أخبار ومعلومات

صفحة جديدة في العلاقات بين الجزائر طهران

بقلم حفيظ صواليلي – الخبر

حملت الزيارة التي قام بها الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان إلى إيران عددا من الدلالات، من حيث خلفياتها وأبعادها، في توقيت خاص، مع استلام الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي السلطة رسميا كثامن رئيس للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأدائه اليمين الدستورية في مجلس الشورى البرلمان الإيراني، مؤشرة على توجه لتقارب أكبر على محور الجزائر طهران، وفي سياق سعي طهران لكسر طوق الحصار المفروض عليها، وخروجها من دائرة الاحتواء إقليميا ودوليا.

الوفد الجزائري رفيع المستوى الذي ترأسه الوزير الأول أيمن بن عيد الرحمان، الذي استُقبل من قبل ممثلين سامين إيرانيين، حظي باستقبال من قبل الرئيس الإيراني سيد ابراهيم رئيسي، كما خُصص له مكان في الصفوف الأولى من بين الحاضرين المدعوين إلى مراسم التنصيب، كدلالة من الناحية البروتوكولية والسياسية التي أولتها طهران للحضور الجزائري.

وحسبما نقلتهُ وكالة الأنباء الإيرانية، نوه الرئيس الإيراني رئيسي بالعلاقات الودية والبناءة التي تجمعُ بين إيران والجزائر. وأكد إبراهيم رئيسي أيضا أن حكومته وضعت أولويات سياستها الخارجية على أسس توسيع العلاقات مع دول الجوار والبلدان الإسلامية، وقال إن إرادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية متمثلة في النهوض بمستوى العلاقات مع الجزائر، مبينا أن تعزيز العلاقات الثنائية ينبغي أن يشكل أرضية لرفع التعاون بين البلدين على الصعيد الدولي أيضا.

بالمقابل، أثنى الوزير الأول على تعاطف الرئيس الإيراني الجديد مع الشعب الجزائري. وأكد بن عبد الرحمان خلال اللقاء مع الرئيس الإيراني أن بلاده وضعت سياساتها المبدئية على حماية الشعوب المضطهدة في العالم، مثلما كان موقفها مع أحقية الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة في الصحراء الغربية.

ولفت بن عبد الرحمان إلى أن التحدي في الجزائر اليوم هو التفوق على المشاكل الاقتصادية. وبذل الجهود الهادفة إلى توسيع العلاقات الاقتصادية مع سائر البلدان هو أساس رغبة المسؤولين الجزائريين في تنمية الأواصر مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وكانت الجزائر من بين أولى الدول التي هنأت الرئيس إبراهيم رئيسي عبر برقية موجهة من قبل الرئيس عبد المجيد تبون في 21 جوان الماضي.

ورغم أن العلاقات على محور الجزائر طهران قد شهدت مدا وجزر في عدد من المراحل والمحطات، ظلت الجزائر نقطة ارتكاز هامة بالنسبة لطهران، بداية بالدور المحوري الذي لعبته الدبلوماسية الجزائرية والمساعي الحميدة التي قادتها بين إيران والعراق، والتي تكللت بالنجاح في 6 مارس 1975 عبر اتفاقية الجزائر الموقعة بين نائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين وشاه إيران محمد رضا بهلوي، وبإشراف الرئيس الراحل هواري بومدين، لترسيم الحدود في شط العرب.

كما سمحت اتفاقية الجزائر في 1981، التي تمت بين الولايات المتحدة وإيران، في حل أزمة الرهائن الإيرانية، إذ توسطت فيها الحكومة الجزائرية بعد أن جرت مفاوضات بين وارن كريستوفر مساعد وزير الخارجية الأمريكي، وبهزاد نبوي نائب رئيس الوزراء الإيراني، بوساطة وزير الشؤون الخارجية الجزائري محمد الصديق بن يحيى، ووُقعت بالجزائر في 19 جانفي 1981، وسعت الجزائر من خلال المرحوم بن يحيى أيضا إلى الوساطة لحل النزاع بين إيران والعراق، لكنه توفي يوم 3 ماي 1982 في حادث تفجير طائرة على بعد 50 كلم من الحدود الفاصلة بين العراق وتركيا، وهو في مهمة دبلوماسية لحل الخلاف بين العراق وإيران.

ومن بين مظاهر العلاقات التي كانت قائمة بين الطرفين الجزائري والإيراني، قيام الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد بزيارة إلى إيران سنة 1982 في عز الحرب الإيرانية العراقية. وقبلها بعد قطع العلاقات الدبلوماسية الإيرانية الأميركية سنة 1980 كانت الجزائر راعية المصالح الإيرانية في واشنطن، إذ كانت الجزائر ذات الإرث الثوري تحظى بتقدير واحترام الإيرانيين، إلا أن العلاقات الثنائية شهدت مرحلة فتور واضطراب إلى حد القطيعة خلال التسعينات امتدت لنحو 7 سنوات.

علاقات بعد قطيعة بسبب “الفيس”

وأعيدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في سبتمبر 2000، وتم تبادل السفراء في أكتوبر 2001 في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي قام بزيارة إيران في أكتوبر 2003 بعد قطع العلاقات الدبلوماسية مطلع التسعينات، بسبب استضافة طهران قيادات سابقة في جبهة الإنقاذ المحظورة “الفيس”.

وقد أنشأ البلَدان لجنة اقتصادية مشتركة عقدت أول اجتماع لها في جانفي 2003 في الجزائر، كما زار الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي الجزائر في أكتوبر 2004، وكان بذلك أول رئيس إيراني يزور الجزائر منذ الثورة الإيرانية سنة 1979.

وبعد سنتين زار وزير الشؤون الخارجية منوشهر متكى الجزائر في أوت 2006. كما زارها مسؤول الملف النووي الإيراني علي لارجاني في جوان 2006. وقد تبادل البلدان العديد من الوفود السياسية والثقافية والمالية.

وقد أقامت إيران أول معرض تجاري للصناعة الإيرانية بالجزائر في ماي 2006. ثم قام الرئيس أحمدي نجاد بزيارة إلى الجزائر في أوت 2007، وبدأ الحديث عن إقامة مشاريع صناعية، من بينها الإعلان عن تسليم أول خط إنتاج سيارات للمصنع الإيراني “إيران خودرو” بالشراكة مع شركة “فاموفال”، وكان مرتقبا بداية الإنتاج في 2017 بمعدل 8000 وحدة سنويا.

وفيما كانت الجزائر من بين أول المرحِّبين بالاتفاق النووي الموقع في 14 جويلية 2015، وعلى خلفية منتدى الأعمال الجزائري الإيراني المنعقد في 2016، تم الإعلان عن مشروع بين “سايبا” و “سيما موتورز” لإقامة مصنع سيارات بتيارت، كما بدأ الحديث عن إقامة خطوط جوية وانخراط شركات البناء الإيرانية في السوق الجزائري وتوسيع دائرة التعاون التجاري، وإبداء طهران على لسان أحمدي نجاد استعدادا للتعاون في مجال النووي المدني.

براغماتية اقتصادية

وظلت الجزائر تحظى بثقة إيران نظرا لمواقفها السياسية والدبلوماسية، وهو ما رشحها مرارا لتكون فاعلا في عمليات مساعٍ حميدة ووساطة، إذ تعد الجزائر من الدول العربية القليلة التي حافظت على علاقات مستقرة مع إيران منذ استقلالها، وحتى خلال الأزمة الخليجية والأزمات التي برزت بين إيران والأطراف الغربية، فقد ظلت على مسافة سياسية تؤهلها للعب دور إيجابي كمحاور يحظى بالاحترام.

ومن منظور طهران، تبقى الجزائر قوة إقليمية في شمال إفريقيا لا يمكن تجاوزه في المنطقة، في وقتٍ شهدت علاقات طهران مع الرباط تدهورا متتاليا، سواء من خلال الاتهامات المغربية بدور مزعوم لحزب الله في الصحراء الغربية أو دور إيراني ترجم بقطع العلاقات في ماي 2018، إلى غاية اتهامات وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الموجهة لطهران أمام لجنة الشؤون العامة الأمريكية الصهيونية “أيباك”، والتي قال فيها إن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية تهدّد أمن المنطقة والمغرب، ويجب التنسيق بين الحلفاء لردعها”.

بالمقابل، ظل التشاور قائما بين الجزائر وإيران، مع تواصل وزير الخارجية السابق صبري بوقدوم مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، لمناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين وقضايا المنطقة. وقبلها في أفريل 2021 أعلنت الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة عن اتفاق مع المستشار الاقتصادي لدى سفارة إيران بالجزائر قاسم تاغفاي، على إنشاء مجلس للأعمال الجزائري الإيراني.

ويهدف المجلس إلى رفع المبادلات التجارية التي لم تتعد 22 مليون دولار، وتشجيع الاستثمار والشراكة في عدة قطاعات، على غرار قطاع الزراعة، المولدات الكهربائية، الصناعات الصيدلانية والهندسة والبناء، فيما أعادت شركة “ميهان” الإيرانية مقترحاتها لإقامة خط جوي يضمن رحلة بين طهران كاراكاس والجزائر، على أساس رحلتين في الأسبوع.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى