دراسات سوسيولوجيةدراسات سياسية

علم الاجتماع السياسي: العمليات السياسية (الثقافة السياسية، والتنشئة السياسية)

 أ. بسام أبو عليان
محاضر بقسم الاجتماع ـ جامعة الأقصى

العمليات السياسية

أولًا| الثقافة السياسية

تعريف الثقافة السياسية:

الثقافة السياسية جزء من ثقافة المجتمع العامة، فهي تعكس طرق التفكير، والشعور، والسلوك السياسي الخاص بجماعة ما. فالفرد إذا حمل قيمًا سياسية، أو مارس سلوكًا سياسيًا متناقضًا مع ثقافة المجتمع يعتبر سلوكًا شاذًا. من قيم الثقافة السياسية: (الولاء، والانتماء، والمشاركة السياسية).

من تعريفات الثقافة السياسية:

“تمثل الأهداف المشتركة والقواعد العامة المقبولة، الذي يفسر أنماط التعارض السياسي”.

 عناصر الثقافة السياسية:

حدد روبيرت داهل عناصر الثقافة السياسية في النقاط الآتية:

  1. التوجهات الخاصة لحل المشكلات: قد تكون برجماتية نفعية، أو عقلانية.
  2. التوجهات نحو السلوك الجمعي: هل تشمل قيم التعاون والاندماج بين أفراد المجتمع، أم صدامية وانشقاقية؟.
  3. التوجهات نحو النسق السياسي: هل تكرس قيم الولاء للنظام السياسي، أم تقف منه موقف اللامبالاة؟.
  4. التوجهات نحو الأشخاص الآخرين: هل يغلب عليها الثقة أم فقدان من الثقة؟.

أنماط الثقافة السياسية:

¬  الثقافة الرعوية: تمثل الثقافات المحلية القائمة على علاقات القرابة والعرف والدين، هي ثقافة ما قبل الثقافة السياسية الخاصة بالدول، تنتشر في دول العالم الثالث الذي تلعب فيه العلاقات القرابية، والعشائرية، والطائفية دورًا في تحديد الولاء والانتماء السياسي.

¬    ثقافة الخضوع.

¬    ثقافة المشاركة.

النوعان الثاني والثالث يسودان في المجتمعات المتطورة التي وصلت لمرحلة الدولة الوطنية أو دولة المؤسسات.

مكونات الثقافة السياسية:

  1. المرجعية: تمثل فكر المجتمع، ومرجعية الاتجاهات السياسية، يجب أن تحظى برضا غالبية شرائح المجتمع.
  2. التوجه نحو العمل العام، أي السعي لتحقيق المصلحة العامة، وتلعب الثقافة السياسية دورًا مهمًا لتحقيق هذه الغاية.
  3. التوجه نحو النظام السياسي: يتحقق استقرار المجتمع إذا تحقق الولاء والانتماء للنظام السياسي، ويتحقق ذلك بفضل الثقافة السياسية.
  4. الإحساس بالهوية: يشترط في حياة الأفراد السياسية الشعور بالانتماء للدولة ومؤسساتها، فهذه تضفي شرعية على نظام الحكم، وتطيل عمره، وتساعده على تجاوز أزماته.

تصنيفات التفافة السياسية:

  1. المشاركة: تعتمد على رغبة الأفراد في المشاركة السياسية.
  2. المغلقة: تتمثل بانسحاب بعض الفئات الاجتماعية من المشاركة السياسية، غالبًا تكون هذه الفئة غير قابلة للانخراط في النظام السياسي.
  3. شبه المشاركة: تكون درجة تحمل المسؤولية شبه معدومة، فتكون المشاركة محدودة، حيث يهتم الفرد بالمشاركة في القرارات ذات العلاقة بالحياة الفردية.

خصائص الثقافة السياسية:

  1. الثقافة السياسية عملية تعلّم وإكساب لقيم، ورموز، وتوجيهات الحياة السياسية السائدة في المجتمع، وهي عملية تدريجية متواصلة تبدأ من الطفولة، وتستمر عبر مراحل العمر المتتابعة.
  2. يتحدد سلوك الفرد السياسي انطلاقًا من ثقافة المجتمع السياسية، فالتنشئة السياسية في المجتمع الديمقراطي تعلم الفرد الإيمان بحرية الرأي، والتعددية، وثقافة المجتمع الديكتاتوري تقمع الحريات وتقوم على الإرهاب والعنف… إلخ.
  3. تساعد الثقافة السياسية الفرد على التكيف مع النسق السياسي، حيث يشعر الفرد بالانتماء للنسق السياسي كـ:(مشارك، أو مؤيد، أو معارض)، بالتالي لا يشعر بالاغتراب السياسي في مجتمعه.

مؤشرات الثقافة السياسية:

1)    مجال السياسة.

2)    ارتباط الغايات والأساليب في السياسة.

3)    معايير تقييم العمل السياسي.

4)    القيم الكامنة خلف التصرف السياسي.

جوانب الثقافة السياسية:

1)    الجانب المعرفي: كالإدراك والوعي السياسي.

2)    الجانب العاطفي: كالانطباع والتأثير.

3)    الجانب التقويمي: الحكم على أداء السلطات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية.

ثانيًا| التنشئة السياسية:

تعريف التنشئة السياسية:

v    “إكساب المواطن الاتجاهات والقيم السياسية التي يحملها معه حينما يجند في مختلف الأدوار الاجتماعية”.

وظائف التنشئة السياسية:

  1. تكسب الفرد ثقافة مجتمعه السياسية.
  2. التنشئة السياسية تسهم في بناء الشخصية، بحيث يتحدد سلوك الفرد السياسي انطلاقًا من ثقافة المجتمع السياسية.
  3. تمكِّن الفرد من التكيف مع النسق السياسي، بمعنى يشعر الفرد بانتماء حقيقي للنسق السياسي كمشارك، أو مؤيد، أو معارض، ولا يشعر بالاغتراب السياسي تجاه الثقافة السياسية السائدة في مجتمعه.
  4. تسهم في نقل الثقافة السياسية من جيل لآخر.
  5. تسهم في تشكيل الثقافة السياسية.
  6. تسهم في تغيير الثقافة السياسية بما يناسب النسق السياسي.

مؤسسات التنشئة السياسية:

  1. الأسرة:

يقضي الطفل السنوات الست الأولى من حياته في حضن أسرته، فالأسرة تلعب دورًا هامًا في تشكيل شخصيته، وتكوين اتجاهاته، وتنميط سلوكه، وتغرس فيه القيم التي تبقي راسخة في عقله حتى يكبر، بالتالي ما يصدر عن الفرد من مواقف سياسية تكون أحيانًا انعكاسًا لرواسب ماضيه, فالطفولة لها انعكاس على شخصيته المستقبلية. فأساليب التنشئة الاجتماعية (ديمقراطية, دكتاتورية) تعكس علاقة الآباء بالأبناء.

في المجتمع العربي يغلب على الأسرة العربية أساليب الشدة والقسوة في التنشئة، وتركز على العقاب الجسدي، والترهيب أكثر من اعتمادها على الإقناع، والحوار، والحرية. فينشأ عن ذلك فرد سلوكه السياسي تسلطيًا، لا يؤمن بالحوار والنقاش.

  1. المؤسسات التعليمية:

مع المدرسة يدخل الطفل عالمًا آخر, عالم القراءة، والكتابة، والتلقين. من خلالها يزداد وعي الطفل، ويطلع على الأحداث السياسية، ويبدأ في فهم السياسة كشيء متجسد في أشخاص، ورموز، ومؤسسات. وتلقنه المدرسة أحكامًا قيمة، ـ إيجابية أو سلبية ـ، حول الشأن السياسي, ونظرًا لأهمية المدرسة في التنشئة لجأت كل الدول لجعل مراحل التعليم الأولى إلزامية، فمن خلال البرامج التعليمية يتمكن الطالب من الإطلاع على عدد من المعلومات السياسية المتعلقة بالدولة.

تؤثر المدرسة في التنشئة السياسية بطريقتين هما:

v    طريقة رسمية: من خلال المناهج المقررة، والتوجيهات الصادرة عن المدرسين.

v    طريقة غير رسمية: من خلال أنشطة حرة كالرحلات، والمسابقات، والندوات.

  1. المؤسسات الدينية:

يقصد بالمؤسسات الدينية: مساجد، وكنائس، ومختلف دور العبادة، وما يرتبط بها من مؤسسات، أو أشخاص يوظفون الدين لتلقين أفكار سياسية عامة لأفراد المجتمع.

يمكن أن نقصر الحديث عن دور المسجد، فالمسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين لم يقتصر على أداء الصلوات والشعائر التعبدية، بل كان له شأن عظيم، فمن خلاله كانت تسيّر كافة شئون المجتمع، وقد تعددت أنشطة المسجد، منها مثلًا: بدور مؤسسة تعليمية، فيهتم بإعداد وتربية النشء، حيث يتعلم الأفراد (حفظ القرآن، وتفسيره، والحديث، والفقه، والعقيدة). ويقوم بدور مؤسسة تشريعية: يناقش القضايا العامة التي تهم عموم الناس، وتتخذ القرارات بالشورى. ويقوم بدور مؤسسة عسكرية: فكانت الجيوش التي شاركت في الغزوات والسرايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين تعد وتخرّج من المساجد، بعد أن تشربت المفاهيم الإسلامية في شكلها الصحيح، وتعلمت قيم وأخلاقيات الجهاد في الإسلام: (لا تقتل طفلًا، أو شيخًا كبيرًا، أو امرأة، أو راهبًا في صومعته، ولا تقتلع شجرًا… إلخ). كذلك يقوم بدور مؤسسة إعلامية، وكان بمثابة دار للضيافة: فالوفود التي كانت تفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء الراشدين من خارج المدينة يتم استقبالها في المسجد. وكان يقوم بدور دار قضاء للحكم والفصل بين المتخاصمين والمتنازعين. ومن الأدوار الهامة التي أداها المسجد أيضًا كان بمثابة مؤسسة تقدم خدمات الرعاية الاجتماعية للناس.

  1. جماعات الرفاق:

يلعب الرفاق دورًا كبيرًا في تنشئة الفرد سياسيًا واجتماعيًا, فمجرد إعجاب الفرد ببعض الأصدقاء قد يدفعه لتنبي أفكارهم السياسية, وقد يكون الفرد لديه قدرة على الإقناع فيشد الأنظار إليه، فيؤثر على زملائه، وقد يتعلم الفرد بعض أنماط السلوك، ويكتسب القيم السياسية من خلال ملاحظته لتصرفات الناس من حوله، وسماع أحاديثهم وتعليقاتهم على الشؤون السياسية فيحاول تقليد من يعجب بهم، أو يتبني أفكارهم. فكلما تقدم الفرد في العمر زاد اكتسابه للمعارف من خارج المنزل، بالتالي يزيد تأثره بالمحيط الخارجي.

  1. المؤسسات الإعلامية:

تشمل المؤسسة الإعلامية (الإذاعة، والتلفزيون، والصحافة المصورة والمكتوبة، والسينما، والمواقع الإلكترونية). تبرز أهمية الإعلام في التنشئة السياسية كونه يحتل مكانة قوية يحسب لها ألف حساب؛ لما تملكه من تأثير على توجيهات الأفراد، ومواقفهم السياسية, وأذواقهم. ونظرًا لأهمية الإعلام في الحياة السياسية تسعي الحكومات للسيطرة عليه، وتوجهه لخدمتها, وتوظف أكبر عدد من الإعلاميين المتخصصين في مختلف المجالات؛ لتضمن الهيمنة على أفكار الناس. من هنا كان التنافس بين الدول الكبرى للسيطرة على وسائل الإعلام العالمية, فمن يتحكم أكثر بوسائل الإعلام العالمي يؤثر أكثر في الرأي العام والتوجيهات السياسية للمجتمعات.

يعتبر التلفزيون أهم وسائل الإعلام من حيث التأثير على توجيهات الناس السياسية؛ لاقتران الصوت والصورة معًا، ولقدرته على توصيل رسالته لجميع شرائح المجتمع. ومما يجعل وسائل الإعلام ذات تأثير في التنشئة السياسية تمتعها بعدة خصائص، هي:

‌أ.       سهولة الانتشار.

‌ب.  قلة التكاليف.

‌ج.    الشعبية.

‌د.      القدرة على جذب المواطنين بما تقدمه من برامج وحوارات تشد اهتمام الناس.

‌ه.       تنوع المواد التي تقمها كي الفرد ما يريد.

‌و.     السرعة في إيصال المعلومات للناس.

  1. الأحزاب السياسية:

سنتحدث عنها بشكل مفصل في الفصل الخامس.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى