبلوماسية لعام 1961، من خلال استناد الجزائر على التسلسل في الخطوات الدبلوماسية بطلب توضيحات على السقطة الدبلوماسية المغربية في الأمم المتحدة، حيث وزع ممثل المملكة مذكرة رسمية على الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز التي يدعم فيها المغرب “علنا وصراحة حقا مزعوما في تقرير المصير لشعب القبائل” والأخطر من ذلك أن المذكرة الرسمية اشتملت على خريطة للجزائر مبتورة من إحدى المناطق.

وباعتبار أن حدود قطع العلاقات الدبلوماسية بين دولتين يرتبط أساسا بجزئيتين، الأولى عندما يتم المساس بسيادة الدولة ووحدتها الترابية ويتم التعبير عنها في الانحراف الدبلوماسي الخطير لممثل المغرب في الأمم المتحدة، والثانية مرتبطة بتهديد الأمن الوطني للدولة في مختلف أبعاده، ويتجسد هذا الأمر من خلال وجود دلائل على دعم نظام المخزن المغربي لمنظمات إرهابية تم الإشارة إليها في اجتماع المجلس الأعلى للأمن، ناهيك عن استضافة المملكة المغربية لقوى عسكرية من شأنها تقويض الأمن الجماعي في منطقة شمال إفريقيا قد تؤدي إلى تسريع الوصول لمؤشرات حافة الهاوية في مجمل المنطقة والإضرار بحالة “اللاسلم واللاحرب” خاصة مع تحول المغرب إلى قاعدة خلفية لحليفها الشرق أوسطي الجديد ممثلا بالكيان الصهيوني والذي أطلق وزير خارجيته تصريحات عدائية تجاه الجزائر من تراب الدولة المغربية في سابقة هي الأولى من نوعها منذ 1948.

واستنادا إلى مجمل الأسباب التي أدت إلى وصول الأمور لحالة قطع العلاقات الدبلوماسية والتي يتحمل فيها المغرب المسؤولية خاصة المرتبطة بإخلاله بالتزاماته المتفق عليها بين الدولتين منذ 1988، فإن مجمل التوقعات فيما يتعلق بدخول أطراف وسيطة لتخفيف حدة التوتر والعودة عن نقطة “حافة الهاوية” المنتهجة من طرف المملكة المغربية، ونظرا إلى حدة الضغوط التي ستتعرض لها الأخيرة من طرف العديد من الدول والمنظمات الدولية التي ستعمل على تطويق قرار قطع العلاقات الدبلوماسية من خلال حث الطرفين على إعادة العلاقات إلى حدها الأدنى على الرغم من أن القرار الجزائري أكد على عدم تضرر علاقات الشعبين.

ويتجسد هذا الأمر بترك الباب مفتوحا لنظام المخزن للتراجع عن سقطاته الدبلوماسية وتقديم اعتذار رسمي وفك ارتباطاته مع الحركات الإرهابية المهددة للأمن الوطني الجزائري، وبناء عليه فإن السيناريو الأقرب في هذا المجال أن تنخرط وساطات دولية أبرزها ستكون على مستوى جامعة الدول العربية وستقودها المملكة العربية السعودية بداية من الاجتماع الوزاري لمجلس الجامعة في جلسته القادمة أوائل سبتمبر، بالإضافة إلى تحرك الأمانة العامة لدول المغرب العربي التي طلبت اجتماعا على هامش الاجتماع الوزاري لجامعة الدول العربية بهدف التخفيف من حدة التوتر الذي فاقمه تحول المملكة المغربية لقاعدة خلفية لمختلف الأنشطة والممارسات التي أدت لتهديد أمن دول الجوار الإقليمي للمغرب.

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

أحمل شهادة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى شهادة الماستر في دراسات الأمنية الدولية من جامعة الجزائر و خلال دراستي، اكتسبت فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الرئيسية، ونظريات العلاقات الدولية، ودراسات الأمن والاستراتيجية، بالإضافة إلى الأدوات وأساليب البحث المستخدمة في هذا التخصص.

المقالات: 14918

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *