قلق طهران: لماذا يتواصل الهجوم الإيراني على الصين؟

قام نائب رئيس مجلس الدولة الصيني هو تشون هوا، في 13 ديسمبر 2022، بزيارة إيران؛ حيث التقى الرئيس إبراهيم رئيسي ونائب الرئيس محمد مخبر، ووقعت خلال الزيارة مذكرات تفاهم بشأن تطوير حقول النفط والغاز. وأشارت وسائل إعلام إيرانية، في اليوم نفسه، إلى أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانج ون بين قال إن “الصين تحترم دائماً السيادة الوطنية والسلامة الإقليمية لإيران وتدعم جهود طهران لتأمين مصالحها الأساسية”.

مع ذلك، لم تتوقف بعد الحملة القوية التي شنها مسؤولون إيرانيون ووسائل إعلام تابعة للنظام ضد الصين، والسياسة الخارجية التي تتبعها إزاء قضايا منطقة الشرق الأوسط، لا سيما القضايا التي ترتبط بمصالح إيران بشكل مباشر، على غرار الملف النووي، والعلاقات مع دول الجوار، بل إن بعض وسائل الإعلام الإيرانية أشارت إلى أن الصين لم تسع عبر الزيارة إلى “الاعتذار” وإنما إلى “التبرير”؛ أي شرح أسباب حضور الرئيس الصيني القمم الثلاث ودعم الصين لما جاء في بياناتها. وبدا لافتاً أن أئمة الجمعة في طهران وبعض المحافظات الأخرى حرصوا، في صلاة الجمعة في 16 ديسمبر 2022، على الانخراط في هذه الحملة؛ إذ قال خطيب جمعة طهران آية الله أحمد خاتمي إن “رئيس الصين توجه إلى السعودية، وفي هذه الزيارة تم اتخاذ مواقف غير صحيحة وقيل كلام غير ذي صلة حول الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة؛ لذلك على رئيس الصين أو أي شخص آخر أن يعلم أننا لا نجامل أي شخص في مجال وحدة أراضينا ونتعامل معه بحزم”.

تعدُّد الأسباب

يمكن القول إن الاستياء الإيراني من تماهي بكين مع البيانات الخليجية التي تؤكد سيادة الإمارات على الجزر الثلاث المحتلة، كان العنوان الأبرز للحملة الإيرانية القوية ضد الصين التي ما زالت مستمرة حتى الآن، لكن ذلك لا ينفي أن ثمة أسباباً أخرى يمكن أن تفسر هذه الحملة، يمكن تناولها على النحو التالي:

1- تداعيات سلبية لصفقة الغاز الصيني–القطري: لا تنفصل الحملة الحالية التي تشنها إيران ضد الصين عن الخطوة التي اتخذت في 21 نوفمبر 2022، بتوقيع اتفاقية بين مؤسسة “قطر للطاقة” (الحكومية) وشركة سينوبك الصينية (الحكومية)، لمدة 27 عاماً، تقضي بمد الأخيرة بالغاز الطبيعي المسال عبر حقل الشمال الشرقي، وتعد الأطول من نوعها في تاريخ صفقات الغاز الطبيعي المسال حتى الآن. هنا، باتت إيران تعتبر أن أهميتها الاستراتيجية تراجعت لدى الصين، وأن الأخيرة لن تتوانى في تطوير علاقاتها الثنائية مع المنافسين الرئيسيين لإيران في مجال الطاقة، خلال المرحلة القادمة، على نحو سوف يؤثر على مواقفها السياسية إزاء الملفات التي تحظى باهتمام مشترك من جانب هؤلاء المنافسين.

2- تراجُع أولوية اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين: يطرح هذا التوجه الصيني، في الرؤية الإيرانية، دلالة خطيرة تتمثل في تراجع أولوية اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي وقعت بين الطرفين في 27 مارس 2021، وأعلن عن بدء تنفيذها في 15 يناير 2022. وتعول إيران بشكل كبير على هذه الاتفاقية لتحقيق هدفين: أولهما تأكيد نجاحها في توسيع نطاق الخيارات المتاحة أمامها على الساحة الدولية في ظل الخلافات المستمرة والمتصاعدة مع الدول الغربية حول الملفات الرئيسية في المنطقة. وثانيهما الإشارة إلى قدرتها على التعايش مع العقوبات الأمريكية التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منذ 7 أغسطس 2018 عقب إعلانه الانسحاب من الاتفاق النووي في 8 مايو من العام نفسه. وهنا، فإن حضور الرئيس الصيني القمم الثلاث، وما خرج عنها من بيانات مناوئة لسياسات إيران ومواقفها إزاء بعض القضايا، فضلاً عن توقيع اتفاقية الغاز مع قطر؛ كل ذلك يوحي لإيران أن الصين لم تعُد تمنح أهمية استراتيجية كبيرة للاتفاقية الممتدة لـ 25 عاماّ بين الطرفين، وأنها تسعى إلى تعزيز البدائل المتاحة أمامها وعدم الاعتماد فقط على إيران كمصدر أساسي للطاقة.

3- شكوك حول تغيُّر الحسابات الخارجية لبكين: بدأت اتجاهات عديدة في إيران تشير إلى أن تأييد الصين للبيانات التي خرجت عن القمم الثلاث في الرياض يعكس تحولاً في السياسة الخارجية الصينية، خاصة في ظل التغيرات التي طرأت على الساحة الدولية في العام الحالي. ووفقاً لذلك، فإن الصين قد تكون بدأت تعتبر أن دولاً مثل روسيا وإيران تتبنى سياسات تقوض الاستقرار العالمي، وهو ما يتناقض مع المصالح الصينية التي تسعى إلى دعم الاستقرار العالمي في ظل المقاربة التي تتبعها وتقوم على أن الاستقرار هو السبيل الأمثل لحماية المصالح الصينية حتى في ظل الخلافات العالقة مع الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى ضوء ذلك، لا تستبعد تلك الاتجاهات أن تبدأ الصين في اتخاذ خطوات أخرى تعكس هذا التحول وتوجه رسائل مناوئة لسياسات إيران في المنطقة والعالم.

4- رفض إيران التحول إلى ورقة مساومة في يد الصين: لا تستبعد إيران أن تكون الصين قد أمعنت في تحويل العلاقات القوية بين الطرفين إلى ورقة مساومة في إدارة خلافاتها مع الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية. وفي رؤيتها، فإن الصين أمعنت في استخدام هذه الورقة خلال المرحلة الماضية عندما تصاعدت حدة التوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية بسبب الملف التايواني. ويعني ذلك في كل الأحوال أن عدم استقرار مستوى العلاقات بين طهران وبكين سوف يكون سمة بارزة خلال المرحلة القادمة، خاصة مع صعود وهبوط منحنى التوتر مع واشنطن حول ملف تايوان.

نوايا “الحلفاء”

على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن القلق من نوايا “الحلفاء” – هذا إذا جاز وصف العلاقات بين إيران وكل من الصين وروسيا بأنها علاقات تحالف – لم يعد ينحصر في روسيا فقط، التي حاولت قبل ذلك استغلال موقعها في المفاوضات النووية لخدمة مصالحها في الملف الأوكراني، وإنما بات يمتد إلى الصين أيضاً التي بدأت تتحرك لتطوير علاقاتها بشكل قوي مع منافسي وخصوم إيران. ومع ذلك، لا يمكن القول إن التعاون بين الصين وإيران سوف يتضرر بشكل كبير، بل يمكن القول إن التطورات الأخيرة ساهمت فقط في تزايد قلق إيران من تراجع أهميتها في الاستراتيجية الصينية. ومن هنا، لا يمكن استبعاد أن تتجه الأخيرة إلى اتخاذ مزيد من الخطوات الإجرائية لطمأنة طهران إزاء التحولات الملحوظة في سياستها الخارجية، دون أن يدفع ذلك إيران إلى استبعاد المقاربة الجديدة التي بدأت تظهر وتضفي وجاهة خاصة على عدم الاعتماد كلية على كل من الصين وروسيا.

ففي النهاية، فإن للدولتين أجندة وحسابات ومصالح ليس بالضرورة أن تكون متطابقة مع الحسابات والمصالح الإيرانية، بل إنها في بعض الأحيان قد تفرض تداعيات سلبية عديدة على تلك المصالح. ولذا فمن المتوقع أن تتجه إيران بدورها إلى محاولة توجيه رسائل مضادة إلى الصين، عبر تطوير علاقاتها مع خصوم الأخيرة، ولا سيما الهند، التي ما زالت تُبدي اهتماماً خاصاً حتى الآن بتطوير علاقاتها مع إيران لاعتبارات استراتيجية واقتصادية عديدة.


Ahmed Abdel-Alim – إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

أحمل شهادة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى شهادة الماستر في دراسات الأمنية الدولية من جامعة الجزائر و خلال دراستي، اكتسبت فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الرئيسية، ونظريات العلاقات الدولية، ودراسات الأمن والاستراتيجية، بالإضافة إلى الأدوات وأساليب البحث المستخدمة في هذا التخصص.

المقالات: 14918

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *