أخبار ومعلومات

شبح “فيها وعليها” يحوم حول الحكومة

أعلنت رئاسة الجمهورية، أول أمس، بيانا رئاسيا تضمّن قرار الرئيس عبد المجيد تبون، تغيير منصبين وزاريين أبعد بموجب الأول وزيرة الثقافة والفنون، وفاء شعلال، التي استبدلها بصورية مولوجي، وفصل في الثاني بين مهمة الوزارة الأولى التي يتولاها أيمن بن عبد الرحمان من تشريعيات 2021، وحقيبة وزارة المالية التي أسندت إلى الوزير السابق، عبد الرحمن راوية، العائد من الباب الواسع.

البيان الرئاسي أخبر أن هذين التغييرين “الخفيفين” ظاهريا و”العميقين” باطنيا، جاءا طبقا للمادتين 91 الفقرة 07 و104 من الدستور، وبعد استشارة الوزير الأول. هذه الخطوة تؤشر على حالة غضب وعدم رضا الرئيس عبد المجيد تبون عن أداء فريقه الحكومي، ودليل على أن العجز المسجل في تحريك دواليب الاقتصاد التي وعد الرئيس تبون بتسريعها بداية من هذه السنة، لن يؤدي إلى تحقيق الأهداف المرجوة والمسطّرة في الالتزامات الـ 54 المدوّنة في برنامجه الانتخابي، بالرغم من الأشواط الكبيرة التي قطعها خلال الفترة السابقة، التي تميزت بقرارات سياسية واجتماعية عميقة لم يلق حظها من الاهتمام والتثمين من جانب الرأي العام الوطني الغارق في بحور التأثير الخارجي المثبط للعزائم والزارع لليأس في نفوس قطاعات واسعة من المجتمع.

وخلال لقائه الإعلامي الأخير مع الصحافة، كانت ملامح تبون تؤكد الامتعاض والغضب. وقبل بث اللقاء، ظهر الرئيس بنفس الملامح في اجتماع مجلس الوزراء، ودلت على ذلك الصور التي وزعتها رئاسة الجمهورية على وسائل الإعلام وبينت نظرات حادة للرئيس تبون تجاه الوزير الأول وهو يتلو تقرير أدائه الحكومي للأسبوعين الماضيين.

وكان تبون في اللقاء الإعلامي السابق في 26 نوفمبر الماضي، عشية الانتخابات المحلية قد “عاتب” الوزير الأول بن عبد الرحمان على تصريحاته غير الموفّقة حول رفع الدعم الاجتماعي وتعويضه بمنحة توزّع على الأسر المحتاجة إليها في إطار ترشيد التحويلات الاجتماعية التي تعتبر من أسس السياسة الاجتماعية للدولة، وهي التصريحات التي اعتبرها الرئيس تبون “زلة لسان”، مؤكدا بأنه هو المسؤول الوحيد في البلاد الذي يحق له التحدث عن هذه المسألة بالذات.

وفي لقائه الإعلامي الأخير، لم يخف تبون أيضا خيبة أمله من أداء بعض القطاعات الوزارية، التي لها صلة مباشرة بيوميات المواطنين، مثلما هو الحال مع قطاعات الفلاحة والتجارية والمالية والثقافة والصناعة. وإن اكتفى في تعديله الوزاري الجزئي الأخير، الخميس الماضي، بالاستغناء عن خدمات وفاء شعلال في قطاع الثقافة والفنون، وسحب مهام وزارة المالية من الوزير الأول بن عبد الرحمان، وهو ما يمكن وصفه بالعملية الجراحية الخفيفة على الطاقم الحكومي، إلا أنه وعد بأن يراجع حساباته كلها بعد مرور عام بالتمام والكمال على الحكومة أي بعد شهر رمضان وامتحانات نهاية السنة الدراسية.

وفي هذا الصدد، قال تبون، إنه لن يحاسب الحكومة قبل مرور عام على تشكيلها، مستثنيا تغييرات لوزراء ارتكبوا أخطاء فادحة، مثلما هو الحال مع الثقافة والمالية!؟

غير أن المراقبين يتساءلون: لماذا استثنى تبون وزير التجارة كمال رزيق من التغيير؟ متهمين إياه بالتسبب في كل المشكلات التي تعلقت بتموين الأسواق والندرة وارتفاع الأسعار وسوء الرقابة لأنشطة التجار ومنتجي المواد الاستهلاكية الأساسية. علما أن رزيق كان في كل مرة، على مدار العامين الماضيين، ينجو من مقصلة الإبعاد من الحكومة! وهو ما يفسر أن “أمهات المشاكل” موجودة في قطاع التجارة بشقيها الداخلي والخارجي، وبالتالي وجود شخص غريب عن القطاع وغير معروف لدى بارونات الحاويات والتهرب الضريبي والجبائي والرافضين للفوترة هم المتضررين من وجود رزيق، الذي لم يعد يصرح كثيرا، بل ويتحاشى الظهور الإعلامي بسبب عدم توفيقه في فنيات الاتصال من جهة، ومن أخرى بسبب ما تتعرض له تصريحاته من “تحويرات وتأويلات”، وكثيرا ما يتحول إلى هدف للهجمات من جانب كبار التجار ورجال الأعمال.

أما بالنسبة للوزير الأول وحامل حقيبة المالية سابقا، بن عبد الرحمان، فإن ثقل وأعباء المهام التي توصف بالثقيلة، خاصة فيما يتعلق بمتابعة مختلف الورشات القطاعية وارتباطها بتوقيعه فيما يخص بالإفراج عن الاعتمادات المالية والتمويلات المخصصة للبرامج الإنمائية الاستعجالية والعادية، فإن “ازدحام” الساحة الوطنية بالمطالبات والمشاكل، أدى به إلى تفويض بعض صلاحياته لغيره من مساعديه، وهو ما قد لا يساعد على توفير المرونة والتقدير الحسن في كل الأوقات، خاصة وأن وزير المالية في كل حكومات العالم، هو الوزير المنبوذ بسبب “حرصه” على عدم الإنفاق غير المبرر والمقنع.

نقطة أخرى تخص الأداء المالي للحكومة، وهي المشكلات التي تتخبط فيها بعض البنوك الخاصة أو بالأحرى الفروع الأجنبية لبعض البنوك، مما أدى إلى غرق بعضها في مشكلات قانونية ويوجد بعضها أمام المحاكم، تنتظر تدخل السلطات العليا فيها لتفادي الإساءة إلى المنظومة المصرفية التي تعاني منذ عقود من سوء التقييم والمتهمة بكل الأوصاف المشينة، وسواء تعلق الأمر ببنوك أوروبية أو عربية.

ولا يمكن طي ملف التعديل الوزاري الجزئي، دون التذكير من باب الذكرى النافعة، أنه سبق وأن انتقد الرئيس تبون إعلاميا الوزير الأول السابق وسفير الجزائر حاليا في السويد، عبد العزيز جراد بحضوره بمطار بوفاريك العسكري لدى مغادرته إلى ألمانيا لاستكمال العلاج من فيروس كورونا، وقتها وصف الرئيس تبون أداء الحكومة وإنجازاتها بعبارة “فيها وعليها”، في إشارة إلى تقصير عدد من الوزراء في أداء مهامهم وفشل السياسة الحكومية في تجسيد المهام الموكلة لها.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى