قراءة في مذكرات المجاهد والدبلوماسي الجزائري رابح مشحود

(الجزء الخامس)

محمد عبدالرحمن عريف

      هي بدايات وجب علينا ذكرها في مطلع كل جزء من هذه (الأجزاء الخمسة).. حيث أن هذه البدايات حضرت مع مجاهد شرفت بمرافقته لمرتين، الأولى خلال الملتقى الدولي الحادي عشرة حول تاريخ الثورة الجزائرية الذي وسمت طبعته بعنوان: (الحركة الطلابية الجزائرية والمسألة الوطنية) الذي نظم من قبل كلية العلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية بجامعة 20 أوت 1955، حيث تزامن مع إحياء ذكرى عيد الطالب في 19 (أيار/ مايو)- ماي، ذلك بدعوة من أستاذ/ أحمد منغور، والمرة الثانية أيضًا بسكيكدة، وذات الكلية العلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية، في الملتقى الدولي الثاني عشر حول تاريخ الثورة التحريرية الجزائرية “الحركة العمالية والمسألة الوطنية في الجزائر خلال المرحلة الاستعمارية” يومي 29/30 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، حيث جمعنا فندق واحد على شاطئ المتوسط بسكيكدة.

نعم هو شيخ في التسعينات من العمر، شباب يرتجل العربية بلسان فصيح، يقف شامخًا كشباب العشرينات، لا يزال يحمل ذاكرة قوية وعقلًا راجحًا متزنًا، أيضًا ما يزال خزانه الثقافي ينضب بمعين المعرفة بشكل موسوعي، يتذكر بدقة عالية كل تفاصيل نضاله السياسي والدبلوماسي والاستخباراتي في صفوف الثورة التحريرية الجزائرية، ما منحه قدرة عالية جدًا على التواصل والتحليل وتوجيه الخطاب. انتماؤه إلى عائلة ريفية عالمة، وكذلك حفظه للقرآن الكريم في سن التاسعة، يضاف لكل ما سبق تكوينه الزيتوني الذي سمح له بتحصيل ثقافة إسلامية عالية. إنه المجاهد ورجل المخابرات الجزائرية في المشرق والدبلوماسي الأسبق الجزائري حتى النخاع رابح مشحود نناديه دائمًا (عمي رابح).

    يتحدث المناضل في هذا الجزء الأخير من بين خمسة أجزاء خاصة بمذكراته، يقول: في هذا الجزء الخامس من مذكراتي أستعرض ما عشته وما عرفته من خلال عملي بإيطاليا ومن بعدها عملي  بالجزائر،  أبدأ بالتطرق إلى اجتماعي الأول في منظمة التغذية والزراعة “الفاو”، فمتابعتي لأنشطتها، فمشاركتي في اجتماع رؤساء البعثات الدبلوماسية بروما، فمتابعتي لأنشطة دولة “الفاتيكان” والاتصال بالكاردينال “كابوتشي”، يلى ذلك  الحديث عن أحوال السفارة الجزائرية، وكيف تم الحصول على ترخيص للذبح الحلال في مدينة روما، مع ذكر قضية بناء المسجد هناك. بعد ذلك أستعرض مسائل حصرية، كمتابعتي لشؤون القضية الفلسطينية بروما، عمليات الاغتيال لفلسطينيين هناك، مع تطرقي الى شبكة “الموساد”  الاستخباراتية بروما وعملائها.

     يلى ذلك استعرضي للتعاون بين ليبيا وايطاليا، الإيطالي بائع المعدات الحربية الخاصة، الخدمات الجليلة للدكتور “منتور حمدي تشوكو”، الدبلوماسيين العرب بايطاليا، تتبع الأجهزة الإستخباراتية الإيطالية لمكالماتي الهاتفية، مع حديثي عن اكتشافي لطرق اختراق السفارة الجزائرية بروما.

    بعد ذلك أتحول الى الحديث عن المؤتمر الذى عقد في مقر البرلمان الإيطالي حول القضية الفلسطينية، فزيارة السيد فاروق القدومي لايطاليا، فزيارة السيد “محمد  صديق بن يحيى” الى ايطاليا  ومن بعدها قضية اسقاط الطائرة المقلة له وللوفد المرافق له،  فإسناد وزارة الخارجية إلى  وزير بعده  وبداية الانهيار والتخبط.

     يلى ذلك التحدث عن المدير الجديد لمكتب جامعة الدول العربية بروما، فجمعية الصداقة العربية الإيطالية، فمسألة زواج الدبلوماسيين من الأجنبيات وزرع الدول لعناصر تخدمها، ثم أكشف اللثام عن جاسوسة موظفة بمقر السفارة، فلقائي بوفد من ضباط عسكريين ووزارة الدفاع، مع الحديث عن طريقة عملي الديبلوماسي بإيطاليا واحتياطاتي المتخذة وتقديمى لنصائح حول طريقة العمل بايطاليا  وبمدينة روما بالضبط التي كتب عنها أمير الشعراء “أحمد شوقي”.

       أستعرض بعدها مسألة زيارة العقيد “عمر وعمران” لمدينة روما وقضية إعدام “عبان رمضان”، ثم الحديث عن محاولة اغتيال بابا الفاتيكان واجتماع مكتب جامعة الدول العربية بروما للتنديد بذلك، فلقاءاتي  ببعض السفراء.

     يلى ذلك التحول الى برقية نقلي الى الجزائر  في ظرف غير مناسب، أين تم تكليفي بمتابعة ملف منظمة العمل العربية، فتنقلي لحضور إجتماعها المنعقد “ببغداد”، فإفتتاح اجتماعات المنظمة العربية للعمل وآخر ملاقاة  لي مع الشهيد “صدام حسين” مع التطرق الى  رئاستي للوفد جزائري مع القائي كلمة, وزيارتي لصديقي اللواء “نصرة الدوري”.

        أتحول بعدها الى التحدث عن محاولات تعريب المراسلات الرسمية بوزارة الشؤون الخارجية، فمشاركتي في اجتماع تحضيري لجامعة الدول العربية بالقاهرة، فمشاركتي في دورة المنظمة العربية للتنمية الصناعية “ببغداد”، ولقائى  بالشهيد “خليل الوزير” هناك، وأخيرًا مشاركتي في مؤتمر وزراء الإسكان العرب بتونس وأحداث الثامن من أكتوبر 1988 بالجزائر وبداية  تخبط الأوضاع.

     يبقى في الأخير أن المجاهد (مشحود) يعتبر أن كتابة التاريخ الحديث أصعب من كتابة القديم منه، لأن الأمر يتعلق بأشخاص أحياء، حيث دعا إلى كتابة تاريخ الحركة الطلابية كما هو، مستشهدًا بجمعية الطلبة الجزائريين الزيتونيين التي يجهل تاريخ تأسيسها والتي كانت فيما بعد واجهة الحركة الوطنية، وترأسها الشاذلي المكي وعبد الحميد مهري، وكان المجاهد المتحدث مسؤولًا عن تنظيمها السري بحكم انتمائه للمنظمة السرية، ونفس الأمر بالنسبة لتاريخ سكيكدة خلال الحركة الوطنية، على غرار الملعب البلدي الذي دفن فيه أبناؤها أحياءً أو تحت الجرافات أو بالمقصلة.

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

أحمل شهادة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى شهادة الماستر في دراسات الأمنية الدولية من جامعة الجزائر و خلال دراستي، اكتسبت فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الرئيسية، ونظريات العلاقات الدولية، ودراسات الأمن والاستراتيجية، بالإضافة إلى الأدوات وأساليب البحث المستخدمة في هذا التخصص.

المقالات: 14914

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *