دراسات استشرافية

علماء الدراسات المستقبلية وتفكك الولايات المتحدة بين 2020-2030

وليد عبد الحي

في إطار مقاومتي للتفكير الرغبي(Wishful Thinking) عملت ما في وسعي لمتابعة تيارين رئيسيين في الدراسات المستقبلية بخصوص موضوع ” مستقبل الولايات المتحدة”، محاولا ان أكون موضوعيا في تقييم هذين التيارين من ناحيتين : الاولى الحجج العلمية لكل من التيارين ، والثانية تحديد أي التيارين هو الاكثر انتشارا وتزايدا في انصاره، وأزعم أن التيار المتشائم حول مستقبل الولايات المتحدة هو الاكثر ثراء في أفكاره والاكثر نزعة هجومية في تحليله ناهيك عن تزايده بشكل واضح.

وأزعم ثانية ان بداية تنامي تيار التشاؤم للمستقبل الامريكي كان مع كتاب بول كيندي المعروف (

The Rise and Fall of the Great Powers: Economic Change and Military Conflict from 1500 to 2000) الصادر عام 1987، أي قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، وبنى الكاتب فكرته على ان الولايات المتحدة ستواجه مشكلة ” التمدد الزائد” والذي يعني ان نفقات التمدد ستصبح اكبر من مكاسبه مما سيدفع الدولة الى ” النكوص” لترك المجال للقوى الصاعدة لتملأ الفراغ ، والتي تتمثل في الصين محددا فترة ما بعد عام 2000 كبداية لهذا التصور الذي سانده علماء آخرون مثل الروسي Dmitry Orlov وعالم اللغويات الامريكي تشومسكي وآخرون.

وفي عام 1993 روج Gerald Celente لفكرة ما اسماه “تحجيم أمريكا” “a downsizing of America l مركزا على ثلاثة ظواهر كبرى هي ااتساع قاعدة العداء لامريكا في العالم واستمرار التراجع في المكانة الاقتصادية وتفاقم مشكلات المهاجرين.

أما Thomas W. Chittum فتنبا عام 1997 ” ببلقنة الولايات المتحدة” واشتعال حرب اهلية جديدة كما ورد في كتابه Civil War Two: The Coming Breakup of America ، وهو ما عاد العالم الروسي Igor Panarin في عام 1998 لتأكيده ببدء تفكك الولايات المتحدة الى ستة أجزاء ، وحدد لذلك عام 2010 ، وتعزز رأية في عام 2008 مع أزمة الرهن العقاري وتداعياتها في الولايات المتحدة فعاد لنشر دراسة ثانية عام 2009 تاكيدا لرأيه.

وعرف هذا التيار نقلة نوعية في مستويات التحليل مع دراسة يوهان غالتنك Johan Galtung) ) في

عام 2004 وعنوانها “On the Coming Decline and Fall of the US Empire”، وبنى دراسته على تحليل تداعيات 14 تناقضا في بنية الجسد الامبراطوري الامريكي، لكنه أوضح انه يتحدث عن تراجع الامبراطورية الامريكية لا ” الجمهورية الامريكية”، أي ان التراجع سيكون في امتداد الامبراطورية ونفوذها الدولي وليس في القوة الداخلية للجمهورية الامريكية.

وفي كتابه(الصادر عام 2011) والذي يقع في حوالي 500 صفحة تحت عنوان:

Suicide of a Superpower: Will America Survive to 2025

يقول Patrick J. Buchanan الذي عمل مستشارا لثلاثة رؤساء امريكيين ان الولايات المتحدة آيلة للتفكك مركزا على التحولات القيمية والتلكؤ الاقتصادي وتوجهات النخب الجديدة.

وعرفت هذه الدراسات نقلة جديدة مع انضمام علماء الانثروبولوجيا لهذا التيار، وتمثل دراسة Peter Turchin وهو احد علماء الانثروبولوجي ابرز هذه المساهمات، فقد بنى تورشين نظريته على النموذج التاريخي المتكرر والمتمثل في عرض مراحل النمو والاستقرار في الحضارات والامبراطوريات القديمة ثم مراحل الاضطراب والتراجع الاقتصادي التي تليها ، وطبق ذلك على الولايات المتحدة التي يرى أنها تقف على اعتاب المرحلة الثانية طبقا للمعدل الزمني الذي وضعه في كتابه : (2016 Ages of Discord) والذي يدل على ان معدل فترات التماسك اطول من معدلات فترات التفكك ، ويقارن الوضع الحالي في الولايات المتحدة بالمرحلة التي سبقت الثورة الفرنسية او المرحلة التي سبقت 1630 في بريطانيا.(المعروفة بمرحلة ستيوارت).

وقد بنى تورشين نموذجه على تفاعل ثلاثة أبعاد مركزية تقود لعدم الاستقرار ولكل منها متغيراته الفرعية على النحو التالي:

1- الدولة: ومتغيراتها تتمثل في : الحجم، الدخل ، النفقات،الديون، الشرعية

2- السكان: ومتغيراته هي العدد- التركيب العمري- التحضر(سكان المدن)، الدخل الفردي، التفاؤل الاجتماعي

3- النخبة: ومتغيراته هي العدد- البنية- الثروة- النزعة الاستهلاكية- قيم التعاون- التنافس الداخلي .

ويبدو ان هذه الدراسات تركت بصماتها على توجهات الراي العام الامريكي، وتدعمت بظهور نزعات انفصالية في المجتمع الأمريكي، فهناك 58 تنظيما او هيئة او جمعية تدعو للانفصال تتوزع في اغلب الولايات المتحدة، كما ان معدل 21% من الأمريكيين يريدون انفصال ولاياتهم وتاسيس جمهوريات منفصلة ، وتصل النسبة في بعض الولايات الى 34%(كاليفورنيا مثلا) .

ويشير استطلاع حديث لمعهد غالوب في نهاية 2018 الى انخفاض المؤيدين لقيادة امريكية للعالم من 48% عام 2016 الى 30% عام 2018. وفي استطلاعات معهد بيو(pew) المعروف عام 2019 كشفت النتائج عن التوجهات التالية:

– 60% يرون ان اهمية امريكيا في العالم تتراجع

– 73% يرون ان الفروق الطبقية تتزايد داخل المجتمع الامريكي

– 65% يرون ان الاستقطاب السياسي في المجتمع الامريكي يتزايد

– 48% من الامريكيين يرون ان القادة الحاليين ليسوا على مستوى المسئولية.

فإذا ربطنا كل ذلك ببعض الظواهر التي اشارت لها الدراسات المشار لها في هذا المقال تتبدى الصورة أكثر وضوحا، فمثلا تركز الدراسات السابقة على:

1- مؤشر العنف الاجتماعي : الولايات المتحدة هي صاحبة أعلى معدل جريمة في العالم.

2- مؤشر سوء توزيع الدخل: فدخل اعلى 1% من العائلات الأمريكية يعادل 26.5 ضعف دخل ال 99% الباقين ، وهي النتائج التي توصل لها Economic Policy Institute

3- الديون: هي صاحبة أعلى دين في العالم ، يصل حاليا الى أكثر من 22 تريليون دولار.

4- العجز التجاري تجاوز 621 مليار عام 2018( ومنها 419 مليار مع الصين)، وكل المؤشرات تؤكد زيادته في عام 2019

5- تزايد الصورة السلبية للولايات المتحدة في ذهن الراي العام الدولي طبقا لاستطلاعات الراي الامريكية.

6- التركيبة السكانية في المجتمع الامريكي، حيث سيكون هناك 66 مليون أسود عام 2040، و130 مليون من ذوي الخلفية الاسبانية.

7- عدم التمثيل المتوازن في المؤسسات المركزية، فمثلا السود يشكلون 12% من السكان بينما في الرئاسة 2.2% ، والكاثوليك 24% وفي الرئاسة 2.2% ايضا، وفي التمثيل الولائي على مستوى الرؤساء هناك 24 رئيسا من اربع ولايات و 21 رئيس من بقية الولايات ال46.

السؤال: الا تستحق هذه الدراسات ونتائجها التمعن من قبل صناع القرار العرب لإدراك التغير الذي عليهم ان يستعدوا له؟ ربما .

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى