انحصر الجدال الانتخابي في فرنسا، بين المرشحين لمنصب الرئاسة، بين من يدعو لإقامة جدار برلين جديد لمنع المهاجرين للدخول إلى فرنسا، ومن يطالب من خلال لوائح إمضاءات بمنع استفادة المهاجرين من المساعدات الاجتماعية للدولة .
فرنسا لا تريد أن تدخلها البشرة السمراء ولكنها تريد فقط أن يصلها البترول والغاز والأورانيوم …..بانتظام.
لم يسبق وأن تحولت فرنسا خاصة إلى هذا المستوى القياسي من التطرف والشحن العنصري لدى “سياسييها” و”أحزابها” وحتى “نخبها” ، حتى وان كان سياسيوها السابقون ليسوا أحسن حالا، بعدما دفعوا أصحاب البشرة السمراء من الأفارقة ليكونوا “دروع بشرية” في جبهات القتال إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية، فان ورثتهم اليوم أيضا يريدون الدفع بـ “المهاجرين الأفارقة” ليكونوا الشماعة التي تعلق عليها كل أسباب سياساتها الداخلية الفاشلة لحكوماتها.
اليمين المتطرف الذي يكتسح النقاش الانتخابي في فرنسا، لا حديث له غير “الهجرة والمهاجرين”، والتفنن في من يرفع السقف عاليا حول سبل “الشيطنة” ضدهم والتضييق عليهم، فمنهم من دعا إلى وقف كل أشكال الاستفادة من إعانات ” السوسيال “، أي لا علاج، لا دواء، لا منح عائلية لا استفادة من منحة البطالة، ومنهم من يرافع لأجل إقامة جدار برلين جديد، من مهامه الحفاظ على أمن أوروبا كقارة بيضاء اللون، لا يدخلها سود إفريقيا ولا سمر المغرب العربي.
ولم يعد ذلك التطرف والعنصرية أمر يخجل منه هؤلاء السياسيين والنخب المزيفة، لكونه أضحى يرفع أسهم المرشحين في استفتاءات الرأي التي يراد بها توجيه الخطاب السياسي داخل دول القارة العجوز، ولذلك ليس من الصدفة أن يتصدر زمور ومارين لوبان وغيرهم استطلاعات الرأي في فرنسا، لأن ما نرى فيهم كـ ” عيوب” إنسانية ، كموقفهم العنصري من المهاجرين الأفارقة والمسلمين والحجاب ولون البشرة والدين، توجد له حاضنة تدفع بهم للصدارة خصوصا وسط وسائل الإعلام التي يسيطر عليها رجال أعمال يعدون على أصابع اليد الواحدة، بنيت ثرواتهم من نهب ثروات القارة السمراء فوق الأرض وتحتها.
هل حقا أوروبا غنية إلى هذه الدرجة التي جعلت خوفها وقلقها يزداد يوميا باتجاه جيرانها من المغرب العربي والأفارقة والمسلمين، التي تنظر إليهم وكأنهم يزاحمونها في اقتسام الرغيف مع مواطنيها ؟.
يكفي لوضع حد للعديد من تخيلات اليمين المتطرف الذي يشن حربا شعواء ضد المهاجرين، الاطلاع على تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لشهر أكتوبر الفارط، الذي أشار أنه من خلال حساب النسبة بين المساهمات التي يدفعها المهاجرون لفائدة الضرائب وصناديق الحماية الاجتماعية، والنفقات العامة للدول، فان هذه التكلفة متوازنة، وربما تكون إيجابية لفائدة 25 دولة عضوًا بين عامي 2006 و 2018 .
وتقول المنظمة في دراستها، أنه في فرنسا، تبلغ مساهمة الموازنة الصافية للأشخاص المولودين في الخارج 1.02٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي فائض طفيف، مقابل متوسط 1.56٪ لجميع البلدان.
بمعني آخر، أن المهاجرين يساهمون في دعم خزائن تلك الدول ولا يأخذون منها شيئا مما يسمى بـ “السوسيال “.
هكذا يبيع سياسيو فرنسا ومرشحوها “الوهم” ويقومون يوميا بـ “شيطنة ” المهاجرين، وهي عقلية أضحت تتحكم في قيادات القارة العجوز الذين يحرصون على أن تزود بلدانهم بانتظام بالبترول والغاز، في المقابل يريدون أن يبقى المهاجرون في ديارهم لا يغادروها، لأنهم متهمون زورا وبهتانا بأنهم يأكلون “خبزة” مواطني أوروبا التي فشلت سياسات حكوماتهم في تأمينها، وهو ما لا يقله لا زمور ولا لوبان ولا من سار على دربهم.