تعد الجغرافية السياسية واحدة من الموضوعات الشائكة في الدراسات الجغرافية. لكونها تحتاج إلى ربط وتحليل تفاعلات بشرية سريعة الإيقاع الاتجاهات السياسية الداخلية والخارجية والأحداث العسكرية مع العوامل الجغرافية شبه الثاينة.
كما يوجد اختلاف كبير بين منطلق الدراسة في الجغرافية السياسية وبين منطلقه في الدراسات الجغرافية عامة، بما في ذلك فروع الجغرافية البشرية والاقتصادية. فالإقليم وحدة الدراسة في الفروع الجغرافية، وأما في الجغرافية السياسية فإن وحدة الدراسة هي الدولة، وهي في حد ذاتها اصطناع بشري يتأثر بالتغيرات السريعة الداخلية والخارجية.
وتعني لفظة الدولة : السلطة الفعالة والمحمية والمنظمة، وتدل على أن الدولة نوع من التنظيم الاجتماعي الذي يضمن أمنه وأمن رعاياه من الأخطار الخارجية أو الداخلية، وهو يتمتع لهذا الغرض بقوة مسلحة وبعدة أجهزة للإكراه والردع. ولا توجد دولة بلا درجة عالية من الانسجام الاجتماعي والتنظيم التسلسلي اللذين يسمحان للحكومة بإشعاع سلطتها وتنفيذ رغباتها.
ومن هذا يتضح أن محور الجغرافية السياسية هي الدولة وأن الدولة أو الوحدة السياسية هي: عبارة عن رقعة من الأرض موحدة ومنظمة سياسية ومسكونة من قبل سكان أصليين لها حكومة وطنية ذات سيادة على جميع أطراف الدولة، ولديها القوة الكافية لحماية سيادتهاء وهناك عوامل رئيسية لقيام الدولة، ولا يمكن أن يطلق عليها مصطلح دولة إذا لم تكن مستكملة لهذه الشروط. وهذه العوامل هي :
– رقعة من الأرض محددة بحدود موضحة ومعترف بها، إذ پستحيل قيام دولة لمدة طويلة دون أن يكون لها مكان من الأرض تمارس عليه سيادتها وتمنع كل قوة أجنبية من التعدي على أراضيها . 2- وجود شعب أو سكان أصليين يعيشون على تلك الأرض عيشة دائمة، على أن توجد بينهم روابط قوية تجعل منهم وحدة سياسية متماسكة. هذه الروابط تاريخية أو قومية أو لغوية أو أهداف ومصالح مشتركة. فالشعور الذي يسود بينهم هو أنهم يتفقون في أحد هذه الروابط يندفعون إلى الاتحاد والعيش سوية على أرض واحدة 3- التنظيم السياسي والذي بواسطته تمارس الدولة وظيفتها داخل وخارج حدودها السياسية، وهذا التنظيم لا يتم إلا بواسطة شخص أو أشخاص تكون وظيفتهم الرئيسية رسم سياسة الدولة الداخلية والخارجية، باتخاذ القرارات اللازمة والتي يراعى فيها الخير ورفاهية الشعب. وتكون مسؤولة عن الانتفاع بموارد البلاد وتتولى حماية الشعب والوطن من الغزو الخارجي 4. خلو الدولة من الالتزامات الخارجية التي لها مساس بسيادتها، حيث أن جوهر الدولة هو الاستقلال الذاتي وحكم الشعب نفسه بنفسه وأن السيادة التامة من قبل الحكومة على جميع أطراف البلاد أمر لا بد منه . د. أن يكون لدى الدولة القوة الكافية لحماية الشعب. فعدم وجود مثل تلك القوة التي تساعدها على توفير الأمن الداخلي وحماية الأمن القومي من الغزو الخارجي، يجعل الدولة في حالة عدم استقرار أمام القوى المعارضة الوحدة البلاد من الداخل والخارج.
ومما تقدم يمكننا أن تعطي تعريفة الجغرافية السياسية ونقول كما عرفها (هارنشورن Hartshofne) بأنها:
التحليل القوة بهدف تحديد الوزن السياسي للدولة بكل ما يعني هذا وما يفترض من تحليل لتركيبها وتكوينها وخصائصها ومعطياتهاء طبيعية وبشرية، من حيث الموارد والإنتاج والمشكلات والعقبات . وكذلك أهدافها ومثلها، أي كل ما يؤثر في قوتها ويسهم أو يحد من ثقلها . ويرد تحديد آخر لمفهوم الجغرافية السياسية يتقارب أو ينفق إلى درجة كبيرة مع التعريف السابق وهو:
إن الجغرافية السياسية تهتم بالتباينات المساحية للظاهرات السياسية وتعطي اهتماما خاصا للمساحات التي تنتظم سياسية في وحدات ذات حدود وتبحث في مقوماتها والعوامل التي ساعدت على قيامها، والهدف من وجودها، ولعل أهم صفات التباين بين الدول والوحدات السياسية المختلفة، هو التباين القائم على تقييم قوة الدولة ومكانتها السياسية (3)
أما در کلاس Douglas فقد عرف الجغرافية السياسية بقوله:
او الجغرافية السياسية حينما تركز على دراسة الدولة فإنها تهتم أساسا بالطبيعة الجغرافية وسياستها Policy واستراتيجيتها القومية National Strategy (وهذه الاستراتيجية ترتبط بالأمن القومي لتلك الدولة الذي تعمل على تحقيقه) ثم قوتها. فالدولة تقوم النحقق وظيفة هي غالبا ما تترجم على أنها رغبة أمة لإثبات هويتها أو شخصيتها السياسية في مساحة الأرض التي تعيش فوقها ».
كما يعرفها جاكسون بأنها: دراسة الظاهرات السياسية في إطارها المكانية سواء كان متضمنة تحليل الحدود السياسية، والأنماط الجغرافية الناجمة عن تطبيق سلطة الحكومة، أم مدى استقرار الوحدات السياسية الجديدة (5).