دراسات تاريخية

سيناني: مغزى كومونة كانتون ودروسها، 1931

لقد رفرفت راية السوفييتات في سماء كانتون يوم 11 ديسمبر 1927، وكان ذلك لأول مرة في تاريخ الحركة الثورية في المستعمرات. فقد نجحت بروليتاريا كانتون البطلة، بقيادة الحزب الشيوعي، في الاستيلاء على السلطة. لكنها لم تحتفظ بها أكثر من ثلاثة أيام. فمنذ اليوم الثالث، اجتمعت ضدها قوات العسكريين والبرجوازية والإمبرياليين، فهزمتها واغرقتها في دماء الثوريين بالمعنى الحرفي للكلمة.
لم تعلن كومونة كانتون دكتاتورية البروليتاريا. لكنها رفعت راية السوفييتات لأول مرة في المستعمرات. وبرهنت لأول مرة، عمليا، على كامل صحة تصور لينين للطابع العالمي للسوفييتات كشكل للسلطة الثورية لا في البلدان ذات الصناعة المتطورة فحسب، بل أيضا في المستعمرات ذات الاقتصاد المتأخر. وعلى هذا النحو كسب نضال البروليتاريا والفلاحين في المستعمرات ضد الإمبريالية وفي سبيل الثورة الزراعية المعادية للإقطاع، وسائل قوية للنشاط الثوري. كما أن «شجاعة عمال كانتون الخارقة للعادة، إنما هي ظاهرة ذات أهمية عظيمة وعالمية حقا» (نداء تنفيذية الأممية الشيوعية بتاريخ 15 ديسمبر 1927).
لم تعلن كومونة كانتون دكتاتورية البروليتاريا. فقد كانت من الناحية الاجتماعية دكتاتورية العمال والفلاحين الديمقراطية الثورية. ولقد دشنت البروليتاريا الصينية، بانتفاضة كانتون، مرحلة جديدة في الثورة الصينية، هي المرحلة السوفييتية. إن البرجوازية الصينية، وهي المرتبطة بالإقطاعيين، غير القادرة على النضال في سبيل تحويل الصين في الاتجاه البرجوازي الديمقراطي، والمرتبكة من عظمة تطور الحركة البروليتارية والفلاحية والشروع في الثورة الزراعية، إنما هي تجسد للإقطاعيين (العسكريين) وللإمبريالية، وتنتقل بعدتها وعتادها إلى معسكر الرجعية والإرهاب الأبيض. إن تكتل الإقطاعيين والبرجوازيين الذي يسنده الإمبرياليون تحت راية الكومينتانغ الذي أصبح رجعيا، نجح في أن يكبد الثورة هزيمة ثقيلة. لقد حدثت، خلال مجرى الثورة، تغيرات جد هامة في توزع القوى الطبقية الموجودة. فلا يمكن تصور الثورة الديمقراطية البرجوازية والمعادية للإمبريالية في الصين إلا كثورة عمالية فلاحية. فكومونة كانتون، وهي آخر النضالات الثورية من 1925 إلى 1927، وعلى أعتاب مرحلة جديدة في الحركة الثورية، كانت قد توصلت، بفضل ما لبروليتاريا كانتون البطلة من مبادرة ثورية كبرى، إلى الشكل السياسي للتكتل العمالي والفلاحي. فللمرة الثانية، بعد ثورة 1905 الروسية، «تكتشف» السوفييتات كشكل للسلطة الثورية الديمقراطية، وهو الشكل الأسهل لتحقيق الدور القيادي للبروليتاريا وهيمنتها داخل ذلك التكتل. لذا، ومنذ كومونة كانتون، أصبح النضال في سبيل السوفييتات الشعار السياسي الأساسي في ثورة العمال والفلاحين في الصين.
إن السبب الرئيسي في سقوط كومونة كانتون هو هزيمة الثورة على كامل خط الجبهة. لكن، حتى في تنظيم الانتفاضة وقعت أخطاء وجب استخلاص دروسها.
لم ينجز الحزب الشيوعي، قبل الانتفاضة، تعبئة الجماهير وتنظيمها الضروريان، رغم أن الحركة البروليتارية في كانتون قبل الانتفاضة كان يجري تطورها في اتجاه النضال السياسي بقدر متزايد السعة والوضوح. لكن لم يجر استغلال هذا النهوض بما فيه الكفاية قصد تنظيم الجماهير البروليتارية. لم يسر الحزب الشيوعي بالعمال نحو الانتفاضة عبر إضراب عام، إضراب من شأنه أن يمكن أكثر ما يمكن من الجماهير في النضال، وهو إضراب كان ممكنا وضروريا في كانتون. لذا، كانت نتيجة ذلك أن الانتفاضة، رغم أنها كانت حركة جماهيرية وأبدت أغلبية البروليتاريا عطفا حماسيا نحوها، لم يشارك فيها إلا ذلك القسم المتقدم من البروليتاريا، القسم الواعي سياسيا منها.
في مرحلة تحضير الانتفاضة لم يخصص الحزب العناية الكافية بالعمل السياسي في النقابات الصفراء، فلم ينجز الجبهة المتحدة مع الجماهير البروليتارية في تلك النقابات، وإنما تركها تحت نفوذ وقيادة الزعماء الصفر، رغم ما كان عند تلك الجماهير من تردد ملحوظ حتى أن الكثير من أعضائها شارك في الانتفاضة بنشاط. كما أن جماهير النقابات الصفراء لم تظل مكتوفة الأيدي فحسب، بل شارك قسم منها في قمع الانتفاضة بالسلاح (نقابة الميكانيكيين).
لم يجر ربط الانتفاضة في المدينة بالانتفاضات الفلاحية في محيط كانتون ربطا كافيا. ولم تشارك في النضال إلا بضعة فصائل فلاحية منعزلة. إذ لم يجر الاهتمام بهذا الجانب في تحضير الانتفاضة.
لم تقم القيادة بتركيز سوفييت منتخب لكانتون خلال الانتفاض، تماما كما لم تجعل منه قضية الساعة عند الجماهير. فتركيز سوفييت منتخب هو الوحيد الذي سيمكن من تنظيم اوسع الجماهير حوله. فالسوفييت هو جهاز المعركة الوحيد الذي يقود الجماهير في الانتفاضة.
لقد كان النشاط ضمن جيش العسكريين [الإقطاعيين] ضعيفا. فلم يولى تفكيكه الأهمية التي يستحق فقد ظل معظمه تحت نفوذ الجنرلات الرجعيين.
لم يكن التحضير العسكري للانتفاضة كافيا. ووقعت أخطاء في غاية الخطورة في أثنائها. ولم يكن تكتيك الانتفاض نشيطا بما فيه الكفاية. فقد تركز نشاط المنتفضين على جملة من النقاط الثانوية وإن كان العدو قد عززها جيدا، وهو ما منع النواة العسكرية المنتفضة من أن تحل القضايا التكتيكية الجوهرية والمستعجلة فعلا. وإذا بقيادة هيئة أركان الرجعية تتمكن من الفرار. ومخازن السلاح الموجودة في منطقة الانتفاضة لم يجر احتلالها. وحتى قادة الانتفاضة كان ينقصهم الإيمان بانتصار الحركة. لقد كانت هنالك جملة من الترددات وسلبية ذات بعد اجرامي. فمنذ نهاية اليوم الثاني أصبح المنتفضون في موقع الدفاع. لكن الدفاع في كل انتفاضة إنما يعني الهزيمة.
إن انتفاضة كانتون، التي نشبت في زمن كان الوضع السياسي الصيني العام فيه غير ملائم، لم تقم بتعبئة كل الجماهير التي كانت مستعدة للمشاركة في النضال. ولم ينجح المنتفضون في استخدام كل قوى النضال ووسائله التي كانت في متناولهم. فلم يستطيعوا، عمليا، تقوية الانتفاضة البروليتارية في المدينة بحرب فلاحية في القرى المحيطة. فرغم كل ما كان عند المدافعين عن كانتون الحمراء من الشجاعة والتفاني والبطولة تحطمت الانتفاضة بأن اجتمعت ضدها قوى أعتى لكل من العسكريين والبرجوازية والإمبرياليين.
لقد غرقت كومونة كانتون في دماء مناضليها، لكن رايتها راية السوفييتات، التي رفعتها بروليتاريا كانتون لأول مرة في الصين، لأول مرة في المستعمرات، ستظل راية نضال العمال والفلاحين الثوري، المعادي للإقطاع وللإمبريالية. إن راية السوفييتات التي يرفعها اليوم ملايين العمال والفلاحين في المناطق السوفييتية في الصين والتي ارتوت بدماء رفاق كانتون، هي راية الجيش الأحمر الصيني التي يتجمع حولها المقاتلين، جيوش أكتوبر المستعمرات. وإن لفي ذلك يكمن مغزى كومونة كانتون التاريخي والعالمي♦
Sinani: Signification et enseignements de la Commune de Canton,
La Correspondance Internationale, n°24, 11e année, 16 mars 1931, numéro spécial IV, p. 399.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى