A study on the US-Chinese military competition in Africa since the events of September 11, 2001
تتمثل أهمية القارة الأفريقية الجيوبوليتيكية والإسترتيجية مجالاً للتنافس الدولي خصوصاً بعد الحرب الباردة، وكان التنافس عبارة عن احتدام خصوصاً بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. لكن عانت القارة الأفريقية من التهميش خاصة بعد الحرب الباردة وظهور النظام العالمي الجديد، فكانت القارة تعتبر الضحية بين المعسكرين الرأسمالي والإشتراكي في اطار سياسات الحرب الباردة والمواجهة الأيديولوجية بينهما. بعد انتهاء الحرب الباردة، ظهرت العولمة الجديدة واشتدت القوى الكبرى مرة أخرى على مناطق النفوذ والثروة في القارة الأفريقية.
شكلت القارة الأفريقية أهمية محورية في التفكير الإستراتيجي الأمريكي الجديد بعد أحداث 11 سبتمبر.
يعتبر النظام الدولي للقرن الحادي والعشرين يمر بتحولات جيوسياسية وجغرافية اقتصادية، وترى الولايات المتحدة الأمريكية إن صعود الصين يمثل تحدياً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وحتى ايديولوجياً.
يمكن القول أن القارة الأفريقية تدخل ضمن دائرة النفوذ للقوى الكبرى التي تقرر سير العلاقات الدولية في اطار استمرارية الوضع القائم بمعطياته الاقتصادية والسياسية والعسكرية و التكنولوجية.
أولا: إشكالية الدراسة:
تكمن مشكلة الدراسة في محاولة معرفة أبعاد التنافس الأمريكي-الصيني في القارة الأفريقية، وتعتبر عسكرة كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين في القارة هي زيادة إنتشار وتراكم القدرات منها القوات المسلحة ونقل الأسلحة والقواعد العسكرية نتيجة لعدة عوامل مثل الحرب على الإرهاب والقرصنة والتمرد الداخلي ضد الأنظمة القائمة، ويعتبر المصالح الجيوسياسية و الاقتصادية جزء من التنافس الهادئ والمستمر بين القوى العظمى في القارة أو نتيجة متوقعة لمسؤليات القوى العظمى.
ويدور التساؤل الرئيسي حول كيف تؤثر التنافس الأمريكي الصيني العسكري في أفريقيا منذ أحداث 11 سبتمبر؟
ويتفرع من التساؤل الرئيسي عدة تساؤلات فرعية:
ما هو مفهوم التنافس الدولي.
ما هي أهمية أفريقيا الجيوسياسية.
ما هو تأثير أحداث 11 سبتمبر 2001 على أفريقيا.
الانتشار العسكري الأمريكي في أفريقيا.
الانتشار العسكري الصيني في أفريقيا.
التنافس الأمريكي الصيني العسكري في أفريقيا.
ثانيا: أهداف الدراسة:
معرفة دوافع الوجود العسكري لكلاً من الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ومدى تحقيق مصلحة كلاً منهما في أفريقيا.
تحليل التأثيرات والأسباب التي جعلت أفريقيا في موضع اهتمام عسكري بعد أحداث 11 سبتمبر.
رصد وتحليل دوافع التوجه الصيني نحو أفريقيا المعلنة والغير معلنة.
ثالثاً: أهمية الدراسة:
الأهمية العلمية:
تأتي الدراسة في إطار الدراسات المهتمة بالعلاقات الدولية والتنافس الدولي بشكل عام والدراسات الأفريقية بشكل خاص، وتأتي الدراسة في محاولة لمعرفة شكل التنافس الدولي -خاصة بين كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية والصين- في أفريقيا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
الأهمية العملية:
يشكل الإنتشار العسكري الأمريكي الصيني في افريقيا عدة دوافع يؤثر عليها شكل التنافس بينهما بتأثير طبيعة العلاقات الدولية ودخول دولة تتميز بالقوة الناعمة مثل الصين وتأثير أحداث 11سبتمبر في تغير شكل الاستراتيجية السياسية تجاه أفريقيا.
رابعاً: النطاق المكاني والزماني للدراسة:
النطاق المكاني: القارة الأفريقية
النطاق الزماني: منذ أحداث 11 سبتمبر 2001
خامساً: منهج الدراسة:
منهج المصلحة الوطنية
يهتم هذا المنهج على حقيقة ان المصلحة الوطنية هي الهدف النهائي والأسمى للسياسة الخارجية لأي دولة، يتم تبرير تلك الصياغة في اطار التحقيق أو المحافظة على المصلحة الوطنية ،وهذه تعتبر الحاصل النهائي للعديد من الإعتبارات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأيديولوجية. يتركز الدراسة على الاعتبارات العسكرية-الاستراتيجية، فيتضمن السياسات المصممة للدفاع عن حدود البلاد وكيانها وسياتها ضد أي معتدٍ، أو هي الجهود الهادفة إلى تحقيق كافة أهداف السياسة الخارجية في الخارج. بعد انتهاء الحرب الباردة أخذت بعض الدول في تغيير شكل أهمية أهداف السياسة الخارجية التي كانت عادة عنيفة في طبيعتها وتم إعطاء أهمية أكبر للرفاه الداخلي والقضايا الاقتصادية والقضايا الأخرى على المستوى العالمي.
سادساً: الدراسات السابقة:
بعد مراجعة عدد من الدراسات الأساسية المتعلقة بموضوع الدراسة تم تصنيف هذه الدراسات حسب موضوعتها وربطها بتساؤلات الدراسة إلى ثلاث محاور رئيسية، وهي:
المحور الأول: دراسات تحدثت عن أهمية أفريقيا الجيوسياسية.
المحور الثاني: دراسات تحدثت عن ملامح السياسة الخارجية لكلاً من الولايات المتحدة والصين تجاه أفريقيا.
المحور الثالث: دراسات تحدثت عن التنافس الأمريكي الصيني العسكري في أفريقيا.
وفيما يلي تلك الدراسات:
دراسة “هادي برهم” بعنوان “التنافس الأمريكي الصيني في القارة الأفريقية بعد الحرب الباردة 1991-2010” حيث قامت الدراسة بالكشف عن أسباب ودوافع التنافس الدولي لمناطق معينة في العالم، ورصد تحركاتها وفق مؤشرات موضوعية، وتسلط الدراسة الضوء على سلوك واستراتيجية تعامل الدول تجاه تحقيق مصالحها في العالم، وأشارت الدراسة إلى مدى معرفة ملامح التنافس الأمريكي الصيني في القارة الإفريقية.
دراسة “حكيم نجم الدين” بعنوان “التنافس على أفريقيا.. النفوذ الصيني-الروسي- الأمريكي” حيث كان هدف الدراسة توضيح النفوذ الصيني المتنامى في أفريقيا، وأوضحت الدراسة ان نهج الصين تجاه أفريقيا يمثل تحدياً لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وأجابت الدراسة سؤلاً وهو هل الصين وأمريكا في أفريقيا يعتبرا وجهان لعملة واحدة.
دراسة “خالد التزاني” بعنوان “الانتشار العسكري الأمريكي في أفريقيا: الدوافع والرهانات” حيث قامت الدراسة بتوضيح شكل النظام الدولي الجديد وظهوره متأثراً بما بعد الحرب الباردة، وأشارت الدراسة إلى تغيير التفكير الإستراتيجي الأمريكي بعد أحداث 11 سبتمبر وتغيرات توجهات السياسة الخارجية الأمريكية بعد هذه الأحداث.
سابعاً: تقسيم الدراسة:
تقسم الدراسة إلى مبحثين
المبحث الأول: الإطار المفاهيمى للدراسة.
وينقسم المبحث الأول إلى مطلبين وهم:
المطلب الأول: مفهوم التنافس الدولي.
المطلب الثاني: أهمية أفريقيا الجيوسياسية.
المبحث الثاني: التنافس العسكري الأمريكي الصيني
وينقسم المبحث الثاني إلى ثلاث مطالب وهم:
المطلب الأول: الإنتشار العسكري الأمريكي في أفريقيا.
المطلب الثاني: الإنتشار العسكري الصيني في أفريقيا.
المطلب الثالث: التانفس العسكري الأمريكي الصيني في افريقيا.
المبحث الأول: الإطار المفاهيمي
المطلب الأول: مفهوم التنافس الدولي
ينقسم مفهوم التنافس إلى قسمين مفهوم لغوي ومفهوم اصطلاحي:
المفهوم اللغوي للتنافس، فتعني كلمة تنافس تزاحم على شيء، والمنافسة عادتها هي نزعة فطرية وهي عبارة عن بذل جهد في سبيل التفوق أو سباق جماعات وأمم وما إلى ذلك من أجل منطقة جغرافية أو موقع للموارد أو للقب معين أو سلطة، تنشأ المنافسة بين اثنين أو أكثر من الأطراف يباشرون السعي من أجل هدف معين، وكلمة دولي مأخوذة من ارتباط هذا التنافس بوحدات سياسية ونشأت بعد عقد معاهدة وستفاليا عام 1648.[1]
المفهوم الإصطلاحي، يعتبر التنافس الدولي مفهوم سياسي يعبر عن اختلاف بين الدول التي لا تصل إلى مرحلة صراع، لها أبعاد سياسية واقتصادية لتحقيق مصالح ومكانة في الإطار الدولي والإقليمي.[2]
ان التنافس الدولي في ظل عالم ما بعد الحرب الباردة ومع تغير عوامل القوة ببروز العامل الاقتصادي والتكنولوجي في العلاقات الدولية وبرزت فواعل فوق قومية كالشركات متعددة الجنسيات همها الوحيد تعظيم فوائدها على حساب المجتمعات المحلية.[3]
تفسير ظاهرة التنافس الدولي في نظريات العلاقات الدولية[4]
ورد مصطلح التنافس الدولي في العديد من النظريات والمقاربات في العلاقات الدولية؛ باعتباره طابعاً عاماً يميز العلاقات بين الدول، وذلك بعد سيطرة الطابع الاقتصادي على العلاقات الدولية.
التنافس في النظرية الواقعية: فالتحليل الواقعي تمحور حول فكرة المصلحة الوطنية ويعتبر من أولويات الدولة الأمن الوطني والإقليمي، ذلك جعل التنافس والصراع هو الطابع المميز لعلاقات الدول مع بعضها، فالدول تهتم بزيادة معسكراتها وبالتالي زيادة حجم قوتها المادية من أجل أن تنفرد بالقوة في مقابل الدول الأخرى.
التنافس في النظرية الليبيرالية: تطرح النظرية الليبرالية أفكاراً بعيدة عن مصطلح التنافس كمحور للعلاقات الدولية بمفهومه الواقعي، فتعتقد النظرية الليبرالية أن التنافس مفهومه التعاون، وذلك من خلال حقائق مهمة:
إن المتغير الرئيسي في العلاقات الدولية ليس العامل العسكري وإنما العامل الاقتصادي أو التكنولوجي.
لا تعتبر الدولة هي التفاعل الوحيد وليس أمنها الغاية المثلى للنظام الدولي، حيث يبرز منظمات دولية وشركات عالمية باعتبارهم فواعل أخرى لها دور بارز في تحويل مسار العلاقات الدولية من تنافس إلى تعاون دولي.
المطلب الثاني: أهمية أفريقيا الجيوسياسية
يعتبر أهمية أفريقيا الجبيوسياسية تنبع من خلال موقعها الإستراتيجي، باعتباره ممر هام في طرق المواصلات العالمية، وسيطرتها على الأذرع المائية من وجهة الملاحة الدولية، ولامتلاك القارة ثروات وموارد طبيعية، ولكن بسبب نقص الإمكانيات المادية والفنية للدول الأفريقية استغلت الدول العظمى ذلك بالاطماع وتقاطع مصالحها ونفوذها.[5]
تتمثل أهمية القارة في امتلاكها مخزون استراتيجي وحيوي من متنوع الموارد، أهمها مصادر الطاقة والمعادن، وتعتبر القارة سوقاً استهلاكي محفزة للقوى الدولية، هذا إلى جانب الضعف السياسي والأمني في جميع اركان القارة الافريقية، تلك كانت أسباب دخول القوى الاستعمارية داخل القارة للانقضاض على الكم الهائل من الثروات، اتخذ الصراع في افريقيا بعداً اقتصادياً إلا أن البعد ينطوي ضمن أبعاد استراتيجية عامة تجعل من القارة محط أنظار العالم من منطلق المصالح السياسية والأمنية التي تسعى الدول المتنافسة على تأمنيها في القارة الأفريقية.[6]
المبحث الثاني: التنافس العسكري الأمريكي الصيني
المطلب الأول: الانتشار العسكري الأمريكي في أفريقيا
جاء الاهتمام الأمريكي بالقارة الافريقية في سياق حصار نفوذ القوى الكبرى، فأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية ترى في القارة مجالاً للاستثمار وسوقاً مهمة من الموارد الأولية. تعتبر رغبة الولايات المتحدة هي الاستفادة من الخيرات الافريقية التي تتميز بموقعها الجغرافي الاستراتيجي وامتلاكها أكبر مخزون للعديد من الثروات والمعادن الاستراتيجية، يكتسب النفط الافريقي أهمية استراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث بدأت باستيراده منذ خمسينات القرن الماضي، وتم اصدار تقرير في 2001 حول السياسة القومية الأمريكية بالنسبة إلى الطاقة أكد فيها ان افريقيا ستكون أحد أهم المصادر المتنامية بسرعة من النفط والغاز. بعد أحداث 11 سبتمبر باتت أفريقيا تشكل أهمية محورية في التفكير الاستراتيجي الأمريكي الجديد، لقد تنامى الاهتمام السياسي والعسكري بأفريقيا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بدليل زيارة كاتب الدولة في الشؤون الخارجية “كولن باول” في سبتمبر 2002 وزيارة الرئيس “جورج بوش” الابن لكل من السنغال ونيجيريا وبوتسوانا واوغندا وجنوب أفريقيا في يوليو2003، تلك الزيارات كانت عبارة عن تمهيد لاجتماع سري عقد بتاريخ 23و24 مارس 2004 للمرة الأولى في مركز قيادة الجيش الأمريكي في مدينة شتوتغارت الألمانية بمشاركة 8 دول أفريقياروهي التشاد ومالي وموريتانيا والمغرب والنيجر والسنغال والجزائر وتونس، وظلت مداولاته طي الكتمان تمحور حول موضوع التعاون العسكري في المكافحة الشاملة للإرهاب وخاصة في منمطقة الساحل الفاصلة بين المغرب وأفريقيا السوداء وبين المناطق النفطية في الشمال وخليج غينيا.[7]
بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وبعد اطلاق مشروع هندسة التفرد الأمريكي من خلال قيادتها للاستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب، وجدت الولايات المتحدة الأمريكية في دول شمال أفريقيا شريكاً وثيقاً لتتحول بعدها أجندة السياسة الأمريكية في المنطقة إلى ترتيبات على المدى البعيد ضماناً لمصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وهو الأمل الذي تجسد من خلال الخارطة السياسية والأمنية الأمريكية المسيطرة لمنطقة شمال افريقيا.[8]
تسارعت وتيرة العمليات الإرهابية منذ أحداث 11 سبتمبر وتزايدت الجماعات الإرهابية الموجودة داخل القارة باعتبارها بيئة حاضنة، فخلال الفترة ما بين 2006 إلى2009 تفشت التنظيمات الإرهابية في معظم القارة مهددة مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتزامن مع انتشار الجماعات الإرهابية في أفريقيا بدأت ظاهرة القرصنة الصومالية في مياه خليج عدن وبحر العرب في عام 2008، أدى ذلك لتعريض السلامة البحرية في مضيق باب المندب مما استدعى تدخلاً عسكرياً في المنطقة سواء من الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها من الدول الكبرى لحماية السفن التجارية المارة في مضيق باب المندب.[9]
صرح الجنرال ويليام وارد قائد قيادة المنطقة الإفريقية للبنتاجون “أفريكوم” أن وزارة الدفاع الأمريكية لديها شراكة عسكرية مع 35 دولية من إجمالي 53 دولة إفريقية، وقد ازداد هذا الرقم على المدى القريب أيضًا. تحتل المنطقة الإفريقية أهمية استراتيجية لدى منظومة التخطيط العالمية للولايات المتحدة في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وهو ما يؤكده إنشاء تلك القيادة العسكرية الإقليمية في إفريقيًا التي أعدها البيت الأبيض في هذا القرن، وهي المنطقة الأولى التي يتم إنشائها منذ نهاية الحرب الباردة، والأولى منذ 25 عامًا أيضًا.[10]
انطلق مع الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2008 النشاط الفعلي لـ”القيادة الأفريقية” التي أحدثتها الولايات المتحدة لكي تكون القارة الأفريقية دائرة حركتها التدريبية واللوجستية والهجومية. وأتت الخطوة تنفيذا لآخر قرار اتخذه وزير الدفاع السابق دونالد رمسفيلد قبل مغادرة الوزارة، وهو قرار كان موضع جدل حادّ مع قيادات عسكرية تحفظت على الخطوة. وتشمل دائرة تدخل “أفريكوم” أو “أفريك كوماندمينت”، المؤلفة من ألف عنصر موزعين على ثلاث قيادات فرعية، كامل القارة الأفريقية (عدا مصر التي تتبع للقيادة المركزية في ميامي)، إلى جانب جزر في المحيط الهندي مثل سيشيل ومدغشقر وأرخبيل القُمر. وتتولى “أفريكوم” متابعة تنفيذ البرامج المتعلقة بالأمن والاستقرار في القارة الأفريقية التي كانت وزارة الخارجية تُشرف على تنفيذها.وللولايات المتحدة في هذين المجالين حزمة من برامج التعاون العسكرية مع بلدان شمال أفريقيا ومنطقة الصحراء، نذكر منها ثلاثة برامج رئيسية على الأقل هي أولا تدريب القوات على حفظ السلام في إطار برنامج “أكوتا” للتدريب والمساعدة، وثانيا “أيمت” أي برنامج التدريب والتعليم العسكري الدولي، وثالثا البرنامج الرئاسي لمكافحة الإيدز. وتُقدر موازنته بأكثر من 18 مليار دولار على مدى خمسة أعوام، لكن هذه البرامج قابلة للمراجعة في ضوء ضغوط الأزمة المالية الحالية على الموازنة الفدرالية[11].
توسعت فيما أسمته “نقاط الارتكاز” لتشمل أكبر عدد ممكن من دول العالم، تحقيقا لإستراتيجيتها الجديدة في الأمن القومي كما عبر عنها الرئيس جورج بوش في العشرين من سبتمبر/أيلول 2002، والمقصود بنقاط الارتكاز هو أن تمتلك المؤسسة العسكرية الأميركية مواطئ قدم لها، صغيرة لكنها فعالة، ومجهزة بإمكانيات التوسع لتتحول في وقت وجيز من مجرد نقطة للارتكاز إلى قاعدة أو ما يقاربها في إمكانياتها وقدراتها العسكرية والقتالية، وقد سارت واشنطن في هذا الاتجاه حتى أصبح لديها -جنبا إلى جنب مع القواعد العسكرية- العديد من نقاط الارتكاز المهمة، والتي تعمل كذلك بالتنسيق مع القوات صغيرة الحجم العاملة في بعض البلدان تحت مظلة “التسهيلات” الممنوحة لها، وللولايات المتحدة في أفريقيا حاليا قواعد عسكرية في أوغندا وجيبوتي والسنغال وجمهورية ساوتومي وبرنسيب (بالقرب من الساحل الشمال الغربي للغابون)، أما نقاط الارتكاز سابقة الذكر فهي كثيرة وتمتد في العديد من بلدان القارة.[12]
خريطة التواجد العسكري الأمريكي في أفريقيا: [13]
فيما يلي قائمة بأهم التمركزات والمواقع العسكرية الأمريكية في أفريقيا:
جزيرة أسينشن: تقع الجزيرة في مقابل الساحل الغربي الأفريقي تحديداً أمام الساحل الأنجولي وتتبع هذه الجزيرة بريطانيا.
قاعدة ليمونيير في جيبوتي: تأسست عام 2001 ويعمل بها حوالي3200 جندي أمريكي، وتلعب القاعدة دوراً هاماً في توجيه القوات الأمريكية في أفريقيا، وتخوض معارك ضد التنظيمات الإرهابية في شرق أفريقيا.
تمركزات في شرق القارة: مثل قاعدة سيمبا في كينيا التي تضم عناصر من المظليين في الجيش الأمريكي، كما توجد قوات طوارئ أمريكية في مدينة بجمبورا عاصمة بروندي، تستخدم القوات الأمريكية مطار كسمايو في جنوب الصومال في إدارة العمليات العسكرية، وكذلك موقع نزارة في جنوب السودان ومطار عنتيبي في أوغندا.
تمركزات في غرب القارة: ففي شمال الكاميرون توجد قاعدة أمريكية داخل إحدى القواعد العسكرية الكاميرونية، ويتم استغلال تلك القاعدة في تسيير الطائرات دون طيار.
قاعدة واغادغو في بوركينافاسو: تتمركز في العاصمة البوركينية واغادغو قاعدة عسكرية أمريكية صغيرة هدفها تحقيق التعاون العسكري بين أمريكا ودول غرب أفريقيا وتحقيق المراقبة الأمريكية للساحل الغربي الأفريقي.
المطلب الثاني: الإنتشار العسكري الصيني في أفريقيا
يعتبر الاهتمام بدول العالم الثالث من أهم تقاليد السياسة الخارجية الصينية خاصة على الصعيد العسكري، فنظراً للمقدرات العسكرية الصينية تمكنت بيجين من ردع الولايات المتحدة الأمريكية من التدخل في صراعها مع تايوان. تدرك الصين أن القارة الأفريقية بحاجة إلى عتاد أمني وعسكري لمساعدتها على ضبط حدودها وأمنها المجتمعي، وآليات برية وبحرية وجوية من العتاد واللوجستيك لدعم قدرات الدول الإفريقية على القتال والدفاع المشروع على أقاليمها وسيادتها، تزويدها بالتكنولوجيا الرقمية في مجال الدفاع وكنولوجيا المعلومات واستخدام الطائرات بدون طيار وغيرها من التكنولوجية الجديدة للقتال. [14]
خطوة بكين المرتقبة جاءت بمثابة إعلان لمرحلة جديدة من التنافس الصيني مع القوى الاقتصادية الرئيسة ذات النفوذ التقليدي في المنطقة، إذ تعد جيبوتي درة تاج القرن الإفريقي، ومضيق باب المندب أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها احتضاناً لحركة السفن، إذ يربط المضيق بين البحر الأحمر وخليج عدن الذي تمر منه أكثر من 25 ألف سفينة سنوياً، تمثل ما يزيد عن 7% من إجمالي حركة الملاحة العالمية. كان من الطبيعي أن يثير اعتزام الصين بناء قاعدة عسكرية في جيبوتي هواجس لا تخفى لدى الولايات المتحدة وفرنسا، الدولتين الكبريين صاحبتي النفوذ التقليدي في إفريقيا، حيث اعتبرت واشنطن أن هذه الخطوة من شأنها إثارة توتر في العلاقات الأمريكية الصينية، بسبب ما قد يثيره الوجود العسكري الصيني في القرن الإفريقي من احتمالية تعارض مع المصالح الأمريكية خصوصاً، والغربية عموماً، كما اعتبرت واشنطن وباريس أن وجوداً عسكرياً صينياً في جيبوتي من دون دراسة متأنية أو تشاور حكومة جيبوتي مع حلفائها الغربيين يعد أمراً غير مقبول.
ومع بدء إرهاصات بناء القاعدة العسكرية الصينية الجديدة في جيبوتي أبدت الولايات المتحدة وفرنسا واليابان تحفظات عدة على تنامي العلاقات الاقتصادية والأمنية الصينية مع جيبوتي، باعتبارها مدخلاً لمد ذراع بكين العسكرية في تلك المنطقة الحساسة من العالم. كما بدأت الدول الثلاث بالفعل مشاوراتها للضغط على الرئيس الجيبوتي، إسماعيل عمر جيله، بعدم الترشح لفترة رابعة في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها العام الجاري، أو دعم مرشح آخر لمنافسته وإزاحته عن الحكم إذا أصر على خوض الانتخابات القادمة، على أن يكون هذا المرشح أكثر قدرة على تحقيق وتدعيم مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في جيبوتي ومنطقة القرن الإفريقي. قلل وزير الخارجية الجيبوتي من شأن المخاوف الغربية من احتضان بلاده لأول قاعدة عسكرية صينية في الخارج، معتبراً بكين حليفاً إستراتيجياً إضافياً إلى جانب باريس وواشنطن، مشيراً إلى أن الصين باتت تملأ فراغاً كبيراً في إفريقيا لأن الدول التي كان من مسؤوليتها تعويض هذا النقص لم تقم بذلك»، ومضيفاً أن «الأفارقة قد انتظروا طويلاً أن يأتي الأوربيون وآخرون لمساعدتهم في عملية التنمية، لكن الصين هي من قامت بهذا العمل»، وقد سعت الصين لطمأنة مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها إزاء تلك الخطوة، إذ نزعت وزارة الخارجية الصينية الصفة العسكرية عن قاعدتها المرتقبة في جيبوتي، باعتبارها «نقطة تموين» تستخدم في سياق عمليات الدعم اللوجيستي للسفن التجارية الصينية، إضافة إلى دعم سفنها الحربية المنضوية تحت لواء الأمم المتحدة في سياق محاربة القرصنة البحرية في خليج عدن، بجانب تأمين الملاحة الصينية، والقيام بعمليات إجلاء رعايا الصين في حالات الطوارئ، نظراً لبعد جيبوتي عن الصين بنحو سبعة آلاف كيلومتر. كما أكدت الخارجية الصينية أن سياستها في القارة الإفريقية ليست بحاجة إلى مثل هذه النوعية من القواعد ذات الصفة العسكرية، وأن بناء القاعدة اللوجيستية الجديدة يأتي في سياق اتفاقية تعاون وتدريب بين القوات المسلحة الصينية والجيبوتية، تم توقيعها مع الرئيس الجيبوتي في فبراير 2014.[15]
المطلب الثالث: التنافس العسكري الأمريكي الصيني
وفقًا للإحصاءات والتوقعات المتاحة، سيتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للصين مثيله في الولايات المتحدة في غضون عقد من الزمن. ونتيجة لذلك ، فإن النظام الدولي للقرن الحادي والعشرين يمر بتحولات جيوسياسية وجغرافية اقتصادية. وترى الولايات المتحدة أن صعود الصين يمثل تحديًا اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا وحتى أيديولوجيًا. لاحتواء هذا التطور غير المسبوق الصين ولحماية الهيمنة الأمريكية ، بدأ الرئيس أوباما ، بين أواخر عام 2011 وأوائل عام 2012 ، السياسة الآسيوية كعنصر من المكونات الأمريكية. السياسة الخارجية للمستقبل. لجعل الولايات المتحدة تلعب دورًا رائدًا في آسيا وخارجها. عند توليه منصبه ، وصف دونالد ترامب الصين بأنها منافس استراتيجي وقرر شن حرب اقتصادية وتكنولوجية ضد الصين في عام 2018 تحظر على الشركات الأمريكية بيع المعدات لشركة هواوي الصينية ، في نقل أوضاع حقوق الإنسان في شينجيانغ ، تقييد التأشيرة على الطلاب والعلماء الصينيين: مما ينذر بالمنافسة الأمريكية الصينية على الصدارة العالمية. هذا الإجراء ، في رأيي ، يضع حدًا للقطبية الأحادية التي أعقبت الحرب الباردة ويفتتح السمة شبه الثنائية القطبية للنظام الدولي الحالي. علاوة على ذلك ، أطلق الرئيس جو بايدن للتو ، مع حلفاء G7 ، برنامج Build Back Better World (B3W) الذي يهدف إلى احتواء النفوذ الصيني في جميع مناطق العالم ، وخاصة في أفريقيا.
في إفريقيا ، تستجيب المنافسة بين الولايات المتحدة والصين للضرورات التي تحددها كل قوة عظمى لحماية مصالحها الحيوية. تظهر هذه المنافسة في إفريقيا من خلال المبادرات أو الأطر المختلفة التي أطلقتها القوتان العظميان في إفريقيا. منذ عام 2000 ، أطلقت الولايات المتحدة ونفذت مؤسسات وبرامج رئيسية ، ولا سيما: مؤسسة تحدي الألفية (MCC) ، وقانون النمو والفرص الأفريقي (AGOA) ، والمجلس الأفريقي (AFRICOM) ، ومبادرة القادة الأفارقة الشباب ( YALI) ، ومؤخراً B3W ، للتواجد في القارة والتنافس مع الصين. البعض لديه هدف مبدئي لدعم الاقتصادات الأفريقية ومحاربة الإرهاب في أفريقيا. في السنوات الأخيرة ، أضافت أفريكوم على سبيل المثال هدفًا جديدًا وهو احتواء النفوذ الصيني في إفريقيا. منذ قمة G7 الأخيرة في إنجلترا ، كان لـ B3W دور في اقتراح بديل آخر للتنمية الاقتصادية والتجارية والصناعية ، في مواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية ، من أجل نمو أخضر يكافح ظاهرة الاحتباس الحراري ، خاصة في إفريقيا. . رداً على ذلك ، تعتمد الصين على صداقتها التاريخية دون تدخل سياسي مع الدول الأفريقية ، ويتم تقييم شراكتها الاستراتيجية بشكل دوري خلال منتدى التعاون الصيني الأفريقي .[16]
عداد : نور طارق محمد جمال الدين – باحثة ماجستير – كلية الدراسات الإفريقية – جامعة القاهرة – مصر
[1] شريفة فاضل محمد مصطفى، التنافس الدولي وتأثيره على العلاقات العربية الافريقية 2010-2017، الأعمال الكاملة للمؤتمر العلمي الأول لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، مجلد2، 2018.
[2] فادي شمسين، التنافس الدولي على مسارات انابيب الطاقة من بحر قزوين وآسيا الوسطى، إربد للبحوث والدراسات، مجلد 20، عدد3.
[3] حمدي محمد نذير، ظاهرة التنافس الدولي في العلاقات الدولية، المركز الديمقراطي العربي، 2014.
[4] د. نسيمة طويل، ظاهرة التنافس الدولي في العلاقات الدولية، المجلة الجزائرية للأمن والتنمية، العدد10، يناير2017، ص 32، 33.
[5] تاج السر عبد الله محمد عمر، التنافس الدولي في افريقيا: طبيعة وأبعاد النفوذ الروسي، مركز الجزيرة للدراسات، نوفمبر 2021، ص2.
[6] علاء عامر، هل تكون افريقيا “شرق أوسط” جديد؟، مجلة السياسة الدولية، ديسمبر 2021.
[7] السيد خالد التزاني، الانتشار العسكري الأمريكي في أفريقيا، الدوافع والرهانات، مركز دراسات الوحدة العربية، عدد 436، يونيو 2015، ص 33
[8] نسيم بلهول، القيادة العسكرية الأمريكية في افريقيا ومناورات الأسد الافريقي 2021: اتجاهات تغير خارطة الأمن في منطقة شمال افريقيا، مركز الجزيرة للدراسات، سبتمبر2021، ص2.
[9] محمد الدابولي، التواجد العسكري الأمريكي في أفريقيا دوافعه وتداعياته على استقرار دول القارة، مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، سبتمبر 2019.
[10] محمد سليمان الزواوي، التواجد العسكري الأمريكي بإفريقيا، مجلة البيان، مايو2010، على الرابط التالي: https://albayan.co.uk/article2.aspx?id=546
[11] رشيد خشانة، القيادة الأمريكية لأفريقيا “أفريكوم”، مركز الجزيرة للدراسات، نوفمبر 2008، على الرابط التالي: https://studies.aljazeera.net/en/node/2951
[12] محمد عبد العاطي، خريطة الوجود العسكري الأمريكي في أفريقيا، الجزيرة نت، أغسطس 2008.
[13] محمد الدابولي، مرجع سابق.
[14] خالد بالطيب، دور الصين في أفريقيا: من التغلغل الاقتصادي إلى الانتشار العسكري، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة الوادي، 2018، ص56.
[15] مصطفى شقيق علام، التنمية بالعسكرة الإستراتيجية الصينية الجديدة في إفريقيا، مجلة البيان، عدد353، اكتوبر2016، على الرابط التالي: https://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=5340
[16] Georges Olemanu Lohalo, Yuliannova Lestari, Tresor Shongo, Betao Ngoma Mushinda,
Nicole Kajir Diur, Juguel Mbala Badila, Scheel Mutombo, Michel Yemba Nonga,
Claude Boyoo Itaka, Chapy Mukaya Bafita, Francois Lokembo Mutshembe, U.S-China Competition in Africa: The Strategic Ambiguity, Scientific Research Publishing, 2022.