دراسات استراتيجيةدراسات جيوسياسيةدراسات سياسية

دوافع الانزعاج الروسي من الدور التركي في الأزمة الأوكرانية

إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

تحولت “كييف” إلى إحدى النقاط الساخنة في العلاقات الروسية التركية خلال الفترة الأخيرة، خاصةً في ظل مساعي أنقرة إلى خلق دور ونفوذ في أوكرانيا الواقعة على الحدود الروسية، وهو ما يمثل مساحة جديدة للصراع المكتوم بين أنقرة وموسكو، كما أنه يحمل طابعاً مغايراً لانخراط البلدَين في مناطق الصراعات بالشرق الأوسط، خاصةً في ظل بُعد دول مثل سوريا وليبيا عن الحدود الروسية. وقد مثَّل الانخراط التركي غير المباشر في الصراع المحتدم بين روسيا من جانب وبين أوكرانيا وحلفائها الغربيين من جانب آخر؛ أمراً مقلقاً بدرجة كبيرة لروسيا، لا سيما أن هذا الانخراط يرتبط بتصدير أسطول طائرات تركية بدون طيار إلى كييف؛ حيث تتخوف موسكو من احتمالية أن يتسبب هذا في تحويل دفة الحرب لصالح خصمها الأوكراني، خاصةً بعدما استخدمت أوكرانيا هذه الطائرات في منطقة دونباس الشرقية ضد الانفصاليين المدعومين من روسيا.

مؤشرات صراعية

تعكس التفاعلات الروسية التركية حول أوكرانيا، وجود صراع مكتوم بين الطرفين؛ إذ تسعى تركيا إلى محاولة خلق دور لها في الأزمة الأوكرانية، في وقت ترفض فيه موسكو ذلك، وتُبدي انزعاجها من أيّ انخراط تركي في أوكرانيا؛ وذلك على النحو التالي:

1– رفض روسيا وساطة أنقرة في الأزمة الأوكرانية: أعلنت تركيا منذ أواخر نوفمبر 2022 عن رغبتها في التوسط بين موسكو وكييف؛ حيث أعلن أردوغان عن رغبته في الدخول وسيطاً بين روسيا وأوكرانيا، وذكر أنه سيتحدَّث إلى بوتين حول هذا الأمر، ويُجري محادثات معه. وقد سارعت موسكو إلى رفض الوساطة التركية؛ إذ اعتبر الكرملين أن روسيا ليست طرفاً في نزاع دونباس، فيما أعرب وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا عن تقديره الوساطة التركية المعلنة، بيد أن الرد الروسي الحازم ضد أي مساعٍ تركية قد عطَّل تلك الجهود دون أن ينفي انزعاج موسكو من تلك المحاولات التركية المستمرة.

2– انتقاد روسي للتعاون العسكري بين أنقرة وكييف: اتجهت تركيا إلى تعزيز تعاونها العسكري مع أوكرانيا خلال الفترة الأخيرة. ولم يقتصر الأمر على استيراد الأسلحة من أنقرة، بل اتسع ليشمل توقيع مذكرات تعاون دفاعية حول إنشاء مركز مشترك لصيانة وتحديث الطائرات المُسيَّرة بالقرب من كييف، وهو ما أثار مخاوف روسية من انعكاسات ذلك على الأمن القومي الروسي؛ حيث طالبت وزارة الخارجية الروسية، في نوفمبر 2022، أنقرة بالتعامل بجدية مع مخاوف موسكو بشأن التعاون العسكري التقني المتزايد بين تركيا وأوكرانيا.

3– إعلان موسكو سهولة استهداف الطائرات التركية: أوضح نائب قائد قوات الدفاع الجوي في القوات الجوفضائية الروسية يوري مورافكين، في ديسمبر 2022؛ أن الطائرات المُسيَّرة التركية من نوعية “بيرقدار تي بي 2″، تمثل هدفاً سهلاً بالنسبة إلى موسكو، فيما أوضح رئيس إدارة بناء وتطوير منظومة الطيران المُسيَّر بالجيش الروسي، أن موسكو تراقب عن كثب تحليق أي طائرات مُسيَّرة، سواء قرب الحدود جنوب شرق أوكرانيا أم في سوريا.

4– فشل حوار روسيا والناتو حول أوكرانيا: تعتبر تركيا ثاني أكبر جيوش حلف شمال الأطلسي بعد الجيش الأمريكي، وقد عقد الناتو محادثات مع روسيا في مقر الحلف في بروكسل، في 12 يناير 2022؛ من أجل تجنب نزاع جديد حول أوكرانيا، وهي المحادثات التي لم يتم التوصل خلالها إلى حلول مُرْضية للطرفين؛ إذ أكد الأمين العام للناتو رفض دول الحلف مطالب موسكو المتعلقة بنظام أمن جديد في أوروبا.

مخاوف مشروعة

لم تُخْفِ روسيا انزعاجها من التحركات التركية في أوكرانيا؛ لما يمثله ذلك من تداعيات سلبية وَفق رؤية الأمن القومي الروسي؛ وذلك على النحو التالي:

1– قلق موسكو من إنتاج طائرات مُسيَّرة في أوكرانيا:بجانب الانزعاج الروسي من توجه جميع دول حلف الناتو تقريباً نحو تسليم المزيد من الأسلحة لأوكرانيا على نحو غير مسبوق، على غرار تقديم الولايات المتحدة عدداً من الأسلحة المهمة لأوكرانيا، مثل صواريخ جافلن المضادة للدبابات، فضلاً عن حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المتكرر عن أن الناتو يمكنه وضع نظام صاروخي بعيد المدى في أوكرانيا في وقت قريب؛ فإن الأمر الأكثر إزعاجاً لموسكو هو تطلع كييف إلى تصنيع المُسيَّرات التركية على أراضيها؛ حيث لم يقتصر الأمر على شراء أوكرانيا مُسيَّرات بيرقدار تي بي 2، بل اتفق البلدان أيضاً على إنشاء موقع لإنتاج الطائرات بدون طيار في أوكرانيا.

2– توظيف أوكرانيا السلاح التركي ضد الموالين لروسيا: على الرغم من أن أوكرانيا اشترت أولى مُسيَّراتها من طراز بيرقدار تي بي 2 في عام 2019، فإنها أوقفت استخدامها في أي ضربات تستهدف منطقة دونباس، إلى أن تعرضت إحدى القرى الأوكرانية لقصف عنيف من قبل الانفصاليين الموالين لروسيا يوم 26 أكتوبر الماضي، على نحو دفع الجيش الأوكراني إلى استخدام المُسيَّرات التركية للرد على قصف الانفصاليين. كما أن أوكرانيا تستخدم المُسيَّرات التركية في مهام استطلاعية. وجاء في بيان للجيش الأوكراني أن “القوات المسلحة الأوكرانية ستواصل زيادة تكتيكاتها وأساليبها القتالية باستخدام مُسيَّرات بيرقدار لردع العدوان الروسي وحماية مصالح أوكرانيا”.

3– زيادة نوعية في قدرات أوكرانيا التسليحية: تتعامل موسكو بحذر مع تزايد قدرات أوكرانيا التسليحية. ويدلل على القلق الروسي في هذا الصدد أنه في محادثة هاتفية في ديسمبر بين الرئيس بوتين والرئيس رجب طيب أردوغان، تحدَّث بوتين عن استخدام الأوكرانيين المُسيَّرات التركية الصنع، واصفاً ذلك بالسلوك “المُدمِّر” و”النشاط الاستفزازي” وفقاً لقراءة الكرملين، فيما قال وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو إنه لا يمكن تحميل أنقرة مسؤولية استخدام أوكرانيا لهذه الأسلحة.

4– رغبة موسكو في التفرغ للخصوم الغربيين: ثمة سبب إضافي للقلق الروسي من حصول أوكرانيا على الطائرات المُسيَّرة التركية، وهو إدراك موسكو أن هذا الأمر قد يُعقِّد العلاقات التركية الروسية بقدر أكبر، وهو أمر لا تريده روسيا؛ بسبب رغبتها في تحييد الجانب التركي في هذا الوقت للتفرغ لمواجهة خصومها الغربيين. ويُشار في هذا الصدد إلى أن هناك علاقة جيوسياسية مُعقَّدة بين تركيا وروسيا، تأرجحت بين التعاون والمنافسة على مدى السنوات القليلة الماضية؛ حيث يتواجه الجنود والمرتزقة الأتراك والروس في الصراعات المسلحة في كل من سوريا وليبيا. وفي الوقت نفسه، اشترت تركيا منظومة الدفاع الجوية الروسية المتطورة إس–400، وهي الخطوة التي أغضبت شركاءها في الناتو وأسفرت عن عقوبات أمريكية.

وفي المجمل، فإنه إذا قررت موسكو غزو أوكرانيا –وهو السيناريو الذي تحذر منه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون– فإن ذلك يعني تحييد تركيا تمامًا عن الأزمة الأوكرانية، في وقت تعزز فيه وزارة الدفاع الروسية جهودها من أجل ضمان تحييد الطائرات المُسيَّرة للخصوم عن إحداث أي فارق في ميادين القتال. وقد نشرت وزارة الدفاع الروسية مؤخراً صوراً لتدريبات حول كيفية مواجهة طائرات بيرقدار التركية. ويعني هذا الأمر أن موسكو قادرة، إلى حد ما، على إسقاط تلك الطائرات وتدمير المطارات والمواقع التي يتم إطلاقها منها.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى