قراءة في توظيف القوة الذكية في السياسات الخارجية للقوى المتوسطة الصاعدة

توظيف القوة الذكية في السياسات الخارجية للقوى المتوسطة الصاعدة

د.صدفة محمد محمود

باحثة متخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية شهد النظام الدولي خلال مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة تغيرات جوهرية، تعلق بعضها بينية النظام الدولي وهيكله الأساسي، على نحو أبرز الحاجة إلى دراسة السياسات الخارجية للدول الصغيرة ومتوسطة القوة. وتعلق البعض الآخر بالقضايا والعمليات والتفاعلات الحادثة في النظام الدولي، وما ارتبط بذلك من تغير في أدوات ومصادر قوة الدولة، وتصاعد الحديث عن تراجع أهمية القوة الصلبة (القوة العسكرية والاقتصادية)، مقابل صعود الاهتمام بدراسة مصادر القوة الناعمة للدول الثقافة، القيم، والسياسات)، وما أعقب ذلك من بروز الحديث عن استراتيجية متكاملة للسياسة الخارجية للدول، قوامها الأساسي الجمع بين القوة الصلبة والناعمة، للتغلب على أوجه القصور والصعوبات الناتجة عن الاستخدام المنفرد لأي منهما، فيما يعرف ب “القوة الذكية”. بناء على ذلك، تسعى الدراسة إلى تحليل مصادر القوة الذكية لمجموعة من القوى المتوسطة الصاعدة، وهي: تركيا، إيران، جنوب أفريقيا، والبرازيل، بهدف تحليل كيفية توظيف تلك القوى المصادر قوتها الذكية في إطارها سياستها الخارجية تجاه نظمها الإقليمية الشرق الأوسط، أفريقيا، وأمريكا الجنوبية). وذلك في محاولة الدراسة تأثير طبيعة مصادر القوة الذكية، وأهداف السياسة الخارجية، وكذلك خصوصية النظام الإقليمي المطبقة فيه، على مدى نجاح دبلوماسية القوة الذكية القوي المتوسطة الصاعدة محل الدراسة. أولا: استخدامات القوى المتوسطة الصاعدة لدبلوماسية القوة الذكية برز مفهوم القوة الذكية بشكل أساسي في السياق الأمريكي، حيث طرحه جوزيف ناي عام ۲۰۰۳ في إطار الحديث عن تراجع القوة الأمريكية في العالم، في ظل صعود بعض القوى المتوسطة التي تسعى إلى تبوؤ مكائنة محورية على الساحة الدولية. وبرز المفهوم كذلك في إطار الحاجة لاستعادة الولايات المتحدة لمكانتها الدولية من خلال الاعتماد على مصادر قوتها الناعمة والصلبة في إطار استراتيجية نكية للسياسة الخارجية دون الاكتفاء باستخدام مصدر واحد لقوتها دون غيره، خاصة مع الفشل في توظيف القوة العسكرية الأمريكية في أفغانستان والعراق. وتتباين استخدامات القوى الكبرى والمتوسطة الصاعدة لمصادر وأدوات القوة الذكية؛ فالأولى تستخدم القوة الذكية بهدف التغلب على القيود المتعلقة باستخدام القوة الصلبة وتحديدا العسكرية

ارتفاع تكلفة استخدامها ونفور الرأي العام من فكرة الحروب)، ولمواجهة انتشار القوة في النظام الدولي بين عدد من الفاعلين من الدول وغير الدول. ونظرا لأن القوى الكبرى لديها اهتمامات وتطلعات وكذلك أجندة عالمية واسعة، فإنها تستخدم القوة الذكية التأكيد مكانتها الدولية المتميزة. على الجانب الآخر، تلجأ القوى المتوسطة الصاعدة إلى استخدام القوة الذكية لتحقيق أهداف عدة، منها: مواجهة التهديدات الأمنية الفعلية والمنصورة للدولة في صورتها التقليدية وغير التقليدية، وتعويض التقاوت في مصادر قوتها الصلبة مقارنة بالقوة المهيمنة والقوى الكبرى، ومواجهة حضور تلك القوى في النظام الإقليمي للقوة المتوسطة الصاعدة، وذلك من خلال تبني ما يعرف باستراتيجية “التوازن المرن”. وكذلك الحصول على دعم إقليمي ودولي لأهداف سیاستها الخارجية، وترسيخ مكانتها ونفوذها كقوة إقليمية في مواجهة بعض القوى الثانوية المعارضة القيادتها للإقليم. ثانيا: مصادر القوة الذكية للقوى المتوسطة الصاعدة محل الدراسة تمتلك الدول محل الدراسة وفرة في مصادر القوة الصلبة والناعمة، وإن كانت تتفاوت فيما بينها في حجم ونوعية هذه المصادر، فعلى مستوى القوة الصلبة في بعدها الاقتصادي، تعد كل من البرازيل وتركيا أكبر قوتين اقتصاديتين في محيطهما الإقليمي (وفقا لبيانات البنك الدولي لحجم الناتج المحلي الإجمالي عام ۲۰۱٦)، كما أن البرازيل هي صاحبة ثامن أقوى اقتصاد على مستوى العالم، وهي دولة قارة بمعايير المساحة والسكان (خامس أكبر دولة على مستوى العالم). أما جنوب أفريقيا فهي ثاني قوة اقتصادية في أفريقيا جنوب الصحراء بعد نيجيريا، ولدى إيران ثالث أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط وفيما يتعلق بمصادر القوة الصلبة في بعدها العسكري، فإنه يتضح من ترتيب جيوش القوى المتوسطة الصاعدة محل الدراسة وفقا لموقع جلوبال فایر باور لعام ۲۰۱۷، أن لدي تركيا أقوى

جيش على مستوى الشرق الأوسط، والثامن عالميا. كما أن البرازيل صاحبة أقوى جيش في أمريكا الجنوبية، والسابع عشر عالميا. ولدی ایران رابع أكبر جيش في الشرق الأوسط، والحادي والعشرين عالميا، أما جنوب أفريقيا فلديها خامس أقوى جيش على مستوى القارة الأفريقية، والسادس وأربعين عالميا. وبالنسبة للقوة الناعمة للدول الأربع محل الدراسة، فقد جاءت البرازيل وتركيا في المركز التاسع والعشرين والثلاثين على التوالي في مؤشر القوة الناعمة ۲۰) الصادر عن مركز الدبلوماسية العامة وشركة بورتلاند عام ۲۰۱۷، والذي يرتب أفضل ثلاثين دولة على مستوى العالم في مجال امتلاك القوة الناعمة وفقا لمؤشرات موضوعية وغير موضوعية، بينما لم ترد جنوب أفريقيا وإيران ضمن هذا المؤشر. ووظفت بعض الدول محل الدراسة عضويتها في المنظمات الإقليمية والدولية كمصدر من مصادر قوتها الناعمة. وتعد البرازيل أكثر الدول الأربع شغلا لمقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي (حوالي عشر مرات). تليها تركيا التي شغلت هذا المقعد حوالي أربع مرات، فحين شغلت جنوب أفريقيا مقعد غير دائم في مجلس الأمن مرتين، بينما شغلته إيران مرة واحدة فقط. كما أن كل من البرازيل وتركيا وجنوب أفريقيا من الدول الأعضاء في مجموعة العشرين. وتعد البرازيل وجنوب أفريقيا الدولتين الوحيدتين – محل الدراسة – الأعضاء في تجمع البريكس الذي يضم كذلك الصين وروسيا، كما أن البرازيل وجنوب أفريقيا بالإضافة إلى الهند أعضاء في منتدى إيسا للحوار. وكانت جنوب أفريقيا والبرازيل أكثر الدول محل الدراسة مشاركة بأفراد من قوات الجيش والشرطة والخبراء العسكريين في بعثات ومهام حفظ السلام الدولية. وتعد المساعدات الإنمائية واتفاقيات التعاون الفني أداة مهمة من أدوات القوة الناعمة للبرازيل وتركيا على وجه الخصوص. كما استثمرت كل من البرازيل وجنوب أفريقيا استضافتهما لبعض الفاعليات الرياضية الدولية الكبرى لتعزيز مكانتهما الدولية، فضلا عن توظيف الدول الأربع للدبلوماسية الثقافية والشعبية لخدمة تحركاتها الخارجية. ثالثا: السياق الإقليمي لتوظيف القوة الذكية في السياسة الخارجية للقوى المتوسطة الصاعدة

تفرض التحولات والتغيرات المتلاحقة إلى جانب التحديات النابعة من البيئتين الإقليمية والدولية، قيودا على الدول في مجال استخدامات وتطبيقات مصادر قوتها الصلبة والناعمة، كما تتيح لها في ذات الوقت، بعض الفرص حال نجاحها في توظيف مصادر قوتها بشكل ذكي على نحو يحقق مصالحها القومية في المحيطين الإقليمي والدولي. ويشهد إقليم الشرق الأوسط حالة من السيولة السياسية والأمنية، وغلبة الصراعات المسلحة داخل وبين دول الإقليم، وانتشار الإرهاب وتصات دور الفاعلين المسلحين من غير الدول. علاوة على التدخلات العسكرية الخارجية المتكررة في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وكذلك الحالة الراهنة من تفكك وانهيار وفشل بعض الدول القومية، إلى جانب التنافس الشديد بين بعض القوى الإقليمية لفرض هيمنتها ونفوذها داخل الإقليم. وقد دفعت مثل هذه التحديات إيران وتركيا إلى توظيف قوتها الذكية للتعامل معها، إذ فرضت التهديدات المتلاحقة للأمن القومي بل ولبقاء الدولة القومية التركية ضرورة اللجوء الاستخدام الأداء العسكرية بشكل مباشر أو عبر وكلاء لها في المنطقة، مع الاهتمام في نفس الوقت وإن كان بدرجة أقل بتوظيف مصادر قوتها الناعمة

التحقيق حلمها في استعادة أمجاد الامبراطورية العثمانية وتعزيز نفوذها الإقليمي. على الجائب الآخر، فرضت أهداف السياسة الخارجية الإيرانية وطبيعة التحديات التي تواجهها، ضرورة توظيف مصادر قوتها الذكية في إطار تحركاتها الخارجية، خاصة أن إيران لديها أهداف أيديولوجية مذهبية تفرض القوة الناعمة وأدواتها، كما أن أهدافها التوسعية الأمبراطورية تفرض الحاجة إلى أدوات القوة الصلبة.

أما القارة الأفريقية فإنها تشهد عدد كبير من الأزمات والتحديات الأمنية التقليدية، ومن بينها: انهيار النظم الديمقراطية والانقلابات العسكرية المتكررة، كذلك انتشار الصراعات المسلحة والحروب الأهلية بين وداخل العديد من الدول. إلى جانب انتشار مهددات الأمن الإنساني وخاصة الفقر والأمراض، وجميعها عوامل نفعت جنوب أفريقيا إلى توظيف قوتها الذكية من خلال المزج بين عناصر قوتها الصلبة خاصة الاقتصادية وكذلك قوتها الناعمة لترسيخ مكانتها الإقليمية، مع التردد في استخدام القوة المسلحة بشكل مباشر برغم ضخامة التحديات والأزمات بالقارة الأفريقية، لأسباب عدة أبرزها: محاولة التغلب على الميراث التاريخي السلبي للتدخل العسكري في القارة الأفريقية خلال حكم النظام العنصري الجنوب أفريقيا، كما جاء التردد في التدخل عسكريا لحل الأزمات ببعض دول القارة الأفريقية استجابة لضغوط داخلية من بينها، تفاقم الأزمة الاقتصادية على نحو أضعف من قدرتها على المشاركة عسكريا لمواجهة أزمات القارة، فضلا عن موقف الرأي العام المعارض التدخل العسكري خاصة مع مقتل 14 جنديا عقب التدخل لمواجهة أعمال العنف في جمهورية أفريقيا الوسطى في مارس ۲۰۱۳. وفيما يتعلق بأمريكا الجنوبية، فإنها أصبحت منذ انتهاء الحرب الباردة واحدة من أكثر أقاليم العالم سلمية، حيث يعود تاريخ أخر مواجهة مسلحة وقعت بين دولتين في المنطقة (الإكوادور وبيرو) إلى عام 1995، كما أصبح خطر اللجوء الاستخدام دول الإقليم القوة المسلحة أو نشوب حروب بينها وكذلك الحاجة لاستخدام القوة ردا على تهديدات عسكرية خارجية من الأمور المستبعدة. وفي ظل الاستقرار الأمني والسياسي التسبي في أمريكا الجنوبية، وغياب التهديدات الحقيقية لأمنها القومي من قبل قوى خارجية، لم تضطر البرازيل إلى استخدام القوة العسكرية مباشرة داخل الإقليم، وعملت على توظيف قوتها الناعمة إلى جانب قوتها الصلبة خاصة الاقتصادية في تعزيز مكانتها الإقليمية والتصدي للتحديات الأمنية غير التقليدية وخاصة تهريب المخدرات والإرهاب وانتشار الجريمة المنظمة.

رابعا: تجليات توظيف أدوات القوة الذكية في السياسات الإقليمية للقوى المتوسطة الصاعدة تحدد طبيعة البيئة الإقليمية التي تمارس فيها الدولة سياستها الخارجية وكذلك طبيعة التفاعلات والعمليات القائمة فيها، إلى حد كبير أي من مصادر القوة ملائم للاستخدام، الأمر الذي يفسر أسباب النجاح في توظيف مصادر القوة الذكية في نظام إقليمي وفشلها في نظام إقليمي آخر،

على نحو يشير إلى أن استخدام القوة الذكية ما هو إلا انعكاس الخصوصية الحالات التي تطبق فيها، وهو ما يتضح فيما يلي. 1- تركيا حرصت أنقرة قبل اندلاع ثورات الربيع العربي على توظيف أدوات القوة الصلبة خاصة الاقتصادية منها لتدعيم علاقاتها مع الدول العربية، من خلال تشجيع حركة السياحة والتبادل التجاري والاستثمارات المشتركة. كما اعتمدت على المشترك الثقافي الديني السني، وكذلك الأدوات الإعلامية والثقافية وخاصة المسلسلات والأفلام. إلى جانب تقديم المساعدات الإنسانية الفلسطينيين ومعارضة الموقف الإسرائيلي منهم، ولعب دور الوسيط في المنازعات الإقليمية، وجميعها أدوات ساهمت في زيادة الإعجاب الرسمي والشعبي العربي بالنموذج التركي ودورها في المنطقة في ظل اتباعها سياسة تصفير المشكلات” مع دول الجوار، وتقديم نفسها كنموذج للإسلام المعتدل الذي يجمع بين مبادئ الحكم الديمقراطي والمرجعية الإسلامية، والجسر الذي يربط بين الشرق والغرب.

ووجدت أنقرة في اندلاع ثورات الربيع العربي فرصة جيدة لتعزيز مكانتها الإقليمية، وذلك من خلال التعويل على قيام الحكومات التي تولت السلطة عقب تلك الثورات بتبني النموذج السياسي التركي في الحكم، إلا أن عزوف حكومات دول المنطقة عن تلبي النموذج التركي أفضى إلى توتر العلاقات مع العديد منها. وفي هذا الإطار، سعت تركيا لتوظيف قوتها الذكية لتحقيق أهدافها الإقليمية وذلك بالتحول من استراتيجية تصفير المشكلات” مع دول الجوار إلى تبني شراكات تكتيكية انتقائية مع بعض القوي الفاعلية إقليميا ودوليا مثل إيران وروسيا. كما برز التوظيف الذكي لقوة تركيا في تحول موقفها في سوريا، من المطالبة بإسقاط نظام بشار الأسد الذي وصفه أردوغان بأنه “إرهابي ليس له مكان على طاولة المفاوضات”، إلى الدفاع عن دولة سورية موحدة في مواجهة حركة التمرد القومية وخاصة الكردية ممثلة في قوات سوريا الديمقراطية وحزب الاتحاد الديمقراطي.

وفي ظل حكم حزب العدالة والتنمية عملت تركيا على استخدام قوتها الناعمة في إطار تحركائها الخارجية وذلك باستغلال أدوائها الإعلامية للترويج والدفاع عن تحركاتها في المنطقة، مع التأكيد في ذات الوقت على قوتها العسكرية (زيع قوة عسكرية داخل حلف الناتو في عام ۲۰۱۷) كأداة التحقيق أهداف سياستها الخارجية. وقد اتضحت أهمية توظيف القوة الذكية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية التركية في (رؤية تركيا ۲۰۲۳)، التي حددها الرئيس التركي، والتي جمعت في أهداف سياستها الخارجية التي تسعى لتحقيقها بحلول عام ۲۰۲۳، ما بين أهمية القوة الصلبة ممثلة في القوة الاقتصادية (أن تصبح ضمن أقوى عشر اقتصادات حول العالم بحلول عام

۲۰۲۳) إلى جانب قوتها الناعمة متمثلة في السعي لتحقيق التكامل الإقليمي عن طريق التعاون الفني والاقتصادي، ولعب دور أساسي في حل النزاعات والخلافات الإقليمية والعالمية. ويمكن تفسير لجوء تركيا لاستخدام أدوات القوة الصلبة خاصية العسكرية بهدف إيجاد صيغة من التوازن بعد اتضاح قصور الاعتماد على القوة الناعمة فقط في ظل تدهور الأوضاع في دول المنطقة، وكذلك لمواكبة التحركات الإقليمية والدولية والحد من تأيراتها السلبية على النفوذ الإقليمي التركي خاصة مع اعتماد لاعبين منافسين لها على أدوات القوة الصلبة مثل إيران التحقيق مصالحهم في المنطقة، وفي ظل الخلاف في الرؤى مع واشنطن.

في هذا الإطار، تدخلت تركيا عسكريا في عدد من دول المنطقة منها: سوريا والعراق وليبيا ، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق وكلاء لها. وبهدف حماية أمنها القومي، ومقاومة التهديدات الوجودية لكيانها السياسي مع اقتراب الخطر من حدودها من جانب حزب العمال الكردستاني وتنظيم داعش مع وقوع عدة عمليات إرهابية على أراضيها، تدخلت القوات العسكرية التركية في سوريا، كما قدمت الدعم اللوجيستي لعدد من الجماعات المسلحة هناك للحرب بالوكالة عنها.

في السياق ذاته، برز توظيف قوتها الناعمة، من خلال الترويج لكونها أكبر دولة مستضيفة اللاجئين حول العالم بحوالي ۲٫۹ مليون لاجئ معظمهم من سوريا، وفقا لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. كما وظف الدين في الخطب الرئاسية ل رجب

طيب أردوغان” كأداة لسياستها الخارجية في المنطقة، ومن ذلك دعوة أردوغان المواطنين الأتراك للذهاب إلى المساجد وتلاوة سورة الفتح من أجل تحقيق القوات التركية النصر في العملية العسكرية “غصن الزيتون” في منطقة عفرين بشمال غرب سوريا. ومستخدما شعار نصرة الأبرياء المسلمين”، دافع أردوغان عن دعمه لجماعة الإخوان المسلمين وتسليحه للجهاديين وتدريبه لهم وتسهيل دخولهم سوريا عبر الأراضي التركية، وذلك للتغطية على حقيقة أطماعه الإستعمارية بالمنطقة.

وتدخلت تركيا عسكريا في العراق لمنع إقامة دولة كردية نظرا لوجود أكبر عدد من الأكراد في المنطقة على أراضيها، ومحاولة موازنة النفوذ الإيراني في العراق، إضافة إلى السعي لمنع داعش وحزب العمال الكردستاني من تنفيذ عمليات إرهابية داخلها. وفي السياق ذاته، أهتمت تركيا بتوظيف مكانتها بوصفها بلدا سنيا كبيرا يستهدف مواجهة الصراعات الطائفية المشتعلة في المنطقة، لتبرير دورها وتدخلها في أزمتي سوريا والعراق. في السياق ذاته، دعمت تركيا بعض الجماعات الإرهابية المسلحة في ليبيا، منها ذراع جماعة الإخوان المسلمين حزب العدالة والبناء والميليشيات التابعة له ومنها تنظيم “فجر ليبيا”، وقدمت لهم الأسلحة والمعدات العسكرية لمواجهة قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر”، مما يمثل نموذج ثالث لتوظيف الجماعات الإرهابية المسلحة لخوض حروب بالوكالة عن تركيا ، وتطويعها لتنفيذ أجندتها الخاصة هناك، على نحو يتشابه إلى حد كبير مع الاستراتيجية الإيرانية.

ووظفت تركيا قوتها الذكية في مواجهة واشنطن التي تشهد العلاقات معها قدرا كبيرا من التوتر، وهو ما تجلى في تقاربها مع روسيا والذي برز في مشاركتها في مفاوضات أستانة التي ترعاها موسكو، في مقابل مفاوضات جنيف التي تقودها واشنطن فضلا عن عقدها صفقة منظومة “إس 400” الدفاعية مع روسيا والتي قدرت قيمتها بحوالي ۲٫5 مليار دولار. وعملت أنقرة على توظيف مشاركتها في مفاوضات الأستانة الخاصة بسوريا والتي تركز على إنشاء مناطق تخفيض التصعيد والخطوط الآمنة، للتأكيد على دورها في تحسين الأوضاع الإنسانية للمدنيين، بينما سعت في الحقيقة إلى منع إقامة دولة كردية في الجنوب من حدودها.

وارتباطا بما سبق، سعت تركيا إلى توظيف الأزمة القطرية مع مصر وبعض دول الخليج من خلال الموافقة على إرسال قوة تركية إلى قطر والاعلان عن إنشاء قاعدة عسكرية هناك، حيث أعلنت أنقرة أن تلك الخطوة تأتي تنفيذا للاتفاقية الدفاعية الموقعة بين البلدين عام ۲۰۱4، بينما مثلت في الحقيقة فرصة تاريخية لتعزيز الوجود العسكري التركي داخل إحدى دول الخليج القاعدة العسكرية الأولى لتركيا في الشرق الأوسط)، عما يعزز من مكانتها كلاعب إقليمي، له دورا فعالا في منطقة الخليج العربي.

٢- إيران أوجد التدخل الأمريكي في العراق وسوريا الفرصة المناسبة لإيران التحدي الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، وكذلك لتعزيز نفوذها ومكانتها الإقليمية. وتلك من خلال تطبيق استراتيجية القوة الذكية على عدة مستويات، استنادا على أملاك العديد من مصادر القوة الصلبة والناعمة. فبجائب سعيها لتوظيف قوتها العسكرية والنووية ركزت طهران على الأبعاد الثقافية وقوة الدبلوماسية والاقتصاد الإيراني، وذلك في محاولة للقيام بما يمكن وصفه ب تنعيم قوتها الصلبة. وقد كشفت وثيقة (إيران في أفق ۲۰۲۰) التي صدق عليها المرشد الأعلى علي خامنئي عام ۲۰۰۳. عن أهمية الأداة الاقتصادية لما لها من تأثير على القضايا الاجتماعية والشؤون الأخلاقية والمسائل الثقافية”. كما أكدت الوثيقة على ضرورة الاهتمام بتحقيق التقدم على دول المنطقة في الاقتصاد والقوة الدفاعية وكذلك في العلم والتقنية، على نحو يمزج بشكل كبير بين المصادر المختلفة لقوة الدولة الإيرانية في هذا الإطار، وفرت ثورات الربيع العربي فرصة ثمينة لإيران التأكيد مكانتها كزعيمة للإسلام الشيعي ومدافعة عن حقوق الشيعة داخل المجتمعات العربية على نحو جعلهم أكثر ولاء لإيران من حكومات بلادهم، خاصة مع قوة وديمومة الوعات العقائدية المذهبية. وفي ظل تشابكاتها الثقافية والسياسية والاجتماعية الكبيرة بالشيعة عبر دول الشرق الأوسط وخاصة منطقة الخليج العربي، عملت طهران على تأليب الأقليات الشيعية ضد الحكومات العربية في إطار مشروعها الثقافي المذهبي لتصدير الثورة الإسلامية، وذلك بهدف التأثير على مجريات الأمور داخل تلك الدول.

وفي ذات الوقت عمدت إيران إلى المزج بين أدوات القوة الناعمة والصلبة والعناصر الأيديولوجية المذهبية، وذلك بهدف ترسيخ مكانتها كمدافع عن الإسلام في ظل ما اعتبرته حالة من الضعف النسبي للحكومات السنية في الإقليم وعدم قدرتها على مواجهة النفوذ الغربي في المنطقة. وفي إطار محاولتها إظهار نفسها كزعيمة التيار المقاومة ضد التدخلات الأمريكية والغربية التي تحاول تقسيم دول المنطقة، دعمت ایران حركتي حماس والجهاد في فلسطين وكذلك حزب الله في لبنان للحرب بالوكالة ضد إسرائيل. ويمكن فهم قيام ایران بتقديم نفسها كزعيم للإسلام الشيعي، في إطار التنافس الإقليمي التاريخي مع السعودية. واستخدمت إيران أدواتها الإعلامية والثقافية المتمثلة في وسائل إعلامها ومراكزها الثقافية للترويج الأهدافها في المنطقة، ففي سوريا عملت على تبرير تدخلها بأنه يأتي في إطار حربها ضد محاولات القوى الغربية الإطاحة بنظام الأسد الساعي لمقاومة المخططات الأمريكية – الإسرائيلية

في المنطقة، وفي السياق ذاته، عملت الآلة الإعلامية الإيرانية على تصدير حادث إسقاط المقاتلة أف 16 الإسرائيلية فوق سوريا في فبراير ۲۰۱۸، للرأي العام العربي باعتباره يأتي في إطار الصراع الإسلامي – اليهودي، وذلك التغطية على حقيقة الصراع المذهبي الطائفي الذي تخوضه إيران ضد السنة في المنطقة. ووظفت طيران ظهور التنظيمات الإرهابية المسلحة ذات التوجه السني لتأكيد قدرتها كقوة إقليمية على مواجهة خطر الإرهاب الجهادي وخاصة تنظيم داعش بالعراق وسوريا، كما روجت إيران من خلال وسائل الإعلام التابعة لها بأن وجودها في سوريا والعراق وفلسطين ولبنان إنما يأتي برغبة وقبول حكومات تلك الدول

وكان من تجليات استخدامها للقوة الصلبة تمويلها وتسليحها للعناصر الشيعية مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن خاصة بعد سقوط نظام صالح، وتدخلها العسكري في كل من سوريا والعراق عبر وكلائها هناك ليقومون بالحرب بالوكالة عنها لتحقيق مصالحها في المنطقة.

واستغلت طهران استمرار وجود “بشار الأسد في السلطة بسوريا لممارسة نفوذها هناك، حيث حشمت المجموعات الشيعية من مختلف دول الشرق الأوسط لحماية نظام الأسد المدعوم من الطائفة العلوية الشيعية، وفي هذا السياق، جندت طهران أعدادا كبيرة من الشيعة الأفغان والباكستانيين للقتال في سوريا مما جعلها لاعبا رئيسيا هناك، كما قدمت لنظام الأسد الدعم المالي المباشر وكذلك الدعم اللوجيستي العسكري من جانب الحرس الثوري الإيراني في السياق ذاته، دعمت إيران الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة في العراق في حربها ضد تنظيم داعش وغيره من الجماعات المسلحة ذات التوجه السني وذلك من خلال إرسال الخبراء والمستشارين العسكريين والأسلحة لبغداد، كما قامت بتدريب المليشيات المسلحة الشيعية وخاصة مليشيات الحشد الشعبي للقتال ضد العراقيين السنة، مما مكنها من ترسيخ نفوذها في العراق. فضلا عن توظيف إيران برنامجها النووي في إطار مواجهتها مع الولايات المتحدة في المنطقة كمصدر لقوتها الصلبة والناعمة على حد سواء. فمن ناحية يمثل البرنامج النووي قوة ردع عسكري قوية لتجنب استهداف ایران عسكريا من قبل واشنطن. كما وظفت نجاحها في التوصل الاتفاق مع القوى الكبرى حول برنامجها النووي التأكيد مكانتها كقوة إقليمية تتمتع بدرجة عالية من البراجماتية والمرونة في التعامل مع القضايا ذات الأهمية الخاصة للأمن الدولي وليس باعتبارها دولة ذات توجهات أيديولوجية جامدة، كما أفسح لها الاتفاق المجال لفتح القنوات الدبلوماسية مع الغرب، تمهيدا لرفع العقوبات الاقتصادية عنها.

۳- جنوب أفريقيا سعت جنوب أفريقيا خلال مرحلة ما بعد نظام الفصل العنصري إلى التحول من دولة “عنصرية إلى أمة قوس قزح”، تعبيرا عن التعايش السلمي بين مختلف الجماعات الإثنية والعرقية بها. كما إنها تحولت من دولة “منبوذة إلى دولة تحظى بالقبول والاحترام ، ولها نفوذ قوي على المستويين الإقليمي والدولي، وتمثلت قوة جنوب أفريقيا الناعمة في ميراثها التاريخي ومصداقيتها النابعة من تحولها لدولة ديمقراطية منذ عام 1994، فضلا عما يعرف ب سلطتها الأخلاقية المتمثلة في رموزها الوطنية خاصة الزعيم الراحل نيلسون مانديلا، وسياستها الخارجية القائمة على احترام مبادئ حقوق الإنسان، وتميزت جنوب أفريقيا في تنفيذ استراتيجية القوة الذكية في القارة الأفريقية، بالدور المميز للجامعات، ومنظمات المجتمع المدني، والشركات والبنوك الجنوب أفريقية المنتشرة في مختلف أنحاء القارة. وكان من الواضح أن ثمة إدراك لأهمية القوة الذكية لتحقيق السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا، وهو اتضح في خطة التنمية الوطنية لجنوب أفريقيا لعام ۲۰۳۰، التي أكدت على ضرورة تعظيم الاستفادة من مصادر القوة الناعمة، وأهمية دور الشركات والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني في تعزيز المكانة الدولية لجنوب أفريقيا. كما شددت الوثيقة في الوقت نفسه على ضرورة العمل على تقوية القدرات الدفاعية للبلاد خاصة قوتها البحرية، وتوسيع نطاق التجارة والاستثمارات الجنوب أفريقية، مع التركيز بشكل خاص على تقوية مؤسسات التكامل الإقليمي خاصة الساكو والسادك، وتعميق التكامل مع دول تجمع البريكس. وفي هذا الإطار، استغلت بريتوريا قوتها الناعمة باعتبارها نموذج ناجح للتعايش السلمي والمصالحة الوطنية وتجربتها في تقاسم السلطة بين البيض والسود، لتطرح عدة مبادرات للوساطة وتسوية النزاعات والصراعات داخل وبين الدول الأفريقية جنوب الصحراء، ومنها: بروندي، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ليسوتو، جنوب السودان، زیمبابوي وغيرها. كما شاركت في ترتيبات تقاسم السلطة في كوت ديفوار، جزر القمر، السودان، زيمبابوي بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي وتجمع السادك وكذلك الأمم المتحدة. وعملت بريتوريا على توظيف مصادر قوتها الصلبة وخاصة العسكرية منها في القيام بدور نشط في قضايا السلم والأمن الأفريقي، وكذلك ترسيخ صورتها كحافظ السلام ومحقق للاستقرار في أفريقيا جنوب الصحراء، وفي هذا الإطار، ساهمت في تطوير منظومة الأمن الإقليمي، إن استضافت قمة الاتحاد الأفريقي في ديربان في يوليو ۲۰۰۲، والذي تم خلاله إقرار بروتوكول إنشاء مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد. فضلا عن مشاركتها في العديد من مهام حفظ السلام المختلطة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في أفريقيا جنوب الصحراء. ومن ناحية أخرى، سعت جنوب أفريقيا إلى توظيف قوتها الاقتصادية في إطار علاقاتها مع الدول الأفريقية، وذلك من خلال اتباع دبلوماسية اقتصادية قوامها تعزيز التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة مع دول القارة، ودعم جهود التنمية الاقتصادية والتكامل الاقتصادي الإقليمي، وذلك من خلال المساهمة في إنشاء “الاتحاد الجمركي للجنوب الأفريقي (ساكو)، وتجمع تنمية الجنوب الأفريقي (السادك). حيث تلعب دورا محوريا داخل هذين التجمعين وخاصة دورها في توسيع أجندة التجارة والأمن ضمن جدول أعمال السادك. وفي السياق ذاته، سعت جنوب أفريقيا إلى توظيف قوتها الذكية التغلب على التوتر في علاقاتها مع بعض القوى الإقليمية والثانوية المنافسة لها داخل القارة الأفريقية، وذلك من خلال العمل على إشراك تلك القوى في جهود التكامل الإقليمي، ومن ذلك التنسيق مع نيجيريا لإطلاق مبادرة الشراكة الجديدة من أجل التنمية في أفريقيا – نيباد”، وتحويل منظمة الوحدة الأفريقية إلى الاتحاد

وفي الوقت نفسه، نجحت جنوب أفريقيا من خلال توظيف قوتها الذكية في فرض رؤيتها الخاصة في بعض الأحيان التي تتعارض مع الرؤية الأفريقية، ومنذ ذلك إصرارها على تولي مرشحتها الگوسازانا دلامیني زوما” منصب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي في يونيو ۲۰۱۱، وذلك على الرغم من معارضة نيجيريا لهذا الترشح، حيث قادت حملة قوية لانتخاب مرشحتها، وقام الرئيس السابق “جاكوب زوما” بزيارة عدد من عواصم القارة الأفريقية لحشد أغلبية الثلاثين بالاتحاد الضمان الفوز بهذا المنصب. إضافة إلى ذلك، عملت بريتوريا على توظيف صورتها كدولة مدافعة عن مبادئ حقوق الإنسان بصورة نكية، وذلك لتعزيز مكانتها دوليا وإقليميا، فمن ناحية، قامت جنوب أفريقيا على الرغم من معارضة الاتحاد الأفريقي بالتصويت لصالح مشروع القرار الفرنسي البريطاني بمجلس الأمن الدولي رقم ۱۹۷۳ تجاه ليبيا في مارس ۲۰۱۱، والقاضي بإقامة منطقة حظر جوي فوق ليبيا، وهو القرار الذي اتخذ ذريعة لاستخدام القوة العسكرية من قبل الناتو في ليبيا. واستهدفت من هذا الموقف تأكيد دورها كمدافع عن حقوق الإنسان وقائد اللقارة الأفريقية في مجال تدعيم الديمقراطية، بالإضافة إلى تقوية علاقاتها مع القوى الغربية. ومن ناحية أخرى، اعلنت انسحابها من المحكمة الجنائية الدولية عقب الانتقادات التي وجهت إليها بسبب رفضها توقيف الرئيس السوداني عمر البشير” خلال مشاركته في قمة الاتحاد الأفريقي التي عقدت بجوهانسبرج عام ۲۰۱۰، حيث إنه ملاحق من قبل المحكمة الجنائية. وكان قرارها بالانسحاب رغم تأييدها السابق الاتفاقية روما المنشأة للمحكمة، محاولة من جانبها لكسب تأييد دول القارة الأفريقية التي كانت لديها تحفظات عديدة على عمل المحكمة الجنائية، حيث رأى الاتحاد الأفريقي في موقفها نوعا من الملاحقة على أساس عنصري، واتهمها بالعمل ضد القادة الأفارقة فقط، بينما تتجاهل المسؤولين عن ارتكاب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مناطق أخرى بالعالم، كما أكد هذا القرار موقف بريتوريا المطالب بدمقرطة المنظمات الدولية، والرافض لقيام المحكمة بممارسة

عدالة انتقائية وسياسية ضد الدول الأفريقية. 4 – البرازيل

تركزت أهداف السياسة الخارجية البرازيلية في تعزيز استقلالية القرار الخارجي وتحقيق التنمية الوطنية إلى جانب ترسيخ مكانتها كقوة كبرى في العالم، وفي نفس الوقت تأكيد زعامتها كقائد الأمريكا الجنوبية، ومن مصادر قوة البرازيل الناعمة في الإقليم أنها دولة مسالمة عاشت مع عشر دول مجاورة لها بدون الدخول في حروب لمدة تقرب من مائة وخمسين عاما وأنها اعتمدت على التفاوض لترسيم حدودها مع دول الجوار. فضلا عن تخليها طواعية عن سلاحها النووي بعد توقيعها على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية واتقاق الضمانات النووية الشاملة مع الأرجنتين، وفي هذا السياق، عملت البرازيل على توظيف قوتها الناعمة باعتبارها قوة إقليمية تعاونية في أمريكا الجنوبية، وقامت بطرح العديد من مبادرات التعاون الأمني الإقليمي، التي تعزز من دورها كمحقق للاستقرار الإقليمي من جانب، وكمقاوم للهيمنة الأمريكية على شؤون الإقليم من جانب آخر، حيث رأت في التكامل الإقليمي وسيلة لتحقيق الاستقلال الخارجي والتوازن الناعم مع الولايات المتحدة ومواجهة نفوذها في الإقليم.

ونظرا لنجاح نموذجها الاقتصادي القائم على الدمج ما بين السياسات الاقتصادية الليبرالية والاهتمام بالبعد الاجتماعي في عملية التنمية، فكانت نموذج جذاب لدول الإقليم خاصة مع مساعداتها الفنية والتنموية لتلك الدول، حيث خصصت ۳۸ بالمائة من مساعداتها الإنمائية لدول أمريكا الجنوبية عام ۲۰۱۰، كما قامت بتخفيف أعباء الديون أو إسقاطها عن الدول الأكثر مديونية في أمريكا الجنوبية، على نحو عساهم في تعزيز صورتها كفاعل تنموي صاعد. واهتمت البرازيل بتوظيف قوتها الاقتصادية في تيتي دبلوماسية اقتصادية في المنطقة، تهدف إلى دفع جهود التكامل الاقتصادي الإقليمي من خلال إنشاء تجمع الميركسور (السوق المشتركة اللجنوب)، وطرح مبادرة تكامل البنية التحتية الإقليمية لأمريكا الجنوبية. وعلى الرغم من محاولة البرازيل إبداء رغبتها الكبيرة في تدعيم التكامل الاقتصادي الإقليمي، فإن ذلك عاد بالفائدة الكبيرة الصالح الاقتصاد البرازيلي، إذ إنها حرصت على تولي العديد من الشركات البرازيلية مسؤولية تشييد واقامة مشروعات البنية التحتية وبرز التوظيف الذكي لقوة البرازيل في مواجهة النفوذ الاقتصادي الأمريكي في القارة الكينية، في قيامها بتشكيل تكتل من بعض دول أمريكا الحينية وخاصة فنزويلا، الأرجنتين، وبوليفياء الرفض المقترح الأمريكي بإنشاء منطقة التجارة الحرة للأمريكيين الذي طرحته واشنطن بقمة الأمريكيين في ميامي عام 1994، مما أدى في نهاية المطاف إلى تجميد المفاوضات حول الاتفاقية منذ عام ۲۰۰4. وعملت البرازيل على تخفيف حدة التوتر في علاقاتها الثنائية مع بعض القوى المنافسة لها في الإقليم وتحديدا الأرجنتين وفنزويلا من خلال إتباع ما يمكن وصفه ب “الهيمنة التوافقية”، وتشجيع دول الإقليم على حل خلافاتها من خلال المؤسسات الإقليمية، وتعزيز علاقات الاعتماد الاقتصادي المتبادل، والدخول في شراكات وتحالفات مع دول الإقليم على المستويين الثنائي والإقليمي، حيث تعاونت مع الأرجنتين في إنشاء تجمع الميركسور، وكان إنشاء تجمع الميلاك نتاج تعاون برازيلي فنزويلي مشترك. وعلى الرغم من تفوق البرازيل الاقتصادي والعسكري الكبير على جيرانها في الإقليم فإنها فضلت عدم اللجوء للقوة الصلبة لحل خلافاتها مع الدول الأضعف في المنطقة. وفي هذا الإطار، لم تقم بفرض عقوبات اقتصادية على بوليفيا على سبيل المثال عقب قرار الرئيس البوليفي “إيفو موراليس”، تأميم احتياطي بلاده من الغاز الطبيعي عام ۲۰۰6، بما في ذلك تأميم شركة بتروبراس البرازيلية العاملة في بوليفيا. وقد تقبل الرئيس البرازيلي الأسبق لولا دا سيلفا” هذا القرار، وذلك لتجنب أي تصعيد في الخلاف بين البلدين، قد يدفع موراليس لتأييد مشروع تحالف البديل البوليفاري للأمريكيين، الذي طرحه الرئيس الفنزويلي الراحل “هوجو شافيز” عام ۲۰۰4. وكان من صور توظيف البرازيل قوتها الذكية رفضها الدخول في صدام مباشر مع كولومبيا عقب قرارها عام ۲۰۰۹، السماح لواشنطن باستخدام سيع قواعد عسكرية جوية وبحرية وبرية فوق أراضيها، فعلى الرغم من إعراب البرازيل بشكل صريح عن قلق دول المنطقة من وجود

عسكري أمريكي يفوق من حيث إمكانياته، أهداف وحاجات كولومبيا، ورفضها المستمر لأي وجود عسكري أمريكي على أراضي دول المنطقة. فقد عملت على نقل هذا الصدام مع كولومبيا إلى قمة تجمع أوناسور خلال نفس العام، حيث تم الاتفاق على احترام السيادة الوطنية لكولومبيا، مع التأكيد في نفس الوقت على ضرورة ألا يكون وجود قواعد عسكرية أجنبية مهددا لسيادة أية دولة في أمريكا الجنوبية، وقررت الدول الأعضاء في الأوناسور تعزيز أمريكا الجنوبية ك “منطقة سلام. وعلى الرغم من اعتمادها على القوة الناعمة في علاقتها بدول الإقليم، فإنها اهتمت كذلك بتعزيز قوتها الصلبة وخاصة العسكرية، من خلال تبني سياسة دفاعية قوية قوامها تحديث القوات المسلحة وقوات الردع لديها خاصة بناء غواصات محركات نووية على نحو يتناسب مع مسؤولياتها في منطقة جنوب المحيط الأطلنطي. واستهداف البرازيل من تحديث قوتها المسلحة مواجهة التحديات التقليدية وغير التقليدية لأمنها القومي، وحماية ثرواتها الطبيعية الوفيرة. كما استهدفت تعزيز صورتها الدولية كدولة قادرة على المشاركة في قضايا الأمن العسكري الإقليمي والعالمي، كما ارتبط ذلك بالرغبة في تحقيق الاستقرار الإقليمي، باعتباره شرطا ضروريا لتحقيق مصالحها وأهدافها السياسية والاقتصادية في الإقليم. علاوة على الرغبة البرازيلية في مواجهة المحاولات الأمريكية لتعزيز نفوذها ووجودها العسكري في الإقليم، الأمر الذي دفعها للقيام بدور المحقق للاستقرار الإقليمي من خلال قيادة بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في هايتي (منذ

عام ۲۰۰4)، فضلا عن تدخلها للوساطة في بعض الأزمات السياسية والديمقراطية التي شهدتها دول الإقليم. وكان من مظاهر قوة البرازيل الذكية أنه بالرغم من سعيها لتعزيز قوتها العسكرية وتحديثها إلا أنها حرصت على أن يكون ذلك بالتعاون والتنسيق بين جيرانها في الإقليم، سواء على المستوى الثنائي أو الجماعي من خلال مجلس دفاع أمريكا الجنوبية. وعلى الرغم من سعيها إلى ما يمكن وصفه ب “تفسية قوتها الناعمة”، فإنها ظلت ملتزمة بالتعاون والتسوية السلمية المنازعات والخلافات بين دول الإقليم. خامسا: تقييم فاعلية توظيف القوة الذكية في السياسات الخارجية للقوى المتوسطة الصاعدة من خلال استعراض تجليات وصور توظيف القوى الأربع محل الدراسة لمصادر قوتها الذكية، يمكن القول أن اعتماد تركيا على دبلوماسية القوة الذكية لم يسهم بشكل كبير في تحقيق أهداف سياستها الخارجية بالمنطقة، إذ تراجع نفوذها تسيا في عدد من الملفات الإقليمية المهمة، كما خسرت العديد من حلفائها في الإقليم بتخليها عن استراتيجية تصفير المشكلات مع دول الجوار، واتباعها ما يمكن وصفه ب “لا جيران من دون مشكلات أو البراجماتية الساخطة ،

علاوة على فشلها في حماية الداخل التركي من الصراعات التي تعصف بدول المنطقة. في المقابل، أثبت توظيف إيران قوتها الذكية نجاحا في ترسيخ تقودها وحضورها الإقليمي، وتعزيز قدرتها على إدارة عدد من الملفات والأزمات الإقليمية وفقا لرؤيتها الخاصة. كما نجحت في الإبقاء على حلفائها فلم يسقط بشار الأسد في سوريا، وهناك التحالف الشيعي الحاكم في العراق، كما أنها حافظت على نفوذ وکلاها مثل جماعة حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن الخدمة طموحاتها التوسعية في الشرق الأوسط. كما نجحت في حماية أمنها القومي وتجنبت

خوض صراعات على أراضيها حيث تصدت للمظاهرات الاحتجاجية التي اندلعت في ديسمبر الماضي، بل ونجحت في نقل الصراعات السياسية والعسكرية إلى مناطق أخرى خارج حدودها. بالنسبة لجنوب أفريقيا، فإنها نجحت من خلال توظيف أدوات قوتها الذكية في لعب دورا كبيرا في تمثيل القارة عالميا أكثر من لعب دور القائد أو المهيمن الإقليمي، في ظل عدم قبول عدد كبير من دول القارة لقيادتها المزعومة. ويعود ذلك إلى عدم قيامها بالدور المأمول في العديد من الأزمات الأفريقية وفشل ما أسمته ب “الدبلوماسية الهادئة في تعاملها مع بعض الأزمات بدول المنطقة ومنها زيمبابوي، فضلا عن مواقفها تجاه عدد من القضايا الإقليمية والدولية والتي جاءت في أحيان كثيرة متناقضة مع مواقف عموم الدول الأفريقية والاتحاد الأفريقي. إلى جانب تراجع قوتها الناعمة وسمعتها الدولية، في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعاني منها، وارتفاع معدلات التفاوت الاجتماعي والفساد والعنف وانتشار موجة كراهية الأجانب والمهاجرين. وكذلك تراجع مصادر قوتها الصلبة خاصة الاقتصادية مع تقوق الاقتصاد النيجيري عليها كأكبر اقتصاد في أفريقيا لعام ۲۰۱۷، على نحو قد يعرقل من قدرتها على القيام بمسؤولياتها كقوة إقليمية. | وبالمثل، سعت البرازيل لتوظيف قوتها الذكية لتعزيز قدرتها على التحرك المستقل في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك تدعيم مكانتها كقائد إقليمي. وعلى الرغم من تمتعها بالتفوق الإقليمي بمعايير القوة الصلبة، فإنها تتمتع بزعامة إقليمية منقوصة ولا تتمتع بالشرعية الإقليمية الكافية للقيام بدور القائد الإقليمي في ظل الانتقادات الموجهة لها من قبل بعض القوى الثانوية في الإقليم، بالسعي للعب دور القائد الإقليمي دون تحمل الالتزامات والمسؤوليات المطلوبة. وهو ما انعكس في معارضة بعض دول أمريكا الجنوبية تولي شخصيات برازيلية مناصب قيادية داخل بعض المؤسسات الدولية. كذلك معارضة الأرجنتين وكولومبيا والمكسيك وفنزويلا الطموح البرازيلي لشغل مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button