دراسات استشرافيةنظرية العلاقات الدولية

توقعات الحرب الأمريكية الصينية

وليد عبد الحي

ناقش العديد من الباحثين في العلاقات الدولية موضوع احتمالات الحرب بين الصين والولايات المتحدة، لكن أحد الاقتصاديين العرب قطع بحتمية الحرب بل وحددها في شهر أكتوبر من العام الحالي، وربطها بشكل وثيق بالانتخابات الامريكية التي ” سيفوز فيها ترامب للمرة الثانية” حسب رأيه ، بينما قائد القوات الامريكية في اوروبا(2014-2017) ” بين هوجز ” توقع نشوب الحرب الصينية الامريكية في خطاب امام ” منتدى وارسو الامني ” في حدود عام 2033.

هل يكرر التاريخ نفسه؟
تشير دراسات العلاقات الدولية انه خلال الخمسة قرون الماضية، كان هناك صعود لقوة دولية لمنافسة قوة أخرى تقف على راس المجتمع الدولي، وتكرر هذا النمط خلال الخمسمائة سنة الماضية 16 مرة، انتهت 12 منها لحرب شاملة ولم تحدث الحرب في اربع حالات فقط، أي ان النمط التاريخي يشير الى أن المنافسة بين القوة الصاعدة والقوة المتسيدة للمجتمع الدولي تنتهي الى حرب بنسبة 75%، وهو ما يطلق عليه في العلاقات الدولية (فخ ثيوسيديس)المأخوذ من النموذج التاريخي بين أثينا واسبارطة.
لكن هذا المنظور ينطوي على ثغرات محددة اهمها:
أولا: هل العلاقة بين الطرفين (الصاعد والمسيطر) هي علاقة صفرية(ما يكسبه طرف يخسره الطرف الثاني) ام علاقة غير صفرية بمعني وجود منازعات من ناحية ومصالح مشتركة تلجم التنازع من ناحية أخرى ، فلو نظرنا في النموذج الصيني الأمريكي الحالي فانه يشير الى :
1- يصل حجم التجارة بين البلدين الى ما قيمته 737 مليار دولار ، وبلغ العجز التجاري لصالح الصين حوالي378 مليار دولار، ورغم كل اجراءات ترامب الجمركية على السلع الصينية ما تزال الصين الشريك التجاري رقم 3 للولايات المتحدة ، فقد تأخرت في الترتيب لكنها ما تزال تحظى بمكانة هامة في التجارة الامريكية، ناهيك عن خسائر امريكية بسبب هذه السياسة اضعفت قليلا نهج ترامب.
2- يبلغ نصيب الصين في سوق السندات الامريكي حوالي 1.2 تريليون دولار وهو ما يعادل 40% من الاحتياطيات النقدية الصينية ، كما ان التجارة والاستثمارات الصينية الامريكية توفر فرص لحوالي 2.5 مليون وظيفة للامريكيين.
ثانيا: هل تلجم السياسة الاقتصاد ؟ إذا كانت المصلحة الاقتصادية المشتركة تشكل كابحا ، فان المحرض السياسي باتجاه التنازع لا يقل أهمية ، وهو ما يتضح في المؤشرات التالية:
أ‌- نقاط التنازع الاقليمية بين واشنطن وبكين ، في وثيقة الصين المعروفة (2014 position paper) تقف مشكلة السيادة على جزر منطقة بحر الصين الجنوبي على رأس نقاط التوتر ، ويليها موضوع تايوان التي تعتبرها الصين جزءا من الصين، وتحاول الولايات المتحدة المماحكة في هذا الموضوع، وقد تكون المشكلة الاولى(بحر الصين الجنوبي ومئات الجزر والحيدات البحرية هناك ..الخ) هي الأنسب للولايات المتحدة لاستثمارها لا سيما انها ستجد عونا من دول اخرى تنازع الصين في هذه المنطقة مثل الفلبين وفييتنام وماليزيا وبروناي واندونيسيا. اما نقطة التنازع الثالثة فهي كوريا الشمالية التي تشكل الصين سندها الدولي الاول مقابل اعتبار الولايات المتحدة هذه الدولة ضمن الدول المارقة بخاصة مع تطورها العسكري في المجال النووي والصاروخي، كما ان مشكلة التيبت بين الصين والهند يمكن ان تكون ذريعة للولايات المتحدة لاستثمارها ضد الصين بالوقوف مع الهند بكيفية أو اخرى. وقد عرفت الفترة بين 2001 الى 2019 احتكاكات بين سفن او طائرات الطرفين ما مجموعه 6 مرات، أغلبها بعد وصول ترامب للسلطة، ولعل المواجهة بين الدعوى الصينية بالسيادة وبين الدعوى الأمريكية بحرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي تقف وراء هذه الاحتكاكات.
ب‌- تزايد الانفاق العسكري للطرفين، فقد تصاعد الانفاق العسكري الصيني من 2008 الى 2019 بزيادة تصل الى 118 مليار دولار في التقديرات الرسمية الصينية وبحوالي 153 مليار دولار طبقا لتقديرات SIPRI مع ملاحظة ان 41.1% من الانفاق يذهب لتطوير الاسلحة وصناعتها، بينما تصاعد انفاق الولايات المتحدة العسكري سنويا من 2015 الى الآن ليصل الى حوالي 750 مليار لهذا العام(2020).
ثالثا: الاقتصاد السياسي: وهنا لا بد من التوقف عند بعض الجوانب العملية والنظرية:
أ‌- تشير نظرية كوندراتيف ( دورة الموجة الطويلة) الى أن اغلب الحروب نشبت في فترات ” النمو الاقتصادي” وليس في مرحلة ” الركود “، وعليه فان توقع الاقتصادي العربي الذي اشرت له اعلاه يفترض ان الفترة القادمة هي فترة ركود اقتصادي عالمي ( بمقارنة اجمالي الناتج المحلي العالمي مع حجم الدين العام العالمي)، وهو ما يعني اضعاف فرصة الحرب خلافا لوجهة نظره.
ب‌- مع أن الانفاق العسكري الأمريكي يصل الى حوالي 2.5 ضعف الانفاق العسكري الصيني، الا أن العبء الملقى على الولايات المتحدة له طابع كوني( فهي منخرطة في مشكلات كل مناطق العالم بمستوى او آخر) بينما يكاد الجهد المركزي للصين محصور في منطقة محددة وهي محور ” المحيط الهندي الهادئ”( INDO-PACIFIC)، وهو ما يعني ان المقارنة بين حجم القوة العسكرية يجب ان يترافق مع حجم العبء الاقتصادي الملقى على كاهل كل منهما لتصبح المقارنة متوازنة ومتناسبة عسكريا واقتصاديا، وقد اكتشفت الصين ثغرات بنيتها العسكرية بعد أزمة مضيق تايوان 1995-1996،أي ان انفاقها العسكري يغطي مسرحا محددا اقليميا بينما يتسع المسرح الامريكي ليكون مسرحا عالميا وهنا يتفاوت العبء الاقتصادي بين الطرفين
ت‌- تكلفة أي حرب قادمة: في ظل القوة التدميرية للاسلحة التقليدية واسلحة الدمار الشامل فان نشوب الحرب بين هذين العملاقين قد يكون مكلفا بشريا وماديا بشكل لا يطيقه أي منهما.
ث‌- ان حلفاء الطرفين (روسيا والصين وكوريا الشمالية) من ناحية (والاتحاد الاوروبي وبريطانيا واليابان وكوريا الجنوبية) من ناحية ثانية ليس من مصلحتهما الانجرار الى حرب عالمية، وهو ما يشكل كابحا آخر.
إذن الى اين تسير الأمور:
يجب ملاحظة ما يلي:
1- انه منذ 1945 الى الآن ( 75 سنة) لم تشتبك دولتان عظميان بشكل مباشر بل طغى على هذه الفترة حروب النيابة او الوكالة(Proxy War) رغم ان بعض المنازعات وصلت لمرحلة حرجة كما جرى في عدة ازمات حول برلين او حول كوبا ، كما ان الاتفاق السوفييتي الامريكي 1972 لمنع وقوع حوادث توتر العلاقات بين الطرفين ادى لانخفاض الحوادث بنسبة 60%.
2- ان خريطة التشابك الدولي التي نسجتها العولمة قد تجعل يُسر بناء التحالفات بين الأطراف المتصارعة اكثر تعقيدا من النموذج التاريخي القديم ، أي ان فخ ثيوسيديس لم يعد صالحا بنفس النسبة التاريخية.
3- ان ضعف النزعة الآيديولوجية في الصين واحلال المنظور البراغماتي الميركنتيلي ( وهو ما يتضح في مبادرة الحزام والطريق من ناحية عملية وطرح نظرية الصعود السلمي ) سيجعل المشهد السوفييتي الأمريكي أقل حضورا، كما أن نزعة ترامب وفريقه نحو السياسات الحمائية فقط يعزز التوقع الذي نراه.
4- ان نشر ” ترجيح الحرب” هو امر مفيد لتصعيد الانفاق العسكري مما ينشط المجمع العسكري الصناعي الامريكي ويشكل رافدا اقتصاديا من خلال التشغيل المحلي وتوسيع الاستثمار ومبيعات السلاح وكل الاطراف التي حددها ” رايت ميلز ” منذ فترة طويلة.
أخيرا..رغم تنامي التيار الشعبوي الامريكي والأوروبي ، وتحريض اللوبي التايواني ، وصقور مجلس الامن القومي والمجمع العسكري الصناعي، فأن الارجح هو :
ان العلاقة بين الصين والولايات المتحدة ستتراوح بين الحرب الاقتصادية (الحرب الناعمة) وبين حروب الوكالة (أي عدم المواجهة المباشرة) بل قد تصل لمرحلة الاسترخاء لنعود لمنظور “الانفراج ” مرة اخرى…ربما.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى