دراسات تاريخية

فلسفة التاريخ عند ابن خلدون

طه حسين الجوهري -جمهورية مصر العربية

كان مولده في تونس عام 732 هـ وتوفي في مصر عام 808هـ. يعد من عظماء القرن الثامن الهجري. ترجع اصوله لأسرة اندلسية من أشبيلية نزحت إلى تونس في منتصف القرن السابع الهجري، وتعود اصوله لقبيلة بني وائل اليمنية.
يعتبر ابن خلدون أحد أكبر المفكرين البارزين في علم التاريخ والاجتماع وواضع أسس علم فلسفة التاريخ، ويعتبره الكثيرون من الكتاب نقطة التحول الكبرى في كتابة التاريخ الإنساني؛ لما تميزت به كتاباته من نظرة تحليلية فلسفية عميقة لمجريات التاريخ البشري، فإليه يرجع الفضل في وضع قوانين جديدة يمكن أن نطبقها على أي مجتمع بشري يعيش في أي بقعة على ظهر البسيطة، لدرجة أن أرنولد تونبي يرى ابن خلدون “أنضج عقلية عرفها الجنس البشري”.
فكرة الدولة وقوانين نشأة الدول عند ابن خلدون
يري ابن خلدون أن أي جماعة انسانية تمر بثلاثة أطوار رئيسية: فالطور الأول البدوي والثاني الغزوي والثالث الحضري، حيث أن أغلب القبائل تبدأ حياتها بالصحراء، ثم تنمو وتزداد قوتها شيئا فشيئا فتنتقل لطور الغزو، فتغزو جماعة أضعف منها لن كانت قد سبقتها في التحضر والتمدن فتنتقل بذلك للطور الثاني وهو طور التمدن والتحضر فتسن القوانين وتنشأ الدواوين وتمصر الامصار وتعيش طورا حضاريا إلى ان تضعف وتتغلب عليها قبيلة أخرى. ويري ابن خلدون أن أي مجتمع بشري لابد له من حاكم ينظم شؤنه ويحاول أن يحتويه، ويسوس أفراده. وقسم ابن خلدون الحاكم لنوعين حاكم بسيط ” شيخ قبيلة “وحاكم مطلق: وهو الذي يستطيع أن يستخدم كل ما أتاحه له هذا التجمع البشري ليؤسس ما يعرف بالدولة. أخذ ابن خلدون على عاتقه وضع وصياغة نظرية عامة لمفهوم الدولة وطبيعة الدول ومؤسساتها وأهميتها وبدأ يضع لنا الأسس التي ترتكز عليها الدولة، وكيف تنشأ، وكيف تتطور، وكيف تصل لمرحلة الاضمحلال ثم تصل لنهايتها وزوالها. يوضح ابن خلدون القوانين التي تتحكم في نشأة وبناء الدول وحصر هذه القوانين في ثلاثة.:
أولا: قانون السببية: حيث يري ابن خلدون أن الأحداث التاريخية والوقائع الاجتماعية لا تحدث مصادفة، انما تخضع لقانون الحتمية حيث ترتبط الأسباب بالمسببات، وأن كل شيء يحدث له سبب أو عدة أسباب، ولعل الهدف عند بن خلدون من ادخال قانون السببية في بحوث التاريخ هو اثبات أنه علم من العلوم أو ظاهرة من الظواهر الطبيعية التي تخضع للملاحظة والتجربة والاستنتاج.
ثانيا قانون التشابه: حيث يري ابن خلدون أن أغلب المجتمعات البشرية تتشابه في بعض الوجوه بسبب الوحدة العقلية للجنس البشري وولع المغلوب بتقليد الغالب في زيه وشعاره وسائر احواله، كما ان هناك تشابها كبيرا بين ماضي المجتمع وحاضره ومستقبله أو يسميه البعض ظاهرة تكرار التاريخ لنفسه مرة أخري في نفس مكانه أو في مكان اخر. لذلك يري ابن خلدون أن دراسة تاريخ يجب أن تكون له عناية حاضرة في كل المجتمعات.
ثالثا قانون التباين وهو ما يؤكد عليه كثيرا ابن خلدون أن هناك فروقا ظاهرة وواضحة وتباينا بين المجتمعات. فالمجتمعات ليست متماثلة أو متطابقة بشكل مطلق. ويعود ذلك لاختلاف العادات والتقاليد واختلاف العقائد بين المجتمعات، فليس من الحكمة ألا يدرك المؤرخ هذه الفروق.
ويري ابن خلدون أن الدول تقوم على أربع دعائم رئيسية: وهي العصبية والفضيلة والدين وضعف دولة سابقة عن الدولة الناشئة. فالعصبية عند ابن خلدون أساس القوة التي ينتج عنها تغلب فئة على فئة ثم يبرز منها رئيس يحكم الغالب والمغلوب، حيث تلعب العصبية دورا كبيرا في أن يبسط الرئيس سطوته نفوذه من خلال تبعية افراد القبيلة وولائهم ويري ان القبيلة ذات العصبية هي وحدها القادرة على الغزو والسيطرة والتملك. ولا بد أن تصاحب العصبية الفضيلة وتلازمها فهو يري أن العصبية والفضيلة تحافظان على قوة القبيلة ولابد لهما من عامل ثالث إما الدين وإما السياسة لكي تحافظ الدولة الناشئة على مكتسباتها وتوجهاتها نحو منفعة حقيقية لها. ويرى ابن خلدون أن أثر الفاتح في المغلوب يضعف ويكاد أن يزول بعد الفتح ويبدأ الغالب يتأثر تأثرا كبيرا بالمغلوب وثقافته.
ويلخص ابن خلدون أسباب سقوط الدول أولا في الظلم حيث كتب فصلا في كتابه بعنوان “الظلم مؤذن بخراب العمران ” خاصة إذا ارتكبت المعاصي من قبل النافذين في الدولة ولم تستطع يد القانون ان تطالهم ولم يستطع قضاء الدولة ان يحاسبهم. وكانت الشيخوخة التي تصيب الدولة هي السبب الثاني لسقوط الدول حيث شبه ابن خلدون الدولة بالإنسان في مشوار حياته.. طفولة فشباب وفتوة، ثم كهولة وشيخوخة، وكان يري أن الدول لا يطول بقائها أكثر من ثلاثة أجيال. فالدولة في شيخوختها لا يمكنها الاستجابة أو التصدي للتحديات التي تواجهها مما يؤدي لقتل الدولة وروحها الإبداعية. ويضيف ابن خلدون سببا ثالثا لسقوط الدول وهو سوء اختيار الأعوان فطبقة الأعوان الفاسدة تصبح حاجزا كبيرا بين الحاكم وشعبه ويحجبون الرؤية الحقيقية للحاكم في طريقة إدارة الدولة، مما يؤدي بالنهاية الي انهيار المسؤولية الفردية لدي قطاع واسع من مسؤولي الدولة، وهو السبب الرابع لانهيار الدولة عند ابن خلدون.
لقد سبق ابن خلدون كل علماء عصره في العالم العربي والغربي سواء في العصور الوسطى او العصر الحديث في وضع أسس علم الاجتماع وعلم فلسفة التاريخ واستطاع ان يفتح المجال أمام الباحثين حول ما يجعل من حوادث التاريخ مصدرا للاستنباط والاستنتاج الذي يعتمد عليه العالم الاجتماعي.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى