أخبار ومعلومات

عناصر غير إفريقية تشوش على المبادرة الجزائرية

بقلم م. الفاتح عثماني – الخبر

تقود الجزائر مبادرة وساطة دولية لحلحلة واحدة من أكثر الأزمات تعقيدا في القارة الإفريقية، بين مصر والسودان وإثيوبيا، على خلفية تشييد وملء سد النهضة المشيد على نهر النيل. فالقاهرة والخرطوم تريان في الخطوة تهديدا واضحا على أمنهما القومي والمائي، ولم تترددا في التلويح بالحلول غير الدبلوماسية والتحذير من انزلاق الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، بينما تصر أديس أبابا على المضي في مشروعها النهضوي، في وقت تتعفن الأمور وتتطور تدريجيا ككرة الثلج.

تشكلت أزمة سد النهضة انطلاقا من رغبة إثيوبيا في الاحتفاظ بمياه النيل واستغلالها بشكل أمثل من خلال تشييد سد ضخم بوصفها دولة منبع نهر النيل من جهة، وتخوف السودان ومصر على حصصهما من مياه النهر الأزرق التاريخي باعتبارهما دولتي المصب من جهة أخرى. وبين الطموحين المشروعين وتصاعد الأنانيات والإرادات في صون الأمن القومي، تشكلت الأزمة وقرعت طبول الحرب.

وانطلقت مبادرة الجزائر في ظروف صعبة تتميز بتصعيد غير مسبوق بين أديس أبابا من جهة والخرطوم والقاهرة من جهة ثانية، بلغ درجة اللجوء إلى مجلس الأمن الأممي وتبادل تصريحات استفزازية بين العواصم الثلاث، تحوم حول الخيارات غير الدبلوماسية، كتشديد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عند اقتراب عملية الملء الثاني لسد النهضة على “عدم جواز استمرار التفاوض مع إثيوبيا إلى ما لا نهاية” وأن “بلاده لم تهدد أحدا على مدار التاريخ على الرغم مما تملكه من قوة عسكرية”، لترد إثيوبيا على لسان قائد عسكري بمنطقة مَتَكَل الإثيوبية، حيث يوجد سد النهضة، الجنرال أسرات دينيرو، أن “الجيش الإثيوبي في حالة تأهب قصوى لإنجاز المرحلة الثانية لتعبئة السد”.

وتبدو مبادرة الجزائر ذات صدقية ولم تنطلق من إيديولوجيات سياسية تنافسية أو من ميولات توسعية أو طموحات لتوسيع نطاق نفوذها الإقليمي ومجالها الحيوي، وإنما من “الخوف من تعرض العلاقات العربية والإفريقية إلى الخطر”، على حد وصف رئيس الدبلوماسية الجزائرية، رمطان لعمامرة، أثناء جولته الثلاثية.

وتحليلا للمبادرة الجزائرية وطبيعة الظروف الدولية المحيطة بها، قال الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة ورڤلة، مبروك كاهي، إن ردود الفعل الأولية للعواصم الثلاث تؤشر على وجود أسباب نجاح المبادرة الجزائرية، في مقدمها موافقة الدول المعنية على إجراء لقاء ثلاثي مباشر والجلوس حول طاولة المفاوضات مجددا بعدما تعثرت ولم يتمكن الأطراف من استئنافها، بالإضافة إلى اعتراف إثيوبيا بالتزامها بعدم المساس بحصص دول المصب من مياه النيل واكتفائها بـاستغلال حقها المشروع.

ومن الأسباب المساعدة على نجاح المسعى الدبلوماسي الذي يقوده لعمامرة، يقول الأكاديمي في اتصال مع “الخبر”، وجود الجزائر على مسافة متساوية مع الدول المعنية بالمسألة وتمتعها بعلاقات صداقة متينة ومتكافئة معها، وهو ما يعمق الثقة في المبادرة ويمنحها مصداقية وقبولا لدى الدول المتنازعة.

ورغم عدم الإفصاح عن جزئيات المبادرة وما إذا كانت هناك شروط مسبقة، إلا أن طبيعة الاستقبال وتصريحات وزراء خارجية البلدان الثلاثة التي استقبلت وزير الخارجية الجزائري تؤشر في نظر المتحدث على وجود أرضية وأجواء ملائمة لنجاح المبادرة وإمكانية قدرتها على تقريب وجهات النظر وإذابة الجليد بما يبلور معالم حل عادل ومفيد لكل الأطراف، يتابع المتحدث.

وأشار الدكتور إلى أن مساهمة الجزائر في حلحلة أزمة الرهائن الأمريكان بطهران في الثمانينيات وبعدها إنهاء الصراع المسلح بين إثيوبيا وإريتريا يمكن أن يساعدا في إنجاح هذه المبادرة، بوصفهما عنصرا يعمق الثقة ويؤكد حيادها وعدم استغلالها مخرجات كل هذه المبادرات فيما بعد.

وحول توقع وجود تشويش من الكيان الصهيوني على المبادرة بوصفه كيانا متقاربا مع إثيوبيا، استبعد الخبير هذا المعطى تماما وقال إن مصالح إثيوبيا العليا تتجاوز علاقتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، مهما كانت صلابة ومتانة علاقتهما، فكلاهما يسعى للاستقرار مع محيطه.

من جانبه، يرى الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الأستاذ محفوظي شاكر عبد الرزاق، أن للجزائر مصداقية كبيرة في كل قضايا الوساطة التي باشرتها، نابعة من أنها تقف على مسافة واحدة مع الجميع. فاليوم في قضية سد النهضة، يتابع المتحدث، تحظى الجزائر بحياد تام يؤهلها لإنجاح مبادرتها وحلحلة واحدة من أعقد الأزمات الإفريقية، غير أن أحد عناصر التعقيد يكمن في وجود عناصر غير إفريقية من شأنها التأثير على المسعى أو على الأقل يجب أخذه بعين الاعتبار، وهو دور الكيان الإسرائيلي والتركي المتنامي في إفريقيا.

وأشار المتحدث إلى أن الكيان الإسرائيلي استفاد من تراجع القوى العربية الفاعلة في العمق الإفريقي، خاصة مصر والجزائر، وقام بربط علاقات هامة ومتميزة جدا مع دول محورية في القارة السمراء، بالإضافة إلى تركيا والصين اللتين صار لهما موطئ قدم في القارة السمراء، وهي معطيات وعناصر قد تؤثر على سياق المبادرة.

وكان الكاتب الصحفي السوداني عمر صديق قد توقع نجاح المبادرة الجزائرية ر للوساطة في أزمة سد النهضة، مرجعا ذلك إلى “الظروف الحالية المواتية للاتفاق بين دولتي المصب مصر والسودان مع إثيوبيا، خاصة أن الملء الثاني لم يكتمل كما كان مخططا له، ما يعني أن إطالة فترة ملء السد وتشغيله ستكون في متناول اليد”.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى